تاريخ النشر2019 9 March ساعة 13:35
رقم : 406767
في ذكرى استشهاد شهيد آية الله السيد محمد باقر الحكيم(رض)

الشهيد السيد محمد الباقر الحكيم من رواد التقريب (2)

تنا
الشهيد الحكيم (رض): المقصودبالتقريب هنا الجهود المبذولة على اختلاف أنواعها لتقريب وجهات النظر بين أهل السنة والشيعة.
الشهيد السيد محمد الباقر الحكيم  من رواد التقريب  (2)
اتخذ مفهوم التشيع ومفهوم التسنن تعاريف مختلفة على مرّ التاريخ، دخلت فيه عناصر تاريخية وسياسية وفقهية وعقائدية ونفسية، ولا يمكن اختزال الامر في مسألة الخلاف بين الامامة والخلافة، ولا في الخلافات الفقهية، بل تدخلت عوامل عديدة لتجعل المسلمين ينقسمون الى سنة وشيعة كان بينهما خصام أدّى الى نزاعات وفتن، وتخلّل ذلك محاولات لإحلال الوآم بين الفريقين. ارتبط تاريخ التسنن غالباً - لا دائماً - بالسلطة الحاكمة في عصور الخلافة الاسلامية، كما ارتبط تاريخ التشيّع غالباً لا دائماً أيضا بالثورات التي طالبت باعادة الحقّ الى نصابه في المجال السياسي والاقتصادي.
 

اما السيرة الذاتية للشهيد الحكيم (رض)

آية الله الشهيد السيد محمد باقر الحكيم الذي يعد فعلا يوم استشهاده يوماً للشهيد العراقي وهو من أمضى حياته في سبيل القيم الإسلامية، وجاهد وناضل وبذل كل غالي ونفيس لأجل الدين وليحيى مذهب أهل البيت عليهم السلام..
 
ولد آية الله السيد محمد باقر بن آية الله العظمى السيد محسن الحكيم(رض) في "20 جمادى الأولى 1358 هـ الموافق لعام 1939م" في مدينة النجف الاشرف وسط العراق.
 
وعائلة آل الحكيم من العوائل العلمية العربية المعروفة في العراق يرجع نسبها إلى الإمام الحسن المجتبى بن الامام علي "عليهما السلام".
 
نشأ في بيت والده المرجع الأعلى للطائفة في زمانه، وتلقى علومه العالية في النجف الأشرف على يد أساتذة أكفاء.
 
وفي سنة 1375 هـ دخل مرحلة السطوح العالية، فدرس عند أخيه الأكبر آية الله السيد يوسف الحكيم، وآية الله السيد محمد حسين الحكيم، وآية الله العظمى الشهيد محمد باقر الصدر "قدس الله أرواحهم".
 
وبعد مرحلة السطوح حضر البحث الخارج عند آية الله العظمى السيد أبي القاسم الخوئي "قدس سره" وآية الله العظمى السيد الشهيد محمد باقر الصدر "قدس سره" ، ونال سنة 1964م درجة الاجتهاد في الفقه وأصوله وعلوم القرآن من آية الله العظمى الشيخ مرتضى آل ياسين "رض".
 
مارس التدريس في الحوزة العلمية في مرحلة السطوح العالية، فكان درسه في كفاية الأصول في مسجد الهندي في النجف الأشرف محط طلاب العلم والمعرفة، كما مارس التدريس منذ عام 1964م في كلية أصول الدين في بغداد في مادة علوم القرآن، وفي جامعة الإمام الصادق "ع" لقسم الماجستير في علوم القرآن في طهران وفي جامعة المذاهب الإسلامية لعلم الاصول.
 
كما اشترك مع آية الله الشهيد الصدر "رض" في مراجعة كتابيه (فلسفتنا، واقتصادنا) وقد أشار الشهيد الصدر "رض" الى هذا الموضوع في مقدمة كتاب اقتصادنا فوصفه بـ "العضد المفدى".
 
