تاريخ النشر2017 30 September ساعة 22:10
رقم : 286284

كيف نجعل من عاشوراء حركةً إسلاميّة؟!

تنا
إنّ كثيراً من النّاس يتحدّثون عن أنّ كربلاء مجرّد حركة استشهاديّة، وكلّ مضمونها الاستشهاد، ولكنّنا نتصوّر أنّها حركة إسلاميّة انطلقت على أساس العناوين الإسلاميّة: الإصلاح في أمّة رسول الله(ص)، الأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر، العزّة... فكلّ هذه المفاهيم الّتي انطلقت هي مفاهيم إسلاميّة، وتحرّكت في خطّ الحسين(ع) تبعاً للأوضاع الّتي تدرّجت فيها قضيّة كربلاء.
كيف نجعل من عاشوراء حركةً إسلاميّة؟!

المرجع الفقيد السيد محمد حسين فضل الله

إنّ علينا أن نؤصّل الإسلام في وعينا الثّقافيّ والسياسيّ، حتّى لا يكون عندنا نصف إسلام، ونصف كفر، على طريقة ذلك الشّاعر الّذي قال في بعض كلماته:

                في يدي مصحف وخمر بأخرى          بين هذا وذاك طوراً فطوراً      

                أكثر النّاس لو تأمّلت في النّاس         فهم يحملون دينا وكفراً 

إنّنا لا نريد أن يكون لنا خمر ثقافيّة تبعدنا عن وعي الإسلام، أو خمر سياسيّة وما إلى ذلك.

وعلى ضوء هذا، نلتقي بالحسين(ع) في خطّ الإسلام، من أجل أن نحوّل عاشوراء إلى عاشوراء إسلاميّة تنفتح على الحسين الإمام في معنى الإمامة في الأفق الواسع للإسلام، لتكون عاشوراء في كلّ سنة ساحةً من ساحات الدّعوة إلى الإسلام، الّتي تُطرح فيها كلّ مفاهيم الإسلام في العقيدة والشّريعة، وأن نعمل على تأصيل هذه المفاهيم، لنزيل عنها الكثير من عناصر التخلّف الّتي أحاطت بها، بفعل كلّ التّراكمات التاريخيّة والثقافيّة، وذلك بأن ينطلق في كلّ جيل علماء مسلمون مثقّفون، من أجل أن يعيدوا النّظر في كلّ تفسير للقرآن، وفي كلّ وعي للسنّة، وفي كلّ اجتهاد في الفقه، لأنّ الفقهاء والمفكّرين والمتكلّمين الّذين سبقونا ـ مع كلّ جلالة قدرهم واحترامنا لهم ـ كانوا يختلفون فيما بينهم، وكان لكلّ منهم اجتهاده، ولا نعتبر أنّ اجتهاد أيّ واحد منهم يمثّل نهاية المطاف للفكر في فهم الإسلام، أو في فهم التّشريع، لأنّ الاجتهاد قد ينطلق من خلال ظروف موضوعيّة في نفس المفكّر أو المجتهد، تترك تأثيراتها على ذهنيّته وعلى تفكيره، حتى إنّ الإمام الخميني(رض) كان يتحدَّث عن أنَّ هناك خصوصيَّات للزّمان والمكان تختلف فيها
الأحكام من خلال اختلاف العناوين الثانويّة.

إنّ المطلوب في كلّ مرحلة من المراحل في مسؤوليّاتنا الإسلاميّة، أن نبقى نفكّر دائماً، حتّى يمكن للإسلام أن يواكب المتغيّرات في الواقع الإنسانيّ.. وهذا لا يعني أن نُخضع الإسلام للتطوّر، بأن نقف أمام أيّ تطوّر يتحرّك في الواقع الإنساني لنعطيه حكماً شرعيّاً، أو مفهوماً إسلاميّاً يتناسب معه من دون أساس، بل إنّ المسألة أنّنا نريد أن نطوّر الحياة بالإسلام، وأن ينطلق الإنسان في الواقع لا في عمق التّأريخ.

كما لا بدّ للحوار الّذي يتحرّك في كلّ قضايانا الإسلاميّة، سواء منها الفقهيّة أو السياسيّة أو الاجتماعيّة أو التاريخيّة، أو ما إلى ذلك، لا بدّ لهذا الحوار من أن يكون علميّاً موضوعيّاً يبتعد عن خطّ الغوغاء، ولا يدخل في دائرة الانفعال.

وعلى ضوء هذا، فعندما نريد أن نطلق عاشوراء لتكون إسلاميّة، فلا بدّ لنا من أن نلاحظ الاختلاف بين الماضي والحاضر في طريقة إثارة الذّكرى وعرضها.

فقد كان للماضين أساليبهم في طريقة إثارة العاطفة والمأساة والتأسّي، وهم قد صنعوا وسائلهم من خلال ظروفهم، ومن خلال المراحل الّتي عاشوا فيها، ولكنّ الأساليب التعبيريّة ـ اليوم ـ قد تطوّرت، فأصبح النّاس يمارسون التّجربة الشعريّة أو النثريّة بطريقة تختلف عن الماضي، وأصبحت طريقة عرض الذّكرى وإثارتها تختلف عمّا كان عليه الأمر في الماضي، وهكذا...

ولذلك، فعندما نطلق عاشوراء الإسلاميّة، فلا بد لنا من أن نطوّر طريقة الاحتفال بعاشوراء، وأن ننفتح على كلّ الوسائل الّتي تدخل عاشوراء إلى وعي العصر، من خلال المسرح الحديث والسّينما وغير ذلك، مما يمكن له أن يشكّل دعوةً للإسلام، ودعوةً لقضيّة الإمام الحسين(ع)، ولا يُفهم من كلامنا أنّنا نلغي دور "المجالس"، بل إنّ للمجالس عمقها وحيويّتها وحركيّتها في المعنى الإنسانيّ للذّات.

