QR codeQR code

في ذكرى مولد الامام محمد الجواد (ع)

مدرسة الامام الجواد (ع) مدرسة الجود والعطاء

تنا

17 Mar 2019 ساعة 9:12

توفّرت في الإمام محمد الجواد عليه السلام الصفات الرفيعة، والمثل الكريمة، حتى أنه لكرمه لُقِّب بالجواد
فديتُ إمامي أبا جعفرٍ جواداً يُلقّب بالتاسعِ


 الإمام  محمد الجواد لا يدانيه أحد في سعة علومه ومعارفه في عصره وأنّه لابدّ أن يكون أعلم أهل زمانه، وأدراهم بشؤون الشريعة وأحكام الدين، والإحاطة بالنواحي السياسية والإدارية وغير ذلك ممّا يحتاج إليه الناس، أمّا الأدلة على ذلك فهي متوفّرة لا يتمكّن أحد أن ينكرها أو يخفيها، فالإمام أمير المؤمنين سيد العترة الطاهرة الامام علي بن ابي طالب (ع) هو الذي فتق أبواباً من العلوم بلغت -فيما يقول العقّاد- اثنين وثلاثين علماً، وهو الذي أخبر عن التقدّم التكنولوجي الذي يظهر على مسرح الحياة، فقد قال عليه السلام: "يأتي زمان على الناس يرى من في المشرق مَن في المغرب، ومن في المغرب يرى مَن في المشرق"، وقال عليه السلام: "يأتي زمان على الناس يسمع مَن في المشرق مَن في المغرب ومَن في المغرب يسمع مَن في المشرق"، وتحقّق ذاك بظهور جهاز التلفزيون والراديو، وقال عليه السلام: "يأتي زمان على الناس يسير فيه الحديد"، وتحقّق ذلك بظهور القطار والسيارات وغيرهما، وأمثال هذه الأمور التي أخبر عنها، يجدها المتتبّع في الكتب التي تبحث عن هذه الأمور كالغيبة للشيخ الطوسي وبعض أجزاء البحار، وغيرهما ممّا ألِّف في هذا الموضوع.

أمّا الإمام الصادق عليه السلام معجزة العلم والفكر في الأرض، فقد أخبر عن تلوّث الفضاء والبحار، وما ينجم عنهما من الأضرار البالغة للإنسان كما أخبر عن وجود الحياة في بعض الكواكب، وهو الذي وضع قواعد التشريح، وخصوصيّة أعضاء الإنسان والعجائب التي في بدنه والتي منها الأجهزة المذهلة، وقد عرض لذلك كتابه المسمّى بتوحيد المفضل ويعتبر المؤسّس الأوّل لعلوم الفيزياء والكيمياء، فقد وضع أصولها على يد تلميذه جابر بن حيّان مفخرة الشرق، ورائد التطوّر البشري في الأرض.

وقد دلّل الامام الجواد على ما تذهب إليه محبي اهل البيت في الإمامة، فقد كان وهو في سنّه المبكر قد خاض مختلف العلوم وسأله العلماء والفقهاء عن كلّ شيء فأجاب عنه، ممّا أوجب انتشار التشيّع في ذلك العصر وذهاب أكثر العلماء إلى القول بالإمامة.

لقد احتفّ بالإمام الجواد (ع) وأشهر العلماء والفقهاء والرواة وهم ينتهلون من نمير علومه، وقد رووا عنه الكثير من المسائل الفلسفية والكلامية، ويعتبر ذلك من أوثق الأدلّة على ما تذهب إليه الشيعة في الإمامة.
 
 فقد تميّز الإمام محمد بن عليّ الرّضا، السيرة الشخصيّةكما هو معروف، بلقب الجواد، وهو لقبٌ اكتسبه الإمام وأسبغه عليه النَّاس، ليس من فراغ أو من محبّة، إنما بعدما خبروه ولمسوا منه كثرة كرمه ومعروفه وإحسانه. كان جواداً، يجود بكلّ يملك، يعطي الكثير ويُبقي لنفسه القليل، لا ينتظر سائلاً، ما في يده دائماً فيه للفقراء نصيب، فهم شركاؤه من دون إعلان أو توقيت.
 
