تاريخ النشر2011 8 January ساعة 10:39
رقم : 36109

سوريا تعود مرة أخري إلي بؤرة الاهتمام الإسرائيلي ..

الدكتور حسن عبد ربه المصري *
سوريا تعود مرة أخري إلي بؤرة الاهتمام الإسرائيلي ..

حكومة نتنياهو معترضة بشدة وليست راضية عن تعيين سفير أمريكي في دمشق دون موافقة الكونجرس ..
حكومة نتنياهو تدعي أن مبعوثاً خاصاً لها قام مؤخراً بزيارة إلی دمشق ..
نتنياهو يستنكر إصرار سوريا علی استعادة أراضي هضبة الجولان قبل الدخول في أي مفاوضات مباشرة مع حكومته ..
هل يعد ذلك من قبيل ..
- محاولة الخروج من ضائقة العزلة الدولية ؟؟ ..
- أو من قبيل الرفض المتوالي والمتكرر لسياسات الانفتاح الأمريكي علی العواصم العربية ؟؟ ..
- أم من قبيل الإيحاء بان مفاتيح تفعيل السلام في المنطقة سواء علی مستوي الملف الفلسطيني أو علی مستوي الملفات العربية يبدأ من إسرائيل وينتهي إليها ؟؟ .. 

إسرائيل الرسمية تستنكر علی الرئيس الأمريكي أن يستخدم سلطاته الدستورية لتنشيط سياساته تجاه سورية، بعد أن جرب الالتزام بما فرضه عليه الكونجرس منذ مايو ۲۰۱۰ عندما بعث ۱۲ سيناتور إلی وزيرة الخارجية بمذكرة يعلنون فيها نيتهم تعطيل الموافقة علی تعيين روبرت فورد سفيراُ لأمريكا في دمشق .. وهذا ما حدث فعلا .. 

رفض الكونجرس في حينه الموافقة علی التعيين، وفق مقولة انه سيُشكل جائزة لسورية علی موقفها المعارض للسلام في الشرق الأوسط !! وإيوائها لعناصر إرهابية من الجماعات الفلسطينية المعادية لإسرائيل وأمريكا !! وتحالفها الإستراتيجي مع إيران !! ودعمها لنظريات المقاومة التي يمثلها حزب الله في لبنان ومنظمة حماس في قطاع غزة !! وموقفها المعادي لسياسات الرئيس محمود عباس .. 

إسرائيل وبعض أعضاء الكونجرس الأمريكي يريدون أن تشكل عودة السفير الأمريكي إلی دمشق نهاية لفترة عقابها التي امتدت من منتصف عام ۲۰۰۵ حتى اليوم فور مقتل الرئيس رفيق الحريري .. وبداية فترة تلتزم خلالها بما تفرضه عليها المخططات اليمينية داخل المؤسسات التشريعية الأمريكية التي تتواءم في توجهاتها مع المطالب العنصرية الإسرائيلية التي تهدد بإعادة سورية إلي العصر الحجري مرة، وتطالبها بالتنازل علی جزء كبير من هضبة الجولان مرة، وان تتقاسم مع شعبها مياه بحيرة طبرية مرات .. 

لقد جربت الإدارة الأمريكية أن تؤجل تعين سفيرها الجديد انصياعاً لدعاوي أن سورية لم تُقدم منذ عام ۲۰۰۵ ما تستحق عليه " جائزة الفوز بشرف تواجد سفير أمريكي في عاصمتها " .. وجربت أن تسير علی خطي سياسات العصا والجزرة التي كانت تتبناها إدارة الرئيس السابق جورج بوش الابن كما نصحها الجناح اليميني المحافظ في الكونجرس ..
فماذا حققت علي الجبهة السورية بشكل محدد ؟؟ لا شئ .. 

جربت الإدارة الأمريكية إرسال المبعوثين الشخصيين والممثلين لوزارة الخارجية وغيرها من وزاراتها السيادية وأعضاء الكونجرس وخبراء السياسة والأمن، إلی العاصمة السورية للتباحث ومحاولة التعرف علی توجهات الرئيس السوري ومستقبل رؤية حكومته للأوضاع الثنائية بين الطرفين و رؤيته للعلاقات بين سورية ولبنان، إلی جانب الاقتراب من أفكاره علی المستويين العربي والإسلامي وأيضا في ضوء توقعاته بالنسبة لملف التفاوض مع الدولة التي تحتل أراضي ذات سيادة سورية خالصة، وعادوا كلهم ليؤكدوا أن الحل الأمثل للتفاهم حول هذه القضايا جميعاً هو أن يتواجد سفير أمريكي في دمشق يكون علی اتصال دائم مع الأحداث !! سفير قادر علی التعامل معها مباشرة بعد تنسيق بشكل أو بآخر مع الجهات والأجهزة المعنية في واشنطن .. 

