تاريخ النشر2010 20 November ساعة 16:37
رقم : 31726

الاستثمار الاسرائيلي في الدراسات الاسلامية !

الاستثمار الاسرائيلي في الدراسات الاسلامية !
وكالة انباء التقريب (تنا) :
تزخرُ النسخة العبريَّة لموقع مركز "أرئيل للدراسات" الإسرائيلي بعددٍ كبير من الدراسات حول الإسلام والفقه الإسلامي وتأثيرِه على توجُّهات المسلمين في الحاضر وفي المستقبل، والذي يُدهش كلَّ من يتصفح قائمة الدراسات التي يعرضها المركز -الذي يتخذ من مستوطنة "أرئيل" شمال غرب الضفة الغربيَّة مقرًّا له- طابع القضايا الفقهيَّة التفصيليَّة التي تتعرَّض لها هذه الدراسات، ولعلَّ إحدى الدراسات التي يثير عنوانها الانتباه بشكلٍ خاص، هي تلك التي أعدَّها المستشرق ديفيد بوكعي والموسومة بـ "سلام مكة، أو جهاد الدولة: الناسخ والمنسوخ في الإسلام"، إذ أنه لأول وهلة وبمجرد أن تقرأ العنوان فإنه يتبادر إلى ذهنك أن الباحث يتعرَّض لإحدى القضايا الفقهيَّة الدقيقة، لكن بمجرد أن يشرع المرء في قراءة الدراسة حتى يكتشف بسرعة أنه في الوقت الذي يستند فيه الباحث إلى المناهج البحثيَّة في المعالجة من ناحية شكليَّة، إلا أن البحث يقوم على التدليس وسطحيَّة المعالجة، حيث يحرص المستشرق على استغلال عدم معرفة أولئك الذين يطّلعون على هذه الدراسة بالدين والفقه الإسلامي واللغة العربيَّة وفقهها، لكي يحوِّلَها إلى مجرد لائحة اتهام طويلة للإسلام، حيث يحاول الإثبات أن الإسلام هو دين إرهاب وقتل، المكان الذي يحتضن هذا المركز يشي بدوافعه، فإن تحتضن "أرئيل" ثاني أكبر المستوطنات اليهوديَّة في الضفة الغربيَّة، هذا المركز يعني الكثير، بالإضافة إلى أن الباحثين فيه يعملون من أجل تحقيق هدف واحد، وهو تشويه الإسلام والمسلمين، لكن المشكلة تكمن في حقيقة أن إصدارات هذا المركز تتمُّ ترجمتها إلى كثير من اللغات ويتمُّ تداولها في كثير من الجامعات الأمريكيَّة والأوروبيَّة، حيث أنه يخشى ألا يُؤخذ بعين الاعتبار طابع المركز ورسالته العنصريَّة، حيث تحاول بعض الدراسات تغذية المخاوف الغربيَّة من الإسلام، واستعراض بعض العناوين يدلِّل على محاولة تحقيق هذا الهدف، وهذه بعض العناوين: "الإسلام والعنف"، "جذور الفاشيَّة الإسلاميَّة"، "غسيل المخ الإسلامي والغرب"، و"الديمقراطيَّة في خدمة بدائل الإخوان المسلمين"، "الثمن الاقتصادي للإرهاب"، وغيرها الكثير من الدراسات التي تستند بشكلٍ أو بآخر على جملة من المواقف المسبقة التي عادةً ما تميِّز الدراسات الاستشراقيَّة. 