في ذكرى مولد الإمام الجواد(ع) ، نحن أحوج ما نكون إلى تمثّل هذه السّمة التي تجسّدت في شخصيّته، ألا وهي سمة الجود، والتي هي أسمى مرتبة من الكرم.

   
 
كم نحتاج اليوم إلى هذه الإضاءات من الجود على المستوى الفردي والمجتمعيّ. والجود هو أن يُعطي الإنسان أفضل ما لديه، فإن كان قد رزقه الله قلباً واسعاً، فليجُد بعطفه ومحبّته، ومن أغدق الله عليه مالاً، فليجد بماله، ومن أغدق عليه علماً وفكراً وخبرة، فليجد بما لديه... وأرقى الجود هو بذل النفس، فهي أعلى المراتب، وأجود النّاس من جاد بنفسه وماله في سبيل الله.
 
والجود، أوّل ما ينفع صاحبه، ينعكس عليه في الدنيا راحة بال وصحة نفس لا تُقدَّر بثمن، لا يشعر بها إلا كلّ جوادٍ كريم، وينعكس في الآخرة ثواباً لا يعلمه إلا الله. ويكفي أنَّ الإنسان الجواد قريبٌ من الله، وقريبٌ من الجنَّة، وقريبٌ من النّاس.


السيرة الجوادية


في ذكرى ولادة الإمام التّاسع من أئمَّة أهل البيت (ع)، وهو الإمام محمَّد الجواد (ع)... والجواد هو لقب اقترن به اسمه الشَّريف، لأنه كان كثير العطاء، تجود يداه بكلِّ ما كان يصل إليه. كما عُرِفت لهذا الإمام ألقابٌ أخرى تُذكَر في تراجم سيرته، فكان يُطلَق عليه القانع التقيّ، والمرتضى، والنقيّ، والنجيب.
 
وما يُميِّز سيرة الإمام الجواد (ع)، هو صغر سنّه، فقد تولّى الإمامة وهو ابن عشر سنوات، وهذا ما قد يستغربه البعض، ولكنَّنا نؤمن بأنّه من أهل بيت زُقّوا العلم زقّاً، وحظوا بمددٍ علميٍّ وأخلاقيٍّ وروحيٍّ من جدِّهم رسول الله. وموضوع صغر السّنّ لا نتوقّف عنده، والمهمّ عند الباحثين هو ما أثبتته الوقائع من سيرة الجواد، التي وإن لم يُنقل لنا عنها الكثير، ولكنَّها تحمل مؤشِّرات كافية للمدى الّذي بلغه علم هذا الإمام.
 
 الإمام الجواد (ع) لم يتجاوز الخامسة والعشرين من العمر يوم وفاته، وهو أصغر الأئمّة عمراً، إلا أنّه ترك أثراً كبيراً في الفقه والعقيدة والمفاهيم وتفسير القرآن والحديث، ولقد ذاع صيته بين العلماء، ووفد إليه طالبو العلم من كلِّ مكان ينَهلون من معين علمه، وروى عنه عدد كبير من الرّواة.
 
ومصداقاً لذلك، كانت المحاورة الفقهيّة التي جرت بينه وبين كبير قضاة عهد الخلافة العباسيّة في عصر المأمون، وبحضوره مع جمع من العلماء والنّاس. يومها، طرح كبير القضاة يحيى بن أكثم على الإمام الجواد سؤالاً: ما حكمِ مُحرِمٍ قَتل صيداً (اصطاد)؟

فردّ الإمام سائلاً (مفنّداً الحالة): "قتله في حلّ أو حرم، عالماً كان المحرم أم جاهلاً، قتله عمداً أو خطأً، حرّاً كان المحرم أو عبداً، صغيراً كان أو كبيراً، مبتدئاً بالقتل أم معيداً، من ذوات الطّير كان الصّيد أم من غيره، من صغار الصّيد كان أم من كبارها، مصرّاً كان أو نادماً، في اللّيل كان قتله الصّيد أم بالنّهار، محرماً كان بالعمرة إذ قتل أم بالحجّ كان محرماً؟"
 
وغيرها من الأسئلة التي كان من الضّروريّ تحديد إجاباتها قبل أن يجيب الإمام (ع)، ذلك لأنّ لكلّ واحدة حُكماً مختلفاً.
 
