تاريخ النشر2025 4 November ساعة 15:12
رقم : 697483
جواد ارشادی*

السلاح لا يُسَلَّم لأنه صار ذاكرة الدمّ والكرامة

تنـا - خاص
السلاح لدى فصائل المقاومة، ليس مجرد أداة حرب، وانما رمز للتحدي، ودليل على استمرار الإرادة، ومستند حي للحق في الدفاع عن الأرض.. انه ملك لدماء الشهداء، ولعزيمة الأمهات، ولأطفال وُلدوا في الظلام فصنعوا من القنابل شموعاً.
السلاح لا يُسَلَّم لأنه صار ذاكرة الدمّ والكرامة
عندما يُطرَح موضوع "نـزع السلاح"، يُرسم مشهدٌ لنظامٍ مفروضٍ لا يحق فيه امتلاك السلاح إلا لصوتٍ واحدٍ فقط. وثيقة من الاتحاد الأوروبي، خطة من البيت الأبيض، وسيناريوهات من عقلية استراتيجيي الاحتلال، كلها تدور حول محور هدف واحد؛ "نزع سلاح المقاومة" لكن هذا المطلب يخفي خلف ستار الدبلوماسية وفرض الأمن، خطوطاً عميقة لصراع وجودي غير متكافئ.

من منظورٍ واحد، يبدو هذا النهج منطقياً وأمنياً ورسمياً، فـ "إسرائيل" التي ترى في نزع سلاح جماعات مثل "حماس" هدفاً استراتيجياً للحرب، ترى أن بقاء السلاح في أيدي هذه الجماعات يعني فشلاً كبيراً وتهديداً دائماً.

السيناريوهات الثلاثة التي ترسمها العقلية الصهيونية - من تقسيم غزة إلى حكم مدني من دون السلاح - تكشف عن خوفٍ عميق من قوة قادرة على قلب معادلات الاحتلال. ومن وجهة نظر واشنطن
وحلفائها، يعد نزع السلاح شرطاً مسبقاً للاستقرار - كما هم يعرّفونه - وأساساً لحكم جديد لا مكان فيه لحركات المقاومة؛ في هذه النظرة، السلاح مجرد أداة عسكرية يجب أن يكون احتكاراً لحكومة توافق عليها واشنطن وحلفائها.

لكن من منظورٍ آخر، منظور المقاومة والشعب الذي عاش قروناً من الاحتلال والتشريد، هذا الطلب هو أكثر من مجرد مطلب أمني؛ إنه اعتداء على حق الوجود والدفاع عن النفس. عندما يطلب دونالد ترامب نزع السلاح السريع بلغة التهديد، بينما يصمت أمام مقتل عشرات الآلاف من الفلسطينيين، تكون الرسالة واضحة : عنف المحتل مشروع، لكن المقاومة ضده غير مقبولة. هذه الازدواجية نفسها دليل على أن "نزع السلاح" في هذا السياق، لم يكن أبداً عملية تقنية محايدة.

السلاح عند فصائل المقاومة، ليس مجرد أداة حرب، وانما رمز للتحدي، ودليل على استمرار الإرادة، ومستند حي للحق في الدفاع عن الأرض، كما يكتب الکاتب الاردنی "حلمي الأسمر" بشكلٍ دقيق، ان سلاح غزة اليوم أصبح "المعادل الموضوعي لكرامة الفلسطيني". هذا السلاح لا ينتمي إلى تنظيم بعينه؛ إنه "ملك لدماء الشهداء، ولعزيمة الأمهات، ولأطفال وُلدوا في الظلام فصنعوا من القنابل شموعاً". تسليمه يعني تسليم الذاكرة الجمعية، والتخلي عن حلم العودة، وتسليم الحق في تقرير المصير لمحتلّ لم يلتزم أبداً بوعوده.

لكن لماذا لا يوجد ضمان للأمن بعد نزع السلاح؟ يجب البحث عن الإجابة في جوهر مشروع الاحتلال؛ لقد أظهر التاريخ أن المحتل لا يعمل على أساس
شرعية أو عدم شرعية سلاح الطرف الآخر، بل بناءً على شهيته التي لا تشبع للتوسع. حتى لو كان السلاح حكراً على حكومة مركزية توافق عليها الغرب - كما نرى في سوريا - فإن "إسرائيل" ستواصل هجماتها تحت ذرائع أمنية. والسبب واضح : ما يؤرق المحتل هو وجود أي مركز للقوة العسكرية - ولو كان طيعاً - في جواره، يمكن أن يتحدى حلم "إسرائيل الكبرى".

التجربة المريرة لياسر عرفات في بيروت، الذي سلّم سلاحه املا بالحفاظ على "رأس الثورة" وخسر "الوطن" في النهاية، هي درسٌ لا يُنسى. في المقابل، وصلت غزة اليوم إلى قناعة بأن "الحفاظ على الوطن" - حتى لو كان الثمن فقدان الرأس - هو الأكثر قيمة. في عالم لا تظهر فيه القوى العظمى، الصديقة "لإسرائيل"، أي رد فعل مناسب حتى أمام الإبادة الجماعية، بينما تتسارع إلى طاولة المفاوضات لنزع سلاح المقاومة، لا يمكن استقبال سوى رسالة واحدة : سلاح المقاومة مهم ومهدد إلى هذه الدرجة.

لذا، فإن نزع السلاح في هذه الجغرافيا بالذات، ليس مقدمة للتنمية والإعمار، بل هو بوابة للاستعباد والطاعة العمياء؛ الأمن الحقيقي لا يتحقق من خلال نزع سلاح أمة مستعبدة، بل من خلال إنهاء الاحتلال واستعادة الحقوق المهضومة. طالما ظل احتلال الأرض قائماً، سينظر أهلها - للحفاظ على حياتهم وكرامتهم ومستقبلهم - إلى السلاح كالضامن الموضوعي الوحيد للبقاء. وهذه ليست خياراً، بل ضرورة مأساوية في العالم الواقعي.
https://taghribnews.com/vdcg7u93wak9yt4.,rra.html
الإسم الثلاثي
البريد الإلكتروني