تاريخ النشر2017 26 June ساعة 09:15
رقم : 272748

عيد الفطر في الجزائر.. عادات لم تمحها التكنولوجيا

تنا
بالقدر الذي يجد الجزائريون من المشقة من الصيام، خاصة في أيام الحر والرطوبة التي عرفها شهر رمضان هذا العام، وقد صام الجزائريون أطول يوم بين كل الدول العربية بقرابة 17 سنة، بالقدر الذي يشعرون بالكآبة وهم يودعونه بعد ألفوه، إلي درجة أنهم حين يتحدثون عن رمضان في آخر أيامه يتحدثون عنه وكأنه ضيف نزل بينهم وحان وقت وداعه.
عيد الفطر في الجزائر.. عادات لم تمحها التكنولوجيا
يسمي الجزائريون عيد الفطر 'العيد الصغير'، مقابلة لعيد الأضحي الذي يسمونه 'العيد الكبير'، لأنه العيد الذي فيه وقفة عرفة التي يجتمع فيه خلق كبير من المسلمين في مكان واحد، لكن العامة من الناس يطلقون اسم العيد الصغير علي عيد الفطر، لأنه عيد يفرح فيه الأطفال أكثر بملابسهم وبالهدايا التي ينالونها من الآباء والأقارب، عكس عيد الأضحي الذي ينشغل فيه الكبار عنهم بأضحية العيد.
يقول الجزائريون ضاحكين إن شهر رمضان ينقسم إلي ثلاثة أقسام 'عشرة للمرق' أي للأكل، و'عشرة للخرق' (جمع خرقة) أي اللباس، و'عشرة للورق' ويقصدون ورق الحلوي.

لذلك، فبدءا من منتصف رمضان ينصب انشغال العائلات علي شراء كسوة العيد للأطفال، وهي ككل عام تكلف الآباء ميزانية ضخمة، خاصة وأن أغلب الملابس في الجزائر مستوردة، ويصل متوسط تكلفة كسوة العيد لطفل واحد هذه السنة 10 آلاف دينار جزائري (أكثر من 100 دولار).
أما أصحاب الدخل الضعيف، فيتوجهون إلي الملابس الاقل جودة رغم خطورتها علي صحة الأطفال.

أما الأسبوع الأخير من رمضان، فينصب الاهتمام، خاصة لدي النسوة، علي لوازم صناعة الحلوي. ومازالت جل العائلات الجزائرية تصر علي أن تصنع حلوي العيد في بيوتها، فتتحول أغلب البيوت الجزائرية في السهرة بعد الإفطار وبعد أن يخرج الرجال إلي صلاة التراويح، وعلي مدار أسبوع كامل، إلي ورشات صغيرة لصناعة الحلوي، تلتف حولها النسوة والفتيات تتبادلن فيه طرائق صناعة الحلوي، وتعلم الفتيات ذلك، استعدادا للاستقلال ببيوتهن. ويحدث أن تتحول لحظات قديما كانت الحلوي تصنع في البيوت ويأخذها الأولاد الصغار إلي الفران الذي يعلم كل صنية حلوي باسم صاحبها ويعطي للولد صكا وتوقيت العودة بعد نضجها. وعادة ما كانت الأيام الثلاثة الأخيرة من رمضان أياما لا تري فيها سوي الأولاد يحملون صينيات الحلوي علي رؤوسهم في أوقات متأخرة من الليل، وقد يصل الأمر إلي إدراك الفجر.

لكن هذه المشاهد الجميلة اختفت بعد أن تطورت حياة العائلات الجزائرية وأصبح بكل بيت فرن. إلا أنه من العيب لدي الجزائريين إلي يومنا هذا أن تقتني العائلة حلوي العيد من عند بائع الحلويات، فالبيت الذي يشتري حلوي العيد من المتجر 'بيت ليس فيه نسوة' بالمعني الصحيح للكلمة.
وأغلب حلوي العيد عند الجزائريين في المدن مصنوعة من اللوز، لكن العائلات غير الميسورة الحال، تلجأ إلي خلط اللوز بالفول السوداني، أو صنع الحلوي كلية من الفول السوداني. ولا تكتفي العائلة بنوع واحد من الحلوي، بل أقل شيء ثلاثة أنواع، لكن كل العائلات الجزائرية تشترك في نوعين اثنين هي 'الصامصا'، وهي رقائق شفافة من العجين تلف حفنة من طحين اللوز والسكر وماء الزهر علي شكل مثلثات، و'المقروط' وهو دقيق السميد المتماسك يوضع فيه طحين اللوز والسكر وماء الزهر، وتقلي الحلوتان في الزيت ثم تغطس في العسل.
وتعد حلوي العيد بالنسبة إلي الأمهات فرصة لعرض مواهب بنتاهن اللائي في سن الزواج، فهن يحرصن علي أن تتدرب بناتهن بمجرد أن تبلغن علي صنع الحلويات، وحين يحل العيد تعملن علي عرض هذه الحلوي علي الضيوف والتأكيد أن الحلوي من صنع بناتهن، حتي وإن لم يكن الأمر كذلك لدي بعض النسوة.

