تاريخ النشر2020 9 February ساعة 04:07
رقم : 450874
خلال مجلس العزاء الذي أقامته سفارة ايران في دمشق بمناسبة رحيل قارئ القراء

رسالة شيخ الشهداء، البوطي(رحمه الله) للجميع المحبّة في الله تجمعنا، وتوحّد كلمتنا، وترصّ صفوفنا

تنا-خاص
قال شيخ المودّة والانفتاح، الشهيدالبوطي(رحمه الله) : المحبّة هي التي ساقتني إلى هذا المكان، وهل الدين إلا المحبّة، نعم أيها الأحبة، لقد أرسلها العلامة الشهيد البوطي رسالة للجميع المحبّة في الله تجمعنا، وتوحّد كلمتنا، وترصّ صفوفنا.
رسالة شيخ الشهداء، البوطي(رحمه الله) للجميع المحبّة في الله تجمعنا، وتوحّد كلمتنا، وترصّ صفوفنا
كانت مكبّرات الصوت تصدح بآيات القرآن الكريم  يتلوها الشيخ عبد الباسط رحمه الله، تلاوةٌ كان لها الوقع الخاصّ على أسماعنا وفي قلوبنا، وكان الأثر العميق في نفوس المعزّين الذين توافدوا من أنحاء مدينة دمشق لقراءة الفاتحة وتقديم واجب العزاء الذي أقامته سفارة الجمهورية الإسلامية الإيرانية بمناسبة رحيل قارئ القراء، الشيخ عبد الباسط عبد الصمد رحمه الله تعالى في الثلاثين من الشهر الحادي عشر لسنة ألف وتسعمائة وثمانية وثمانون، هذا التاريخ الذي أخذ في ذاكرتي مكانة مؤثّرة.

الشيخ عبد الباسط الذي لطالما كنّا نستمع إلى صوته الشجيّ يتلو آيات الله البينات في مجالسنا واحتفالاتنا ومآتمنا، ونخشع كلّما سمعنا صوته وتلاوته، وترنّم بآيات الله،  فكنّا نعيش القرآن الكريم حيّاً وكأنّما نزل للتو، نشعر وكأنّنا في جنّة الخلد نسمع تغريد طيورها ونرتشف من معين شرابها، عندما كانت الآيات تصف الجنّة ونعيمها، وكنّا نستشعر حرّ النار كلما أتى على ذكر جهنّم وجحيمها، واليوم نستمع إلى صوته في مجلس أقيم لروحه وبسببه، رحمه الله تعالى.

جلست مستمعاً، أرقُب جموع المعزّين الذين غصّ المكان فيهم، وهم يُنصتون للصوت الشجيّ، رحمك الله ياشيخ القراء، كم لك من محبّة في قلوب المسلمين، فكم من صغير شبَّ وهو يترنّم بآيت الله البينات تُتلى بصوتك، كم عشنا وحلّقنا بصحبة تلاوتك، كم سالت دموعنا لشجيّ صداك، فسورة التكوير تشهد، وكذلك سورة مريم ويوسف والضحى والرحمن، وكل آي القرآن.

وإذا بي ألمح من الباب، شيخ الشهداء، العلامة محمد سعيد رمضان البوطي (رحمه الله)، يدخلُ بهيبته مجلس العزاء، تعلو على محيّاه علامات الحزن، ليصعد المنبر ويؤبّن فقيد القرآن والأمة، بكلمات اخترقت قلوبنا دون استثناء، وأدمعت عيوننا، أثنى فيها على قرّاء القرآن الكريم خاصّة الشيخ الفقيد، وسرعان ما نزل ليستقرّ في مجلسه مُنصتاً لتلاوة الشيخ القارئ عربي القباني.

