>> الإمام الباقر(ع): كشف عن علوم أهل البيت في جامعة القيم الإسلاميَّة | وكالة أنباء التقريب (TNA)
تاريخ النشر2020 27 July ساعة 22:55
رقم : 470458
في ذكرى استشهاد الامام محمد الباقر (ع)

الإمام الباقر(ع): كشف عن علوم أهل البيت في جامعة القيم الإسلاميَّة

تنا -خاص
الإمام محمد الباقر(عليه السلام) خامس الأئمة الأطهار من أهل البيت المعصومين، وقد تعلّم في مدرسته علماء كثيرون، كما كان العلماء يرونه بحراً زاخراً واماماً لا ينازعه أحد في العلم والمعرفة واستاذاً فذاً في جميع العلوم التي عرفها أهل عصره والتي لم يعرفوها آنذاك.
الإمام الباقر(ع): كشف عن علوم أهل البيت في جامعة القيم الإسلاميَّة
تسمية الإمام محمد الباقرعليه السلام بالباقر، نظراً لبقره للعلم، تقول باقر العلم أي الشاق له وهو نظير قولنا "بقر بطنه" أي شق بطنه، فالإمام عليه السلام باقر العلم شاقه ومخرجه من مكنون سره.، وهذا اللقب للإمام الباقر عليه السلام عرف به من قبل القاصي والداني، والصديق والعدو حتى اختص به، فمتى ما قيل : الباقر عرف الناس أنه هو دون غيره.

إنّ العلوم الغزيرة التي كانت عند النبي صلى الله عليه وآله  علمها أمير المؤمنين عليه السلام، عنه عليه السلام: «إن رسول الله صلى الله عليه و آله علمني ألف باب من الحلال و الحرام، و مما كان ومما يكون إلى يوم القيامة،كل باب منها يفتح ألف باب، فذلك ألف ألف باب، حتى علمت علم المنايا و البلايا و فصل الخطاب» ثم هو عليه السلام نقلها إلى الأئمة من ولده، غير أن الفرصة لم تسنح لهم بإظهارها بشكل رسمي بسبب الظروف السياسية والحربية لدى الأمير عليه السلام ولأسباب أخرى كعدم توفر الأرضية المناسبة لدى الناس لاستقبالها،

فعن أبي إسحاق السبيعي قال: سمعت بعض أصحاب أمير المؤمنين علي عليه السلام ممن يثق به قال :سمعت عليا عليه السلام  يقول: «إن في صدري هذا لعلما جما علمنيه رسول الله صلى الله عليه و آله و لو أجد له حفظة يرعونه حق رعايته،و يروونه عني كما يسمعونه مني إذا لأودعتهم بعضه، فعلم به كثيرا من العلم،إن العلم مفتاح كل باب و كل باب يفتح ألف باب» ولكن بعد استشهاد الإمام الحسين عليه السلام بداء الالتفاف حول الإمام السجاد عليه السلام غير أن الظرف السياسي آنذاك ( أوج قوة الحكم الأموي) منعه من فتح مرحلة جديدة لبث علوم آل محمد.

إلاّ أن هذه الأسباب تهيأت سياسياً، واكتملت شعبياً للإمام الباقر عليه السلام: فبقر العلم وشقه أي أفصح عنه، ولكنه لم ينشره (على مستوى عام) بل تولى ذلك ابنه الامام الصادق عليه السلام من بعده.

أما الإمام الباقر عليه السلام فهو من أبرزه وأفصح عنه فلت أنظار الناس إليه بحيث استقطبهم لاستكشاف ما أفصح عنه من علم.

وبهذا البيان عن الظروف السياسية والفكرية في عصر الأئمة نفهم لماذا اختُص الباقر عليه السلام بمهمة بقر العلم وكشفه ، دون غيره من الأئمة عليهم السلام.

 كشف الامام محمد الباقر (ع) القناع رسميا عن علوم آل محمد صلى الله عليه وآله وبقره لمكنوز علومهم الموروثة عن الإمام علي عليه السلام عن النبي صلى الله عليه وآله، قال الشيخ المفيد: ولم يظهر عن احد من ولد الحسن والحسين عليه السلام من علم الدين والآثار والسنة وعلم القرآن والسيرة وفنون الأدب ما ظهر عن أبي جعفر عليه السلام وروى عنه معالم الدين بقايا الصحابة ووجوه التابعين ورؤساء فقهاء المسلمين وصار بالفضل علماً لأهله تضرب به الأمثال، وتصير بوصفه الآثار والأشعار.