وفي إيران وبالرغم من انشغالاته بالتحرك السياسي، فإنه اولى الدراسة الحوزوية اهتماماً يتناسب مع حجم انشغالاته الجهادية، فدرس على مستوى البحث الخارج باب القضاء والجهاد والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وولاية الفقيه، كما ساهم وبصورة مستمرة في المؤتمرات الفكرية والندوات واللقاءات العلمية والثقافية التي تقام في الجمهورية الاسلامية الإيرانية، وتناولت بحوثه: التفسير، والفقه، والتاريخ، والاقتصاد، والسياسة، والاجتماع، والفكر الاسلامي.

 
 
وحتى عودته الى وطنه العراق، كان (رض) يرأس المجلس الأعلى لمجمع التقريب بين المذاهب الاسلامية، وعضو هيئة امناء جماعة المذاهب الاسلامية، كما كان يحتل موقع نائب رئيس المجلس الاعلى للمجمع العالمي لأهل البيت "ع" وعضو ومؤسس لجامعة أهل البيت "ع"، وصدرت له كتب في مجالات مختلفة على الصعيد العلمي والسياسي وعدد كبير من الأبحاث والكراسات، وأهم كتبه المطبوعة:
 
1ـ دور أهل البيت "ع" في بناء الجماعة الصالحة "جزءان".
 
2ـ تفسير سورة الحمد.
 
3ـ القصص القرآني.
 
4ـ علوم القرآن.
 
5ـ الهدف من نزول القرآن.
 
6ـ الحكم الاسلامي بين النظرية والتطبيق.
 
7ـ الوحدة الاسلامية من منظور الثقلين.
 
8ـ المستشرقون وشبهاتهم حول القرآن وقد طبع في العراق في أوائل السبعينات.
 
9ـ ثورة الإمام الحسين "ع".
 
10ـ المرجعية الصالحة.
 
11ـ المجتمع الانساني في القرآن الكريم.
 
12ـ الإمامة في النظرية الإسلامية.
 
13ـ حوارات 1 و 2.
 
14ـ حقوق الإنسان من وجهة نظر إسلامية.
 
15ـ النظرية السياسية للشهيد الصدر.
 
16ـ الصراع الحضاري والقضية الفلسطينية.
 
17ـ دور الفرد في النظرية الاقتصادية الاسلامية.
 
وتفسير عدد من سور القرآن المجيد، وغيره من الأبحاث العلمية المتنوعة.
 
 
أبدى سماحته (رض) اهتماماً مبكراً بأحوال المسلمين وأوضاعهم، ولذلك فكان من أوائل المؤسسين للحركة الاسلامية في العراق، وقد كرَّسَ جهده ووقته في مرجعية والده الامام الحكيم "رض" فكان يقوم بالنشاطات الاجتماعية ويزور المدن ويلتقي بالجماهير ويمارس دوره في التبليغ والتوعية، وتحمل مسؤولية البعثة الدينية لوالده الإمام الحكيم الى الحج ولمدة تسع سنوات حيث كان قد أسس هذه البعثة لأول مرة في تاريخ المرجعية الدينية.
 
مثّلَ (رض) والده آية الله العظمى السيد محسن الحكيم في عدد من النشاطات الدينية والرسمية، فقد حضر كممثل عن والده في المؤتمر الإسلامي المنعقد بمكة المكرمة سنة 1965م، وكذلك في المؤتمر الإسلامي المنعقد بعمّان بعد نكسة حزيران 1967م.
 
وأثناء تصاعد المواجهة بين السيد محسن الحكيم "رض" وبين نظام العفالقة في بغداد وخلو الساحة من اغلب المتصدين بسبب السجن والمطاردة لازم السيد الحكيم والده الإمام الحكيم وإدارة اعماله، حتى انتقل المرجع الأعلى الى جوار ربّه الكريم في 27 ربيع الآخر سنة 1390هـ "عام 1970".
 
هاجر من العراق بعد استشهاد آية الله العظمى الشهيد السيد محمد باقر الصدر "رض" في اوائل شهر نيسان عام 1980م، وذلك في تموز من السنة نفسها.
 
منذ اول هجرته من العراق سعى سماحته لتصعيد العمل الجهادي الشامل ضد نظام الطاغية صدام وقد قام بخطوات كبيرة في هذا المجال، اسفرت عن تأسيس المجلس الاعلى للثورة الاسلامية في العراق.
 
