داعية اسلامي جزائري لـ "تنـا" : دور العلماء المسلمين اليوم اقوى من كل عصر
تنـا
يرى رئيس جمعية العلماء المسلمين الجزائريين الدكتور عبد الرزاق قسوم، انه "في هذا العصر، الذي تكالبت فيه قوى الشر على الإسلام والمسلمين وصارت تكيد لهم كل المكائد لاحتلال بلدانهم وغزو عقولهم وإخراجهم من دينهم، يصبح دور علماء الامة والمؤسسات الدينية أقوى من كل عصر"؛ مؤكدا على انه "اي تخاذل، أو تواطؤ مع أعداء المسلمين، يعتبر بمثابة الخيانة لله ولرسوله وللمؤمنين".
شارک :
واضاف الدكتور قسوم في حوار خاص مع وكالة انباء التقريب (تنـا)، ان "العلماء في ثقافتنا الإسلامية يحتلون مكانة متميزة، ودورا طلائعيا؛ فهم يوصفون بأنهم أهل الحل والعقد، وهم قادة الأمة في دينها وفي دنياها".
واوضح، ان "أهمية العلماء في الأمة الإسلامية، تأتي من المكانة التي بوأهم الله إياها بنص الكتاب والسنة؛ يقول الباري عز وجل: ﴿يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ ۚ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ﴾[سورة المجادلة، الآية 11]، وقوله تعالى: ﴿قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ﴾[سورة الزمر، الآية 9]".
كما استدل، في هذا الشأن، بحدث نبوي شريف : [العلماء ورثة الأنبياء]، واستطرد قائلا : وفي الأثر الطيب، يقول الشاعر:
يا علماء الدين، يا ملح البلد *** من يصلح الملح، إذا الملح فسد
وتابع مستدركا : ذلك أن العلماء، ومن خلالهم المؤسسات الدينية، يستمدون مبادئ رسالتهم من النصوص الدينية المتعددة؛ فرسالة العلماء تكمن في تنزيل أحکام الإسلام على واقع المسلمين، من خلال تثقيفهم بها، وتعليمهم مقاصدها، وتوعيتهم بأبعادها.
ومضى هذا الداعية الاسلامي الجزائري الى القول : ومن تعاليم الإسلام ومقاصده، وحدة المسلمين وتضامنهم وجعلهم كالبنيان المرصوص، مستشهدا بآي من الذكر الحكيم، قوله عزّ من قائل : ﴿لَوْ أَنفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مَّا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَٰكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ ۚ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ﴾[سورة الأنفال، الآية 63]، ﴿وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ ۚ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ ۚ أُولَٰئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ ۗ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ﴾[سورة التوبة، الآية 71].
وبين الدكتور قسوم، "إن هذه النصوص، وغيرها، توجب على علماء الأمة، والمؤسسات الدينية، القيام بواجب الدعوة إلى وحدة المسلمين، وإلى التضامن بينهم؛ فالأمّة کالجسد الواحد، بنص الحديث، [إذا اشتكى منه عضو، تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى]".
وفي جانب من هذا الحوار تطرق رئيس جمعية العلماء المسلمين الجزائريين الى الوضع الفلسطيني الراهن والحرب غیر المتکافئة التي استغرقت عامين كاملين على غزة وخلفت اكثر من 68 الف شهيد، والواجب الذي تتحمله الدول بما فيها الاسلامية والعربية، وايضا المنظمات الحقوقية الدولية لانهاء معاناة هذا الشعب المظلوم، قائلا : ان النصرة المظلوم هو واجب ديني، وواجب إنساني معا؛ فمن الناحية الدينية، يجب على كل المسلمين، شعوبا وحكاما، هيئات ومنظمات، علماء ومؤسسات، أن يقدموا كل أساليب الدعم المادي والمعنوي، لنصرة المستضعفين، وذلك بتقديم الزاد والعتاد، وفك الارتباط مع المعتدين، والمقاطعة الشاملة لکل منتجات العدو، إضافة إلى القيام بالتعريف بقضية المظلومين، على جميع المستويات، الثقافية، والاجتماعية والإعلامية.
واضاف : أما من الجانب الإنساني، فالمنظمات الدولية مطالبة، بحكم فقهها للقانون، أن تهب لنجدة المظلومين، وتقديم قضاياهم على مختلف الأصعدة لدى المنظمات الدولية، لحشد الدعم لهم، وخصوصا على مستوى المحاكم الدولية، لاستصدار الأحكام ضد مجرمي الحرب، ومطاردتهم حيثما حلوا.
كما اعرب عن ارتياحه بالقول : الحمد لله، نحن نشاهد هبة المثقفين في الجامعات، والإعلاميين في وسائل الاتصالات، والحقوقيين، في مختلف المحاكمات، قد قاموا بواجبهم وما تمليه عليهم ضمائرهم إزاء المضطهدين؛ وقد آتت هذه الحملة الحقوقية نتائجها، وأصبحنا نشاهد العزلة، التي يعانيها الكيان الصهيوني سواء على مستوى الأمم المتحدة، أو المنظمات الدولية، وما أسطول "الصمود الدولي"، عنا ببعيد.