حينها تحيَّر يحيى وانقطع انقطاعاً لم يَخف على الجالسين وبان عجزه. ولم يطل الأمر بالإمام، حتّى راح يبيّن لهم حكم كلّ حالة على حدة، وبإسهاب، وسط انبهار السّامعين وذهولهم.
 
طبعاً، كانت مثل هذه الحوارات كافية لأن تنتشر ويذيع الصّيت العلمي والفقهي للإمام الجواد (ع)، وأن يصبح معلّماً في تلك الفترة. 

و أنَّ أحد الجوانب الكبيرة لحياة أئمتنا هو الجانب الثقافي، وقد كان لكلّ واحد من هؤلاء الأئمّة الكبار نشاط ثقافي في عصره، فقد كانوا يربّون الشخصيات في مدرستهم، ويبثّون علومهم ومعارفهم في المجتمع من خلالهم، ولكن ظروفهم الاجتماعية والسياسية لم تكن متساوية، فقد كانت الظروف الاجتماعية في عهد الإمام الباقر والإمام الصّادق مناسبة، ولذلك لاحظنا أنّ عدد تلامذة الإمام الصّادق ورواته قد بلغ الأربعة آلاف، ولكن نشاطهم قد قلّ منذ عهد الإمام الجواد، حتى عهد الإمام العسكري، بسبب الضّغوط السياسية ومراقبة نشاطاتهم من قبل جهاز الحكم، ولذلك تنزل عدد رواتهم وتلاميذ مدرستهم بشكل ملحوظ بالمقارنة مع عهد الإمام الصادق .
 
وعليه، لا عجب إذا قرأنا أنَّ مجموع رواة الإمام الجواد وأصحابه يقارب المائة وعشرة رواة، وقد رووا عنه 250 حديثاً، لأنّه كان مراقباً بشدَّة من جهة، واستشهد في وقت مبكر؛ وقد عاش خمساً وعشرين سنة بإجماع العلماء من جهة أُخرى، وفي الوقت ذاته، يجب الالتفات إلى أنّ من بين هذا العدد القليل من أصحاب الإمام والرواة، هناك شخصيات بارزة مثل: علي بن مهزيار، أحمد بن محمد بن أبي نصر البزنطي، زكريا بن آدم محمد بن إسماعيل بن بزيع، الحسين بن سعيد الأهوازي، أحمد بن محمد بن خالد البرقي، وكان كلّ واحد منهم علماً بذاته في المجالات العلمية والفقهية، وكان بعضهم صاحب تأليفات .
 
هذا، ومن ناحية أُخرى، إنَّ رواة أحاديث الإمام الجواد لا ينحصرون في الشّيعة، بل قد نقل بعض المحدثين والعلماء السنّة للأحكام الإسلاميّة من ذلك الإمام، ومنهم على سبيل المثال: الخطيب البغدادي، الّذي روى عن الإمام أحاديث بسنده الخاصّ به هو، كذلك روى عنه الحافظ عبد العزيز بن أخضر الجنابذي في كتاب "معالم العترة الطاهرة"، ومؤلفون آخرون مثل أبي بكر أحمد بن ثابت، وأبو إسحاق الثعلبي، ومحمد بن مندة بن مهربذ، في كتبهم التاريخيّة والتفسيريّة...

     
مما قال الامام محمد الجواد (ع)
 
في التوبة
 
قال الامام الجواد (ع): "تأخير التوبة اغترار، وطول التسويف حيرة، والاعتلال على الله هلكة، والإصرار على الذنب أمنٌ لمكر الله، ولا يأمن من مكر الله إلا القوم الخاسرون".
 
إن على الإنسان أن يستعجل التوبة لأنه لا يعرف ماذا يُقبل عليه من عمره، فلعلّ الموت يأتيه على حين غفلة، وعليه أن لا يغترّ بطول الأمل، لأنّه سوف ينقطع به في الطريق، ولا يسوّف التوبة، فإنّ التسويف الذي ينتقل به من موعد إلى آخر قد يوقعه في الحيرة عندما يعيش التردّد بين الاندفاع نحو التوبة أو الرجوع عنها، ما قد يدفعه إلى الاضطراب والإرباك النفسي.
 