انتخب رئيساً للمجلس الاعلى للثورة الاسلامية في العراق منذ عام 1986م الى استشهاده.
 
اهتم سماحته بتصعيد الروح القتالية لدى العراقيين المظلومين، فأسس في بداية الثمانينات التعبئة الجهادية للعراقيين وتشكلت نواة خيرة من المقاتلين ثم تطورت حتى صارت فيلقاً يعرف اليوم بأسم فيلق بدر.
 
كما اهتم بانشاء المؤسسات ذات الطابع الانساني، فأسس "مؤسسة الشهيد الصدر" والمؤسسات الصحية، ثم المركز الوثائقي لحقوق الانسان في العراق، ومنظمات حقوق الانسان في العراق المنتشرة في ارجاء العالم.
 
وعلى الصعيد الانساني ايضاً شجّع المؤمنين والمحسنين على تأسيس لجان الاغاثة الانسانية للعراقيين، والتي قدمت خدمات جليلة للعوائل المستضعفة وعوائل الشهداء والمعتقلين في العراق، حيث تقدم هذه المؤسسات سنوياً المبالغ الطائلة رعاية لهم.
 
وعلى الصعيد الثقافي اسس سماحته مؤسسة دار الحكمة التي تقوم بتخريج طلبة العلوم الدينية واصدار الكتب والكراسات الثقافية والدورات التأهيلية.
 
وكذلك اسس مركز دراسات تاريخ العراق الحديث، وهي كلها مؤسسات يقوم سماحته بالاشراف عليها وتوجيهها والانفاق عليها من اجل خدمة قضايا الاسلام والمسلمين في العراق.
 
مارس سماحته العمل في ظل ثلاثة من كبار المراجع العظام فمنهم والده الامام الحكيم الذي نال ثقته واعتماده عليه في الكثير من الامور السياسية والاجتماعية والمالية.
 
كما عمل مع الامام الخميني "رض" فوصفه بـ "الابن الشجاع للاسلام" تقديراً منه لمواقفه الجهادية وصبره واستقامته تجاه النوائب والمصائب التي نزلت به جراء تصديه لنظام صدام، ومنها اعدام خمسة من اخوته وسبعة من ابناء اخوته وعدد كبير من ابناء اسرته في حقبة الثمانينات من القرن العشرين.
 
كما كان يحظى حتى اليوم الاخير من حياته الشريفة باحترام وتقدير جميع مراجع الدين العظام المعترف بهم من قبل الحوزات العلمية.
 
عاد سماحته (رض) الى العراق في 10/5/2003 واستقر في مدينة النجف الاشرف في 12/5/2003 وبعد وصوله باسابيع قليلة اقام صلاة الجمعة في صحن الامام علي "ع" ورغم كثرة مشاغله فقد واظب على امامته لها.
وفي يوم الجمعة الاول من رجب 1424هـ استشهد (رض) بأنفجار سيارة مفخخة وضعت قرب سيارته بعد خروجه من الصحن الحيدري الشريف بعد اداء صلاة الجمعة. وادى الحادث الإجرامي الى استشهاد وجرح المئات من المصلين وزوار الإمام علي "عليه السلام.

و كان للسيد الشهيد محمد باقر الحكيم (رض) دراسات و توجهيات في الفكر التقريبي منها :
 
"الاهتمام بالبحث عن الحقائق لكل مذهب من المذاهب الاسلامية. فكل مذهب له متبنيات خاصة، سواء في الجانب العقائدي أو الفقهي أو في حقل تفسير التاريخ وفهم التاريخ" .
 
وهذه الدعوة تعود الى أن "حقائق كل مذهب قد اختلطت – مع الاسف – باتهامات ونسب باطلة" .
 
من هنا فان "التقريب بين المذاهب يفرض أولاً الأخذ بمتبنيات كل مذهب من لسان أصحابه. وهذا أساس هام من أسس التقريب لفرز الصحيح عن المفتعل والمفترى عليه في كل مذهب".
 
