تاريخ النشر2020 25 April ساعة 17:24
رقم : 460030
عادات وطقوس رمضانية في بلدان إسلامية

عادات و طقوس و تقاليد " رمضانیة " في تونس (ماقبل كورونا)

تنا -خاص
الاستعداد لشهر رمضان المبارك في تونس يبدأ المواطن التونسي قبل قدومه بأيام عديدة، حيث تنشط الأسواق، ويغدو الليل كالنهار كلّه حركة وحياة في أجواء من المشاعر الدينية العميقة والاحتفالات الخاصة بهذا الشهر الكريم، ويتميّز شهر رمضان المبارك بمظاهر كثيرة ومتنوعة.
تونسيات في ليلة رمضانية ( تونس)
تونسيات في ليلة رمضانية ( تونس)
ويحتل شهر رمضان مكانة روحية عميقة لدى التونسيين، حيث تمتلئ الجوامع في كل محافظات البلاد بروادها الذين يفترشون الشوارع والأحياء التي تقع بالقرب من الجوامع من أجل الصلاة أو سماع الدروس الدينية التي تحرص المساجد على زيادة جرعتها خلال شهر رمضان، وتصدح المآذن بتلاوات خاشعة للقرآن يؤمنها أئمة من خريجي جامعة الزيتونة للعلوم الإسلامية.

ويتسابق التونسيون عقب إفطارهم إلى حضور صلاة التراويح، ومواكبة مجالس الذكر وحلقات الوعظ الديني والمحاضرات والمسامرات الدينية، وتلاوة ما تيسر من القرآن إلى جانب عدد كبير من الأختام والإملاءات القرآنية، وحصص لختم الحديث النبوي الشريف، فيما تنظم السلطات التونسية ما يزيد على الـ400 مسابقة لحفظ القرآن الكريم في كافة مساجد البلاد، لعل أشهرها المسابقة الدولية لحفظ القرآن الكريم، والتي تشهد مشاركة أكثر من 15 دولة عربية وإسلامية.

اما  تحية السلام فلا يستخدمها التونسيون خلال شهر رمضان، فعند الفراق قبل الافطار تكون التحية دوما "شاهية طيبة" ويكون الرد عليها "وانت بالأمثل" أي بالمثل، وعند اللقاء بعد الافطار تكون التحية "صحة شريبتك".. ولهذه التحية معاني عدة، فالبعض يقول بأن كلمة شِرِيبتِك وهي اختصار لكلمة "شربتك" يعود معناها على شربة الماء التي يفتتح بها الصائم إفطاره، ويقول آخرون بأن معناها يعود على وجبة "الشُربة" التي لا تغيب عن مائدة الافطار طوال شهر رمضان في تونس وقل أن تؤكل في بقية الأشهر.

ومن أوجه الاختلاف عن بقية الدول الإسلامية، نجد أن ثقافة موائد الرحمن للإفطار المنتشرة في بلدان إسلامية عدة، تكاد تكون منعدمة في تونس سوى لدى بعض المؤسسات الخيرية الموجهة للأيتام ولحاملي الإعاقات الجسدية وللمرضى ولكبار السن.

يبدأ المواطن التونسي الاستعداد لشهر رمضان المبارك قبل قدومه بأيام عديدة، حيث تنشط الأسواق، ويغدو الليل كالنهار كلّه حركة وحياة في أجواء من المشاعر الدينية العميقة والاحتفالات الخاصة بهذا الشهر الكريم، ويتميّز شهر رمضان المبارك بمظاهر كثيرة ومتنوعة، والاحتفال به في تونس له خصوصية حيث تنشط الأسواق والمحلات التجارية قبل وخلال أيام رمضان، وتدب حركة غير عادية في الشوارع تصل إلى أوجها في أواخر الشهر الفضيل مع حلول عيد الفطر، كما تتزين واجهات المقاهي وقاعات الشاي، وتتلألأ صوامع الجوامع في كل المدن بالمصابيح.

ويحمل شهر رمضان مكانة كبيرة في قلوب التونسيين حيث تتعدد المناسبات العائلية والأفراح وتتزين ليالي رمضان في تونس بالموشحات الدينية، وتنتصب موائده عامرة بالأكلات التقليدية مثل البريك والطواجن و"الزلابيا" و"المخارق"، ويتميّز شهر رمضان المبارك في تونس بمظاهر كثيرة ومتنوعة، سنحدثكم عنها هذا التقرير.

يتميّز الشهر المبارك في تونس بكونه شر الأفراح والمسرات حيث يتبارك التونسيين بهذا الشهر وتتعدد فيه المناسبات الأسرية منها إقامة مواكب الخطبة بالنسبة للفتيات وتقديم الهدايا لهن ليلة 27 رمضان وتسمّى (الموسم) للواتي تمت خطبتهن ويقع اختيار الهدايا حسب إمكانيات العائلة، كما تحتفل بعض العائلات في ليلة القدر بختان أطفالها بتنظيم سهرات دينية تحييها فرق إسلامية إلى حدود موعد السحور.

