تاريخ النشر2021 19 August ساعة 11:49
رقم : 515715

لماذا خرج الإمام الحسين؟

تنا - خاص
لامام الحسين (ع) ثار ضد الحكم الاموي الذي قصد طمس المنهج المحمدي ، انتقاماً لمشركي بين امية من الرسول محمد (ص) . الامام الحسين ثار لمواجهة الانحراف عن العقيدة الاسلامية التي بدأها يزيد بن معاوية .
الشيخ عبد القادر يوسف ترنني 
الشيخ عبد القادر يوسف ترنني 
الشيخ عبد القادر يوسف ترنني 
1- كثيرة هي الأسئلة التي تطرح حول خروج الإمام الحسين والأسباب الدافعة إلى هذا الخروج، وكثيرة هي الإجابات السلبية أو الإيجابية التي تردّ على مثل هذه الأسئلة.
لكن قبل الإجابة عن هذا السؤال لا بد من أن نعرف معرفة يقينية بأن الإمام الحسين يمثل رسول الله تمثيلا لا ينفك عن تمثيل الرسول نفسه للرسالة التي بعثه الله تعالى بها، هذا التمثيل ليس الحسين هو الذي حدث عنه وأخبر به وأمر الناس بأن يتعرفوا إليه، وإنما رسول الله نفسه هو الذي حدث الناس عن ذلك يوم قال لهم: "حسين مني وأنا من حسين"؛ ما يؤكد على أن صاحب السنة الذي {وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى} هو الذي حدد مكانة الحسين الفصل.

ومن خلال معرفتنا بهذه المكانة نستطيع فهم مهمة الحسين، فإذا كان النبي مأمورا فإن الحسين مأمور، وإذا كان النبي مصلحا فالحسين مصلح، وإذا كان النبي متَّبَعا فالحسين مُتَّبَع... وبناء على ما سبق وباختصار شديد فإن نبينا صلوات ربي وسلاماته عليه وعلى آله هو الذي أرسله الله تعالى مصلحا للبشرية ولعقائدها ولمسيرتها، دالا على الله وعلى طريق الله؛ أما الإمام الحسين فكان في زمانه النائب عن رسول الله الممثل الوحيد للرسول وللرسالة، ولذا وجدناه خارجا على الحكم الظالم المتمادي في الضلال المغيِّر أحكام الله المبدِّل شرائعه، ولأن الحسين ينوب عن الرسول ويمثل الرسالة، فإنه لا يجوز بحال من الأحوال أن يرى المصلحُ الباطل ويسكت عنه، فكيف إذا كان المصلح رسولا أو نائبا عن رسول، إن أقل ما يمكن أن يفعله المصلح ساعتئذ أن يعمل على تغيير الواقع لئلا يظن الناس بأن الباطل أصل، ولئلا يكون مع الناس أدنى حجة تجعلهم يستسلمون للباطل الذي يهدف إلى تحريف الدين والعقيدة والفكر... وهذا بالفعل ما قام به الحسين، إلا أن المفارقة الكبيرة هي أن أرباب الحكم الأموي الظالم المتستر بالإسلام كان مستعدا لأن يفعل كل شيء متى قامت للحق قائمة ومتى رفع مصلح من المصلحين صوته ورأسه، فكيف إذا كان الحسين الذي قتل أبوه يوم بدر رؤوس المشركين من أجداد الحاكم الأموي يزيد وذوي قرباه، ما يعني أن يزيد الذي يحمل ذلك الإرث القديم كان يتمنى جاهدا لو استطاع الانتقام والأخذ بالثأر من محمد رسول الله وابن عمه علي بن أبي طالب وذريته الطاهرة...

الحسين – إذًا – أمامه مهمة نبوية خطيرة، ويزيد أمامه مهمة إبليسية ثأرية جاهلية صنمية قديمة، والحسين ينوب عن النبي، أما يزيد فينوب عن مشركي بدر وأصنامهم وجاهليتهم وظلمهم وعدوانهم... فالخطان متوازيان لا يلتقيان، خط الحق وخط الباطل، ومنهاج العدل ومنهاج الظلم، طريق الإيمان وطريق الكفر المتستر بالإسلام ليتمكن من الانتقام من هذا الإسلام...

