تاريخ النشر2011 9 November ساعة 19:30
رقم : 70559
المفكر العربي فواز طرابلسي

ضرب إيران وضروب الابتزاز

تنا - بيروت
ضرب إيران وضروب الابتزاز
لا يتوقع كثيرون من تقرير وكالة الدولية للطاقة الذرية حول ايران، الذي يعلن رسمياً اليوم ان يحوي جديدا يقنع. جل ما فيه، مما قد سرّبته المصادر الاميركية اصلا، ادلة على وجود موقع نووي ايراني يظن ان له «ابعادا عسكرية ممكنة» في منطقة «بارشين»، وهو موقع سبق لخبراء الوكالة الدولية للطاقة الذرية ان فتشوه. ولم يتردد عدد من الخبراء في تشبيه هذا «الدليل» بالادلة التي زعم كولن باول ذات مرة انها تؤكد وجود اسلحة دمار شامل في العراق. اضف الى هذا الشك المسبق بالتقرير الصادر عن وكالة مديرها يوكايا امانو المعروف بعلاقاته الوثيقة بالولايات المتحدة - كما كشفتها تقارير ويكيليكس.
السؤال الذي تثيره التصريحات الحربية لقادة اسرائيل ضد ايران في الآونة الاخيرة ليس هو ما اذا كانوا سينفذون تهديدهم ومتى، بقدر ما هو: لماذا رفع وتيرة التهديد العسكري في الآونة الاخيرة بعد فترة من الهمود؟
الجواب اميركيا هو السعي لحرمان ايران من استغلال الفراغ الناشئ عن الانسحاب الاميركي من العراق لتوسيع نفوذها الاقليمي وخصوصا في العراق والخليج. وليس مستغربا ان يتحين بنيامين نتنياهو تلك اللحظة وهو الذي اعلن مرارا ان الانسحاب الاميركي من العراق يشكل تهديدا لامن اسرائيل. ومن منظار امن اسرائيل تحديدا، لدى الثنائي نتنياهو ـ باراك كل الاسباب الموجبة لاعادة التصويب على ايران نظرا لتطورات واغراض تتعدى الموضوع العراقي. فمنها صرف النظر عن الحركات الاجتماعية الداخلية العارمة وقد بلغت مستوى غير مسبوق من الاتساع والحدة وشوّشت على فزاعة الامن التي تسير وتبرر كل سياسات المؤسسة الصهيونية الحاكمة. ومنها ايضا اهمية التدخل في حملة الانتخابات الرئاسية الاميركية حيث المباراة بين اوباما وخصومه من مرشحي الحزب الجمهوري محتدمة حول تلاوة افعال الايمان بما يسمّى التزام الولايات المتحدة بضمان «التفوق العسكري النوعي» لاسرائيل (ناهيك عن تخصيص ثلاثة اخماس اجمالي المساعدات الدولية الاميركية لتل ابيب).
لكن في طليعة الاهتمام بالتصويب على ايران السعي لاستعادة الثابت في السياسة الليكودية وهو استبدال الاعداء، بتحوير العداء العربي من عداء للدولة الصهيونية الى عداء للجمهورية الاسلامية الايرانية، وهي سياسة ادت نتائج مرجوة في التطبيع مع انظمة النفط الخليجية. وها هي الآن، في زمن الثورات العربية، تواكب رؤية سائدة في السعودية والخليج تريدنا ان نرى شبح «التدخل الايراني» يلوح وراء ثورات شعب البحرين ضد دكتاتورية آل خليفة والشعب اليمني ضد دكتاتورية علي عبد الله صالح.
وعلى المستوى نفسه من الاهمية يقع العمل على اغراق كل موضوع المفاوضات مع السلطة الوطنية الفلسطينية، خصوصا وقد تشجعت اسرائيل بنوع رد الفعل الهستيري الاميركي على منظمة الاونسكو عقابا على قبولها السلطة الفلسطينية عضوا كاملا فيها. ولم يقتصر استغلال المناسبة على اعلان بناء الفي وحدة سكنية جديدة. تعداه الى ما بات يؤكد انتهاء اي بحث في مشروع التسوية في المنطقة. اية ادلة اضافية يجب ان تتوافر للحسم في هذا الموضوع؟ السيطرة المتزايدة للاحزاب الدينية والمستوطنين على الجيش الاسرائيلي ومنعه حتى من وقف اعمال بناء المستوطنات المصنفة «غير شرعية»؟ ام مطالبة وزير الخارجية ليبرمان بقطع العلاقات مع السلطة الوطنية الفلسطينية؟ وذلك بعد تحويل محمود عباس الى صنو لياسر عرفات - واخراجه من صفة «الشريك في عملية السلام»، ناهيك عن أبلسته، وكل ما «ارتكبه» الرجل انه توجه الى الامم المتحدة طلبا للاعتراف بدولة فلسطينية تعترف فيها اكثرية سكان المعمورة وتكرسها وثائق المؤسسة الدولية ذاتها؟ وهل نتحدث عن ظهور خرائط جديدة لاسرائيل تضم الضفة الغربية ضمن حدودها؟ ام عن يأس جايمس بيكر - في الذكرى العشرين لمؤتمر مدريد وهو مهندسه - من دور لاسرائيل وقادتها في عملية السلام وتوقعه اندلاع انتفاضة فلسطينية جديدة؟
لم تخض اسرائيل مرة حربا دون ضوء اخضر من الولايات المتحدة، اللهم الا في العدوان على لبنان صيف ٢٠٠٦ عندما كان قرار الحرب اميركيا والتنفيذ اسرائيليا. وليس ما يدل على وجود قرار اميركي بصدد توجيه ضربة للمنشآت النووية الايرانية. ولعل السبب الرئيسي هو التشكك في جدوى النتائج قياسا الى كلفة المغامرة بجوانبها المتعددة. يجمع الخبراء العسكريون والامنيون، من خبراء وكالة الطاقة الذرية الى آخر مسؤول في اجهزة الاستخبارات الاسرائيلية، على ان الضربة العسكرية لن تؤدي الى اكثر من تأجيل البرنامج النووي لبضعة اشهر.
