تاريخ النشر2010 24 July ساعة 12:15
رقم : 21498

حــزب اللــه فــي مـواجهـــة الفتنـــة المــذهبيــة

الله الله في وحدة المسلمين، أيتها الشعوب المسلمة: حاذري من الفتنة الاستعمارية الخبيثة التي تستهدف تمزيق وحدتك لتزرع الشقاق فيما بينك وتثير العصبيات المذهبية السنية والشيعية. هذا ما دعا اليه حزب الله في " الرسالة المفتوحة " التي اعلنها عام 1985 .
الوحدة
الوحدة
وكالة انباء التقريب (تنا) :
يلتزم حزب الله الإسلام عقيدة وشريعة، ويؤمن بكل مستلزمات هذا الخط الأصيل، ويعتبر الوحدة بين المسلمين مسؤولية يجب العمل لها، وأنَّ الفتنة المذهبية أو الفتنة داخل المذهب الواحد حرام يجب تجنبه، وقد بنى الحزب منظومة توجيهاته الفكرية والسياسية والجهادية وفي العلاقات مع الآخرين على قاعدة السعي للوحدة بين المسلمين، في حركتهم وقضاياهم، بل في عناوين طروحاتهم الثقافية والسياسية، من دون المساس بالخصوصيات المذهبية، ومن دون الغرق في معالجة خلافات تجاوز وجودها الألف وأربعمئة سنة تقريباً، فتراكمت وتشعبت إلى درجة الاستعصاء، ما يجعل العمل للوحدة ضرورياً خارج إطار حسم الخلافات المذهبية على المستوى العقيدي أو التشريعي، ما يساعد على الوحدة في كل وطن, ولمصلحة البحث عن المشتركات الكثيرة التي تتفيأ بعناوين الوحدة الكبرى: وحدانية الله تعالى، نبوة محمد(ص)، والإيمان بالقرآن الكريم، والقبلة الواحدة، والعبادات الواحدة...الخ.
الوحدة أصل، وهذا الأصل مقررٌ في القرآن الكريم، ولا يستطيع أحد أن يدَّعي ارتباطاً بالإسلام إلاَّ وتلازمه فكرة الوحدة والعمل الوحدوي، قال تعالى في كتابه العزيز: «إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ»، وفي آية أخرى: «وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ». تحدَّث الله تعالى عن الأمة الواحدة، ولم يتحدث عن الأساليب الواحدة، أو طرق التفكير الواحدة، أو المذهب الواحد.
موقف حزب الله
عبَّر حزب الله عن موقفه الوحدوي، وإيمانه بضرورة الوحدة الإسلامية، في أول رسالة سياسية مكتوبة تلخص موقف حزب الله من القضايا المختلفة، وهي «الرسالة المفتوحة» التي أُعلنت في ١٦ شباط ١٩٨٥، فأفرد فقرة خاصة فيها
عن الوحدة الإسلامية ونبذ التفرقة:
«الله الله في وحدة المسلمين، أيتها الشعوب المسلمة: حاذري من الفتنة الاستعمارية الخبيثة التي تستهدف تمزيق وحدتك لتزرع الشقاق فيما بينك وتثير العصبيات المذهبية السنية والشيعية.

وجاء في «الوثيقة السياسية» الثانية:
«فالاحتقان الطائفي والتوترات المذهبية المفتعَلة، وعلى الأخص بين السنّة والشيعة، واختلاق التناقضات القومية بين كُرد وتركمان وعرب، وإيرانيين وعرب.. وتخويف الأقليات وترهيبها، والنزف المسيحي المستمر من المشرق العربي، وخاصةً من فلسطين والعراق فضلاً عن لبنان، كل ذلك يهدد تماسكَ مجتمعاتنا، ويقلّل من منعتها، ويفاقم من عوائق نهضتها وتطورها .

نشاط حزب الله الوحدوي
عمل حزب الله لتعزيز الوحدة الإسلامية ومواجهة الفتنة المذهبية بمواقف وأنشطة مختلفة منها:
١- تقديم خطاب سياسي وحدوي، ملتفتاً إلى قضايا الأمة وهمومها كواحدة من اهتماماته .
٢- ساهم حزب الله في اللقاءات والاجتماعات مع الحركات والتجمعات الإسلامية المختلفة كأطر للتعاون، من دون النظر إلى حجم هذه القوى، ولا لانتماءاتها المذهبية، وإنما يكفي عنوانها الإسلامي.
٣- شارك حزب الله في جميع مؤتمرات التقريب بين المذاهب.
٤- المقاومة وهي العنوان الأبرز في مواجهة الفتنة المذهبية، فالتعاون مع كل الذين يقاومون إسرائيل لا حدود له، ولا ينظر الحزب إلى مذهب المقاوم، بل قام الحزب بتأسيس السرايا اللبنانية لمقاومة الاحتلال الإسرائيلي عام ١٩٩٧ التي ضمت في صفوفها من جميع الطوائف والمذاهب، حيث كان الشرطان الوحيدان لانتماء أي عنصر إلى السرايا: الإيمان بالمقاومة المسلحة لمواجهة الاحتلال، وعدم وجود شبهة عمالة لإسرائيل، ولا علاقة للحزب بإيمانه الديني أو المذهبي أو عبادته أو سلوكياته الشخصية أو موقعه الاجتماعي.