وفي لحظات عمّ الهدوء وساد المكان الصمت، وإذا بالشيخ الشهيد البوطي يسأل سؤالاً، لعله أراد أن يوصل رسالة محبّة ومودّة ورسالة فكرٍ، لنا ولكل من يصله كلامه، "ما الذي جاء بي إلى هذا المكان دون غيره لأقدّم العزاء بشيخ القرّاء؟"

فارتسمت علامات الاستفهام على وجوهنا، لقد أراد أن يلفت الأنظار لما يريد التحدّث به، ثم وضع يده رحمه الله على صدره وأشار بإصبعه نحو قلبه، وقال: المحبّة هي التي ساقتني إلى هذا المكان، وهل الدين إلا المحبّة، نعم أيها الأحبة، لقد أرسلها العلامة الشهيد البوطي رسالة للجميع المحبّة في الله تجمعنا، وتوحّد كلمتنا، وترصّ صفوفنا، قدّس الله روحك سيدي الشيخ لقد وصلت رسالتك، وحملنا أمانتك، نم قرير العين، هانئ البال فهناك من يسهرعلى متابعة مسيرتك، ويعمل ليل نهار على نهجك، وعلى العهد باقون.

و قد ولد العلامة الشهيد محمد سعيد رمضان البوطي (رحمة الله عليه) عام 1929م - 1347هـ في قرية تقع على ضفاف نهر دجلة عند نقطة التلاقي بين حدود سوريا والعراق وتركيا، وتدعى جيلَكَا تابعة لجزيرة ابن عمر المعروفة بجزيرة بوطان.

- أبوه العلامة ملا رمضان البوُطي رحمه الله تعالى. الذي هاجر إلى دمشق إثر الإجراءات التي اتخذها اتاتورك في سبيل محاربته للدين ...

- التحق بمدرسة ابتدائية في منطقة ساروجة .. لكن تلقيه للعلم لم يقتصر على جهد المدرسة فقط .. بل كان لوالده الدور الأبرز. وعن تلقيه العلم في تلك المرحلة يقول الشيخ: ( كان أبي بعد ذلك هو معلمي الأوحد .. علمني أولاً مبادئ العقيدة الإسلامية، ثم علمني موجزاً من سيرة سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، من خلال رسالة صغيرة اسمها: ذخيرة اللبيب في سيرة الحبيب. ثم أخذ يعلمني مبادئ علوم الآلة من نحو وصرف. وسلّكني في طريق حفظ ألفية ابن مالك في النحو. فكان يفسر لي كل يوم خمسة أو ستة أبيات منها، وكان علي أن أتقنها بعد ذلك حفظاً في بياض ذلك النهار. فأذكر أنني حفظت الألفية كلها خلال أقل من عام. ولم أكن قد ناهزت البلوغ بعد، وفي الفترة ذاتها حفّظني والدي نظم الغاية والتقريب للعمريطي في الفقه. وهي ألف ومائتا بيت).

- بعد انقضاء المرحلة الابتدائية التحق بجامع منجك عند الشيخ حسن حبنكه الميداني .. ويتحدث الشيخ عن هذه المرحلة بالقول: ( .. أقبل إلي ذات يوم قبل أن يمضي بي فيسلمني أصغَرَ تلميذ إلى شيوخ معهد التوجيه الإسلامي، ينصحني ويحدثني عن آماله التي يعلقها علي .. وقال لي فيما قال اعلم يا بني أنني لو عرفت أن الطريق الموصل إلى الله يكمن في كسح القمامة من الطرق، لجعلت منك زبالاً، ولكني نظرت فوجدت أن الطريق الموصل إلى الله هو العلم به وبدينه، فمن أجل ذلك قررت أن أسلك بك هذا الطريق. ثم شدد عليّ وأكد كثيراً، أن لا أجعل قصدي من دراسة هذا العلم أي شهادة أو وظيفة .. بعد أيام مضى بي إلى دار الشيخ حسن حبنكة رحمه الله، وتركني أمانة بين يديه وفي معهده، ومضى عائداً إلى شأنه .
ومنذ ذلك اليوم انقطعت عن الدار، وأصبحت طالباً داخلياً في معهد التوجيه الإسلامي، وكنت أتردد على الدار لرؤية والدي أيام الثلاثاء فقط من كل أسبوع، أبقى عنده بياض ذلك النهار، حتى إذا أقبل المساء استأذنته عائداً على منجك.

كنت أشترك مع الطلبة الكبار في الجلوس إلى دروسهم التي يتلقونها من الشيخ دون أن أعي منهم إلا النزر القليل، ولكني تبينت بعد ذلك أن حضوري كان مفيداً .. وفي أيام الثلاثاء كنت أتلقى على والدي مزيداً من الدروس.. تلقيت عليه دروساً في النحو وفي البلاغة، وقد حفظت على يديه عقود الجمان للسيوطي، كما درست عليه كتباً في المنطق، والمقولات العشر، ودرست عليه شرح جمع الجوامع في الأصول).

