كانت حفيدة الرسول (صلّى الله عليه وآله) في فجر الصبا آيةً في ذكائها وعبقرياتها؛ فقد حفظت القرآن الكريم، كما حفظت أحاديث جدّها الرّسول (صلّى الله عليه وآله)، فيما يتعلّق بأحكام الدين وقواعد التربية وأصول الأخلاق.
فی ذكرى وفات السيدة زينب (س)
السيّدة زينب (ع) عالمة غير معلمة
تنا
22 Mar 2019 ساعة 1:18
كانت حفيدة الرسول (صلّى الله عليه وآله) في فجر الصبا آيةً في ذكائها وعبقرياتها؛ فقد حفظت القرآن الكريم، كما حفظت أحاديث جدّها الرّسول (صلّى الله عليه وآله)، فيما يتعلّق بأحكام الدين وقواعد التربية وأصول الأخلاق.
لقد نشأت حفيدة الرسول (صلّى الله عليه وآله) في بيت الوحي، ومركز العلم والفضل، فنهلت من نمير علوم جدِّها وأبيها وأخويها، فكانت من أجلِّ العالمات، ومن أكثرهنَّ إحاطةً بشؤون الشّريعة وأحكام الدّين.
" كفى بزينب فخرا انها اخذت من علم جدها رسول الله ..ومن شجاعة ابيها علي ..
ومن صلابة امها فاطمه ..ومن حلم اخيها الحسن ..ومن جهاد اخيها الحسين ..
فاصبحت ملتقى فضائل اهل البيت عليهم السلام جميعاً .
نسبها: والدها الإمام عليّ بن أبي طالب(ع)، ووالدتها السيّدة فاطمة الزّهراء(ع)، ابنة رسول الله(ص).
ولادتها:
ولدت السيِّدة زينب(ع) في المدينة المنوَّرة بتاريخ: 5 جمادى الأولى من السّنة الخامسة للهجرة، أي ما يعادل سنة 626 م، وهي الثّالثة بعد أخويها الحسن والحسين(ع).
ألقابها:
أشهرها: زينب الكبرى، الحوراء، العقيلة (عقيلة بني هاشم)، أمّ المصائب، والطّاهرة...
زواجها وأولادها:
تزوَّجت السيّدة زينب(ع) من ابن عمّها عبد الله بن جعفر بن أبي طالب، وأنجبت منه أربعة ذكور وبنت ـ وفق الكثير من الرّوايات ـ وهم: عون، ومحمّد، وعليّ، وعبّاس، وأمّ كلثوم. وقد استشهد ولداها عون ومحمّد مع خالهما الحسين(ع) في كربلاء.
حياتها ومعاناتها:
عاشت السيّدة زينب(ع) في المدينة مع والديها وجدّها الرّسول(ص)، وقد توفّيت والدتها الزّهراء(ع) بينما كانت تبلغ الخامسة من عمرها، بعد وفاة جدّها الرّسول(ص) بفترة قصيرة.
في خلافة والدها عليّ(ع)، هاجرت هي وإخوتها معه إلى الكوفة التي كانت عاصمة الخلافة آنذاك، لتعود بعد استشهاده مع أخويها الحسنين(ع) إلى المدينة المنوّرة.
كانت المآسي تتكرّر في حياة العقيلة زينب(ع) منذ طفولتها؛ فمن وفاة جدّها ووالدتها وهي لاتزال طفلة، إلى اغتيال والدها في الكوفة، إلى فاجعة تسميم أخيها الحسن(ع)، إلى الفاجعة الكبرى الّتي تجلّت في استشهاد أخيها الحسين(ع) في كربلاء، مع اثنين من أولادها، وبعض أبناء إخوتها، وأصحاب أخيها... ومع ذلك، بقيت السيّدة زينب(ع) المؤمنة الصّابرة المحتسبة، المتمسّكة بنهج الإسلام؛ نهج جدّها رسول الله(ص)، حتّى ضرب المثل بصبرها وعزيمتها، وصارت قدوةً للمسلمين والمسلمات.
