تاريخ النشر2023 1 February ساعة 23:41
رقم : 582693

حديث التقريب .. الامام علي (ع) والحركة الحضارية الاسلامية

تنـا - حصري
الثالث عشر من شهر رجب هو ذكرى مولد أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام. وفي الجمهورية الإسلامية أطلق على هذا اليوم اسم يوم «الأب» ليكون مكملاً ليوم «الأم» أو يوم «المرأة» وهو يوم مولد فاطمة الزهراء عليها السلام.
حديث التقريب .. الامام علي (ع) والحركة الحضارية الاسلامية
إنها ظاهرة تستحق الاهتمام من المسلمين جميعًا أن تكون أيام الاحتفالات بالمرأة أو الأم أو الرجل أو الأب مقرونة بذكريات الصفحات المشرقة من تاريخ الأمة. بذكريات مواليد شخصيات تمتد جذورها في أعماق عواطف المسلمين ومشاعرهم.

وهكذا أسبوع الوحدة الإسلامية قد أقترن بذكرى مولد مؤسس هذه الأمة والداعية الأول لوحدتها رسول الله عليه أفضل الصلاة والسلام.

جدير بنا ونحن على اعتاب يوم «الأب» أن نقف عند جانب من مدرسة الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب، على صعيد الدعوة والعمل، فيما يرتبط بما نصبو إليه من استعادة الحركة الحضارية للعالم الإسلامي.

الحركات الحضارية في التاريخ وفي عصرنا الراهن يقف وراءها قادة كبار يتميزون بمايلي:
1 – الإيمان بمثل أعلى
كبير.
2- تجاوز الذاتية والانانية والمصالح الضيقة.
3- التضحية من أجل مصالح الأمة وسعادتها وكرامتها وعزتها.


رسول الله (ص) وهو القائد الأول لمسيرة هذه الأمة نحو التطور والتغيير والبناء الحضاري، تميّز بهذه الخصائص على أعلى مستوى. وعلى هذا الطريق أيضًا سار أمير المؤمنين علي بن أبي طالب، في دعوته وفي عمله.

فقد آمن بالله سبحانه إيمانًا جعله يقول : «ما رأيت شيئًا إلا ورأيت الله قبله وبعده ومعه».
هذا يعني أنه في كل مواقفه وأعماله كان يضع هذا المثل الأعلى المطلق أمامه ويسعى إليه.

وأما بشأن تحرره من الذاتية والمصالح الشخصية فكان رائدًا كبيرًا من روّاد والتاريخ.

يقول في رسالته إلى واليه عثمان بن حنيف : «أأقنع من نفسي بأن يقال هذا أمير المؤمنين ولا أشاركهم في مكاره الدهر أو أكون لهم أسوة في جشوبة العيش فما خُلُقت ليشغلني أكل الطيبات كالبهيمة المربوطة همها علفها أو المرسلة شغلها تقمّمها تكترش من أعلافها وتلهو عمّا يُراد بها».

في هذه العبارات تتجلى شخصية الإمام في تحرره من الذاتية والأنانية، وأيضا في اهتمامه بأن يكون على مستوى معيشة الأمة في الضرّاء ومصاعب الحياة.

وفي الرسالة نفسها وتأكيدًا على الأهداف نفسها، يقول
:
«لو شئت لاهتديت إلى مصفى هذا العسل ولباب هذا القمح ونسائج هذا القزّ، ولكن هيهات أن يغلبني هواي ويقودني جشعي إلى تخير الأطعمة ولعلّ بالحجاز أو اليمامة من لا طمع له في القرص ولا عهد له بالشبع، أو أبيت مبطانًا وحولي بطون غرئي وأكباد حرّى أو أكون كما قال القاتل: وحسبك داء أن تبيت ببطنة وحولك أكباد تحنّ إلى القدّ».

وفي الرسالة نفسها يقدم للأمة، الأسوة التي يجب أن تقتدي بها الأمة كي تواصل مسيرتها نحو السمو والكمال يقول: «ألا وأن لكل مأموم إمامًا يقتدي به ويستضيء بنور علمه، ألا وإن إمامكم قد اكتفى من دنباه يطُمريه ومن طُعمه يقرصيه ألا وإنكم لا تقدرون على ذلك ولكن أعيوني بورع واجتهاد وعفة وسداد».

أعينوني.. إنها دعوة للأمة على مرّ التاريخ لأن تسلك طريق الورع والاجتهاد والعفة والسداد، وهو الطريق الذي يوصلها إلى أسمى مراحل الرفعة والكمال إلى البناء الحضاري الإنساني.

واهتمامه بمصالح الأمة وسعادتها وكرامتها يتجلى في رسالته إلى مالك الاشتر حين ولاّه مصرًا، وفيها يقول: «وأشعر قلبك الرحمة للرعية، والمحبة لهم ، واللطف بهم، ولا تكونن
عليهم سبُعًا ضاربا تغتنم أكلهم، فإنهم صنفان أمام أخ لك في الدين، أو نظير لك في الخلق، يفرط منهم الزلل، وتعرض لهم العلل، ويُؤتى على أيديهم في العمد والخطأ، فأعطهم من عفوك وصفحك مثل الذي تحبّ وترضى أن يعطيك الله من عفوه وصفحه، فإنك فوقهم ، و وليّ الأمر عليك فوقك. والله فوق من ولاّك».

وقال عليه السلام لأهل الكوفة حين قدم عليهم من المدينة المنوّرة: «يا أهل الكوفة قد جئتكم برحلي وراحلتي وغلامي فإذا خرجت من عندكم بغير هذه فأنا خائن».

فأنا خائن.. يهتزّ الإنسان حين يسمع هذه العبارة، من يستطيع أن يقولها إلاّ القادة الحضاريون الذين تحرروا من مصالحهم الذاتية وسخّروا كل وجودهم من أجل خدمة الأمة في سبيل تحقيق رضا الله سبحانه.

وفي حياة الإمام علي (ع) من المواقف التي تدفع إلى ارتفاع الأمة نحو مثلها الأعلى، وعدم الوقوف خلف سدود الأهداف الصغيرة الغريزية الهابطة؛ ما يجعله رائدًا من روّاد الحركة الحضارية.

ولا يمكن للأمة أن تحقق أهدافها الكبيرة الاّ إذا ارتبطت بهذه المواقف وسارت على هذا النهج الإنساني السامي الرفيع.
 
المجمع العالمي للتقريب بين المذاهب الإسلامية/
الشؤون الدولية
 
https://taghribnews.com/vdccoiqp12bq4e8.caa2.html
الإسم الثلاثي
البريد الإلكتروني
أدخل الرمز