تاريخ النشر2017 2 September ساعة 09:56
رقم : 281999

ما الذي يزعج السعودية والامارات من التقارب الايراني التركي؟

تنا
التوافق الايراني التركي وما للبلدين من ثقل اسلامي سيهمش بشكل كامل دور السعودية والامارات في المنطقة ككل، خاصة أن أبو ظبي والرياض، وكما هو معروف، لم تتوقفا عن العزف على وتر الطائفية والتحشيد المذهبي لكسب أي دور في الشرق الأوسط، وبالتالي التقارب بين طهران وأنقرة سيكون بمثابة تحالف اسلامي عابر للطوائف بين أكبر الدول الاقليمية .
ما الذي يزعج السعودية والامارات من التقارب الايراني التركي؟
لطالما كانت السياسة بين الدول قائمة على البراغماتية في المقام الأول، ومن الطبيعي أن تسعى كل دولة للسير وفق مصالحها وأجنداتها التي تراها، وعليه يمكن تفسير العلاقات الايرانية التركية من هذا المنظار.

ولكن الذي يحتاج الى توضيح الآن هو مشكلة بعض الدول العربية لا سيما السعودية والامارات عند أي تقارب بين طهران وأنقرة.

في البداية يمكن القول إن العلاقات الايرانية التركية شهدت خلال العقد المنصرم تقارباً كبيراً في عدة مجالات أهمها الشق الاقتصادي، ودعم قيام دولة فلسطينية، بالاضاقة الى الموقف المشترك من القضية الكردية، في حين اصطدمت تلك العلاقات بشكل كبير في الملف السوري.

ولكن ورغم اختلاف مقاربة البلدين للأزمة السورية فالعلاقات الايرانية التركية لم تنقطع، بل على العكس نجحت أنقرة وطهران في تحييد خلافاتهما الاقليمية عن علاقاتهما الثنائية، وظلت الروابط الايرانية التركية على درجة كبيرة من التعاون لا سيما في المجال الاقتصادي والتجاري، وأيضا لم تنقطع الزيارة الرسمية بين البلدين، ومع بداية الازمة بين تركيا وروسيا بعد قيام أنقرة باسقاط طائرة روسية فوق سوريا، لعبت طهران دورا مهما كوسيط بين الطرفين، ونجحت ايران في اكتساب تركيا في الملف السوري، خاصة بعد انكشاف المخططات الامريكية الرامية لتقسيم المنطقة والتي فهمتهما القيادة التركية مؤخرا.

بعد ذلك بدأت جهود حثيثة لتقريب وجهات النظر بين البلدين تجسدت بانعقاد سلسلة من اللقاءات مع أطراف الازمة السورية في استانا وتم الاتفاق على إقامة مناطق تهدئة في سوريا بالاتفاق مع موسكو، وصولاً الى قيام رئيس الأركان الإيراني، محمد باقري، مؤخراً بزيارة إلى تركيا في زيارة هي الأولي من نوعها منذ عام 1979، بالتزامن مع تصاعد الخطر الكردي الذي بدأ يهدد وبشكل جدي البلدين، مما استدعى رفضاً واضحاً من قبل أنقرة وطهران لفكرة إقامة دولة كردية سواء في سوريا أو العراق، وظهر بوضوح خلال تلك الزيارة قدر التنسيق العسكري والأمني بين البلدين.

قلق سعودي وإماراتي
الى ذلك شكل ملف الأزمة القطرية مع الدول الأربع المقاطعة لها (مصر، السعودية، البحرين والامارات) فرصة كبيرة لزيادة حجم التنسيق بين ايران وتركيا، وشكل هذا التقارب في هذا الملف ايضا لبنى جديدة للتعاون الإستراتيجي، اذ اصطفّ البلدان الى جانب قطر لمواجهة الحصار المفروض عليها، وشكلت الدوحة مع طهران وأنقرة خلية عمل مشتركة لتدارك الأزمة واستيعاب الحصار عليها وإمدادها بالمواد الغذائية
الضرورية وفتح المجال الجوي أمام الطائرات وتطور التنسيق إلى قيام تركيا بدراسة مشروع طريق بري يربط تركيا بقطر عن طريق إيران، وبالتالي فان بذور التنسيق بين الجانبين بدأت تؤتي أكلها، وشكلت أوضح مواجهة علنية للسعودية والامارات، اذ تخندقت طهران وأنقرة في خندق مقابل لدول الحصار.