و مهد الامام الباقر (ع)  الأرضية الفكرية لدى المجتمع لتقبل استمرار التدفق الكبير والصريح للعلم من قبل الإمام الصادق عليه السلام . خصوصاً بعد معرفة أن عدد المتلقين ومؤهلاتهم لم تكن كافية لما عند الإمام من علوم مكنوزة ، نعم كان هناك الوتد العظيم زرارة، وأبي بصير، ولكن صيتهم ذاع في وقت الامام الصادق عليه السلام وما ذالك إلا بعدما قام بتربيتهم وصقلهم أبوه الباقر عليه السلام، وعلى أي حال قام الإمام الباقر عليه السلام بكشف تلك العلوم بشكل عام في وقته ثم قام ابنه الإمام الصادق عليه السلام من بعده بنشرها بشكل موسع وواضح، ويؤيد هذا المعنى ما روي عن نفس الإمام الباقر عليه السلام قال: «لو وجدت لعلمي لنشرت التوحيد والإِسلام والدين والشرائع من الصمد، وكيف لي ولم يجد جدّي أمير المؤمنين عليه السلام حَمَلَةً لعلمه». التصدي لتلبية حاجات الناس في ذلك الزمان  من حاجات علمية ومالية واجتماعية و غيرها.

و تصدي الامام (ع) للحركات الفكرية المضادة وفضحها وكشف زيفها من خلال الحوارات المباشرة، أو بث التعليمات الصحيحة المضادة لها، كوعظه للصوفي ابن المنكدر، وكنقاشه للراهب النصراني في الشام.

و مواجهته لحكام عصره بما يلزم لإنجاح مهمته، كمحاجته لهشام بن عبد الملك، أو من خلال توجيه أصحابه بما يلزم تجاه الحاكم كأمره لجابر ابن يزيد الجعفي بالتظاهر بالجنون حفظا له من القتل وإبطالا لمخطط هشام بن عبد الملك نحوه.

 
محاورات  الإمام الباقر عليه السلام  مع النصارى :

و يقول الامام الصادق (ع) مع ابي (الامام الباقر) (ع) خرجنا إلى بابه إذا ميدان ببابه وفي آخر الميدان أناس قعود عدد كثير قال أبي من هؤلاء فقال الحجاب هؤلاء القسيسون والرهبان وهذا عالم لهم يقعد إليهم في كل سنة يوماً واحداً يستفتونه فيفتيهم فلف أبي عند ذلك رأسه بفاضل ردائه وفعلت أنا مثل فعل أبي فأقبل نحوهم حتى قعد نحوهم وقعدت وراء أبي ورفع ذلك الخبر إلى هشام فأمر بعض غلمانه أن يحضر الموضع فينظر ما يصنع أبي فأقبل وأقبل عداد من المسلمين فأحاطوا بنا وأقبل عالم النصارى وقد شد حاجبيه بحريرة صفراء حتى توسطنا فقام إليه جميع القسيسين والرهبان مسلمين عليه فجاءوا به إلى صدر المجلس فقعد فيه وأحاط به أصحابه وأبي وأنا بينهم فأدار نظره ثم قال لأبي أمنا أم من هذه الأمة المرحومة؟

فقال أبي: بل من هذه الأمة المرحومة.

فقال من أيهم أنت من علمائها أم من جهالها؟

فقال له أبي(ع): لست من جهالها.

فاضطرب اضطراباً شديداً، ثم قال له: أسألك.

فقال له أبي: سل.

فقال: من أين ادعيتم أن أهل الجنة يطعمون ويشربون ولا يحدثون و.... وما الدليل فيما تدعونه من شاهد لا يجهل؟

فقال له أبي(ع): دليل ما ندعي من شاهد لا يجهل الجنين في بطن أمه يطعم ولا يحدث.

قال فاضطرب النصراني اضطراباً شديداً، ثم قال هلا زعمت أنك لست من علمائها؟

فقال له أبي: ولا من جهالها وأصحاب هشام يسمعون ذلك.

فقال لأبي: أسألك عن مسألة أخرى.

فقال له أبي(ع) : سل.

فقال من أين ادعيتم أن فاكهة الجنة أبداً غضة طرية موجودة غير معدومة عند جميع أهل الجنة وما الدليل عليه من شاهد لا يجهل.

