أما أسباب هذه الأزمة العميقة، والتي كشفتها حرب تموز 2006، فيعدّدها المؤلّف على الشكل الآتي:
- أولاً: إعطاب وتحطّم أسطورة القوّة الإسرائيلية، كما أبرزت عدّة محطات في المواجهات المباشرة معه (اجتياح 1982) للبنان، حروب غزّة والانتفاضات الشعبية ضدّ الاحتلال، حرب تموز 2006.
- ثانياً: سقوط الدور الوظيفي «لإسرائيل»، التي فشلت في تنفيذ الطلب الأميركي لها بتصفية المقاومة اللبنانية وتحويل لبنان إلى محطة في إطار فرض مشروع (الشرق الأوسط الجديد).
- ثالثاً: أدّى الفشل الإسرائيلي في حرب تموز إلى تداعيات مهمة داخل الكيان، كان أبرزها الانقلاب في بُنية التفكير الإسرائيلي العام (الشعور بالتفوّق المطلق على الأعداء)، وسقوط نظرية الأمن والاستقرار، التي كانت تشكّل الأساس الذي يوفّر للحركة الصهيونية القدرة الإقناعية لجعل «اليهود» يهاجرون إلى فلسطين والبقاء فيها.
كما ضربت الهزيمة معنويات الجيش الصهيوني، وزادت من حدّة الانقسامات السياسية والاجتماعية في الكيان.
(الحرب الإرهابية الكونية على سوريا)، هو عنوان الجزء الثالث من الكتاب، وفيه فصول عدة:
في الفصل الأول: أسباب وأهداف الحرب الإرهابية الكونية على سوريا، يبحث المؤلّف في الأهداف الأميركية الإسرائيلية من الحرب التي شُنّت على سوريا في العام 2011.
فقد كشفت نتائج التحقيق الإسرائيلي عن أسباب الإخفاق والهزيمة التي ألحقتها المقاومة بالجيش الإسرائيلي في حرب تموز 2006، أن لسوريا دوراً أساسياً في ذلك، وأن الصواريخ المتوسطة والبعيدة المدى التي استخدمتها المقاومة في قصف حيفا وما بعد حيفا، وصولاً إلى بلدة الخضيرة القريبة من تل أبيب، حيث العمق الإسرائيلي والمجمع الأساسي لمؤسّسات الكيان، أن تلك الصواريخ هي صناعة سورية؛ وكذلك الحال بالنسبة لصواريخ المقاومة في غزّة.
لهذا بدأت أميركا وإسرائيل والدول التابعة لهما، التحضير للحرب الإرهابية على سوريا، وتمّ استغلال (الربيع العربي) في سياق خطّة مدروسة لإسقاط النظام الوطني المقاوم برئاسة الرئيس بشار الأسد، تحت عناوين زائفة (الإصلاح والحرية والديمقراطية)، يقول الكاتب.
فبعد فشل الجماعات المسلّحة في تحويل احتجاجاتها المفبركة إلى تظاهرات جماهيرية بمئات الآلاف، على غرار ما حصل في ميادين القاهرة وتونس، لجأت إلى استخدام السلاح لتنفيذ مخطّطها المرسوم لها، والذي كان لرئيس جهاز الاستخبارات السعودية بندر بن سلطان دور بارز في تنفيذه.
وقد أكد الرئيس الأميركي الحالي دونالد ترامب، أثناء حملته الانتخابية، "أن الرئيس باراك أوباما والمرشّحة هيلاري كلينتون هم من صنعوا تنظيم داعش".
كما جاء الدخول الإسرائيلي المباشر على خطّ دعم الجماعات الإرهابية، عبر قصف مواقع الجيش السوري، للإخلال بموازين القوى لمصلحة هذه الجماعات، دليلاً ساطعاً على الأهداف الأميركية الإسرائيلية المذكورة آنفاً.
ويضيف المؤلّف إلى تلك الأهداف المعلنة، أهدافاً مضمرة من قِبل واشنطن، من خلال محاولة إسقاط سوريا، وتحويلها إلى بلد تابع لأميركا، وبما يصبّ في مخططها الاستراتيجي لمحاصرة كلٍ من روسيا والصين وإحباط جهودهما التي بدأت مع تأسيس منظمة شنغهاي للتعاون الاقتصادي، ومن ثمّ تكوين تحالف مجموعة دول «البريكس»، الذي يضم روسيا، الصين، الهند، البرازيل وجنوب أفريقيا، لوضع حدٍ لهيمنة الولايات المتحدة الأحادية القطب والعمل على إعادة صياغة النظام الدولي على قواعد التعدّدية واحترام ميثاق الأمم المتحدة.
