تاريخ النشر2018 5 November ساعة 17:06
رقم : 374770

​حديث التقريب : "الإحياء" هو المقصد الأسمى

تنا - خاص
لا يخفى على كل من له اطلاع على مقاصد الشريعة أن «الإحياء» هو الهدف الأسمى للإسلام.. يؤكد ذلك قوله سبحانه: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَجِيبُواْ للهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُم لِمَا يُحْيِيكُمْ " .. وتؤكد ذلك السنّة النبوية القولية منها والفعليّة.. واضح أنّ الإحياء هنا لا يتضمن معنى الحياة الحيوانية..‌بل الحياة الإنسانية.
​حديث التقريب : "الإحياء" هو المقصد الأسمى
وأعظم تجليات الحياة الإنسانية تظهر في "العزّة" فالإنسان مخلوق مكرّم " وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ" ويحمل في فطرته نفخة العزيز المطلق "فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي" ويتجلّى "الإحياء" في المجتمعات المؤمنة أيضًا بالوحدة العضوية. فأعضاؤه "إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمّى".

أينما وجدت مجتمعًا يتنادى بصيانة الكرامة والعزّة وبصيانة الوحدة فهو مجتمع حيّ يتجه نحو تحقيق مقاصد الدين الإلهي.
وأينما رأيت مظاهر الذلّ والخنوع والخضوع ومظاهر الشقاق والنفاق والافتراق، فثمة الابتعاد عن «الحياة» الإنسانية.
لو ألقينا بهذا المعيار نظرة على ما يجري في الساحة الإسلامية لرأينا صراعًا بين عوامل الإحياء وعوامل الإماتة.

عوامل الإحياء نراها بوضوح في «الصحوة الإسلامية» التي انتفضت على مذليها ومنتهكي كرامتها ومصادري حرياتها وناهبي ثرواتها من حكّام في الداخل، وقوى الهيمنة العالمية في الخارج.

نرى أصواتًا متصاعدة ترفض التطبيع مع العدوّ الصهيوني وتدعو إلى مقاومته، وترفض هيمنة أمريكا والناتو، وتأبى الخضوع للغزو الثقافي الغربي..‌وهذا كلّه مظهر حياة لأنه دفاع عن الكرامة والعزّة.. وهما من أهم مظاهر الحياة.

نرى عوامل الإحياء بوضوح أيضًا في الدعوة إلى الوحدة الوطنية والوحدة المذهبية تحت عناوين «الحوار بين الأديان» و«الحوار بين المذاهب الإسلامية» و«التقريب بين المذاهب الإسلامية».

كما نرى مظاهر الوحدة في الدعوة إلى نصرة الشعب الفلسطيني، ونصرة أهالي غزّة، وفي روح المواساة التي تعمّ أغلب المسلمين حينما يلمّ خطب بجزء من أجزاء العالم الإسلامي.

غير أن مظاهر «الحياة» هذه تواجه عوامل إماتة ناتجة عمّا لا يقلّ عن قرنين من السبات والتخلّف والهزيمة النفسية والهيمنة الاستعمارية.

وتبرز هذه العوامل المضادة بصور شتّى أوضحها: التشكيك بقدرة الإسلام على إدارة الحياة، والشعور بالضعف أمام الهجوم الغربي الثقافي والعسكري والاقتصادي، والتنكر لروح المقاومة، وإثارة النعرات الطائفية والعنصرية.
ومن منطلق هدفنا في « التقريب» نقف عند المظهرين الأخيرين من مظاهر العوامل المضادة للإحياء في عالمنا الإسلامي اليوم:
 
التنكر لروح المقاومة وإثارة النعرات الطائفية والعنصرية
لا شكّ أن أعظم تهديد لحياة الأمة الإسلامية يتمثل اليوم في الكيان الصهيوني، بما يمارسه من إذلال واغتصاب وتشريد واستهانة بالمقدسات وبطش وتنكيل بصراحة تامّة أمام مرأى ومسمع المسلمين كلّهم.

وبالمقابل فإن أعظم استعادة لهذه الحياة تجلّت في «مقاومة» هذا العدوّ المتغطرس، خاصة ما سجّلته المقاومة الإسلامية في جنوب لبنان من ملاحم جرّت على العدوّ الصهيوني الهزيمة والخذلان والتراجع لأول مرّة في تاريخ المواجهة مع الصهاينة.

ولا شكّ أيضًا أن العالم الإسلامي هبّ بأجمعه مرحّبًا بهذه الانتصارات التي أعادت إليه الأمل والروح والحياة.
وقد لا نكون مبالغين إذا قلنا إن هذه الانتصارات كان لها أكبر الأثر في الصحوة الإسلاميّة المعاصرة.
لكنّ العوامل المضادّة للحياة تحركت مثل جراثيم وبائية لتفتك بالجسم الإسلامي ولتحاول الالتفاف حول هذا العامل الإحيائي.