فقال له أبي: دليل ما ندعي أن ترابنا أبداً يكون غضاً طرياً موجوداً غير معدوم عند جميع أهل الدنيا لا ينقطع.

فاضطرب اضطراباً شديداً ثم قال: هلا زعمت أنك لست من علمائها.

فقال له أبي: ولا من جهالها.

فقال له: أسألك عن مسألة.

فقال سل.

فقال: أخبرني عن ساعة لا من ساعات الليل ولا من ساعات النهار فقال له أبي هي الساعة التي بين طلوع الفجر إلى طلوع الشمس يهدأ فيها المبتلى ويرقد فيه الساهر ويفيق المغمى عليه جعلها الله في الدنيا رغبة للراغبين وفي الآخرة للعاملين لها دليلاً واضحاً وحجة بالغة على الجاحدين المتكبرين التاركين لها.

قال فصاح النصراني صيحة ثم قال: بقيت مسألة واحدة والله لأسألك عن مسألة لا تهدي إلى الجواب عنها أبداً.

قال له أبي: سل فإنك حانث في يمينك.

فقال: أخبرني عن مولودين ولدا في يوم واحد وماتا في يوم واحد عمر أحدهما خمسون سنة وعمر الآخر مائة وخمسون سنة في دار الدنيا.

فقال له أبي(ع): ذلك عزير وعزيرة ولدا في يوم واحد فلما بلغا مبلغ الرجال خمسة وعشرين عاماً مر عزير على حماره راكباً على قرية بأنطاكية ((وَهِيَ خاوِيَةٌ عَلى عُرُوشِها قالَ أَنَّى يُحْيِي هذِهِ اللَّهُ بَعْدَ مَوْتِها)) وقد كان اصطفاه وهداه، فلما قال ذلك القول غضب الله عليه فأماته الله مائة عام سخطا عليه بما قال ثم بعثه على حماره بعينه وطعامه و شرابه وعاد إلى داره وعزيرة أخوه لا يعرفه فاستضافه فأضافه وبعث إليه ولد عزيرة وولد ولده وقد شاخوا و عزير شاب في سن خمس وعشرين سنة فلم يزل عزير يذكر أخاه وولده وقد شاخوا وهم يذكرون ما يذكرهم ويقولون ما أعلمك بأمر قد مضت عليه السنون والشهور ويقول له عزيرة وهو شيخ كبير ابن مائة وخمس وعشرين سنة ما رأيت شاباً في سن خمس وعشرين سنة أعلم بما كان بيني وبين أخي عزير أيام شبابي منك فمن أهل السماء أنت أم من أهل الأرض فقال يا عزيرة أنا عزير سخط الله علي بقول قلته بعد أن اصطفاني و هداني فأماتني مائة سنة ثم بعثني لتزدادوا بذلك يقيناً إن الله على كل شي‏ء قدير وها هو هذا حماري وطعامي وشرابي الذي خرجت به من عندكم أعاده الله تعالى كما كان فعندها أيقنوا فأعاشه الله بينهم خمساً وعشرين سنة ثم قبضه الله وأخاه في يوم واحد.

فنهض عالم النصارى عند ذلك قائماً و قاموا النصارى على أرجلهم فقال لهم عالمهم جئتموني بأعلم مني وأقعدتموه معكم حتى هتكني وفضحني و أعلم المسلمين بأن لهم من أحاط بعلومنا وعنده ما ليس عندنا لا والله لا كلمتكم من رأسي كلمة واحدة ولا قعدت لكم إن عشت سنة فتفرقوا وأبي قاعد مكانه و أنا معه ورفع ذلك الخبر إلى هشام فلما تفرق الناس نهض أبي وانصرف إلى المنزل الذي كنا فيه فوافانا رسول هشام بالجائزة وأمرنا أن ننصرف إلى المدينة من ساعتنا ولا نجلس لأن الناس ماجوا وخاضوا فيما دار بين أبي وبين عالم النصارى فركبنا دوابنا منصرفين ....
 

و من علوم الامام الباقر (ع)

لاشك ولا ريب بأنّ علم الإمام عليه السلام هو الأساس في حياته، وفي جميع حركاته وسكناته، وقد اشتهر علم الامام الباقر عليه السلام  لدى الصديق والعدو.