القضايا المشتركة
عناوين القضايا المشتركة التي تجمع الأمة بلا شك، والتي تهيئ إمكانية أن تكون الأمة موحَّدة هما عنوانا: مواجهة المشروع الصهيوني للعمل من أجل تحرير فلسطين، ومواجهة الاستكبار العالمي ،المتمثل بأميركا اليوم، لمنعه من أن يسيطر على بلاد وقدرات وخيرات المسلمين، هذان العنوانان هما اللذان يجسدان الوحدة الإسلامية عملياً.

أولاً: المقاومةُ: إذا بحثنا عن المشاعر عند الفلسطينيين
ستجدونهم يحبون المقاومة الإسلامية لارتباطهم بالعمل المقاوم وبسبب الدور الوحدوي، وأيضاً إذا عدتم إلى شباب حزب الله سترون تعلقهم الكبير بفلسطين والمقاومين الفلسطينيين، وبالتالي هنا لا تمييز بين السنة والشيعة، فأضرار الاحتلال على الجميع، ومنافع التحرير للجميع.

ثانياً: وأمَّا الاستكبار الأميركي فقد ولَّد للأمة أزمات، عامة وخاصة، تستنزف طاقاتها وإمكاناتها، وتعطِّل تطورها ونموها. اعتدت أميركا على أفغانستان، وعاثت فيها فساداً، ولا زال الشعب هناك يتحمل مخاطر وأثمان استمرار العدوان الأميركي عليه، واحتلت العراق لتعبث بثرواته وخاصة النفط، وتتحكم بخياراته على حساب الشعب العراقي واستقلاله، وأمرت بالعدوان الإسرائيلي على لبنان بواسطة إسرائيل في تموز ٢٠٠٦، وغطَّت العدوان الإسرائيلي على غزة أواخر عام ٢٠٠٨، ولا زالت تهدد إيران بخيار الحرب، وقد جرَّبت عزل سوريا سياسياً واقتصادياً، وهي تمارس كل الضغوطات على الدول العربية للتطبيع مع إسرائيل بلا ثمن، وهكذا نجد أضرار السياسة الأميركية كبيرة وشاملة في منطقتنا.
ولا ننسى أنَّ أهم أساليب أميركا المعتمدة هو التركيز على عنوانين: الاعتدال، أي تجريد الأمة من هويتها الإسلامية التي يلصقون بها التطرف والإرهاب, والفتنة المذهبية.
أوصت مؤسسة «راند» الأميركية في تقريرها عن عام ٢٠٠٧: «أن تهتم الولايات المتحدة الأميركية بصناعة ودعم شبكة من التيار العلماني والليبرالي والعصراني ممن تنطبق عليه شروط الاعتدال الإسلامي بالمفهوم الأميركي، وأن تُستخدم هذه الشبكة في مواجهة التيار الإسلامي، الذي يرى التقرير أنه لا يحبب التعاون معه أو دعمه بأي شكل من الأشكال، رغم ادِّعاء بعض فئات هذا التيار أنَّها معتدلة، وأنَّها تدعو للتعايش والحوار ونبذ العنف» .

الفتنة والأعداء خطران يواجهان الوحدة
استخدم الأعداء عبر التاريخ وفي الحاضر سلاحين ماضيين:
١- الفتنة بين المسلمين، وذلك بإثارة النعرات المذهبية وخاصة بين السنة والشيعة، بحيث تكون تارة واضحة بمذهبيتها في استحضار الخلافات بين المذاهب، وإشهار عناوين التكفير والردة وانتهاك المقدسات، وتحريف الإسلام عقيدة وشريعة... وغيرها من العناوين التي تثير حمية المرتبطين بكل مذهب ضد المذهب الآخر. وأخرى مغطاة بعناوين عصبوية أخرى، كاختلاف البلدان
أو اللغة أو العرق، فيُشهر المفتنون عناوين الخلافات بين الناطقين باللغات الفارسية والعربية والتركية والأوردية... وبين القضايا العربية والأفريقية والآسيوية...كل ذلك في إطارٍ تحريضي لعامة الناس، الذين ينساقون وراء الشعارات العامة خلف قياداتهم، فتتحول الأولوية عندهم إلى إنقاذ المذهب من العابثين به، لتنقية الساحة من الأغيار، قبل الاهتمام بمواجهة الأعداء.
٢- تسلُّط الأعداء علينا، باستعمار واحتلال بلداننا، أو فرض شروطه بقوة السلاح، أو محاصرتنا اقتصادياً وسياسياً، وهذا ما يكون تارة نتيجة من نتائج الفتنة، وأخرى بسبب ضعفنا وعدم القيام بواجباتنا تجاه بلدنا وشعبنا أو بلداننا وشعوبنا.