لكن ما يثير الاهتمام حقًّا هو تعاظم الاهتمام بالدراسات الاستشراقيَّة في إسرائيل بشكل عام، والذي وجد تعبيره في تكاثر دور البحث ومراكز الفكر التي إما تتخصص بشكل كامل في الدراسات الاستشراقيَّة، أو تولي هذا الجانب أهميَّة كبيرة إلى جانب اهتماماتها الأخرى، فكل الجامعات الإسرائيليَّة بدون استثناء تضم مراكز بحث في مجال الاستشراق، التي تحمل عناوين عدَّة، لكنها تشخص لتحقيق نفس الأهداف، ويعتمد صنَّاع القرار في إسرائيل بشكلٍ خاص على هذه الدراسات في بلورة الاستراتيجيَّات العامَّة تجاه العالمين العربي والإسلامي، حيث يجد الكثير من المستشرقين أبواب صناع القرار مفتوحة، في نفس الوقت فإن الأجهزة الاستخباريَّة الإسرائيليَّة تعتبر من المؤسَّسات المستهلكة للدراسات الاستشراقيَّة، حيث تحرص الأجهزة الاستخباريَّة الرئيسيَّة الثلاث في إسرائيل: الموساد، الشاباك، وشعبة الاستخبارات العسكريَّة "أمان" على عقد دورات تكميليَّة لضباطها، حيث يتولى المستشرقون بشكلٍ خاص إعطاء المحاضرات لكبار الضباط في هذه الأجهزة، في نفس الوقت فإن كبار الضباط الذين يعملون في هذه الأجهزة، لا سيَّما أولئك الذين عملوا في مجال تجنيد العملاء، يتحوَّلون إلى مستشرقين بعد تركِهم العمل في هذه المؤسَّسات، ومن مظاهر تعاظم دور المستشرقين هو لعبهم دورًا كبيرًا في صناعة الرأي العام في إسرائيل، فجميع المعلِّقين للشئون العربيَّة في قنوات التلفزة والصحف والشبكات الإذاعيَّة، والمواقع الإخباريَّة هم من المستشرقين الذين ينصبون أنفسهم كمن يحتكر معرفة العرب ونفسياتِهم وتوجهاتِهم، ولا يترددون في إصدار الأحكام في كل ما يتعلَّق بالشأن العربي، ولا يتورَّعون في كثير من الأحيان عن نصح صناع القرار بنصائح حول كيفية التعامل مع العرب، فعلى سبيل المثال في ذروة الفترة التي نفَّذت فيها المقاومة الفلسطينيَّة العمليَّات الاستشهاديَّة، نصح أحد المسشرقين -وهو معلِّق للشئون العربيَّة في إحدى قنوات التلفزة- صناع القرار في تل أبيب بأن يقوموا بلف جثة الاستشهاديين بجلود خنازير وذلك لرَدْع الشباب الفلسطيني عن الالتحاق بركب المقاومة، على اعتبار أن الإسلام يُحَرِّم لحم الخنزير، وغيرها من النصائح.

لكن السؤال الذي يطرح نفسه: لماذا كل هذا الاهتمام الإسرائيلي بالاستشراق وتخصيص كل هذه الموارد من أجل تشجيع الدراسات الاستشراقيَّة؟ وهل يمكن تفسير هذا الميل نحو الاستثمار في هذا المجال بمجرد الرغبة في تشويه الإسلام أو لتوظيف نتائج الدراسات الاستشراقيَّة في الحرب ضد العرب والمسلمين؟

في الحقيقة أن تفسير هذا التوجه لا يقتصر على تحقيق هذه الأغراض، ويمكننا أن نعثر على إجابة هامة على لسان يحزكيل درور، الذي يوصف بأنه "أبو الفكر الاستراتيجي الإسرائيلي"، الذي يتحمَّس للدراسات الاستشراقيَّة (مع أنه غير مستشرق) لأنه يرى أن الإسلام سيتحوَّل إلى قوَّة أساسيَّة رئيسيَّة في العالم خلال القرن الحادي والعشرين، وهو يوصي بأن تلائم إسرائيل نفسها لذلك، وضمن ذلك في مجال الاستثمار في الدراسات الاستشراقيَّة، لكن درور – وبخلاف معظم المستشرقين الصهاينة – يصل إلى استنتاج أكثر موضوعيَّة، إذ أنه ينصح صناع القرار بأن يحاولوا التوصل إلى تسوية سياسيَّة للصراع العربي الإسرائيلي مع الأنظمة العربيَّة المعتدلة قبل أن يتحوَّل الإسلام إلى قوَّة رئيسيَّة في العالم، حيث أنه يخشى أن تكون إسرائيل في موقع الدونيَّة، وبالتالي فإنه سيتمُّ فرض الحلول عليها فرضًا، والسؤال المطروح: هل يُخيِّب المسلمون توقعات درور؟! 

صالح النعامي



https://taghribnews.com/vdcai0ne.49n6u1kzk4.html
الإسم الثلاثي
البريد الإلكتروني
أدخل الرمز