 في كل مذهب آراء فقهية وعقائدية شاذة، لايجوز أن يحمل المذهب أوزارها، بل المنهج العلمي يقتضي "التمييز بين الرأي السائد والرأي الشاذ داخل كل مذهب. فآراء رجال المذاهب بعضها يمثل الرأي السائد، وبعضها شاذ يختلف عن متبنيات المذهب السائدة. والباحث الذي يسند رأياً الى مذهب معين لابدّ أن يأخذ بنظر الاعتبار الرأي السائد ولا يتشبث بالآراء الشاذة. نعم، يمكن ان ينقل هذه الآراء الشاذة وينسبها الى أفرادها، لا إلى المذهب بشكل عام".
 
المرجعية العلمية التي تحكم مسائل الخلاف بين السنة والشيعة تشكل السند القويم لحلٍ هذا الخلاف. والسيد الحكيم يعتقد أن المسلمين متفقون نظرياً على هذه المرجعية لكنهم لا يلتزمون بها عملياً في التحكيم بمسائل الخلاف. وهذه المرجعية تمثل في: القرآن والسنة. يقول سماحته (رض) :
 
"المسلمون يتفقون جميعاً على هذا الكتاب (القران الكريم ) الموجود الآن بين المسلمين، ويعتبرونه وحياً نازلاً على الرسول الكريم بنصّه دون زيادة أو نقيصة.
 
ولا قيمة طبعاً لما يُنسب الى الشيعة من القول بتحريف القرآن. فهي نسبة باطلة وغير صحيحة، وآراء علماء الشيعة منذ الصدر الأول وحتى عصرنا الراهن هي الاعتقاد بسلامة النص القرآني من أي تحريف. وهذا هو الرأي السائد.

إذن هناك اتفاق على الرجوع الى القرآن الكريم، وهكذا بالنسبة للسنة النبويّة. كل المسلمين بكل مذاهبهم يعتقدون بأن ماجاء عن الرسول الكريم حجة لايمكن لأي شخص أن يجتهد أمامه. مذهب أهل البيت يركز على هذه المرجعية، مرجعية القرآن والسنّة. وقد بيّنا أهمية هذه المرجعية في بحثنا عن: التفسير عند أهل البيت" .
 
ولا يفوت السيد الحكيم(رض) وهو يتحدث عن مرجعية القرآن والسنة أن يبين أسلوب الرجوع الى القرآن والسنّة، حتى لاتكون هذه المرجعية عامل خلاف كما حدث في التاريخ. فيؤكد على ضرورة التتلمذ على القرآن والسنّة. أي أن يأتي المسلم إليها تلميذاً لا معلّماً، مستفتياً لا مفتياً، خالياً من المواقف المسبقة، لا أن يحاول تبرير مواقفه المسبقة بآية أو حديث. يقول رحمته عليه :
 
"عندما يختلف المسلمون في رأي من الآراء، فليرجعوا الى المتفق عليه بينهم وهو القرآن الكريم والسنة النبوية الصحيحة، دون اتخاذ موقف تفسيري مسبق تجاه القرآن والسنّة يناصر رأي هذا المذهب أو ذاك" .
 
ثم يذكر الشهيد الحكيم ملاحظة بصورة عابرة على غاية من الأهميّة هي أن رسول الله (ص) وضع للناس المرجعيّة ووضع الضمان لعدم الاختلاف في العودة الى هذه المرجعيّة وهو "اهل البيت". من هنا فإن السيد الحكيم يفهم "الثقلين" بأنهم السبيل الصحيح لفهم القرآن والسنّة، وأن ماحدث من خلاف بين المسلمين في فهم هذه المرجعيّة الرسالية إنّما هو بسبب عدم التزامهم بهذا الضمان الذي ركّز عليه النبي الاعظم في مناسبات متعددة ومنها حجة الوداع التي أوصى فيها بأهم أسس استمرار المسيرة الاسلامية على نهجها الصحيح.
 
يقول: "ولقد اهتمّ رسول الله (ص) بهذا الأمر (أي بأمر الأسلوب الصحيح في العودة الى مرجعية القرآن والسنّة) حين وقف ينصح المسلمين في حجة الوداع بعدّة أمور كان من جملتها نصيحتهم بالعودة الى الثقلين".
 
