تاريخ النشر2022 23 May ساعة 09:40
رقم : 550630
المجمع العالمي للتقریب بین المذاهب الإسلامیة - الشؤون الدولية

حديث التقريب : إفرازات التخلف الحضاري

تنا
حديث التقريب : المجمع العالمي للتقريب بين المذاهب قد وضع في أولويات اهتماماته مسألة السعي لبناء الحضارة الإسلامية الحديثة باعتبارها المقدمة اللازمة لاستعادة وحدة أمتنا وعزتها وكرامتها.
حديث التقريب :  إفرازات التخلف الحضاري

حديث التقريب
 
إفرازات التخلف الحضاري


 الحديث عن إفرازات التخلف الحضاري، هو كما ذكرنا، الحديث عن الحالة النفسية للإنسان الذليل والحالة الاجتماعية للمجتمع الذليل، وهذه الإفرازات أو الأعراض أُجملها فيما يلي:

1ـ فقدان قيمة الإنسان: حالة الذل تخلق عقدة الحقارة في نفس الإنسان، والحقارة هي أن لا يرى لنفسه وزنًا ولا قيمة.. ومن الطبيعي أن لا يرى للآخر الذي يعيش في مجتمعه قيمة. ولذلك تنعدم أخلاق الاحترام وحفظ الحقوق في مثل هذا المجتمع، ويصبح الإنسان أرخص شيء فيه، وتُهدر كرامته لأتفه الأسباب.

2- الروح العدوانية التسلطية:  الذل لا يستطيع أن يقضى على فطرة العزّة أو التيموس في نفس الإنسان، بل يمسخها، وكل العوامل للمضادة للفطرة السليمة لا تقضي عليها بل تضلّل طريقها وتغيّر معالمها. من هنا فإن الإنسان المقهور يطلب العزّة ولكنه يطلبها في العدوان على من هو أضعف منه، ولذلك نرى طغيان روح الدكتاتورية في كل أطر هذا المجتمع، السياسية منها، والعائلية، والثقافية، والاقتصادية.

3- الذوبان والتماهي في القوى المسيطرة: وفي مقابل الروح العدوانية للقوي تجاه الضعيف، يتخذ الضعيف موقف العبودية تجاه القوي، يشعر أمامه بالصغر ويودّ أن يقيم له فروض الطاعة، ويستسلم لأوامره، وقد يرتكب أبشع أنواع الجرائم وأفظع ألوان الخيانات من أجل استرضائه.

4- قصور الفكر المنهجي: الإنسان المقهور يفقد قدرة التفكير الشمولي المنطقي القائم على منهج علمي، وتصبح تحليلاته للأمور فجّة وناقصة، وتكون مواقفه القائمة على أساس تلك التحليلات مواقف مهزوزه لا تصبّ في مصلحته ولا تتجه نحو مقصد واضح. يشير الكواكبي إلى هذه الحالة فيقول:

«ليس من شأن الشرقي أن يسير مع الغربي في طريق واحدة، فلا تطاوعه طباعه على استباحة ما يستحسنه الغربي، وإن تكلف تقليده في أمر فلا يحسن التقليد، وإن أحسنه فلا يثبت، وإن ثبت فلا يعرف استثماره، حتى لو سقطت الثمرة في كفه تمنى لو قفزت على فمه!.. فالشرقي مثلا يهتم في شأن ظالمه إلى أن يزول عنه ظلمه، ثم لا يفكر فيمن يخلفه ولا يراقبه، فيقع في الظلم ثانية، فيعيد الكرة ويعود الظلم إلى ما لا نهاية. وكأولئك الباطنية في الإسلام: فتكوا بمئات الأمراء على غير طائل، كأنهم لم يسمعوا بالحكمة النبوية: «لا يلدغ المرء من جحر مرتين»، ولا بالحكمة القرآنية: )إن  الله يحبُّ المتّقين( أما الغربي إذا أخذ على يد ظالمه فلا يفلته حتى يشلّها، بل حتى يقطعها ويكوي مقطعها».