صفاتها ونضالها:
اشتهرت زينب(ع) بحكمتها ورجاحة عقلها وإيمانها القويّ، وهي الّتي ساندت أخاها الحسين في معركته ضدّ يزيد، وواجهت الطّاغية بجرأة تفوق كلّ حدّ، وجلجل صوتها في مجلسه، واستطاعت بقوّتها أن تحمي ابن أخيها زين العابدين(ع) من بطش يزيد وأعوانه، وأن تحضن أبناء إخوتها الصّغار، وهي الّتي فضحت السّلطة الأمويّة آنذاك، ووضعت نتائج الثّورة على سكّة الانتصار والخلود.
"روت عن: أبيها الإمام عليّ(ع)، وأمّها فاطمة الزهراء(ع)... وآخرين.
روى عنها: ابن أخيها زين العابدين(ع)، وجابر بن عبد الله الأنصاري، وابن عباس، وكان يقول: حدّثتني عقيلتنا زينب بنت عليّ.. وكانت عالمة، خطيبة، فصيحة، جليلة الشّأن، موصوفة بالصّبر الجميل، والثّبات والتّسليم إلى الله تعالى، وكانت ذات عبادة وتهجّد" .
وكان من فضلها واعتصامها بالله تعالى، أنّها قالت: "مَنْ أراد أن لا يكون الخلق شفعاءه إلى الله فليحمده؛ ألم تسمع إلى قوله: سمع الله لمَنْ حمده؟ فخف الله لقدرته عليك، واستحِ منه لقربه منك".
وممّا يدلّ على مزيد فضلها، أنّها كانت تنوب عن أخيها الإمام الحسين (عليه السّلام) في حال غيابه، فيرجع إليها المسلمون في المسائل الشرعيَّة. ونظراً إلى سعة معارفها، كان الإمام زين العابدين (عليه السّلام) يروي عنها، وكذلك كان يروي عنها عبد الله بن جعفر، والسيّدة فاطمة بنت الإمام الحسين (عليه السّلام).
ولمّا كانت في الكوفة في أيّام أبيها، كان لها مجلس خاصّ تزدحم عليها السيّدات، فكانت تلقي عليهنَّ محاضرات في تفسير القرآن الكريم، كما كانت المرجع الأعلى للسيّدات من نساء المسلمين، فكنّ يأخذنَ منها أحكام الدّين وتعاليمه وآدابه.
ويكفي للتّدليل على فضلها، أنّ ابن عباس حبر الأمّة، كان يسألها عن بعض المسائل التي لا يهتدي لحلّها، كما روى عنها كوكبة من الأخبار، وكان يعتزّ بالرواية عنها، ويقول: "حدّثتنا عقيلتنا زينب بنت عليّ".
وقد نابت عن ابن أخيها الإمام زين العابدين (عليه السّلام) في أيام مرضه، فكانت تجيب عمّا يرد عليه من المسائل الشرعيَّة، وقد قال (عليه السّلام) في حقّها: "إنّها عالمة غير معلّمة".
وكانت ألمع خطيبة في الإسلام؛ فقد هزّت العواطف، وقلبت الرأي العام، وجنّدته للثّورة على الحكم الأموي، وذلك في خطبها التأريخيّة الخالدة التي ألقتها في الكوفة ودمشق، وهي تدلّل على مدى ثرواتها الثقافيّة والأدبيّة.
وفاتها ومكان دفنها:
توفّيت السيّدة زينب(ع) في 15 رجب من العام 62 هـ، أي ما يعادل 682 م، ولها من العمر ستّة وخمسون عامًا، وقد اختلف في مكان دفنها، فبينما يؤكّد البعض أنّه في الشّام، وهو المشهور، يذكر البعض الآخر على أنّه في مصر، ولها مقام في كلّ من البلدين، يشهدان على قداسة هذه الشّخصيّة، واحترامها من قبل المسلمين جميعًا.
رقم: 410115