تاريخ النشر2014 14 April ساعة 10:40
رقم : 156457
كتاب :

"الحوار أفقاً للفكر"

تنا
كتاب "الحوار أفقاً للفكر"، للمفكّر والفيلسوف المغربي، "طه عبد الرحمن"، هو عبارة عن مجموعة من الحوارات أُجريت معه خلال السنوات الأخيرة.
"الحوار أفقاً للفكر"

في كتابه، ينتقد عبد الرّحمن الذات الإسلاميّة والغربيّة، لافتاً إلى أنَّ مسلسل الحملات والإساءات إلى المسلمين ستتوالى، لا بل ستتكثّف حتّى من المسلمين أنفسهم، والذين يساهمون بشكل مباشر أو غير مباشر في تراجع هذه الذّات وتخلّفها.

يستعمل الباحث لفظة "إنسان السّاعة"، في إشارةٍ منه إلى ضياع البوصلة الفكريّة والثقافيّة والهويّة الأصيلة الّتي تحدِّد له مساره. وبالتالي، فإنّ ضياع هذه الهويّة يشكِّل لديه تحدّياً أخلاقيّاً، يفترض أن يتصدّى له الجميع على مستوى العالم، ولا يمكن ذلك إلا من خلال الأخذ بأسباب العقل، والحذر من الوقوع في الشّبهات والأهواء، وإبراز القيم القادرة فعلاً على صقل الذّات وتهذيبها وتوجيهها الوجهة الصحيحة، عبر وسائل عملانيّة لها فاعليّتها في التأثير. ومن ذلك، ضرورة استعمال خطاب مَرِن يتضمّن الأدلة العقليّة، والحقائق العملية، وإعمال العقل في استنطاق النصوص الأصيلة والشواهد التاريخية، وتنظيم ما يستنطقه في خطاب متوازن ومتّسق قابلٍ للنقد، وهو ما يحفظ له هويته، ويظهر مدى تمثله لها، كذلك، بذل الجهد في تنقية هذه النصوص والشواهد من كلّ ما يشوبها، ومواءمتها مع القيم العالميّة والإنسانيّة على المستوى القيمي والأخلاقي.

وينبِّه "طه" إلى أنّ العقل بطبيعته محدود، لأنه جزء من الكلّ، فكيف للجزء أن يحيط بالكلّ، وينتقل بعد ذلك إلى تلخيص أفكار "إيمانويل كانط" عن الأخلاق، فالأخير يعمد إلى تحليل الأخلاق عقلياً عبر فصلها عن الدّين، ولكن ليس بالمطلق، فالأصل في الأخلاق ديني، فمفهوم "التضامن" مفهوم أخلاقي ديني، ولكن الأصل فيه هو الإحسان عند المسيحيّين، والتراحم عند المسلمين، فمبدأ التراحم أُدخلت عليه الصفة العلميّة، فأُلبس اللباس العقلي، ليصبح التضامن. أمّا مفهوم "المواطنة" مثلاً، فهو علمنة لمفهوم "الأخوّة"، وهو مفهوم ديني.

من جهة ثانية، يرى "طه عبد الرّحمن" أنّ الدخول إلى عالم الحداثة اليوم، وبناء فكرنا على موجباته، يتمّ بواسطة الترجمة المبدعة، والقراءة الحداثيّة للنصّ القرآني، منتقداً الاجتهاد الفكري الإسلامي المقلِّد للفكر الغربي الحداثوي في قراءته للنصّ القرآني، والذي كان دوماً يهدف إلى الانقطاع عن الجذور الدينيّة.

ويشير إلى اعتماد خطّة الغربيّين تلك على محو القدسيّة عن النصّ الديني وأنسنته، وبالتالي، استخدام جميع النظريات العلمية وتطبيقها على النص القرآني، وصرف أيّ أثر غيبي لهذا النص، ثم اعتبار الأحكام الدينيّة محدودة في الزّمان والمكان، كلّ ذلك بحسب عبد الرحمن، لا ينطبق على تراثنا الدّيني الفاعل باستمرار فينا.

وحول مسألة قدسيّة الاجتهادات، يرى عبد الرّحمن أنّه إذا ما كرّمنا الإنسان، وكان واثقاً من نفسه، وفاعلاً في فكره، فإنّ هذه الاجتهادات لن تكون صالحة له، مبدياً أسفه لإهمال باب الأخلاق في المعرفة الإسلاميّة، حيث عمد الأصوليّون إلى جعل مكارم الأخلاق في باب التكميليات أو التحسينات، وهذا خطأ منهجي وشرعي له آثاره السلبية في الحياة العامّة، فلا بدّ من أن تكون الأخلاق من الضروريّات في الحياة وفي الاجتهادات ككلّ.

فالخطأ الشرعي، أنّ إهمال الأخلاق يخالف تماماً صريح الحديث الشّريف: "إنما بُعِثْتُ لأتمّم مكارم الأخلاق"، والخطأ المنهجيّ هو قول الأصوليّين، إنّ المصالح الضّروريّة هي حفظ المال والعقل والنفس، ولكن يمكن أن نضيف إلى ذلك، حفظ العدل، وغير ذلك من القيم الضّروريّة للحياة.

وفي الخلاصة، يعتبر عبد الرّحمن أنّ الفلسفة العربيّة لم تكن مبدعة لا قديماً ولا حديثاً، فهي تعتمد النقل والتقليد، وهذا ضدّ جوهرها المتجلّي بالإبداع القائم على النظر والتأمّل والإنتاج.
محمد فضل الله

https://taghribnews.com/vdchm-nzq23nmkd.4tt2.html
الإسم الثلاثي
البريد الإلكتروني
أدخل الرمز