من هذا المنطلق استخدم الرئيس باراك أوباما حقه الدستوري في تعيين السفير روبرت فورد بقرار رئاسي لمدة عام حتى يبتعد بمستقبل سياساته عن دائرة الحصار الذي يفرضه عليه الكونجرس خاصة في ضوء نتائج تشكيلة مجلس النواب والشيوخ التي أفرزتها المعركة الانتخابية التي جرت علی مستوي الولايات الأمريكية أوائل نوفمبر الماضي .. هذا الاستخدام الدستوري الذي لا تشوبه شائبة لم يرض المُصرين علی ضرورة أن تواصل واشنطن إتباع سياسة العقاب والضغط علی دمشق حتى تستسلم لما يُملي عليها، وقد عبرت إيلانا روس ليتنان رئيسة لجنة العلاقات الخارجية بمجلس النواب عن رأيهم هذا حين وصفت قرار الرئيس بأنه " رسالة غير صحيحة تعكس استسلاماً للنظام السوري " .. 

إسرائيل الرسمية تدعي أنها كشفت النقاب عن زيارة قام بها مبعوث شخصي لرئيس وزرائها إلی دمشق، قابل أثنائها الرئيس بشار الأسد في القصر الرئاسي ..
والحقيقة التي بين السطور كما جاءت علی لسان الزائر الأمريكي مالكولم هونلاين رئيس احدی المنظمات اليهودية الأمريكية، الذي كانت الإدارة الأمريكية علی معرفة بأسباب توجهه إلی دمشق، تشير بوضوح إلی استغلال حكومة نتنياهو العنصرية لأجندة زيارته لتبادل وجهات النظر حول أوضاع اليهود السوريون وما تحتاجه دور عبادتهم من إصلاحات وصيانة دورية .. لكي تنشر عن طريق القناة العاشرة بتلفزيونها الرسمي ما يلي ..
۱ – أن الزيارة تمت بشكل سري للغاية ..
۲ – أن الزائر قام بها بناء علی دعوة شخصية من الرئيس السوري ..
۳ – أنها كانت بتكليف وتنسيق مع رئيس وزراء إسرائيل ..
۴ – ان نتنياهو تلقي من الزائر / المبعوث بعد عودته لواشنطن تقرير مفصل عنها .. 

الجدير بالإشارة هنا أن تشيكو منشيه المراسل السياسي لقناة التلفزيون الإسرائيلي التي بثت الخبر وتغطيته قال " إن الرئيس السوري لم يُغير مواقفه المعروفة بالنسبة لشروط السلام مع إسرائيل وفي مقدمتها الانسحاب الكامل من أراضي هضبة الجولان المحتلة " ..
يدعم هذه الحقيقة ويؤكدها بشكل لا لبس فيه ما جاء علی لسان نتنياهو مساء الاثنين ۳ الجاري أمام لجنة الشئون الخارجية والأمن في الكنيست من أن حكومته مستعدة لإجراء مباحثات مع دمشق لكن المشكلة كما قال " أن السوريون مصممون علی استرداد أرضهم برمتها قبل بدء المفاوضات " .. وهذا هو الخطأ الاستراتيجي من وجهة نظره الذي يعطل مشروع السلام الذي ينوي إقراره مع دمشق، وهذا معناه .. 

عندما تتمسك سورية باستعادة كامل أراضيها المحتلة، هذا خطأ ..
وعندما تُصر علی عدم التفاوض تحت ضغط ورقة أراضيها المحتلة، فهذا خطأ آخر ..
وعندما تقول أنها لم تتنازل عن أي من اشتراطاتها السابقة، فهذا خطأ ثالث ..
من هنا يمكن أن نفهم أسباب الغضب الرسمي الإسرائيلي تجاه قرار تعيين روبرت فورد سفيراً للولايات المتحدة في دمشق .. وأسباب التنديد بانفراد الرئيس باتخاذ القرار .. وأسباب الاعتراض علی صدور القرار أثناء عطلة الكونجرس الرسمية .. وتعمد تهميش حقه - أوباما - الدستوري حتى لو كانت يفرض عليه أن يكون القرار سارياً لمدة عام فقط .. 

ونفهم من ناحية أخري أسباب تناغم موقفها هذا، المؤسس علی عنصرية وتدخل في شئون الآخرين، مع موقف اليمين الأمريكي المتشدد حيال قضايا الشرق الأوسط بعامة وملف الصراع العربي الإسرائيلي علی وجه الخصوص الذي وصف القرار بأنه استسلام آخر من أوباما تجاه دولة معادية .. 

* استشاري إعلامي مقيم في بريطانيا drhassanelmassry@yahoo.co.uk
https://taghribnews.com/vdcao6ne.49niw1kzk4.html
الإسم الثلاثي
البريد الإلكتروني
أدخل الرمز