في الفصل الثاني (ما حصل في سوريا غير ما حصل في مصر وتونس)، يؤكّد المؤلّف أن الظروف التي أنتجت الانتفاضات في تونس ومصر واليمن والبحرين لم تكن متوافرة في سوريا. ولذلك ما حصل فيها كان محاولة يائسة لإثارة الفتنة الطائفية وصولاً إلى إسقاط الدولة السورية.
ويلفت إلى أن نظام الحكم في سوريا يتّسم بسمات وطنية وقومية واجتماعية، ويحوز على قاعدة شعبية عريضة عكستها التظاهرات المليونية المؤيّدة له.
فسوريا تتميّز عن مصر وتونس وغيرهما باستقلالها الاقتصادي ورفض التبعية للخارج (إحصائيات رسمية ودولية أكدت قوّة الاقتصاد السوري والاكتفاء الذاتي الذي كان متحققاً).
وعلى الصعيد الاجتماعي، فإن الدولة السورية لم تتخلَّ عن دورها الاجتماعي تحت أيّ ظرف، ولم ترتهن في سياساتها لإملاءات أو وصفات الصندوق والبنك الدوليين، كما كانت الحال في مصر وتونس.
وهكذا الحال بالنسبة للقرار السوري الوطني والقومي، والذي لم يقيّد نفسه بالمحور الأميركي - الغربي، برغم كلّ الضغوط والمغريات، وظلّ على دعمه الثابت والفاعل للمقاومة المسلّحة ضدّ الاحتلال، في فلسطين ولبنان والعراق، رافضاً وصم المقاومة بالإرهاب.
وبعد مرحلة من الاضطرابات والفوضى والعمليات الإرهابية الدموية، التي نفّذتها الجماعات التكفيرية، حدثت يقظة وطنية لدى عامّة المواطنين السوريين لمواجهة ما يخطّط لهم ولسوريا. وشكّلت هذه اليقظة دعماً كبيراً للقيادة والجيش العربي السوري وتعزيز تماسكه في تصدّيه لقوى الإرهاب، وتحرير المناطق السورية.
العوامل التي مكّنت سوريا من الصمود
(العوامل التي مكّنت سوريا من الصمود وإسقاط أهداف الحرب، ومنع واشنطن من شنّ الحرب المباشرة)، هو عنوان الفصل الثالث، وفيه يتحدّث المؤلّف عن خسارة أميركا الحرب على سوريا، وإن لم تُقدِم عليها. فهي تراجعت في المرّة الأولى، بعد أن أخذت جائزة ترضية وفّرتها لها المبادرة الروسية (بخصوص تدمير المخزون الكيميائي السوري)؛ لكنها لم تحقّق أهدافها الميدانية والسياسية التي وقفت وراء تصعيدها وتهديدها بشنّ العدوان على سوريا.
كما تراجعت أميركا في المرّة الثانية بعدما أدركت استعداد روسيا في الذهاب إلى الحرب إذا ما فُرضت عليها. وفي المرّة الثالثة، تراجعت واشنطن، في عهد إدارة ترامب، عن الدخول في صدام مع الجيش السوري (وحلفائه) عندما وجدت أن محاولاتها تعطيل تقدّم الجيش السوري في البادية ونحو الحدود مع العراق ودير الزور، قد باءت بالفشل، وأن الوضع الميداني قد تبدّل جذرياً لمصلحة محور المقاومة والحليف الروسي.
في الفصل الرابع (الحضور العسكري النوعي الروسي.. الأسباب والتداعيات)، يعدّد الكاتب الأسباب المباشرة وغير المباشرة التي أدّت إلى تفعيل وتثبيت الحضور العسكري والسياسي الروسي في سوريا، والتداعيات التي أدّى إليها، وخاصة تجاه الدورين التركي والأميركي فيما يخصّ الصراع السوري تحديداً.
أما في الأسباب غير المباشرة، التي دفعت بروسيا لتعزيز وترسيخ حضورها في سوريا، فأوّلها حاجة روسيا لاستعادة مكانتها الدولية، اقتصادياً وسياسياً. وفي إطار الأسباب المباشرة، كان إدراك روسيا بأن وحدتها واستقرارها وأمنها القومي ترتبط بالمؤامرة التي تتعرّض لها سوريا. ومصدر هذا التهديد هم المسلحون الذين استقدِموا من جمهوريات سوفياتية سابقة ومقاطعات روسية في القوقاز (مثل الشيشان). وقد كان لهذا الحضور الروسي النوعي تداعيات إيجابية كثيرة على المشهدين العسكري والسياسي في سوريا، لصالح الدولة وحلفائها، وبما عرقل الخطط الأميركية - الإسرائيلية التي رُسِمت لإسقاط الدولة الوطنية السورية وفكّ تحالفها مع محور المقاومة.
