تاريخ النشر2014 1 November ساعة 08:38
رقم : 172781

عاشوراء.. مدرسة الاصلاح التي تحتاجها الامة...

تنا
وعادت عاشوراء حاملة معها معاني كثيرة من مبادئ الحياة والممات بمعانيها الدنيوية وابعادها للآخرة، عادت حاملة معها كثيرا من الافكار والسنن لكثير من مجالات الحياة، فمن عبر الانسان في حياته اليومية وتكوين الشخصية السوية الى العبر العسكرية والامنية والسياسية والاعلامية، بحر لا ينتهي يمكن للمفكر المتعمق جديا في كربلاء ان ينهل من كنوزها وآدابها..
عاشوراء.. مدرسة الاصلاح التي تحتاجها الامة...
ولكن يبقى "الاصلاح" عنوانا عاما شاملا وقاعدة موضوعية مجردة تنطبق في كل الازمنة، انطلق منها مؤسس المدرسة العاشورائية ومفجر ثورة كربلاء المخلدة، فالامام الحسين بن علي(ع) وضع الحجر الاساس لثورته قبل الانطلاق باتجاه كربلاء حيث المعركة العسكرية مع ما رافقها من نماذج تدرس في السياسة والاعلام والامن.. كما في العلاقة الانسانية والروحية بين الاخوة والابناء والاصحاب والالتزام بالتعاليم الالهية والاخلاقية في التعاطي مع الخصم والعدو في ادق لحظات الحرب واصعبها.

"ما خرجت إلا لطلب الاصلاح في أمّة جدي رسول الله(ص)"، فالامام الحسين أعلنها صراحة وبشفافية عالية وبوضوح جلي لا يحمل مجالا للشك ان خروجه باتجاه كربلاء لتسطير المعركة الاشهر عبر التاريخ، هو بهدف الاصلاح، وهنا الاصلاح لا يبدأ فقط بالاصلاح السياسي ولا ينتهي بإصلاح الفساد الاداري، بل يتجاوزها لكل أفق الحياة الاخرى، فالسياسة لا تنفصل عن الفكر وحياة الانسان لا تنسلخ عن عقيدته، ومن يريد افساد حياة الانسان قد يستهدف فكره وثقافته ودينه ومعتقداته، وهذا لا يكون باستخدام المشروع المباشر لتحقيق هذا الهدف، فمن يريد القضاء على ثقافة الفرد وعقيدته لن يأتي بمشروع واضح الاسباب بل سيأتي بمسميات اخرى توصله بشكل او بآخر الى اهدافه.

يريدون إعادة الأمة إلى الجاهلية الأولى وتزوير الإسلام وتشويه صورته
فيزيد بن معاوية لم يعلن صراحة انه يريد القضاء على الاسلام وتشويه تعاليمه السامية بل اتبع في ذلك أساليب شيطانية خداعة وعمل على بث الفرقة والفتن لتقسيم المسلمين، وهو للوصول الى ذلك زرع الفساد المنظم في اجهزة الدولة وعمل على نشر المحسوبية والرشوة والظلم وابتعد عن تطبيق الانظمة والقوانين الاسلامية تمهيدا لابعاد الناس عن الدين ومن ثم التمهيد لازالة الاسلام.

وحول ذلك قال الامين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله في حديثه في المجلس العاشورائي يوم الاثنين في ٢٧-١٠-٢٠١٤ إن "يزيد كقائد في المشروع السفياني الأموي، نعم كان يستهدف إزالة الإسلام بل إزالة أي ذكر لنبي الإسلام محمد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ويريدون إعادة الأمة إلى الجاهلية الأولى، إلى مفاهيم الجاهلية وتعاليم الجاهلية وقيم الجاهلية وعملوا على ذلك وعملوا على تحريف الإسلام وتزوير الإسلام وتشويه الإسلام وإدخال ما ليس من الإسلام في الإسلام سواء على المستوى العقائدي أو على مستوى الأحكام الشرعية وما شاكل".

ولفت السيد نصر الله الى ان "حركة الإمام الحسين(ع) استطاعت أن توجه ضربة قاسية جدا لهذا المشروع وأن تحفظ الإسلام وأن تحفظ كيان المسلمين بالتفصيل الذي كنا نتحدث عنه بالمناسبات المختلفة".

وربطا مع ما يجري اليوم من أحداث التي تشهد تناميا وانتشارا للجماعات الارهابية التكفيرية في عالمنا العربي والاسلامي وفي منطقة الشرق الاوسط، يمكن بالتدقيق البسيط معرفة ان هذا الارهاب احد اهدافه الاساسية هو ضرب صورة الاسلام، ومن صَنع الارهاب هدفه تشويه صورة الاسلام وقيمه ومبادئه والوصول الى مرحلة تجعل الناس يبتعدون عن الاسلام وينفرون منه، ليس لانهم تعرفوا على هذا الدين ولم يقتنعوا به بل لان هناك من خطط وزرع بين المسلمين من لا يمت إليهم بصلة وغسل ادمغة الشباب وغرر بهم، وجند لذلك دولا وانظمة وميزانيات هائلة و"شيوخا" ووسائل اعلام لا تعمل بمهنية بل تحرف الحقائق وتزيف الواقع، وكل ذلك يعني انه عمل لزرع الانحراف في الاسلام على شاكلة ما عمله يزيد بن معاوية وعلى شاكلة ما خرج لتصويبه واصلاحه الامام الحسين(ع) قبل ١٣٧٥ عاما.