في صباح العيد يخرج الرجال إلي المساجد لأداء صلاة العيد، وقديما كانت العادة أن تقتصر صلاة العيد علي الرجال، بينما تبقي النسوة في البيت تحضرن مائدة فطور الصباح وتلبس الأطفال ثيابهن الجديدة. كما تلبس النسوة ثيابا تقليدية فاخرة، عادة ما تكون ثياب الأعراس. وبعد صلاة العيد يعود رب العائلة إلي البيت ليتغافر (يتسامح) مع جميع أفراد الأسرة.

وفي صباح العيد يصطف الفقراء بشكل كبير أمام المساجد في انتظار أن يتصدق عليهم المصلون إما بزكاة الفطر أو بصدقة.

وكان الجزائريون قديما حين يتغافرون يقولون 'صح عيدك، في حياتك وحياة عائلتك، سنين دائمة'، ولكن الان أصبحت العبارة المعروفة 'تقبل الله منا ومنكم وغفر الله لنا ولكم. بعدها يوزع رب الأسرة بعض المال علي أولاده وأولاد الأقارب، ثم يتناول قهوة الصباح بالحلوي التي صنعت في البيت، وهو يسمع أغنية من التراث تبث في التلفزيون الجزائري وفي الإذاعة في كل عيد يغنيها فنان معروف اسمه 'عبد الكريم دالي'، يقول فيها: 'مزين نهار اليوم صح عيدكم... مزين نهار اليوم مبروك عيدكم'.
وبعد أن يتغافر أفراد العائلة مع بعضهم، تتوجه العائلات بنسوتها إلي المقابر، كل واحد لزيارة موتاه، ويحمل معه شيئا من الحلوي يوزعها علي الفقراء، أو بعض المال. وفي المقبرة يقرؤون الفاتحة علي روح الفقيد يطلبون من الله المغفرة له.

بعدها تبدأ رحلة أخري يتنقل فيها الرجل مختلف أفراد الأسرة. ومن عادة الجزائريين أن يتوجه الصغير لمغافرة الكبير، أما المرأة فلا تتنقل وعلي والدها وإخوتها أن يزورونها مهما كانت أصغر منهم سنا.
ويقتصر التنقل في الصباح، أي قبل الغذاء، علي العائلة القريبة الأباء والأبناء والإخوة فقط. أما باقي العائلة فيتنقل إليهم بعد الغذاء وأخذ نصيب من الراحة.


وفي العيد هناك عادة مازال يحرص عليها الجزائريون حرصا شديدا إلي اليوم وهي 'المهيبة'، وهي ضرورة تنقل الرجل إلي أهل خطيبته التي لم يقرأ عليها الفاتحة، أي لم يتم العقد الشرعي بينهما، فيأخذ معه هدية تسمي 'المهيبة' (مشتقة من كلمة هبة)، وعادة ما تكون شيئا من ذهب سوارا أو خاتما أو سلسلة، وقد تكون قطعة قماش فاخر وعطر أو حذاء.
ويقال إن هذه العادة وجدت ليؤكد الشاب أنه مازال متمسكا بخطيبته، ولكي يسرع في إتمام العقد الشرعي، إذ طالما مازالت الفتاة مخطوبة وفقط، فهو مطالب بالإتيان بالمهيبة في كل المواسم والأعياد.

وتتحول الشوارع في الجزائر، يوم العيد، إلي ساحات للعب الأطفال، يسألك كل واحد منهم هدية وبعض المال، ثم يتنافسون فيما بينهم أيهم جمع أكبر قدر من المال. كما تتحول إلي سوق مفتوحة لبيع البالونات والألعاب.

والعيد في الجزائر، خاصة في المدن، ليس فرصة للفرح وفقط، إنما هو يوم للبحث عن مستلزمات الغذاء من خبز وحليب ومشروبات وغيرها من اللوازم. فأغلب المخابز والمحلات تقفل محلاتها، لذلك تجد أغلب أرباب العائلات يعملون علي اقتناء حاجياتهم يوما أو يومين قبل حلول العيد ويضعونه في الثلاجة، حتي الخبز يشترونه ويضعونه في الثلاجة.

وقد عملت وزارة التجارة علي فرض مداومة علي أصحاب المخابز والمحلات والمقاهي وتهديد من لا يلتزم بالمداومة بعقوبات مالية وبالغلق أيضا، إلا أن ذلك لم يغير في الأمر كثيرا، ومازالت المدن تتحول يومي العيد إلي مدن ميتة تجاريا. وعادة ما يستمر هذا الوضع لمدة أسبوع كامل.
/110
https://taghribnews.com/vdcjx8e8ouqeaaz.3ffu.html
الإسم الثلاثي
البريد الإلكتروني
أدخل الرمز