وبرز في تجلّيات هذا الدور الروسي الجديد في المنطقة، استراتيجية القصف الجوّي للمسلّحين ومخازن أسلحتهم ومراكز قياداتهم.
كما برز أيضاً الردّ الروسي الحازم على الاعتداء التركي بإسقاط طائرة «سوخوي» روسية فوق ريف اللاذقية، حين نشر الروس منظومات صواريخ أس 300 وأس 400، فيما انكفأت تركيا والدول المشاركة في العدوان على سوريا(مثل السعودية وقطر) عن التمادي في انتهاك سيادة سوريا ودعم جماعات الإرهاب. وهذا التحوّل طال بحجم أكبر الدور الأميركي، السياسي والعسكري في الحرب السورية، خصوصاً بعد توقيع سوريا لاتفاقات عسكرية وأمنية مهمة مع الاتحاد الروسي، بما يضمن حضوراً روسياً حيوياً ودائماً في سوريا، براً وبحراً وجواً.
وفي خلاصة هذا الفصل، يؤكّد المؤلّف أن الحسم العسكري مع قوى الإرهاب في سوريا أصبح أمراً واقعاً، بغضّ النظر عن المدّة الزمنية المرتبطة بظروف الميدان، وبتوقف الدعم الخارجي للجماعات الإرهابية. كما أن أيّ تسوية لم تعد ممكنة إن لم تُسلّم بحق الشعب السوري في تقرير مصيره، بعيداً عن أيّ تدخلات خارجية.
أما خارجياً، فإن للانتصار السوري على الإرهاب تأثيراً مباشراً في ولادة محور دولي إقليمي، نواته التحالف الرباعي (روسيا، إيران، سوريا، والعراق)، ودائرته الأوسع دول «البريكس»، ومنظمة شنغهاي، ودول أميركا اللاتينية؛ فضلاً عن تبدّل واضح في موازين القوى الرسمية على الصعيد العربي لمصلحة الدولة السورية.
في الفصل الخامس، وعنوانه (النتائج الناجمة عن صمود وانتصار سوريا وحلفائها.. تغيير المعادلات الدولية والإقليمية وتعزيز قوة حلف المقاومة)، يؤكد المؤلّف أن تحرير كلّ سوريا من الإرهاب بات محسوماً، بنظر الأعداء الأصدقاء، وأن إعلان الانتصار هو مسألة وقت لا أكثر.
وستكون للانتصار السوري تداعيات أو نتائج عديدة، على الصعيد الداخلي والإقليمي والدولي، وبما يرسّخ وحدة سوريا، دولة وأرضاً وشعباً، وتعزيز شعبية الرئيس بشار الأسد، وسقوط الخط السوري الليبرالي الذي نظّر لسياسة الانفتاح الاقتصادي، فأسهم في إضعاف الصناعة السورية الوطنية، وفي إحداث اختراقات من قِبل القوى المعادية والإرهابية. كما ستنشأ عن هذا الانتصار بيئة استراتيجية جديدة في المنطقة في مصلحة محور المقاومة وخط الاستقلال الوطني، تحاصر المشروع الصهيوني وتُضعف نهج الأنظمة العربية الدائرة في فلك التبعية لقوى الاستعمار.
في المقابل، سيزداد قلق الكيان الإسرائيلي من تنامي قدرات وخبرات المقاومة اللبنانية، التي باتت جزءاً رئيسياً وفاعلاً في محور المقاومة الذي توسع ليضم، إلى جانب سوريا وإيران والمقاومة في لبنان وفلسطين، كلاً من العراق واليمن؛ وهذا يعني أن الحرب القادمة مع إسرائيل قد تشمل مشاركة عربية وإسلامية واسعة، كما ألمح إلى ذلك الأمين العام لحزب الله، السيد حسن نصرالله، مؤخراً.
ودولياً، سيرسّخ الانتصار السوري انتهاء زمن الهيمنة الأميركية الغربية على القرار الدولي، ليولد لاحقاً نظام دولي جديد، يضمّ روسيا والصين وحلفاءهما، وبما يعنيه ذلك من توازنات جديدة على الصعد العسكرية والاقتصادية والاجتماعية، قد تؤشّر إلى بداية حقيقية لانهيار الإمبراطورية الأميركية "المتصدّعة".
وهذا ما يتحدّث عنه المؤلّف بشيء من التفصيل في (خلاصات الجزء الثالث من الكتاب، بعنوان (أفول عصر الهيمنة الأميركية وتسريع ظهور عالم متعدّد الأقطاب والمراكز - وعودة الحرب الباردة بسماتٍ جديدة).