كما أنّ علينا أن نرصد المقدّس في التّعبير، بأن ندرس الوسائل الموجودة عندنا؛ من أين نشأت؟ ومن أطلقها؟ وذلك لنعرف أنّ كثيراً من الوسائل الموجودة عندنا ليست وسائل مقدّسة، وإنما انطلق بها أناس عاديّون هنا وهناك، لتصبح جزءاً من التّقاليد وجزءاً من العادات بعد ذلك.

كما أنّ علينا أن ندرس واقعنا دراسة إسلاميّة تنطلق من كربلاء الإسلام، لندرس كربلاء في كلّ عمقها؛ هل هي حركة عنف انطلق منذ البداية، أم هي حركة رفق، أم هي حركة يمتزج فيها الرّفق والعنف، كما هو الخطّ الإسلاميّ في كلّ قضايا الممانعة والرّفض؟

إنّ كثيراً من النّاس يتحدّثون عن أنّ كربلاء مجرّد حركة استشهاديّة، وكلّ مضمونها الاستشهاد، ولكنّنا نتصوّر أنّها حركة إسلاميّة انطلقت على أساس
العناوين الإسلاميّة: الإصلاح في أمّة رسول الله(ص)، الأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر، العزّة... فكلّ هذه المفاهيم الّتي انطلقت هي مفاهيم إسلاميّة، وتحرّكت في خطّ الحسين(ع) تبعاً للأوضاع الّتي تدرّجت فيها قضيّة كربلاء.

فكربلاء حركة إسلاميّة كان الحوار عنواناً من عناوينها، فقد حاور الحسين(ع) كلّ النّاس، فحاور الحرّ بن يزيد الرّياحي، وحاور أهل الكوفة الّذين جاؤوا ليقاتلوه باسم الإسلام في كربلاء، ولكن عندما أرادوا أن يفرضوا عليه الخضوع لحكم يزيد أو لحكم ابن زياد معه، عند ذلك، رأى أنّ المسألة وصلت إلى الطريق الّذي لا بد فيه من أن يقول: "لا والله لا أعطيكم بيدي إعطاء الذّليل ولا أقرّ لكم إقرار العبيد".. فعلينا أن ندرسها من موقع كونها تجسيداً للأسلوب الإسلاميّ في الثّورة والحركة.

وعلينا في الوقت نفسه أن ننطلق من خلال هذه الذّكرى، لنعالج مسألةً يحاول أن يردّدها البعض، وهي أنّ الحسين(ع) لم يكن طالب حكم أو سلطة.

إنَّنا نقول إنَّ الحسين(ع) كان طالب حكم وسلطة، ولذلك واجه المسألة من الموقع الواسع للقضيَّة، وتحرّك في مسألة التحدّي من المفهوم الإسلاميّ، عندما قال: "أيّها النَّاس، إنّ رسول الله(ص) قال: من رأى منكم سلطاناً جائراً، مستحلاً لحرم الله، ناكثاً بعهده، مخالفاً لسنّة رسول الله، يعمل في عباده بالإثم والعدوان، فلم يُغِر ـ أو لم يغيّر ـ عليه بفعل ولا قول، كان حقّاً على الله أن يدخله مدخله، ألا وإنّ هؤلاء القوم قد لزموا طاعة الشّيطان، وتركوا طاعة الرّحمن، وأظهروا الفساد، وعطّلوا الحدود، واستأثروا بالفيء، وأحلّوا حرام الله، وحرّموا حلاله، وأنا أحقّ من غيّر".. أنا المغيّر للواقع في قمّة السّلطة، المغيّر للواقع في ساحة السّياسة، والمغيّر للواقع في كلّ الخطوط الثقافيّة والاجتماعيّة؛ ومن الطبيعيّ وهو في موقع الإمامة في الموقع الرّبانيّ، أن ينطلق ليكون في الموقع الشّرعيّ، لأنّه لا شرعيّة لموقع لا يكون فيه الحسين(ع) حاكما أو إماماً.

بعض النَّاس يحاولون أن ينطلقوا في كلّ هذه الخطوط الّتي تقول لك إنّ علينا أن لا نحرّك الإسلام في الواقع السياسيّ السلطويّ، ويريدون أن يشرّعوا للواقع انحرافه وظلمه وخيانته.. إنّنا نقول: من حقّ الحركة الإسلاميّة في كلّ زمان ومكان، ومن حقّ العاملين للإسلام، أن يطالبوا بالحكم بالوسائل الإسلاميّة الحضاريّة، وهم عندما يطلبون الحكم، فإنّهم لا يطلبون سلطة عمياء، ولكنّهم يطلبون سلطة منفتحة على الإنسان كلّه، من خلال دين الله وشريعته.

ومن هنا، فإنّنا عندما نريد أن نواجه الواقع في حركته الثقافيّة أو السياسيّة أو الاجتماعيّة أو الاقتصاديّة أو الأمنيّة أو ما إلى ذلك.. فلا بدّ من أن يكون الإسلام بكلّ مفاهيمه وشريعته هدانا، وأن يكون القاعدة الّتي نرتكز عليها في جميع مواقعنا
https://taghribnews.com/vdcjome8xuqeo8z.3ffu.html
الإسم الثلاثي
البريد الإلكتروني
أدخل الرمز