- وفي تلك الفترة تقدم للخطابة وصعد المنبر ولم يكن قد تجاوز بعد السابع عشرة من عمره، وذلك في أحد مساجد الميدان القريبة من جامع منجك.
-  رغّبه بعض أساتذته في حفظ القرآن الكريم وشجعوه على ذلك، وبالفعل فقد استجاب وبدأ بالحفظ، ولكن والده رحمه الله على الرغم من أنه بيّن له عظيم الأجر الذي ينتظر حافظ القرآن، فقد حذره من الوزر والإثم اللذين يلحقان بمن يحفظ القرآن الكريم ثم ينساه.

فتوقف عن مواصلة حفظه، لكنه غدا بعد ذلك من المكثرين لتلاوته، حتى إنه كان يختم في كل ثلاثة أيام ختمة، فكان من نتيجة إكثاره لتلاوة القرآن الكريم حفظه للعديد من السور مع استحضاره لجل السور ومواضع الآيات فيها، من دون أن يقوم بأي جهد للقيام بحفظ شيء منها على الطريقة التقليدية التي يتبعها من يريد أن يحفظ شيئاً من القرآن الكريم.
وكان لإكثاره من تلاوة القرآن الكريم في تلك الفترة الدور البارز في اهتماماته الأدبية وتمتعه بالسليقة العربية، والبلاغة التي تتجلى في أحاديثه وكتاباته.

 - تزوج وهو في الثامنة عشر .. وله من الأولاد ستة ذكور وبنت واحدة.
- في هذه الفترة أصبح مولعاً بقراءة الكتب الأدبية لأدباء معاصرين وغابرين مثل: مصطفى صادق الرافعي، والجاحظ، والعقاد والمازني، إضافة إلى مقامات الحريري.
- وفي عام 1953 أتم دراسته في معهد التوجيه الإسلامي، الذي كان قد تحول حينئذ إلى معهد شرعي نظامي. وبذلك قضى ست سنوات في جامع منجك عند الشيخ حسن حبنكة.

- وفي عام 1954 ذهب إلى القاهرة لاستكمال دراسته الجامعية في الأزهر. ويتحدث عن تلك المرحلة وخاصة عن تجربته الأدبية: (ولما أنهيت دراستي الثانوية وشيئاً مما فوقها وتحولت إلى الأزهر لاستكمال دراستي الجامعية فيها .. كنت أرسل من القاهرة في كل أسبوع مقالاً أدبياً أو اجتماعياً إلى جريدة الأيام التي كان يصدرها المرحوم نصوح بابيل تحت عنوان "من أسبوع إلى أسبوع" كان ذلك خلال عام 1954-1955).

- عاد لدمشق بعد حصوله على الإجازة في الشريعة من كلية الشريعة بالأزهر عام 1955.
- ثم حصل على دبلوم التربية من كلية اللغة العربية في الأزهر عام 1956.
- عين مدرساً للتربية الدينية في حمص عام 1958 .
- أصبح معيداً في كلية الشريعة بجامعة دمشق، فموفداً إلى القاهرة لنيل درجة الأستاذية (الدكتوراه) في الفقه وأصوله، وكانت اطروحته كتاب (ضوابط المصلحة في الشريعة الإسلامية) نال عليها مرتبة الشرف الأولى مع التوصية بالتبادل ..

- وفي عام 1965م عين مدرساً في كلية الشريعة جامعة دمشق فأستاذاً مساعداً، فأستاذاً.

- وعُين في عام 1975م وكيلاً للكلية، ثم في عام 1977م عيّن عميداً لها، ثم رئيساً لقسم العقائد والأديان. وقد بقي محاضراً حتى آخر لحظة من حياته بوصفه متقاعداً ومتعاقداً مع الجامعة.

- خلال هذه الفترة وحتى عام 1981 كان بعيداً عن المحافل العامة، ومكتفياً بالحقل الأكاديمي بالإضافة إلى درسين أسبوعيين في مسجد السنجقدار يستقطب الكثير من شباب دمشق وما حولها، ثم انتقل بسبب ضيق المكان إلى مسجد تنكز فمسجد الإيمان .. وما زالت دروسه قائمة فيه حتى شهادته رحمة الله عليه، ودروس أخرى في مسجد والده الشيخ ملا رمضان البوطي والجامع الأموي، ومن أبرز هذه الدروس شرحه للحكم العطائية.