ولقد حدث الإمام الحسن عن مهمته وسبب خروجه فقالها كلمة لا تزال تدوي في مسامع الدهر: "إنما خرجت من أجل الإصلاح في أمة جدي رسول الله ص..."؛ وإذا كان رسول الله الصادق الأمين فيما يقول، فإن الحسين من رسول الله لا يمكن أن يقول غير الصدق، فمن ادعى بأن الحسين إنما خرج طلبا للملك فقد كذَّب رسول الله من قبل أن يكذب الحسين، إذ كيف يقول النبي الأمين: "حسين مني وأنا من حسين"، ثم يقول الحسين شيئا لا يكون صادقا فيه؟؟! هذا هو عين الاستخفاف بالنبي وعدم التصديق بسنته ورسالته...!

هذه الإشكالية تجعلنا نقف على معرفة بسيطة لطبيعة الموقف الحسيني من الخروج على الظلم وعدم الاستكانة لقوى الاستكبار التي تعبث بمقدرات البلاد في العالم وتعمل ليلا نهارا على بث الفرقة والنزاعات بين الناس، وتنشر الفتن التي تدمر البلاد وتفتك بالعباد من دون أدنى شفقة ولا رحمة...

مهمة المصلح النبوي أن يظهر للناس الحق وأن يبث فيهم الوعي وأن يدلهم على طريق النجاة، وأن يعرفهم بأنهم أحرار أصلا من قبل أن يختاروا الدين، فكيف إذا اختاراوا الإسلام دينا ثم جاءهم الفاسق الفاجر القتال المجرم... ليحكمهم بإسلام ليس من الإسلام في شيء، وليجبرهم على الامتثال لأوامره التي لا علاقة لها بالإسلام لا من قريب ولا من بعيد... لقد ضحى الإمام الحسين بنفسه غير خائف ولا هياب على طريقة جده رسول الله  ليدل الناس على الطريق الحق والدين الحق وليكون دمه شعلة مضيئة أبد الدهر مهما تعاقب الظلم والظلام ومهما حكم الفجور الأرض ومهما استبد المجرمون بأهلها...
وإذا كان الحسين من رسول الله فلا بد من أن نتنبه إلى أن الحسين كما جاء في الروايات: "الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة"؛ فسيد الجنة لا يصل أحد إلا رضوان الله خالق الجنات لعباده المؤمنين إلا به، ولا تقرع أبواب الجنة إلا به، ولا يدخل أحد الجنة إلا بإذنه، كما أن سيد الدار لا يدخل أحد الدار إلا بإذنه (والإذن هنا قائم في الاتباع والسير على المنهج)... فكيف يكون سيد الجنات قد خرج لأمر غير نبيل أو تصرف بشكل غير لائق وغير جدير بكل تقدير وتعظيم واحترام؟؟؟
 
2- عندما نعرف الإمام الحسين نعرف كيف نستفيد من ثورته، ونعرف كيف نختار طريقه وطريقته، وندرك أن قوى الشر لن تدعنا نقيم شعائر الله وندل العباد على طريقه، ويتأكد لنا أن كل شعارات الحرية والإنسانية والعدالة التي يرفعها الظالمون في كل عصر لا تستطيع أن تتقبل الآخر لأنها لا تقيم وزنا للإنسان ولا لحقوقه، فها هي البلدان الإفريقية – على سبيل المثال لا الحصر- تعاني إلى اليوم المجاعات والفقر والحرمان والتخلف وهي التي تمتلك أكبر ثروات العالم من ذهب وألماس وبترول... كل هذه الثروات تقوم الدول الكبرى بسرقتها ونهبها من خلال تجهيل الشعوب وتفقيرها وقتلها بصراعات قبلية وعرقية ودينية... 