بالمقابل كانت الامارات الطامحة لكسب دور اقليمي في المنطقة، ومن خلفها السعودية، مستاءة لحدوث أي تقارب بين أنقرة وطهران، والتصعيد الاماراتي الجديد ضد التقارب الايراني التركي تجلى بأوضح صوره بعد مهاجمة وزير الخارجية الإماراتي عبدالله بن زايد الذي اعتبر خلال مؤتمر صحفي، مع نظيره الروسي سيرغي لافروف، أن طهران وأنقرة تلعبان دوراً استعمارياً تاريخياً في المنطقة العربية، وهو ما يهدّد بنشوب أزمات أخرى على غرار الأزمة السورية، محذراً مما أسماها الدور السلبي لأنقرة وطهران في سوريا.

كذلك ترى الامارات والسعودية ان التقارب التركي الايراني خاصة في الملف السوري يعد تطورا سلبيا لسياساتهما ويثير القلق لأنه يعزز من قدرة طهران على تعزيز تأثيرها في البيئة الإقليمية من جهة ويقزم دور المال الخليجي الذي فقد أهميته في الملف السوري وأصبح عاجزاً عن كسب أي مقعد في ملف التسوية السورية وأن يلعب دور الوزير في أزمة دمشق بعد أن تحط الحرب وزرها والاكتفاء بدور البيدق.

من ناحية أخرى فان التوافق الايراني التركي وما للبلدين من ثقل اسلامي سيهمش بشكل كامل دور السعودية والامارات في المنطقة ككل، خاصة أن أبو ظبي والرياض، وكما هو معروف، لم تتوقفا عن العزف على وتر الطائفية والتحشيد المذهبي لكسب أي دور في الشرق الأوسط، وبالتالي التقارب بين طهران وأنقرة سيكون بمثابة تحالف اسلامي عابر للطوائف بين أكبر الدول الاقليمية، وسيسحب البساط من تحت تلك الأنظمة التي تسعى لمواجهة الدور الايراني الفعال في المنطقة بتغذية النعرات الطائفية.

أضف الى ذلك ان التقارب بين أنقرة وطهران سيسقط ورقة التوت عن بعض الأنظمة العربية التي تلهث وراء التطبيع مع الكيان الاسرائيلي، وبالتالي فان التقارب التركي الايراني سينعكس بشكل إيجابي على القضيّة الفلسطينية، لا سيما دعم حركات المقاومة ضد الاحتلال وسيلجم مشروع التطبيع القائم مع بعض الأنظمة العربية.

كذلك فان حساسية الامارات والسعودية من “الاسلام السياسي” وخوف حكام تلك الدول على عروشهم، يزيد من هواجس البلدين من التقارب الايراني التركي، فايران دولة اسلامية وتركيا أردوغان ومن خلفه حزب العدالة والتنمية تتفاخر بهواه الاسلامي ايضا، وعليه فان طهران وتركيا تعتبران تجربة ناجحة للاسلام السياسي الذي تسعى بعض دول مجلس التعاون لشيطنته.

في النهاية يمكن القول إن العلاقات الايرانية التركية والمراحل التي مرت بها من التنافس الى التنسيق، يؤكد بما لايدع مجالاً للشك، أن العلاقات بين هذه الدول يحكمها عمل مؤسساتي ونظام سياسي يعمل لأهداف استراتيجية، ولا تسير علاقاتهما حسب أهواء الحاكم أو حسب ما يومئ اليه أمريكيا كما يحصل في مماليك النفط العربية، وبالتالي فان أي تقارب ايراني تركي سيكون حتما لمصلحة البلدين وسيصب بطبيعة الحال في مصلحة عدد من دول المنطقة.

المصدر: iuvmpress
https://taghribnews.com/vdchwzniw23n6wd.4tt2.html
الإسم الثلاثي
البريد الإلكتروني
أدخل الرمز