5- الانفعال والتأرجح بين الإفراط والتفريط: قد يندرج هذا العارض ضمن فقدان الفكر المنهجي ولكنه لبروزه أكثر وأهميته أضعه في عنوان مستقل، فالانفعال يعني عدم مواجهة الواقع بخطة فاعلة، بل الانجراف في أحداث الواقع لتفعل به ما تشاء. وتجاه هذا الانجراف أو الانفعال يتخذ أحد موقفين إما الإفراط أو التفريط..
إما أن يتشدّد أكثر مما ينبغي أو يتراخى أكثر مما ينبغي، وفي كلا الحالتين لا يستطيع أن يحافظ على الوسطية، وعلى التعادل، ويبقى متأرجحًا كشعرة في مهبّ الريح.

6- سيطرة الخرافات: حين لا يستطيع الإنسان المقهور أن يتجه نحو فهم الأسباب الحقيقية لواقعه المؤلم، يتجه إلى الخرافات ليرجع مظاهر قهره وتخلفه إلى أسباب غيبيّة، وفي السِيَر الشعبية التي ظهرت في عصور الانحطاط. وفي العقائد الجبرية التي سادت في ظروف الإذلال خير مثال على سيطرة الخرافات التي تتخذ مع الأسف أحيانًا طابعًا دينيًا.
وفي هذا الصدد يصف الكواكبي أسير الاستبداد، وهو المصاب بداء الذل والتخلف الحضاري فيقول:

«إن أخوف ما يخافه الأسير هو أن يظهر عليه أثر نعمة الله في الجسم أو المال، فتصبيه عين الجواسيس (وهذا أصل عقيدة إصابة العين)! أو أن يظهر له شأن في علم أو جاه أو نعمة مهمة، فيسعى به حاسدوه إلى المستبد (وهذا أصل شر الحسد الذي يتعوذ منه)! وقد يتحيل الأسير على حفظ ماله الذي لا يمكنه إخفاؤه كالزوجة الجميلة، أو الدابة الثمينة، أو الدار الكبيرة، فيحميها بإسناد الشؤم، وهذا أصل التشاؤم بالأقدام والنواصي والأعتاب».

7- غياب الأهداف البعيدة: الإنسان العزيز هو الإنسان الحيّ ومن مظاهر الحياة التطلّع إلى المستقبل، والذليل يفقد النظرة المستقبلية ولا يستطيع أن يتجاوز واقعه. بل إنه يقدّس هذا الواقع، ويرى في كل تطوير تهديدًا لوجوده وكيانه: ( إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِم مُّهْتَدُونَ ).

8- التمزّق الاجتماعي: ظاهرة التمزّق حالة طبيعيّة لغياب الهدف الذي يجمع الأمة، إذ يكون هدف كل فرد في المجتمع المقهور ذاتياته وأهواءه. والذاتيات الفردية لا تلتقي غالبًا، بل تتصارع المصالح الفردية في حالة غياب المصالح الاجتماعية.
أضف إلى ذلك فإن دافع حبّ الاعتراف تدفع المقهورين للانضمام إلى جماعات لا هدف لها سوى تحقيق الذاتيات أيضًا، غير أن هذه الجماعات إما أن تحمل عنوان قبيلة أو عشيرة، أو تتخذ صفة حزب وجماعة هي _ وإن حملت شعارات قومية أو وطنية ـ لكنها في الواقع عشائرية محضة. ثم إنك ترى داخل هذه الجماعات نوعًا من الارتباط، غير أنه ظاهري لأن كل فرد يعيش همومه الذاتية: ( تَحْسَبهُمْ جَمِيعًا وَقلُوبهُمْ شَتَّى ).