الشيخ منقارة: الأعداء يعملون لبث الفتن وتمزيق الامة والفرج بات قريبا جدا
فكيف يمكن السير على خط الثورة الحسينية في كربلاء بإصلاح هذا الاعوجاج الذي بدأ يضرب الامة على نطاق واسع، فكيف يمكن اصلاح العقيدة والفكر الذي تتبعه هذه المجموعات الارهابية التي تؤدي الى هلاك شباب في مقتبل العمر وتؤدي بالاسلام والمسلمين الى مراحل سوداء لا تقل مأساوية عن أفعال وجرائم يزيد بحق الاسلام والانسانية؟

وحول هذا الموضوع يشير عضو "جبهة العمل الاسلامي" في لبنان الشيخ هاشم منقارة الى ان "الاصلاح طلب من الله وهو وظيفة الانبياء والرسل ووظيفة الاتباع في الامة ممن اتبعوا الرسول محمد(ص) وهو واجب على كل مسلم"، ويلفت الى ان "الاصلاح يبدأ بالنفس قبل إصلاح المجتمع أما ان نعكس الامر أي ان نبدأ بإصلاح الامة ومن ثم نصلح انفسنا فهذا لن يوصل الى أي نتيجة".

ويرى الشيخ منقارة في حديث لموقع قناة "المنار" ان "الاصلاح مبني على امور كثيرة اهمها واعلاها هي الايمان بالله وتقواه ومن هنا يبدأ الاصلاح"، ويتابع "لذلك عندما ننادي بالاصلاح يجب ان تبدأ بطاعة الله والايمان به وباتباع الرسول(ص) والسير على نهج الصحابة وأهل البيت(ع) وغيرهم ممن حمل هذا الاسلام عاليا في قلبه كما فعله كثير من المصلحين كالامام الحسين(ع)"، ويؤكد ان "كل منا مطالب ان يغير"، ويوضح ان "كل واحد له قدرة عل التحمل فليس كلنا يمكن ان يتحمل ما تحمله الامام الحسين(ع) لان لا احد منا وصل الى ما وصل اليه هذا الامام".

وحول الفكر التكفيري واصلاحه، يقول الشيخ منقارة "للوصول الى اصلاح هذا الفكر لا بد من اتباع طريقين هما: طريق العلماء وطريق الامراء والتعاون بينهما للوصول الى بر الامان في هذا المجال"، ويلفت الى انه "بغير التعاون بين العلماء والحكام يعني انه نحتاج الى تغيير رباني لاصلاح هذه الامة كما كان يحصل في عهد الانبياء وأيدهم بنصر من عنده".

ويشير الشيخ منقارة الى ان "سلطان القوة وسلطان العلم هما المتلازمين الذين نستطيع ان نغير بهما المجتمع بشكل عام"، ويعتبر ان "أعداء الامة يستفيدون من التناقضات والخلافات الحاصلة بين الدول ويستخدمون بعض من يسمون أنفسهم علماء لبث الفتن وتمزيق الامة وتشويه صورة الاسلام"، ويضيف "بعد التعاون والاتفاق بين العلماء والحكام يمكن البحث في البرامج التعليمية والثقافية التي توضع ضمن منهج واضح وهادف لتصحيح العقائد والافكار التي تمَّ تشويهها من قبل بعض الجماعات التكفيرية وصولا لبناء المجتمع بشكل صحيح".

"اليوم وصلنا الى أزمة عامة وخاصة في آن" بحسب رأي الشيخ هاشم منقارة الذي يرى أن "كل الأزمة التي تعاني منها الامة سببها الاساسي من يسمون أنفسهم بالعلماء الذي يغيبون الرأي الآخر"، ويؤكد ان "الرأي والرأي الآخر هو أمر موجود وطبيعي في الشرع الاسلامي"، ويضيف إن "لم نستطع التغيير لا بالقلب ولا باللسان ولا بالقوة فانتظر التغيير الآتي من الله مباشرة اي ان الامر الالهي سيصدر وينزل لتغيير ما لم يعد باستطاعة البشر تغييره".

ويشدد في هذا الاطار الشيخ منقارة على انه "يزداد اقتناعا يوما بعد يوم انه لو لم يصدر امر كبير وكبير جدا لن نستطيع التغيير في هذه الامة"، ويرى ان "التغيير سوف يأتي من الله لتبديل الحال الذي وصلت اليه الامة لان كل المخلصين عملوا ويعملون كل ما يستطيعون للتغيير ومع ذلك نرى كل هذا التكفير والقتل والذبح باسم الدين"، ويشدد على ان "الفرج بات قريبا جدا جدا بإذن الله".

يبقى ان نشير الى ان ما بثته كربلاء الامام الحسين(ع) لم يرتبط بنصر عسكري في ارض المعركة او سحق طرف لطرف آخر في مواجهة مباشرة غير متكافئة اصلا وبكل المعايير، فكربلاء كرّست ان لواء الحق والاصلاح سيبقى مرتفعا وان سحق حامله وقطع اربا اربا، لان ليس دائما الموت يوقف المسير، فكربلاء خلّدت بكل ما فيها رغم المجازر التي ارتكبت فيها ورغم اجرام القتلة واساليبهم الاجرامية، وليس فقط الامام الحسين (ع) ومن معه من اصحابه واهل بيته بقي ذكرهم حتى اليوم وسيبقى الى ما شاء الله، بل كل ما ارتبط بكربلاء ايا كان ايضا على هذه الحال من الخلود... فقيمة عاشوراء -بما فيها الاصلاح- انها متجددة في كل زمان ومكان... 

اعداد : ذو الفقار ضاهر



https://taghribnews.com/vdcfc0dyyw6deea.kiiw.html
الإسم الثلاثي
البريد الإلكتروني
أدخل الرمز