وتنظم العائلات الميسرة سهرات "السلامية" احتفالا بالشهر المعظم، و"السلامية" مجموعة من المغنين ينشدون على ضربات الدف أدوارًا تمجّد الرسول الكريم - صلى الله عليه وسلّم - والأولياء الصالحين أو بعضًا من أشعار الصوفيين، وهذه الاحتفالات تقتصر على الرجال حتى يومنا هذا، غير أن النساء تشارك من بعيد بالزغرودة عند أجمل المقاطع.

وتجمع السهرات الرمضانية بين العبادة والمتعة والترفيه، ولكل طالب ما يريد، حيث يحظى شهر الصيام لدى مختلف فئات المجتمع بقداسة خاصة، إذ تستعد الأسر التونسية لاستقباله بشكل احتفالي، بتجديد مستلزمات المطبخ، وتهيئة المنزل لسهرات تتجدد كل عام إضافة إلى طلاء الجدران والأسقف بلون جديد مضيء.

ويعتبر رمضان عند العديد من التونسيين شهر تجديد العهد مع "اللمات" العائلية وتوطيد العلاقات الأسرية فهولا شهر التزاور واللقاءات والخطوبات والأفراح، وفيه تتغير وتيرة الحياة والسهر، فرائحة أجواء الشهر تتميز بعبق خاص له نكهة مميزة من اللمات العائلية، وتشهد المدن الكبرى حركية وأنشطة ثقافية وتجارية مكثفة والتي من شأنها أن تمنح عشاق السهر فرصة التسلية، خصوصًا مع ارتفاع درجات الحرارة يقبل التونسيون على المهرجانات والسهرات والمقاهي التي تتحول إلى ملتقى العائلات والأصدقاء والخلان، وتحلو السهرات الرمضانية الصيفية لاسيما مع انطلاق فترة العطل المدرسية والجامعية، إضافة إلى عطل بعض الموظفين والعاملين السنوية.

يمثل شهر رمضان في تونس مناسبة للتكافل الاجتماعي ولإحياء التراث الإسلامي للمجتمع التونسي، فخلال الشهر الفضيل نلاحظ انتشار "موائد الرحمن" في مختلف أنحاء البلاد، كما نرى بعض الصور المختلفة من التضامن الاجتماعي خلال شهر رمضان ومن بينها تقديم المساعدات إلى الأسر الفقيرة وتنظيم قوافل تضامنية تقدم هدايا ومبالغ من المال للمحتاجين، أيضًا نتابع بعض الأنشطة التي تقوم بها الدولة التونسية خلال الشهر الكريم حيث تنظم المؤسسات الرسمية مجموعة من "موائد الرحمن" بهدف التخفيف من حدة الضغط على مشاعر المسلمين الدينية طوال العام وتماشيًا مع الأجواء الاحتفالية والروحانية التي تسيطر على المواطنين.

جرت العادة على أن يفطر التونسيون على التمر واللبن ثم يؤدون صلاة المغرب ليعودوا بعد ذلك إلى مائدة الإفطار التي تتميز بنكهة خاصة في رمضان، حيث تعدّ المرأة التونسية أطباقًا من أشهى المأكولات تحافظ فيها على عادات التونسيين وتقاليدهم.

ومن العادات الحميدة التي تواكب هذا الشهر الكريم منذ ليلة دخوله والتي تطلق عليها في تونس "ليلة القرش" ما يعدّه التونسيون في تلك الليلة من حلويات، ففي تونس يهيأ عادة إما طبق "الرفيسة" المكوّن من الأرز المطبوخ مع التمر والزبيب، أو"المدموجة" ورقات من العجين المقلي مفتتة ومحشوة بالتمر والسكر، وفي الشمال الغربي لتونس تحضر "العصيدة" بالدقيق والسمن والعسل وأما في الساحل فتصنع الفطائر بالزبيب، أما أهل الجنوب فيطبخون "البركوكش" وهو دقيق غليظ الحبات يطبخ بأنواع من الخضر.

وانطلاقًا من اليوم الأول لهذا الشهر الكريم تأخذ مائدة الإفطار صبغة خاصة، ويعتبر "البريك" من أبرز مكوناتها فهو أكثر المأكولات التي تتصدر المائدة في كلّ البيوت وبصفة يومية وهو عبارة عن نوع من الفطائر تصنع من أوراق الجلاش، وتتشابه مع السمبوسة، ولكنّها فطائر كبيرة الحجم تحشى بالدجاج أواللحم في مختلف المناطق مع إضافة البقدونس والأجبان والبصل، وبعد تناول "البريك" يأتي دور الحساء وخاصة "حساء الفريك" باللحم أو الدجاج، ثمّ تأتي الأطباق الأساسية الأخرى من الخضروات واللحوم المختلفة والتي تطبخ في تونس عادة بزيت الزيتون.

