تاريخ النشر2014 19 December ساعة 10:20
رقم : 176983

ما هو حجم مسؤوليتنا عن "الإسلاموفوبيا؟!"

تنا
من المعروف أن التدين هو الذي يميز الإنسان عن سائر الخلائق وليس الذكاء كما قد يتصور البعض، إن مملكة النحل أو النمل مثلا تمتلك من عبقرية التخطيط والتنظيم والتركيب ما يعجز عنه عقل الإنسان .
ما هو حجم مسؤوليتنا عن "الإسلاموفوبيا؟!"
حمزة يدوغي

 وهذه حقيقة قد تنبه إليها بعض المفكرين منذ القديم، قال المؤرخ الروماني الشهير "بلوتارك": "إن من الممكن أن تجد مدنا بلا أسوار وبلا ملوك وبلا مسارح ولكن لم ير إنسان قط مدينة بلا معابد وبلا دين.." فالدين هو طابع الإنسان المميز، وهذه الحقيقة التي لم يزدها تطور المجتمعات البشرية إلا تأكيدا، بغض النظر عن أتباع الديانات السماوية، هي التي جعلت المجتمع الدولي يولي اليوم أكثر من أي وقت مضى عناية كبرى لحرية المعتقد.
 
في الغرب اليوم مؤسسات مهمتها الحرص على  ضمان هذه الحرية، سواء لأبناء المجتمعات الغربية نفسها أو للجاليات المقيمة فيه، هذه المؤسسات تستعين بالعلماء والمفكرين والأدباء والفنانين والمثقفين عموما وكذا بالجمعيات المختلفة والأحزاب من أجل نشر قيم التسامح الديني وقبول الآخر واحترام خصوصياته الثقافية والدينية، وباختصار، من أجل تشكيل الرأي العام وتوجيه.
 
وهذا معناه أن هذا الرأي العام الذي يعبر عن قناعاته بكل حرية وديموقراطية قد يشكّل ويوجّه وجهة أخرى غير صحيحة، وذلك بحسب النوايا وبحسب قوة التأثير والاستمالة والإقناع.
 
فما قد يقدم لهذا الرأي العام - مثلا - على أنه تسامح وسلوك إنساني حضاري مشرّف هو نفسه الذي يقدّم على أنه مواجهة مشروعة للغزو الديني، وأنه تحصين للذات مما يهددها وما قد يصيبها إذا فتحت المجال للآخرين ليمارسوا شعائر دينهم.. وإقامة رموز هذا الدين بكل حرية.
 
ولعل خير مثال أسوقه لذلك - يتمثل في تلك السابقة الخطيرة التي قام بها حزب الشعب السويسري الذي تقدم منذ سنوات قليلة، بقانون يقضي بمنع بناء المآذن في سويسرا وصوّت عليه النواب بنسبة 57٪
 
وكلنا يذكر ما أثارته هذه المبادرة - وقتئذ - من ردود أفعال كثيرة في مختلف جهات العالم، سواء في العالم الغربي نفسه، الأوروبي والأمريكي، وذلك لما لها من خلفيات سياسية وثقافية وحضارية، لأنها لا تمس الإسلام وحده لكنها تمس حرية المعتقد نفسها..
 
لقد رأى فيها العقلاء في الغرب تناقضا صارخا مع الديمقراطية واللائكية واعتبروا هذا القانون مفاجئا للعالم بأسره لأنه صدر من مجتمع ظل رمزا للتسامح الديني والتفتح السليم على الغير واحترام خصوصياته الثقافية والحضارية، ما جعله قبلة للاجئين من مختلف أنحاء العالم.
 
هذا بخصوص موقف جزء من الرأي العام الغربي، أما بخصوص المسلمين، مجتمعات ودولا وجاليات مقيمة في الغرب، فإن ردود أفعالهم كانت متوقعة بطبيعة الحال وهي الاستنكار المشروع والغضب النبيل والإعراب عن مشاعر الخيبة والتخوف من انتشار عدوى "الإسلاموفوبيا" وتصوير الإسلام على أنه الخطر الأكبر الذي يهدد الكيان الغربي وتشويه رسالته الحضارية والإنسانية العالمية القائمة أصلا على التسامح الديني وتقديس حرية المعتقد واحترام خصوصيات الآخر والإيمان بمبدأ الحوار والتعايش بين الديانات والحضارات.
 
إن تهجّم الغرب اليوم على الإسلام إنما هو تهجّم على المسلمين المنهزمين حضاريا، لأن الصراع بين الحق والباطل قديم قدم الإنسان، والقاعدة تقول: "الصراع بين الحق والحق لا يكون، والصراع بين الحق والباطل لا يدوم، والصراع بين الباطل والباطل لا ينتهي"
 
إن الباطل اليوم هو المتفوق حضاريا، والحق - أي الإسلام- يعيش بنفسه لا بأهله، وكما قال المرحوم فضيلة الشيخ الغزالي "هم يدافعون عن الباطل بذكاء وندافع نحن عن الحق بغباء"
 
وسئل الفيلسوف الساخر برنارشو: أي الديانات أعظم؟!
 
فأجاب: "الإسلام.. لأنه الدين الوحيد الذي تعاون على هدمه أهله وأعداؤه وما يزال صامدا!"
 
صحيح أن مثل هذه الأحكام قاسية ولكنها مع ذلك تمثل جانبا من الحقيقة والواقع.
 
فنحن نركز دائما على المعادين للإسلام ونغفل عن جزء معتبر من الرأي العام الغربي الذي يشكله العقلاء من ذوي الضمائر الحية الذين يؤمنون حقا بمبدأ حرية المعتقد ويحترمون خصوصيات الآخر بل ويناضلون من أجلها.. فماذا فعلنا لنكسب هؤلاء؟! وهل أدركنا حجم مسؤوليتنا عن حسن تمثيل الإسلام وتقديمه في صورته الحقيقية لإضعاف صوت المتعصبين المتطرفين الذين يسعون إلى التأثير في الرأي العام وتشكيل موقف رافض معاد للإسلام، سواء كان ذلك عن جهل بحقيقته أو عن تعصب وإنكار؟!
 
ولعل من المناسب هنا أن نشير إلى أن جزءا من هذه المسؤولية يقوم بها مغتربونا الذين أدركوا بوعي عززته التجربة والواقع أن خير أسلوب للدعوة إلى الإسلام هو تقديم نموذج سلوكي أخلاقي إنساني راق يفرض الاحترام على غير المسلم، فينجذب إليه عن طواعية واختيار ؛ لأن القاعدة تقول : إذا لم يصغ إليك عقل من تدعوه إلى دينك فأحسن إليه، وعندما تبهره بأخلاقك وتجذبه بإحسانك يميل إليك قلبه ويقبل عليك حينئذ بعقله وسمعه وبصره..
 
إن هناك كثيرا من الغربيين الذين أسلموا بسبب انقيادهم لهذا النموذج الأخلاقي الرائد، من مختلف الشرائح والمستويات والأعمار، فأقبلوا على الإسلام يدرسونه ويتعرفون عليه وأصبحوا هم أنفسهم من الدعاة المتحمسين إليه.
 
وصدق رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه الذي قال "لأن يهدي الله بك رجلا واحدا خير لك مما طلعت عليه الشمس".
https://taghribnews.com/vdcdj90fsyt05n6.422y.html
المصدر : الشروق (الجزائریة)
الإسم الثلاثي
البريد الإلكتروني
أدخل الرمز