وهذا الفهم لدور الثقلين في توحيد المسلمين وإبعادهم عن الاختلاف نجده عند كبار العلماء من السنة والشيعة، وأشير على سبيل المثال الى "محمد بن عبد الكريم الشهرستاني" في كتاب "مفاتيح الأسرار ومصابيح الأبرار" فهو يرى أن كل ما أصاب المسلمين من تفرّق في الفروع والأصول إنّما يعود الى ابتعادهم عن الرجوع الى الثقلين.
 
و حول المعالجة الأخلاقية الالتزام بأدب الاختلاف وأدب الحوار بين المختلفين، وكتب المهتمون بتوحيد المسلمين في هذا المجال. وبينوا موقف النبي (ص) والصحابة والتابعين وأئمة أهل البيت من الرأي الآخر.
 
اية الله السيد محمد الباقر الحكيم :"لابد أن تسود الحالة العلمية في المواقف والحوار بين العلماء، نعم، الاختلاف طبيعي، والدفاع عن الرأي والاستدلال على صحته حقّ لكل عالم، وردّ الرأي الآخر باستدلال علميّ حق أيضا. ولكن تارة يكون الردّ بروح الاتهام والتحامل، وتارة يكون بروح احترام رأي الطرف الآخر وأفكاره" .
 
ويرى السيد الحكيم أن العالم الحقّ هو الذي يستهدف كشف الحقيقة، ويهمّه الوصول الى النتيجة، أياً كانت النتيجة، حتى ولو كانت مخالفة لفرضياته. وهذا هو السائد في حقل العلوم التجريبية والفكرية والثقافية. من هنا يدعو السيد الحكيم الى أن ينتهج علماء المذاهب نفس المنهج المعرفي في دراسات العلوم الأخرى يقول:
 
"يجب أن يكون تبادل الأفكار والآراء والمناقشات بين علماء المذاهب تماماً كما هو الحال بين علماء العلوم التجريبية والفكرية والثقافية، حيث يكون ردّ العالم على الآخر غالباً بروح الاحترام للرأي الآخر، باعتبار أنه يردّ على جهة علمية بذلت جهوداً حتى توصلت الى هذا الرأي.
 
بنفس هذا النَفَس من الاحترام المتبادل يجب أن يسير الحوار بين علماء المذاهب، إذا شاؤوا التقريب بينهم" .
 
لا نبالغ إذا قلنا إن أسباب الخلاف بين المسلمين يعود في معظمة الى عامل نفسي. فالحالة النفسية في عالمنا الاسلامي هي على العموم بائسة. الانسان المسلم غالباً يشعر بالضعف والدونيّة أمام جبروت الغرب، كما أنه يفتقد الأمل غالباً في مستقبل أفضل، ولا يشعر بعزّة في هويته وشخصيته وانتمائه الديني والوطني والقومي. وهذه الحالة لها إفرازاتها في الحياة العملية. وأهم هذه الافرازات فيما يرتبط بالتقريب هو أن يبحث كل فرد وكل جماعة عن سبيل لإثبات شخصيته بسبل موهومة، وهذا التمترس وراء الدفاع عن هذه الطائفة او الهجوم على هذه الطائفة بالأساليب العنيفة المعروفة إنّما هو إفراز للحالة النفسية السائدة.
 
الحالة الطائفية إذن وليدة حالة ركود ثقافي وحضاري لايمكن إزالتها إلاّ باستئناف حركتنا الحضارية. ولكن بقدر ما يتعلق بالتقريب لابدّ من معالجتها للتخفيف من حدّتها والتقليل من تبعاتها. ويقترح السيد الحكيم في هذا المجال مايلي:
 
طرح الهموم الكبيرة، وهذه العملية من شأنها أن ترفع التطلعات والأهداف الى مستوى رفيع بحيث تصغر الخلافات الجانبية. لأن الصغائر تكبر عادة في جوّ الهموم الصغيرة والأهداف الصغيرة. ولهذا نرى الطائفية تتضخم عادة في البيئات التي تعيش هموم متاع الحياة الدنيا، وتتضاءل تلقائياً عند الرساليين.