ومن الأطباق الأخرى الشعبية التي توجد على مائدة الإفطار التونسية نجد "الطواجن" بأنواعها المختلفة و"الطاجين" طبق شعبي مميّز وتختلف صناعته من منطقة لأخرى وهوعبارة عن كيك مالح يصنع من الجبن الرومي أو الموزاريلا مع البيض والبهارات وبعض الخضروات وأنواع من اللحوم وتمتزج كل هذه اللوازم وتخبز في الفرن، أما السلطة على المائدة التونسية فلها أنواع كثيرة ويتم تقسيمها إلى سلطة مشوية وسلطة نيّة خضراء.

ومن العادات البارزة خلال شهر رمضان اعتناء أصحاب المخابز بتنويع أصناف وأشكال الخبز المحلى حبات البسباس وحبة البركة، كما تغيّر أكثر المحلات من بضاعتها لتعرض مواد غذائية خاصة بهذا الشهر مثل "الملسوقة" ورقات من العجين تستعمل لتحضير "البريك" والحلويات.

تختصّ الأحياء العريقة في تونس العاصمة في شهر رمضان أساسًا ببيع نوع من الحلويات التقليدية التي تعرف بها تونس وتسمّى "الزلابيا" و"المخارق" وهي من مشتقات القمح والعسل والجلجلان (السمسم) على شكل قطع مستديرة ومشبكة أو مستطيلة مع الاستدارة، وهي في الأصل من منطقة الشمال الغربي لتونس وما يزال سر صناعتها محفوظًا لدى سكان المنطقة الذين يختصون بها كما يعد "المقروض القيرواني" و"البوظة " و"المهلبية" و"الصمصة" من أشهر الحلويات التقليدية إلى جانب انتشار صنع القطائف التي استقدم التونسيون سر صناعتها من الشام وتركيا.

"كورونا" يَحرم أهالي القيروان من عاداتهم في إحياء رمضان

لم تتزين مدينة القيروان لقدوم شهر رمضان هذه السنة، حيث حرم أهلها من الاستمتاع بأجواء الشهر الفضيل بسبب فيروس "كورونا".

لأوّل مرّة في تاريخها تُحْرَم مدينة القيروان التونسية من إحياء شهر رمضان بأجوائه الدينية وحياته الاقتصادية.

ربما بات يحقّ لحمائم مسجد عقبة بن نافع الكبير في المدينة الإسلامية التاريخية، أن تَنُوحَ على مئذنته حزناً لتشكو إلى الله فيروس "كورونا"، الذي أدّى إلى خُلُوِّ المسجد من الصلوات وإحياء الشعائر الدينية في هذا الشهر المبارك.

كما يحقّ للمساكين والفقراء الذين ينتظرون هذا الشهر من الحول إلى الحول، ليرفعوا أكفّ الضراعة إلى ربّ السموات والأرض، شاكين له ما أصاب أرزاقهم.

ومنذ سقوط نظام بن علي، تغيَّرت أجواء الشهر الفضيل في القيروان خاصّة أنه أطل في السنوات التي مضت خلال فصل الصّيف، حيث السواد الأعظم من التونسيين يكون في عطلة، فكانت أجواء إحياء هذا الشهر غاية في الجمال ومليئة بالروحانيّات.

في المدينة التي تتزيَّن لحلول الشهر الكريم بأجمل حلَّة، تتوافد جموع غفيرة من الزائرين من داخل تونس وخارجها على امتداد الشهر على بعض الفنادق لإحياء رمضان وأداء الصلاة في المسجد الأكبر، حيث يرتفع عدد الزائرين في العشر الأواخر لإحياء صلاة التّهجد "قيام الليل" لتصل الذروة ليلة السابع والعشرين.

اقتصادياً، وبحسب التقديرات، لا يبقى مواطن في المدينة بلا عمل خلال الشهر المبارك، حيث يعدّ الأهالي الأكلات المتنوّعة والكثيرة التي تُباع في المحلات وعلى أرصِفة الشوارع وأهمّها "البريك، الزّلابيا، المخارق، القطايف" وغيرها. أما المطاعم ومحلات بيع الحلويات فتعجّ بالزبائن.  

هذه المواد لا تُباع فقط في فترة الصباح أو العصر، بل يتواصل بيعها ليلاً أمام المساجد أثناء صلاة التراويح عند خروج المُصلّين.

إضافة إلى ذلك، تزدحم المقاهي والمرافق الترفيهية والشوارع كلّ ليلة بالناس من كلّ مكان حتى ساعات الفجر. وهنا، يستغلّ الباعة الجوّالون هذه الفرصة الثمينة جدّاً لبيع ما يعدونه من حلوياتٍ وغيرها لكَسْبِ قوت يومهم.

هذه السنة، وبسبب فيروس "كورونا" المُستجد والحَجْر الصحي الشامل وحَظْر التجوّل، بات أهالي القيروان في مشكلة كبيرة. حيث لا إحياء للشعائر في المساجد (فتوى بالإجماع من مراجع المسلمين بإغلاق المساجد حفاظاً على أرواح الناس)، ولا المرافق الاقتصادية ستعمل كعادتها ليسترزق المساكين والفقراء.


اعداد و تدوين
علي اكبر بامشاد


 
https://taghribnews.com/vdcc1xq0x2bqex8.caa2.html
الإسم الثلاثي
البريد الإلكتروني
أدخل الرمز