إن دول العالم القائم على القوة والتسلط والمدثر بشعارات حقوق الإنسان لن يقبل الآخر لا سيما إذا كان داعية إلى العدالة الحقيقية والدين الحق الذي به صلاح البلاد والعباد ونفي كل أشكال الظلم والاستعباد للخلق... وها نحن اليوم نسمع ونقرأ تقارير وتصريحات لأكبر المسؤولين الأمنيين والعسكريين غي هذه الدول وهم يشرحون خططهم الاستعمارية المتوحشة التي تحاصر البلدان وتفتك بها اقتصاديا واستشفائيا وماليا وعلى كل صعيد... لتقضي على الشعوب من دون أن تقيم لها أدنى وزن أو قيمة...

نتعلم اليوم من ثورة الإمام الحسين أن الشهادة ليست هزيمة، إنما الموت في سبيل الله والشهادة المثالية التي يفقد بها الإنسان روحه لتحيا الأمة ما هي إلا حقول وقود لا تنضب، تضخ في المجتمعات الإنسانية روح المعرفة والفداء والثورة والعزيمة والجرأة والوقوف ضد الظلم والظالمين؛ فما لم تتولد الجرأة والعزيمة فإن الذل سيتمكن من النفوس وسيستولي عليها ليحل الضعف والخمول والاستسلام لقوى الشر في النفوس، ولن تتمكن الأجيال بعد ذلك من القيام بدورها الرائد المنوط بها في إحقاق الحق والعدالة في الأرض.

شهادة الإمام الحسين حياة متدفقة في قلوب الأحرار ونهر جار في معين الأرواح التي آمنت بطريق العزة وكفرت بكل قوى الشر وبحاكميتها وبجبروتها مهما تجذرت في الأرض ومهما كان لها أتباع وأعوان في البلاد.
 
3- إن القرآن والسنة النبوية واضحان في دعوتهما إلى العدالة والخير ورفض الظلم ومقاومته، فلم يختلف المسلمون سنة ولا شيعة ولا زيدية ولا إباضية... حول ذلك أبدا ولا فيه، وإنما آمن الجميع بضرورة رفع الظلم عن الإنسان أيا يكن دينه ومذهبه، وإذا كان طريق الحسين هو الطريق المحمدي المثالي – بنص السنة المحمدية - الذي شخَّص أصعب مرحلة من مراحل الظلم وناهضها حتى آخر رمق، وإذا كانت السنة المحمدية قد أخبرت عن دور الحسين وعن استشهاده على أرض كربلاء، وإذا كان الحسين سيد شباب الجنة... فما على الأمة إلا أن تجتمع على خطه وطريقه وطريقته وتدرس سيرته وتضع الخطوط العريضة التي يجب أن تكون المبتدأ الأصيل الذي يؤسس نقاط الالتقاء الفعلي...

وإنني لأؤكد على ضرورة استلهام خط الإمام الحسين الذي يمثل نواة الإسلام الجامع، والبحث السريع عن أفضل الطرق التي يمكن أن تجمع العلماء والمفكرين المسلمين من شتى المذاهب والمدارس في ظل مؤتمر حسيني عالمي يقوم بدراسة الواقع الإسلامي والإنساني في العالم، على أن يكون لهذا المؤتمر لجان متابعة جدية تواكب كل تطور في العالم وعلى كل صعيد بغية مواجهة الفكر بالفكر والظلم بمعونة المظلومين والقهر بإغاثة المقهورين... فبانفتاحنا على الثقافات والشعوب المقهورة ننشر الثقافة الحسينية نشرا حقيقيا ومعرفيا وفكريا وسلوكيا وإيمانيا... وبذلك تتوحد الجهود والأهداف وتتلاشى الخلافات المذهبية وينفتح المسلمون على تراثهم الجامع انفتاحا عملانيا يلغي كل الفوارق المذهبية والتعصب الذي يسببه الجهل بالآخر.

إن الحسين هو الطريق الأقصر الذي يجمع الأحرار في العالم ويوحد جهودهم، وهو الملهم المحمدي الذي ساد الملاحم الأرضية وسيسود جنان الخلد يوم القيامة، وسيتعلق بأهدابه كل المؤمنين الذين سلكوا طريقه وآمنوا بخطه ونشروا ثقافته.
https://taghribnews.com/vdcdfk0kkyt0f56.422y.html
الإسم الثلاثي
البريد الإلكتروني
أدخل الرمز