يقول الشيخ القمي ".. اظهر عليه السلام من مخبآت كنوز المعارف وحقائق الأحكام والحكم واللطائف ما لا يخفى إلا على منطمس البصيرة، وفاسد الطوية والسريرة ومن ثم قيل هو باقر العلوم وشاهرها.


وكان جابر بن عبد الله الأنصاري – كما ينقل شهر اشوب وغيره- يقعد في مسجد رسول الله صلى الله عليه وآله ويقول: يا باقر، يا باقر العلم، فكان أهل المدينة يقولون: جابر يهجر، فكان يقول: لا والله لا أهجر، ولكني سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول: إنك ستدرك رجلاً مني، اسمه اسمي، وشمائله شمائلي، يبقر العلم بقراً.

 
     عن عبد اللّه بن عطا المكي قال: ما رأيت العلماء عند احد قط اصغر منهم عند ابي جعفر محمد بن عليّ بن الحسين عليه السلام، ولقد رأيت الحكم بن عتيبة مع جلالته في القوم بين يديه كأنّه صبيّ بين يدي معلمه.

     كان جابر بن يزيد الجعفي إذا روى عنه عليه السلام شيئاً يقول:حدثني وصيُّ الأوصياء ووارث علوم الأنبياء محمد بن عليّ بن الحسين صلوات اللّه عليهم.

  فيه يقول القرطبي:

                     يا باقر العلم لأهل التّقى*** وخير من لبّى على الاجبُلِ

 
       وقال ابن حجر مع نصبه وشدة عداوته في الصواعق في حقه عليه السلام: هو باقر العلم وجامعه وشاهر علمه ورافعه صفا قلبه وذكا علمه وعمله وطهرت نفسه وشرف خلقه وعمرت أوقاته بطاعة اللّه وله من الرسوخ في مقامات العارفين ما تكل عنه ألسنة الواصفين وله كلمات كثيرة في السلوك والمعارف لا تحتملها هذه العجالة.


أضواء على بعض وصايا الإمام محمد الباقر (عليه السلام)

 
الإمام محمد الباقر(عليه السلام)  تعلّم في مدرسته علماء كثيرون، كما كان العلماء يرونه بحراً زاخراً واماماً لا ينازعه أحد في العلم والمعرفة واستاذاً فذاً في جميع العلوم التي عرفها أهل عصره والتي لم يعرفوها آنذاك.

وبحكم ذلك، ان مما أفاء به الإمام محمد الباقر (عليه السلام) في المجال الاجتماعي هي وصاياه التي كان يقدمها لشتى طبقات الناس، منها على سبيل المثال لا الحصر كــ" أحد أبنائه أو احد السلاطين أو لشخص من العامة" ، وقد اضطلع الإمام (عليه السلام) بهذه المهمة رغبة منه في إنشاء مجتمع سوي مستقيم غير منحرف تحكمه قيم ومثل عليا، وفيما يلي بعض هذه الوصايا:

وصيته لولده الإمام جعفر بن محمد الصادق (عليه السلام)

قال (عليه السلام) : "يا بني ان الله تعالى خبأ ثلاثة أشياء في ثلاثة أشياء، خبأ رضاه في طاعته فلا تحقرن من الطاعة شيئاً، فلعل رضاه فيه، وخبأ سخطه في معصيته، فلا تحقرن من المعصية شيئاً، فلعل سخطه فيه، وخبأ أولياءه في خلقه فلا تحقرن أحداً، فلعله ذلك الولي" .

 وصيته لعمر بن عبد العزيز

دخل الإمام محمد الباقر (عليه السلام) على عمر بن عبد العزيز، فقال له : "يا أبا جعفر أوصني" ، قال : "أوصيك بتقوى الله وان تتخذ صغير المسلمين ولداً ، وأوسطهم أخاً، وكبيرهم أباً، فارحم ولدك وصل أخاك وبر أباك، وإذا صنعت معروفاً فربه".

وبهر عمر بن عبد العزيز بهذه الحكمة الجامعة وراح يبدي إعجابه بها قائلاً : "رحمك الله جمعت لنا والله ما ان أخذنا به ، وأماتنا الله عليه استقام لنا الخير ان شاء الله".

وصيته (عليه السلام) لرجل من عامة المسلمين

قال الإمام محمد الباقر(عليه السلام) لرجل استوصاه : "أوصيك بتقوى الله وإياك والمزاح فانه يذهب هيبة الرجل وماء وجهه ، وعليك بالدعاء لإخوانك بظهر الغيب فانه يهيل الرزق" .