 له نشاطات عديدة على الصعيد العربي والدولي. منها:
- شارك في الكثير من المؤتمرات والندوات العربية والدولية كالملتقى الفكري الإسلامي في الجزائر لسنوات عديدة.
- حاضر في معظم الدول العربية والغربية من أبرزها محاضرته في مجلس برلمان الاتحاد الأوربي في ستراسبورغ عن حقوق الأقليات في الإسلام سنة 1991.

- وشارك كمستشار في بعض لقاءات المجمع الفقهي الإسلامي
- عضو في هيئة المحاسبة والمراجعة للمؤسسات المالية الإسلامية
- عضو جمعية نور الإسلام في الغرب / فرنسا
- عضو في مؤسسة طابا / أبو ظبي
- المشرف على النشاط العلمي في الجامع الأموي بدمشق.
- سمي عضو المجلس الأعلى لأكاديمية أكسفورد
- عضو المجمع الملكي لبحوث الحضارة الإسلامية / عمان
- نال جوائز عديدة منها جائزة دبي لشخصية العام 2004
- له برامج عديدة من الحلقات العلمية الدينية والاجتماعية بثت وتبث من أقنية فضائية متعددة، منها:
مع البوطي في قضايا الساعة - مع البوطي في حياته وفكره - الجديد في إعجاز القرآن - الإسلام في ميزان العلم - مشاهد وعبر من القرآن والسنة - وبرنامج دراسات قرآنية الذي لا يزال في إلقاءه منذ ربع قرن.
  • ومن أبرز مؤلفاته:  وهي كثيرة جدا ناهزت الخمسين ..
  • الإنسان مسير أم مخير
    هذه مشكلاتنا
    هذه مشكلاتهم
    هذا والدي
    محاضرات في الفقه المقارن
    الإسلام ملاذ كلّ المجتمعات الإنسانيّة
    الحب في القرآن ودور الحب في حياة الإنسان
    من الفكر والقلب
    يغالطونك إذ يقولون
    منهج الحضارة الإنسانية في القرآن
    اللامذهبية أخطر بدعة تهدد الشريعة الإسلامية

    شخصيات استوقفتني
    المرأة بين طغيان النظام الغربيّ ولطائف التشريع الربانيّ
    لا يأتيه الباطل
    عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها
    منهج الحضارة الإنسانية في الإسلام
    نقض أوهام المادية الجدلية
    تجربة التربية الإسلامية في ميزان البحث
    أبحاث في القمة (عشر كتيبات)
    قضايا فقهية معاصرة
    تحديد النسل
    قضايا ساخنة
    المذاهب التوحيدية والفلسفات المعاصرة
    التعرف على الذات
    الإسلام والغرب ... وغيرها الكثير لكن أبرز مؤلفات الشيخ على الإطلاق
    شرح وتحليل الحكم العطائية (لابن عطاء الله السكندري) 4 مجلدات.
    فقه السيرة النبوية
    كبرى اليقينيات الكونية.
والعديد من مؤلفاته ترجم إلى لغات عدة: كالإنكليزية والفرنسية والألمانية والتركية والروسية والملاوية.

و حسن الخاتمة  أنزله الله سبحانه وتعالى المنزلة اللائقة به. عندما اختاره شهيداً مساء يوم الخميس 21/ آذار/ 2013، الموافق: 10 / جمادى الأول / 1434هـ. في خاتمة يتمناها كل مسلم عاقل، في مجلس وصفه رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه فيما بينهم إلا نزلت عليهم السكينة وغشيتهم الرحمة وحفتهم الملائكة وذكرهم الله فيمن عنده). عندما كان يلقي درسه في تفسير القرآن الكريم في محراب مسجد الإيمان بدمشق مع حوالي خمسين من طلبة العلم الشرعي، رحمهم الله تعالى أجمعين.

/110
 
https://taghribnews.com/vdchqvnkk23nm6d.4tt2.html
الإسم الثلاثي
البريد الإلكتروني
أدخل الرمز