أما الاعتلال على الله وترك المبادرة إلى الحصول على رضاه من خلال مواقع القرب عنده، فإنّه يؤدي به إلى الهلَكة عندما يتابع المعصية تلو المعصية، فيتعرّض لسخطه الذي يؤدي إلى عذابه. أمّا الإصرار على الذنب، فإنه يوحي بأنّ هذا الإنسان متمرّد على الله مستمرّ في عصيانه، في عملية استسلام للرجاء الذي لا يقف عند حدٍّ ولا يلتقي بالخوف من مكر الله الذي قد يملي للإنسان ويمهله دون أن يهمله، فيأتيه العذاب من حيث لا يشعر.. في الوقت الذي لا بدَّ للإنسان الذي يؤمن بالله ويعرف قدرته وسطوته وطريقته في التعامل مع عباده المنحرفين، أن يأمن مكر الله، فإنه لا يأمن مكر الله إلا القوم الخاسرون الذين سوف يخسرون مصيرهم في الدنيا والآخرة.

في    كفالة الله
 
يقول الامام الجواد (ع): "كيف يضيع مَنِ الله كافلُه، وكيف ينجو منِ الله طالبُه، ومَنِ انقطع لله وكّله الله إليه، ومن عمل على غير علم كان ما يُفسد أكثر مما يُصلح، مَن أطاع هواه أعطى عدوّه مناه".
 
و الامام الجواد يتعجّب من تصوّرات بعض النماذج من الناس، فهناك الذي يوحي لنفسه بالضياع والحيرة والتمزق في عملية سقوط أمام احتمالات الحاضر والمستقبل، فيتعجب كيف يضيع وهو المخلوق الذي كفله الله في رزقه وفي كل تفاصيل حياته في نطاق النظام الذي أودعه الله في السنن الكونية والتاريخية.. إنّ المؤمن لا يشعر بالضياع، بل الكافر هو الذي يشعر بالضياع، لأنّ المؤمن الذي يؤمن بأن الكون في رعاية الله لا يفكر بالضياع.
 
وهناك الذي يهرب من ربه ويشعر بأنه قادر على النجاة منه بفعل ما يملكه من القوة من خلال الوسائل المتجمّعة عنده، ولكنه لا يفكر بأن الله المهيمن على الكون كله في الحاضر والمستقبل لا يفلت منه أحد ولا ينجو منه مطلوب. وهناك الذي يكل أمره إلى الله وينقطع إليه ويقطع أمله من كل مَنْ عداه، فإنَّ الله يكله إليه، فهو حسبه وبه الكفاية وعليه التكلان. وهناك الذي ينطلق إلى العمل من دون تخطيط لخطوطه ومفرداته ومراحله على أساس العلم الذي ينفتح عليه، فإنه سوف يتعرض للفساد بفعل حالة التخبط في السير على غير هدى أو كتاب منير، لأنَّ الجهل سوف يقود صاحبه إلى ما يفسده وهو يفكر أنه يصلحه، فتكون نتائج الفساد عنده أكثر من نتائج الصلاح. وهناك الذي يخضع لهواه، فلا يتحرك من قاعدة إيمان ومن منطق عقل، فهذا هو الذي سوف يوقع نفسه في قبضة التيه وفي مواطن الهلاك، وبذلك فإنه يحقق لعدوه ـ وهو الشيطان ـ أمنياته في إبعاده عن مواقع رضوان الله وعن الجنة، بإيقاع نفسه في المعصية التي هي سرّ هلاكه.
 
 في صفات المروءة
 
يقول الامام محمد الجواد (ع): "حَسْبُ المرء من كمال المروءة تركُه ما لا يَجْمُلُ به، ومن حيائه ألاَّ يلقى أحداً بما يكره، ومن أدبه ألا يترك ما لا بدَّ له منه، ومن عرفانه علمُه بزمانه، ومن ورعه غضُّ بصره وعفة بطنه، ومن حُسن خُلُقه كفُّه أذاه، ومن سخائه برُّه بمن يجب حقّه عليه وإخراجه حقّ الله من ماله، ومن إسلامه تركه ما لا يعنيه وتجنّبه الجدال والمراء في دينه".
 