ظهر التشكيك في جدوى المقاومة وفي جدوى الانتصارات وعلى لسان جبهة تضم قوى إقليمية وعالمية متحدة ذات خطة قصيرة المدى وطويلة المدى لمواجهة مدّ الوعي الإسلامي التصاعد في المنطقة. وهذه الخطة وُضعت بعد انتصار الثورة الإسلامية في ايران وواجهت في التنفيذ بعض النجاحات وكثيرًا من الهزائم والتراجعات.

ولعلها شعرت بأنها حققت نجاحًا أكبر حينما دخلت بكل ثقلها في سوريا،‌التي تشكل عنصرًا هامًّا من عناصر الصمود والتصدي والمقاومة، لتحوّل حراكًا شعبيًا سلميًّا محقًّا إلى حرب مسلّحة إرهابية أغدقت فيها الأسلحة الثقيلة من كل حدب وصوب على مجموعة إرهابية مخدوعة أو مأجورة، لتذبح وتدمّر باسم الإسلام. التكبير!!

ولم تكن سوريا وحدها مستهدفة في هذا الإجهاز، بل كل عناصر المقاومة الإقليمية التي تريد أن تضع حدًا لعجرفة العدوّ الصهيوني. ومن هنا ظهرت تصريحات بعض المنتمين إلى الجبهة المضادة للمقاومة تحمل الحقد والضغينة على حزب الله في لبنان والجمهورية الإسلامية في إيران.

قضية سوريا هي جزء من سلسلة مواجهات بين الحياة والموت.. بين المقاومة والعوامل المضادّة للمقاومة في عالمنا الإسلامي، وانتصرت الحياة على الموت بإذن الله في هذه البلد العزيز.والمظهر الأخر للعوامل المضادة للإحياء في عالمنا الإسلامي اليوم إثارة النعرات الطائفية والعنصرية ثمة ارتباط وثيق بين «الحياة» و«الوحدة».

الجسم الحي مترابط عضويًا،‌والجسم الميّت مفكك الأعضاء كما ذكرنا. متى ما ظهرت علامات الحياة ظهرت معها نداءات الوحدة.. وفي تاريخنا القريب رأينا هذا الاقتران لدى انتصار الثورة الإسلامية في إيران، ولدى انتصارات المقاومة في جنوب لبنان، وصمود المقاومة الإسلامية وانتصاراتها في فلسطين. غير أن الملاحظ هو أنّه بعد كل عودة إلى الحياة تتحرك القوى المضادة لتثير عاصفة طائفية تملأ الأجواء حتى يخيّل للإنسان أن مشروع وحدة الأمة الإسلامية قد فشل! وأن الدعوة إلى التقريب ضربٌ من الخيال؟! غير أن الغيوم حين تنقشع تنفضح الأيدي العابثة، وتتصاعد الإدانات للطائفيين من كل مكان، وترتفع الدعوة إلى نبذ الطائفية.

بعد تصاعد الصحوة الإسلامية في العالم العربي تكرر المشهد. غير أنه كان هذه المرّة قاسيًا دمويًا أكثر من ذي قبل. في بلدان الصحوة الإسلامية، نرى بدرجة وأخرى صراعًا دينيًا بين المسلمين والمسيحيين! وبين الإسلاميين والليبراليين، وبين قبائل البلد الواحد، وبين مذاهب البلد الواحد. وهذه الحالة تتنافى تمامًا مع عملية الإحياء التي ينبغي أن تكون المقصد الأسمى للصحوة.

الجمهورية الإسلامية الإيرانية ــ على لسان قيادتها ــ قدمت تجربتها إلى بلدان الصحوة الإسلامية وحذّرتها من كل ما واجهها ويواجهها على الساحة، وخاصة في مجال رصّ الصفوف، ورفض عوامل التفرقة.

إن الجبهة المعادية للمقاومة تقف اليوم بوضوح أيضًا وراء الإثارات الطائفية والقومية. كما أن جبهة المقاومة والصمود والتصدّي أصبحت تمثّل اليوم مركز الثقل في الدعوة إلى وحدة الشعوب ووحدة فئات الشعب الواحد، والى إحلال (الحوار) محلّ الصراع المسلح الدامي.

وستبقى المواجهة بين عوامل الإحياء وعوامل الإماتة، حتى تسري الحياة إلى أجزاء العالم الإسلامي بأجمعه. وهذا ما تذهب إليه القيادة الإسلامية في إيران حين تدعو الأمة إلى استعادة الحضارة الإسلامية على مستوى متطلبات العصر، وتدعو إلى إقامة كتلة إسلامية متطوّرة موحدة. وما ذلك على الله بعزيز.
 
                                                                     محسن الأراكي
                                          الأمين العام للمجمع العالمي للتقريب بين المذاهب الإسلامية
https://taghribnews.com/vdchqknxv23nqqd.4tt2.html
الإسم الثلاثي
البريد الإلكتروني
أدخل الرمز