ورُبَّ قائلٍ آخرَ يقولُ : في زمانِنا هذا إختلطَ الحابلُ بالنّابلِ، ولا يُعرفُ الحقُّ منَ الباطلِ كونَ النّفوسِ تلوّثَت وغلبَ عليها طابعُ المصلحةِ، فلِذا يحقُّ لنا إتّهامُ البعضِ، لدرءِ الخطر عنِ النّاسِ ... ، والجوابُ عَن ذلكَ بأن نقولَ: ينبغي ألّا يكونُ هذا الأمرُ مدعاةً للشّكِّ المُفرطِ والإدّعاءاتِ الكاذبةِ، والحملُ السيّءُ على النّاسِ ما لم يبلغِ المرءَ الحجّةُ، وقد عالجَ النّبيُّ الأكرمُ صلّى اللهُ عليهِ وآله والأئمّةُ الأطهارُ هذا الأمرَ بعدّةِ أحاديثَ فمنها: (أحسِنوا ظنونَكم بإخوانِكم تغتنموا بها صفاءَ القلبِ ونماءَ الطّبعِ). وقد خصمَ أميرُ المؤمنينَ النّقاشَ حينَما قالَ : (واقبَل عُذرَ أخيكَ. فإن لم يكُن لهُ عذرٌ فالتمِس لهُ عذراً، ولا تُكثرنّ العتابَ فإنّهُ يورثُ الضّغينةَ ) .
إذن: فلا يكونُ المرءُ بوابةَ تشويهٍ لسمعةِ أخيهِ ونافذةً إعلاميّةً لتسقيطِ الآخرينَ، نتيجةَ أوهامٍ أو شكوكٍ قد تزرعُ في نهايةِ المطافِ الكراهيةَ والعداوةَ وقد يحصلُ ما لا يُحمدُ عقباه؟؟ ولابدَّ للإنسانِ أن يسيرَ على المنهجِ السّليمِ والتّفكيرِ القويمِ، تاركاً معكّراتِ الصّفوِ ووسوسةَ الشّيطانِ، وما يلوّثُ مِن فطرتِه السّليمةِ، مُتمسّكاً بالمنهجِ الأخلاقيّ السّامي (حسنُ الظّنِّ). فما بينَ الحقِّ والباطلِ أربعُ أصابعَ.. (ما رأتهُ عيناكَ فهوَ الحقُّ وما سمعَتهُ أذناكَ فأكثرُه باطلٌ).
ولنطلب منَ اللهِ عزّ وجلّ أن يُزيلَ عَن قلوبِنا الشّكَّ والتّرديدَ، فإنَّ إزالتَه يؤدّي بالنّفسِ إلى الإستقرارِ والتوجّهِ لطاعتِه. إذ يُبيّنُ الإمامُ (ع) في مناجاتِه أنَّ الشّكَّ والظّنَّ لا يُنتجُ إلّا فتنةً في الدّينِ فإنَّ أساسَ الفتنِ الشّكوكُ؛ لأنَّ اليقينَ والإيمانَ يكونانِ سبباً في المعرفةِ التي تمنعُ الإنسانَ منَ الخوضِ في الباطل.
ولا بدّ أن نطلبَ منَ اللهِ جلّ وعلا أن يُوفّقَنا للرّكوبِ في سفنِ النّجاةِ، التي هي سفنُ الهدايةِ والرّحمةِ الإلهيّةِ التي توصلنا إلى مُبتغاهُ وهوَ مرضاتُه تعالى، فإنَّ مَن يركبُ سفينةَ النّجاةِ، ويحصلُ على الرّحمةِ الإلهيّةِ سوفَ يحصلُ على اللّذّةِ والرّاحةِ حيثُ تكونُ المناجاةُ سبباً للمُتعةِ النفسيّةِ التي تؤدّي إلى سكونِ النّفسِ وإطمئنانِها.