 وصيته لجابر بن يزيد الجعفي

روي عن الامام محمد الباقر (عليه السلام) انه قال :" يا جابر اغتنم من أهل زمانك خمساً : ان حضرت لم تعرف وان غبت لم تفتقد، وان شهدت لم تشاور ، وان قلت لم يقبل قولك ، وان خطبت لن تزوج ،
وأوصيك بخمس : ان ظلمت فلا تظلم ، وان خانوك فلا تخن ، وان كذبت فلا تغضب ، وان مدحت فلا تفرح ، وان ذممت فلا تجزع ، وفكر فيما قيل فيك ، فان عرفت من نفسك ما قيل فيك فسقوطك من عين الله عز وجل عند غضبك من الحق أعظم عليك مصيبة مما خفت من سقوطك من أعين الناس ، وان كنت على خلاف مما قيل فيك ، فثواب اكتسبته من غير ان يتعب بدنك ، واعلم بأنك لا تكون لنا ولياً حتى لو اجتمع عليك أهل مصرك ، وقالوا انك رجل سوء لم يحزنك ذلك ، ولو قالوا انك رجل صالح لم يسرك ذلك، ولكن اعرض نفسك على كتاب الله ، فان كنت سالكاً سبيله زاهداً في تزهيده ، راغباً في ترغيبه ، خائفاً من تخويفه فاثبت وابشر ، فانه لا يضرك ما قيل فيك ، وان كنت مبايناً للقرآن فماذا الذي يغرك من نفسك ، ان المؤمن معني بمجاهدة نفسه ليغلبها على هواها ، فمرة يقيم أودها ويخالف هواها في محبة الله ، ومرة تصرعه نفسه فيتبع هواها فينعشه الله فينتعش ويقيل الله عثرته ، فيتذكر ويفزع إلى التوبة والمخافة فيزداد بصيرة ومعرفة لما زيد فيه من الخوف وذلك بان الله يقول : ﴿إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ﴾.

يا جابر استكثر لنفسك من الله قليل الرزق ، تخلصاً إلى الشكر ، واستقلل من نفسك كثير الطاعة ازراءاً على النفس وتعرضاً للعفوا ، وادفع عن نفسك حاضر الشر بحاضر العلم ، واستعمل حاضر العلم بخالص العمل ، وتحرز في خالص العمل من عظيم الغفلة بشدة التيقظ ، واستجلب شدة التيقظ بصدق الخوف ، واحذر خفي التزين بحاضر الحياة ، وتوق مجازفة الهوى بدلالة العقل ، وقف عند غلبة الهوى باسترشاد العلم ، واستبق خالص الأعمال ليوم الجزاء ، وانزل ساحة القناعة باتقاء الحرص ، وادفع عظيم الحرص بإيثار القناعة ، واستجلب حلاوة الزهادة بقصر الأمل ، واقطع أسباب الطمع ببرد الياس ، وسد سبيل العجب بمعرفة النفس ، وتخلص من راحة النفس بصحة التفويض ، واطلب راحة البدن لاجمام القلب ، وتخلص من اجمام القلب بقلة الخطأ ، وتعرض لرقة القلب بكثرة الذكر في الخلوات ، واستجلب نور القلب بدوام الحزن ، وتحرز من إبليس بالخوف الصادق وإياك والرجاء الكاذب فانه يوقعك في الخوف الصادق ، وتزين لله عز وجل بالصدق في الإعمال وتحبب إليه بتعجيل الانتقال ، وإياك والتسريف فانه بحر يغرق فيه الهلكى ، وإياك والغفلة ففيها تكون قساوة القلب ، وإياك والتوني فيما لا عذر لك فيه فإليه يلجأ النادمون ، واسترجع سالف الذنوب بشدة الندم وكثرة الاستغفار ، وتعرض للرحمة وعفوا الله بحسن المراجعة ، واستعن على حسن المراجعة بخالص الدعاء والمناجاة في الظلم ، وتخلص إلى عظيم الشكر باستكثار قليل الرزق واستقلال كثير الطاعة ، واستجلب زيادة النعم بعظيم الشكر ، والتوسل إلى عظيم الشكر بخوف زوال النعم ، واطلب بقاء العز بإماتة الطمع ، وادفع ذل الطمع بعز اليأس ، واستجلب عز الياس ببعد الهمة ، وتزود من الدنيا بقصر الأمل ، وبادر بانتهاز البغية عند امكان الفرصة ولا امكان كالأيام الخالية مع صحة الأبدان ، وإياك والثقة بغير المأمون فان للشر ضراوة كضراوة الغذاء .