المروءة مفهوم يختزن في داخله العناصر الإنسانية التي تمثل التوازن في حركة الإنسان في حياته الفردية والاجتماعية بما يوحي بالكمال الأخلاقي والاتزان السلوكي.. والإمام الجواد(ع) ـ حسب هذه الرواية ـ يحدّد كمال هذه القيمة السلوكية للإنسان بترك الكلام أو العمل الذي لا يتناسب مع مقامه وخطه المستقيم ومواقفه المبدئية، بحيث يتحرّك من خلال المقارنة بين ما ينطلق به من نشاط وما يتناسب معه.. أما الحياء ، وهو الحالة النفسية التي تبتعد بالإنسان عن كل قبيح يُخجل الإنسان في حياته ويبتعد به عن ساحة المواجهة القاسية في العلاقات، فمن مظاهره أن لا تلقى الناس في كلماتك وأفعالك وعلاقاتك بما يكرهون، مما قد يدخلك في مداخل الحرج الذي يسي‏ء إلى موقعك عندهم، ويخلق لك المشاكل معهم، ومن الأدب أن يوجّه اهتماماته إلى الضرورات العملية التي لا بد للإنسان من الإتيان بها، لأن لها علاقة بالقضايا الحيوية في حياته وحياة الآخرين في نطاق مسؤولياته العامة والخاصة، ومن المعرفة أن يعرف عصره في ذهنيته التي يفكر بها، وفي قضاياه التي يتحرك في داخلها، وفي تطلعاته التي يتطلع إليها، وفي حاجاته التي يتطلبها، وفي خطوطه الفكرية التي ينفتح عليها، وفي التحديات التي يواجهها أو يطلقها ويحركها، وفي أوضاعه السياسية والاجتماعية والأمنية والثقافية التي تحيط به.. فيكون من خلال ذلك في مستوى الوعي الذي يسير به نحو التقدّم والتطوّر في ساحات المعرفة الشاملة. أمّا الورع عن الحرام، فمن مظهره عفة البطن عن الأكل الحرام والشراب الحرام، وعفّة جسده عن الشهوة الحرام..
 
أما خُلقه الحسن، فمن مظهره أن يكف أذاه عن الناس انطلاقاً من روحيّته الأخلاقية بالمسالمة للناس، فلا يسي‏ء إلى أحد، بل ينفتح على الإحسان.. أما البرّ في حياته، فمن خصاله أن يتحمّل مسؤوليته عن الذين يجب عليه الإنفاق عليهم والرعاية لهم وإخراج الحقوق الشرعية الإلهية من ماله لأصحابها.. أما إسلامه، فقد يتمثّل بأن يترك الكلام في ما لا يعنيه لأنه من لغو القول ومن زوائده، وأن يترك الجدال في الدين بما لا ضرورة له.
 
في  حقيقة الإيمان
 
قال الامام الجواد (ع): "لن يستكمل العبد حقيقة الإيمان حتى يؤثر دينه على شهوته، ولن يهلك حتى يؤثر هواه وشهوته على دينه".
 
إنّ على المؤمن أن يعيَ حقيقة دينه في طبيعته من حيث انطلاقه من قاعدة الحقيقة التي تحكم الحياة كلها والوجود كله، ومن حيث أثره في تركيز موقف الإنسان على أرض صلبة لا اهتزاز فيها، ومن حيث نتائجه في النجاة من عذاب الله في يوم القيامة.. وعلى هذا الأساس، فلا بد له من أن يختار السير على الخط الديني في العقيدة وفي الشريعة وفي المنهج وفي الحركة، لأنه الخط المستقيم الذي يحصل به الإنسان على رضا الله والقرب إليه، وأن لا يطيع شهوته في حركة غرائزه في نقاط ضعفها، فإن الشهوة لا تخضع لقاعدة ولا تتحرك في خطة ولا تنسجم مع الاستقامة، بل إنها تهتز بالإنسان في كل مواقعه، ولا تثبت به على أساس متين، وتؤدي به في النهاية إلى الهلاك الدنيوي والأخروي عندما تتغلّب عليه وتصادر التزامه الديني وتتحرك به مع الأهواء ليضيع في متاهات الحياة فيسير على غير هدى، أما الثابتون على دينهم الذين ينظرون بعين البصيرة إلى عمق الشهوات في نتائجها السلبية، فهم الناجون عند الله، الكاملون في إيمانهم.
 
في مصاحبة الشرير
 
قال الامام محمد الجواد (ع): "إيّاك ومصاحبة الشّرِّير، فإنَّه كالسيف المسلول، يَحْسُن منظره ويقبح أثرُه".
 