9- الانكفاء على الذات: الذاتية المستفحلة في الفرد المقهور والمجتمع المقهور لا تخلق حالة الانفتاح على الآخر، بل تجعل نظره قاصرًا على نفسه ومحيطه، فيرى نفسه محور الكون ويرى قريته ما بعدها قرية.
الخطاب الصادر عن المجتمع المقهور يتحدث مع نفسه لا مع الآخر، لأنه لا يعرف الآخر، والتعصّب ينتح عن هذا الانكفاء، لأن المتعصّب لا يتحرّى الصحة، بل ينشد ذاتيته ويطلب الانتصار على الرأي الآخر بشتى أنواع المغالطات والمكابرات.

10- تكريس الذاتية: وإذا كان الانكفاء على الذات يحول دون الانفتاح على الآخر، فإن تكريس الذاتية تجعل الفرد في كل المجالات لا يفكّر إلاّ بمصالحه الذاتية حتى في موقفه من أقرب الناس إليه. لذلك قلّ أن تجد عند المقهورين مشاريع عامة، وقلّ أن تجد خططًا ناجحة للتنمية الاجتماعية والاقتصادية، وقلّ أن تعثر على ابتكارات واختراعات لأن كل ذلك يحتاج إلى تجاوز الذات والتفكير في المصحة العامة.

11- استفحال الشهوات: الإنسان طبعًا له شهوات، ومن الطبيعي أن يكون جزء من وقته مخصصًا لتلبية حاجة هذه الشهوات، ولكن الإنسان الذليل تستعر عنده الشهوات حتى تستوعب كلّ تفكيره ومشاريعه. وللإحساس بالكرامة ارتباط مباشر بانخفاض ضغط الشهوات. وفي النصوص الدينية: «من كرمت عليه نفسه هانت عليه شهواته.

ويرى الكواكبي أن «الأسير» (وهو تعبيره عن المتخلف) لا يعرف من اللذات سوى اللذات البهيمية يقول:
«وهذه الحال تجعل الأسير لا يذوق في الكون لذة نعيم، غير بعض الملذّات البهيمية. بناء عليه، يكون شديد الحرص على حياته الحيوانية وإن كانت تعيسة، وكيف لا يحرص عليها وهو لا يعرف غيرها؟! أين هو من الحياة الأدبية؟! أين هو من الحياة الاجتماعية؟! أما الأحرار فتكون منزلة حياتهم الحيوانية عندهم بعد مراتب عديدة، ولا يعرف ذلك إلا من كان منهم، أو كشف عن بصيرته».

12- انسداد منافذ المعرفة: استفحال الذاتية وتضخّمها يجعلها طاغوتًا يقف سدًا أمام الحركة التكاملية نحو الله، ويسدّ منافذ المعرفة، ويحول دون «الاستماع» ودون قدرة انتخاب الأحسن مما يسمع.

وإلى ذلك تشير الآية الكريمة:
" وَالَّذِينَ اجْتنبُوا الطَّاغُوتَ أَن يعْبُدُوهَا وَأَنَابُوا إلى اللَّهِ لَهُمُ الْبُشْرَى  :
فبَشِّرْ عِبَادِ، الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فيتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُوْلَئِكَ هُمْ أُوْلُوا الأَلْبَابِ".
وفي هذه الحالة ينعدم الحوار، لأن الحوار يتطلب قولاً واستماعًا، وإذا انسدت منافذ الاستماع لا يبقى إلاّ القول. حتى في المناظرات. الجانبان يقولان ولا يستمعان. أحدهما يقول بلسانه، والثاني يقول مع نفسه ليردّ على الآخر.
من هنا فإن المجمع العالمي للتقريب بين المذاهب قد وضع في أولويات اهتماماته مسألة السعي لبناء الحضارة الإسلامية الحديثة باعتبارها المقدمة اللازمة لاستعادة وحدة أمتنا وعزتها وكرامتها.
 
 
 
                                المجمع العالمي للتقريب بين المذاهب الإسلامية
                                                        الشؤون الدولية
 
https://taghribnews.com/vdcipuawut1awq2.scct.html
الإسم الثلاثي
البريد الإلكتروني
أدخل الرمز