الخلاف سياسي لا مذهبي
إنَّ دور العلماء أساس في التصدي لتوضيح معالم الدين وتكاليف المؤمنين، فهم الذين يربون الناس على الإسلام الأصيل، أو يحرضونهم على التعصب المذهبي ومواجهة المذاهب الأخرى بعداوة. إنَّها مسؤولية العلماء في خطبهم ومحاضراتهم وخطابهم العام أن يوجهوا المسلمين نحو الوحدة الإسلامية، والتعاون على البر والتقوى، وحقهم أن يكونوا جميعاً جسداً واحداً، فإذا ما نشروا هذه المفاهيم، قرأها وسمعها المسلمون في كل البلدان، ما يشكل رصيداً للاجتماع والاعتصام بحبل الله تعالى، عندها يكون السلوك المذهبي سلوكاً عبادياً، وأما المواقف السياسية العامة والكبرى فيحكمها عنوان وحدة المسلمين، وعدم التعارض بين مذهبية الالتزام الديني الفردي ووحدة الموقف السياسي للمسلمين.
والأخطر من ذلك، الاتجاه التكفيري الذي يعتبر نفسه ممثلاً للإسلام الصحيح، ويصنِّف الآخرين بمقدار قربهم منه أو بعدهم عنه، ولا يستثني في المواجهة أحداً من المسلمين بمن فيهم من النساء والأطفال على اختلاف مذاهبهم، خاصة عندما يستخدم أسلوب قتل المخالفين له، تحت عنوان الجهاد وحماية الدين!

تجنُّب نقاط التباين
إذاً الدعوة إلى الوحدة الإسلامية ليست دعوة إلى إنهاء الخلاف حول فكرة العصمة في مقابل عدمها، أو الإمامة في مقابل الخلافة... فهذا بحثٌ لن يوصل إلى نتيجة، لا الآن، ولا في المستقبل، لأنَّ الأصول مبنية على الرؤى المتباينة، وعلى هذا الخلاف والقناعات. دعونا لا ننطلق من نقاط التباين الأساسية، التي
لا يمكن تعديلها، ولا يمكن تغييرها، لأنَّ أسس المذاهب قائمة عليها ولننطلق مما يمكن التفاهم عليه، وغالباً ما يكون المطلوب هو التفاهم السياسي والعملي في مواجهة القضايا الملحَّة.
ومن نافل القول أن تعترف المذاهب ببعضها، لتبحث عن نقاط الاشتراك، وتتجنَّب نقاط الاختلاف، وتركز على الموضوعات العملية التي تهم المسلمين في حياتهم وقضاياهم. ولا شيء يمنع من عقد جلسات علمية مغلقة بين العلماء ـ إذا رغبوا ـ لمناقشة بعض الخلافات المذهبية وأدلة كل جهة فيما اختارته، طالما أنَّ النقاش علمي وموضوعي بهدف الفهم والتناصح والإقناع بالحجة أو عرض الآراء للإطلاع والمعرفة.

توجيهات لدرء الفتنة
إنَّ أداة الفتنة المذهبية سياسية يقودها بعض الحكام والمواقع السياسية، وإدارة التعبئة المذهبية علمائية يقودها بعض العلماء الذين يهمهم أن يجمعوا حولهم مريديهم ولو انهارت بلاد المسلمين، وبما أنَّ الخلاف المذهبي الديني غير مطروح بشكل عام للوصول إلى حلٍّ له، وليس مطروحاً أن يتم اعتماد مذهب واحد في مقابل إلغاء المذاهب الأخرى، ولا توجد قضايا دينية محل إشكال حتى في الأحياء والمجتمعات المختلطة مذهبياً، إذاً، لا يوجد قضية اسمها الخلافات المذهبية، وإنما القضية هي الخلافات السياسية، التي يقودها حكام أو زعماء أو قادة، ويحتاجون إلى إثارة الخلافات المذهبية لشد عصب جماعتهم معهم أو منعهم من التأثر بالآخرين، وعندها ينساق بعض العلماء الذين يروجون للفتنة المذهبية من حيثيات التحرك السياسي، الذي يقوده السياسيون، ويغذيها بعض علماء الدين لخدمة هؤلاء السياسيين، فإذا أصبحت مصلحة السياسيين التهدئة المذهبية، تصدى هؤلاء العلماء لتبيان منافع التعاون وعدم إثارة الفتنة. إنَّ علينا أن نجعل السياسة في خدمة الدين، لا أن يكون الدين في خدمة الأطماع السياسية، وان نكشف أولئك الذين يستخدمون المذهب غطاءً لأغراض سياسية، وأن نجعل السياسيين يتعلمون من الدين قواعده الإنسانية، لا أن يكون علماء الدين أتباعاً يفسرون الآيات والروايات على قياس حاجات السياسيين. ومن المعيب أن يثير بعض العلماء النعرات المذهبية بناء لطلب السلطان، ثم يتوقف بناء لطلبه!
موقع المقاومة

https://taghribnews.com/vdcfcjd0.w6dy1aikiw.html
الإسم الثلاثي
البريد الإلكتروني
أدخل الرمز