إن مسألة اختيار الصاحب لا بد أن تخضع لدراسة دقيقة في المواصفات التي يتمتع بها في أخلاقياته الاجتماعية، من حيث إنه يحب الخير أو يتبنى الشرّ، أو أنه يرتكز على قاعدة الحق أو يتحرك في خط الباطل، أو أنه ينفتح على العدل أو ينطلق في مواقع الظلم، ليختار الخيّر لا الشرير، والمحق لا المبطل، والعادل لا الظالم، لأن للصاحب تأثيراً نفسياً وروحياً وأخلاقياً على صاحبه بفعل العلاقة الحميمة التي تجعله ينجذب إليه فيتأثر به لا شعورياً، لأن للعاطفة دورها في المؤثرات الذاتية على الإنسان الآخر الذي يرتبط به الإنسان ارتباطاً وثيقاً.. لذلك، فلا بد أن لا ينظر إلى جمال صورته وحسن هندامه وعراقة نسبه وموقعه في المجتمع، بل أن ينظر إلى أخلاقيته في تعامله مع نفسه ومع الناس من حوله ومع الحياة، فيجتنب الشرير الذي قد يعجبك مظهره ويزعجك مخبره ويقبح أثره، كما هو السيف في لمعانه الذي يجذب النظر ولكنه يقتلك بحدّه عندما يضربك.
 
في المحافظة على مال الله وسؤاله سبحانه يوم القيامة عنه
 
دخل إليه صالح بن محمّد بن سهل الهمداني وكان يتولّى له، فقال له: جُعلت فداك، اجعلني من عشرة آلاف درهم في حِلٍّ فإني أنفقتها، فقال له أبو جعفر(ع): أنت في حِلّ. فلما خرج صالح من عنده، قال(ع): "أحدهم يثبُ على مال آل محمد(ص) وفقرائهم ومساكينهم وأبناء سبيلهم فيأخذه، ثم يقول: اجعلني في حِلّ. أتراه ظنّ بي أنّي أقول له لا أفعل، والله ليسألنّهم اللهُ يوم القيامة عن ذلك سؤالاً حثيثاً".
 
إنّ هذه الملاحظة توحي بأن بعض الناس ممن يتولون أعمال جمع الحقوق الشرعية قد يواجهون المسؤول الأول عنها بأساليب الإحراج النفسي عندما يطلبون منه أن يسامحهم ببعضها في الوقت الذي لا يجد فيه فرصةً للامتناع عن الاستجابة لطلباتهم، فيجيبهم إلى ذلك تفادياً للوقوع في الحرج، ولكنه ليس راضياً في نفسه عن ذلك، لأنّه قد يرى الشخص السائل غير مستحق، أو لأنّ هناك مَن هو أحوج منه، أو لأن هناك بعض الموارد التي تبلغ درجة الأهمية أكثر مما يخضع له هذا الشخص من حاجاته، فتكون المسألة بمثابة القاعدة المعروفة: "المأخوذ حياءً كالمأخوذ غصباً"، ولذلك فإنّ الله سوف يسألهم عن ذلك يوم القيامة.

للإمام الجواد(ع) أدعيّة كثيرة تمثّل مدى انقطاعه إلى الله تعالى، فمن أدعيته هذا الدعاء: "يا من لا شبيه له، ولا مثال، أنت الله لا إله إلاّ أنت، ولا خالق إلاّ أنت تفني المخلوقين، وتبقى أنت، حلمت عمّن عصاك، وفي المغفرة رضاك..".

وكتب إليه محمد بن الفضيل يسأله أن يعلمه دعاءً فكتب إليه هذا الدعاء الشريف تقول: إذا أصبحت وأمسيت:

" الله الله ربّي، الرحمن الرحيم، لا أشرك به شيئاً وإن زدت على ذلك فهو خير، ثمّ تدعو بذلك في حاجتك، فهو لكلّ شيء بإذن الله تعالى يفعل الله ما يشاء".


اعداد وتدوين
علي اكبر بامشاد
 

 

 
 


رقم: 409350

رابط العنوان :
https://www.taghribnews.com/ar/report/409350/مدرسة-الامام-الجواد-ع-الجود-والعطاء

وكالة أنباء التقريب (TNA)
  https://www.taghribnews.com