وفي الوقت نفسه، اكد هذا الداعية الاسلامي البارز في الجزائر، ببأن "هذه الحملة، وهذه التعبئة لن يُكتب لها النجاح المطلوب، ما لم تعزز بإجراءات عملية، على مستوى الأمة الإسلامية؛ حيث يجب أن تفتح المعابر وتقدم المساعدات، وتفعّل المقاطعات".
واضاف : إننا لواثقون، من أن النصر سيكون حليف المقاومة، لأنها تملك سلاح الحق، وهو أقوى سلاح؛ فالعبرة ليست بالتكافؤ التكنولوجي، أو المادي، وإنما بالوعى بالحق والإيمان به، والثبات على المبادئ، واليقظة للفخاخ التي قد تنصب تحت غطاء مصطلحات مظلومة كـ "إنهاء الحرب"، و"ادخال المساعدات" برعاية غربية وامريكية، الخ.
وفي معرض الاشارة الى أسباب تراجع مکانة الأمة الیوم، وما هي المتطلبات لانطلاق حرکة استنهاض شامل على صعيد العالم الإسلامي، اوضح الدكتور قسوم : هناك عدة أسباب لتراجع مكانة الأمة اليوم، ولعل في مقدمة هذه الأسباب بُعد الأمة عن دينها، وتحلل العلماء من دورهم، وتخلي الحكام عن أداء واجبهم في قيادة الأمة بالإسلام.
وتابع موضحا، أن "الجهل بمبادئ الإسلام ومقاصده، وعدم الوعي بالانتماء إلى هذا الدين، الذي يحث على العلم وعلى القوه والأخوة وعلى التضامن، هو عامل أساسي في زحزحة الأمة وتخليها عن مكانتها التي كانت تحتلها، يوم كانت متشبثة بدينها".
واضاف : كما أن الإسلام هو الدين الذي يحث أتباعه على اتخاذ أسباب القوة، ﴿وَأَعِدُّوا لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ﴾[سورة الأنفال، الآية 60]، وعلى التحلي بالعزة ﴿وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ﴾[المنافقون، الآية8]، لذلك لابد من القيام بعملية استنهاض شاملة تبدأ بثقافة الوحدة، التي تعلو على كل أسباب الفرقة، والطائفية، والمذهبية، إلى جانب الأخذ بأسباب القوة، باكتساب ثقافة العلم والتكنولوجيا، التي تدعو إلى استخدام التكنولوجيا البناءة، والتحكم في لغتها، وتسخيرها لنصرة قضايانا الإسلامية العادلة.
ومضى الى القول : في عالم لا يعرف إلا لغة القوة المادية والعلمية، لابد لأمتنا من أن تعمل على التسلح بقوة العلم، وقوة الوعي بالعلم المستمدة من الفهم الصحيح للدين، وتطبيقه بشكل صحيح؛ لافتا، الى "ان الأمة الإسلامية، تملك كل مقومات القيادة والسيادة، بشرط واحد هو أن تتمسك بأصول دينها، وتنزل هذا الأصول على جميع مستويات البناء الاجتماعي وما ذلك على الله بعزيز".
وفي ختام هذا الحوار، تطرق رئيس جمعية العلماء المسلمين الجزائريين الى العدوان الصهیوني الذي استمر اثني عشر يوما ضد الجمهورية الإسلامية، وانعكاساته علی الشعوب الإسلامية، فقال مستدلا بكلام شهير، انه "اذا أردت أن تعرف حقيقة أي شيء، فحدده من خلال موقع سهام العدو منه"؛ مؤكدا بان "الملاحِظ المنصف المدقق، والباحث الموضوعي المحقق، يدرك من خلال تكالب العدو الصهيوني على إيران، ومدى حشده لقوى الشر ضدها، واستعداء الجميع عليها، ليدرك حجم ما يمثله النظام الإيراني المسلم، من خطورة على العدو الأول للمسلمين اليوم، وهو الكيان الصهيوني".
واردف : إن الجمهورية الإسلامية، بموقفها الداعم للمقاومة الفلسطينية ومساندتها الثابتة لها، قد أزعجت الكيان الصهيوني فجعلته يوغر صدور حلفائه على هذا النظام المسلم، مما جعلته يشن حربه المدمرة على أشقائنا الإيرانيين.
وحول تداعيات هذه الحرب، اشار بانه "لو كان هذا العدو قد استطاع أن يلحق بعض الخسائر المادية والبشرية، بفعل المباغتة والاختراق، ﴿وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ﴾[سورة التوبة، الآية 47]، فإن رد الفعل الإيراني قد فاجأ العدو نفسه، إذ ألحق به خسائر جسيمة، وقذف في قلوب أتباعه الرعب، وأدخلهم الجحور آناء الليل وأطراف النهار؛ مما جعلهم يهرعون إلى طلب وقف القتال".
وتابع : لقد تفاعلت الشعوب الإسلامية مع هذا الحدث الخطير، الذي شفا صدور قوم مؤمنين، بتخفيف وطأة الحرب على شعبنا الصامد في غزة، ومقاومته الباسلة؛ والمطلوب المزيد من الإعداد والاستعداد، ومن اتخاذ الحيطة والحذر، فإنه لا يأمن مكر العدو إلا القوم الغافلون.