نتنياهو كذاب.
والتعبير لساركوزي في حوار مع اوباما زايد فيه الاخير بالشكوى من الاضطرار الى التعاطي اليومي مع رئيس الوزراء الاسرائيلي ... الكذاب. وذلك بشهادة عدد من الصحافيين انصتوا الى حديث الرئيسين نتيجة خطأ ارتكبه منظمو اجتماع الـ «ج ٢٠» في باريس. شهد شاهدان من اهله. وايهود باراك كذاب. كلاهما يسعى الى الابتزاز باسم التهديد العسكري حيثما يجد مجالا للابتزاز ومهما تباعدت الساحات. يعرف نتنياهو واوباما ان الولايات المتحدة ليست في وارد اجازة ضربة عسكرية او المساهمة فيها. وهما يدركان ان ما اورده تقرير وكالة الطاقة الذرية ليس مقنعا. بل انهما اكتشفا ان المبالغة في التهديد بعملية عسكرية ضد ايران خلق حالة من الذعر في صفوفهما قبل ان يخلقها في صفوف «العدو». من هنا مسارعة باراك الى نفي وجود قرار اسرائيلي بخوض عملية عسكرية ضد ايران. واخذ يبالغ في التطمين من حيث عدد الضحايا المحتملين لرد الفعل الصاروخي على اسرائيل. فأصرّ على العد التنازلي للارقام التي اوردتها اجهزة الاعلام الاسرائيلية من المئة الف الى الف وصولا الى ٥٠٠ ضحية. وإذا بوزير الدفاع يستبدل التهويل العسكري بالقتل «الرمزي» متمنيا فرض الامم المتحدة عقوبات يسميها «قاتلة» على ايران بما فيها وقف استيراد النفط.
مهما يكن من امر، فهل من مهزلة ـ مأساة اكبر بالنسبة للامم المتحدة ووكالتها الذرية وللرئيس اوباما وحلفائه، وهو من اعطى الاولوية في سياسته الخارجية لنزع السلاح النووي، وهل ما اكثر إهانة لممثلي الرأي العام العالمي، اذا ما كان له وجود، من ان تتولى الدولة النووية الوحيدة في المنطقة، المجهزة بما يزيد على ثلاثمئة رأس نووي، والتي تمعن في رفض التوقيع على المعاهدة الدولية لحظر السلاح النووي، التهديد بضرب المنشآت النووية لدولة لم يثبت بعد انها اكملت برنامجها النووي السلمي وباتت جاهزة اصلا لاستخدامه لاغراض عسكرية؟
اما بالنسبة للمنطقة فهذه عينة اضافية عن حقيقة ان الصراع العربي الاسرائيلي لا يختزله الصراع الاسرائيلي - الفلسطيني حول دولة او حقوق، على حيوية ذلك الصراع، ولا هو صراع «خارجي» يتولى بموجبه عرب غير فلسطينيين دعم «اشقائهم» من قبيل النخوة او الكرم او الفزعة القومية. هو صراع مع دولة محتلة لفلسطين هي آخر دول الاحتلال الاستيطاني في عالمنا وهو صراع معها بما هي فصيل مسلح في منظومة الامن الامبراطورية، فصيل يرهن منطقة من مئات الملايين من البشر لارهاب «امن اسرائيل» ويعيش على الحرب (والصناعة الحربية) وعلى تنفيذ المهام العسكرية المطلوبة خصوصا عندما ينجح في فرض التطابق بين مصالحه ومصالح المتربعين على رأس الامبراطورية. هكذا ترتهن حياة اكثر من ثلاثمئة مليون من البشر لخدمة التعريف الاسرائيلي، اي الليكودي - الليبرماني، للالتزام الغربي والدولي «بالتفوق العسكري النوعي» الاسرائيلي وبالتعريف الاسرائيلي لما «يهدد امن اسرائيل».
واسرائيل لذلك تحديدا خطر دائم على امن كل شعوب المنطقة وسيادتها واستقلالها ومستقبلها. وليست المسألة انها لا تحمل مشروع سلام، ليست المسألة انها لا تحمل مشروع تسوية او تحمل مشروع تسوية لا يحقق الحد الادنى من الحقوق الفلسطينية والعربية.
المسألة ان اسرائيل ليست تملك غير مشروع الحرب الدائمة.
https://taghribnews.com/vdchwmnq.23nvmdt4t2.html
المصدر : السفير
الإسم الثلاثي
البريد الإلكتروني
أدخل الرمز