       واعلم انه لا علم كطلب السلامة ولا سلامك كسلامة القلب ، ولا عقل كمخالفة الهوى ، ولا خوف كخوف حاجز ، ولا رجاء كرجاء معين ، ولا فقر كفقر القلب ، ولا غنى كغنى النفس ، ولا قوة كغلبة الهوى ، ولا نور كنور اليقين، ولا يقين كاستصغارك الدنيا ، ولا معرفة كمعرفتك بنفسك ، ولا نعمة كالعافية ، ولا عافية كمساعدة التوفيق ، ولا شرف كبعد الهمة ، ولا زهد كقصر الأمل ، ولا حرص كالمنافسة في الدرجات ، ولا عدل كالإنصاف ، ولا تعدي كالجور ، ولا جور كموافقة الهوى ، ولا طاعة كأداء الفرائض ، ولا خوف كالحزن ، ولا معصية كعدم العقل ، ولا عدم عقل كقلة يقين ، ولا قلة يقين كفقد الخوف ، ولا فقد خوف كقلة الحزن على فقد الخوف ، ولا معصية كاستهانتك بالذنب ورضاك بالحالة التي أنت عليها ، ولا فضيلة كالجهاد ، ولا جهاد كمجاهدة الهوى ، ولا قوة كرد الغضب ، ولا معصية كحب البقاء ، ولا ذل كذل الطمع ، وإياك والتفريط عند امكان الفرصة فانه ميدان يجري لأهله بالخسران.


نستنتج من وصية الإمام الباقر (عليه السلام)  لجابر بن يزيد الجعفي كانت قد دعت إلى التسامح بين الناس ونشر المحبة والتواضع في التعامل والصبر على الشدائد وأكدت ضرورة الأمانة والالتزام بها ، وضرورة معرفة الإنسان بنفسه والجدية في مجاهدة النفس والثبات على الإيمان والزهد في الدنيا ولابتعاد عن الطمع .

ومن جانب آخر، كان تحرك الامام محمد الباقر نحو بناء الجماعة الصالحة بهدف تغيير المجتمع الاسلامي وفق أطروحة أهل البيت (عليهم السلام)؛ لان وجود مثل هذا التيار المتماسك يوفر جملة من المكاسب والمنافع والأهداف التي كان يسعى الامام)عليه السلام) لتحقيقها في حركته الرسالية.

مقطوعة في رثاء الامام الباقر (عليه السلام) أنشأها أخوه سيد شهداء عصره زيد بن علي (سلام الله عليه) وهو يرثيه ويبايع خليفته جعفر الصادق (عليه السلام) :

عج علی طيبة وصل الإماما

باقر العلم من سما إعظاما

وابكه في البقيع منهدم القبر

وقد كان شامخاٌ يتسامی

غادرته يد الجناة بفعل الحقد

فانهد للصعيد رماما

لم تراقب به النبي ولم تحفظ

به حرمة له أو ذماما

ليت تلك الأكف شلت غداة

استهدفت من ذری الكمال السناما

اسستها لهم أمية أضغاناً

فعلوا علی الاساس انتقاماً

وأنالوا الامام ظلماً وعسفاً

حين جاروا وأوسعوه اهتضاما

ولقد كان للبرية مأوی

ولسبل الرشاد بدراً تماماً

فلكم حل مشكلاً كان لولاه

حجی القرم عنده يتحامی

فحديث النقود حين تمادی

ملك الروم قد حباه اهتماماً

وهشام عراه منه ذهول

حين راحت نرمي السهام السهاماً

 واغتدی عالم النصاری وقد

ناظره، كان قد أماط الظلاماً

فتحاماه واغتدا بيعة اللوم

لأتباعه هناك وقاماً

فتجلی فضل الإمام لأهل الشام

كالشمس حين تجلو الظلاماً

و سلام الله عليك يوم ولدت و يوم  استشهدت ويوم تبعث حيا



اعداد وتدوين 
علي اكبر بامشاد
https://taghribnews.com/vdchmvnk623nqkd.4tt2.html
الإسم الثلاثي
البريد الإلكتروني
أدخل الرمز