ولقد رأينا أثر الصحوة الاسلامية في التقريب المذهبي كما رأينا آثار كتابي "اقتصادنا" و "فلسفتنا" في التقريب المذهبي رغم أنهما لم يعالجا خلافات مذهبية، بل طرحا أهدافاً رسالية كبرى تتعلق بالكون والحياة من وجهة نظر الإسلام، كما رأينا أثر انتصار الثورة الاسلامية في التقريب المذهبي خاصة خلال السنوات الاولى، لأنها طرحت المشروع الإسلامي للحياة على الساحة العملية.
 
يقول الشهيد الحكيم :"لابدّ – من أجل التقريب بين المسلمين – من وضع القضايا الهامّة في رأس قائمة الاهتمامات والمناقشات. وسيكون ذلك عاملاً على التقريب بل على الوحدة. لأن القضايا مهما كبرت فإن الاتفاق بشأنها يكبر أيضا. وكلما دخلنا في التفاصيل والجزئيات أكثر اتجهنا الى الهامش أكثر" .
 
التأكيد على المشتركات، فالحالة النفسية البائسة تنبش في الاختلافات من أجل أن تخلق حالة تبريرية للتناطح والاصطدام. والتأكيد على المشتركات يخفّف من تضخّم الخلافات في النفوس.

ومن هنا فإن التقريبيين مدعوون لأن يشدّوا الأنظار الى المشتركات في العقيدة وفي الفقه وفي الآمال والتحديات. يقول السيد الحكيم في هذا الصدد: "صحيح أن هناك اختلافاً بين المذاهب الاسلامية في مختلف المجالات، ولكن الاشتراك بينها هو أكثر وأهم مما به الاختلاف. المهم التوجّه والاهتمام… تارة يكون نحو المشتركات، وتارة يكون نحو إبراز الخلافات وإثارة النزاعات. نقاط الاتفاق بين مذاهب المسلمين مهمة جداً، تعبّر عن وحدة الأمة الإسلامية وعن هويتها وشخصيتها، فهم يحجون جميعاً حجاً واحداً، ويقفون على صعيد مشاعر واحدة، وهذه نعمة كبيرة من نعم الله على الأمة الإسلامية. وهكذا الصلوات الخمسة قد اتفق عليها المسلمون، وصوم شهر رمضان، وغيرها مما لا يحصى من المسائل الرئيسية المتفق عليها بين المسلمين. ولابد من إبراز مواضع الاتفاق هذه باعتبارها أساساً من أسس التقريب".
 
"فالاختلاف هنا يعني ضعف الامة وتمزقها وهيمنة أعدائها عليها. لذلك أعتقد أن من أهم أسس التقريب توحيد موقف المسلمين تجاه القضايا الرئيسية والمركزية. والتوحيد في موقف المسلمين مطلوب في المجالات السياسية وفي المواقف الاجتماعية، كما حدث بالفعل ضمن إطار المؤتمرات التي عقدت أخيراً لمعالجة المشاكل الاجتماعية مثل مؤتمر القاهرة ومؤتمر بكين ومؤتمر فينا، وكل هذه المؤتمرات عالجت مسائل حساسة هامة مثل مسائل الأسرة والمرأة. والمسلمون مطالبون باتخاذ موقف موحّد تجاه هذه القضايا. وهو عامل على تقريب المسلمين بكافة مذاهبهم وعلى وحدة الامة" .
 
و الامل عنصر مهم من عناصر استمرار المسيرة. وحين يرى الانسان وضع العالم الاسلامي ومافيه من أحداث طائفية تتكرر باستمرار على شكل مناوشات كلامية وتراشق بالتهم والتكفير، بل ويبلغ الأمر أن تسفك الدماء وتزهق الأرواح في المساجد والمجالس الدينية بدوافع طائفية… حين يرى هذه الأحداث ويرى معاول الهدم تفعل فعلها باستمرار وبجدّ واجتهاد لتركيز الحالة الطائفية، يكاد يساوره اليأس من إمكان نجاح دعوة التقريب ومواصلة مسيرتها. لكن دعاة التقريب ينظرون الى الزوايا المضيئة التي تبعث الأمل في نفوس التقريبيين، وأعتقد أن السيد الحكيم فكر في هذا الأمر طويلاً، إذ ما إن سألناه عن إمكان نجاح جهود التقريب في العالم الإسلامي الذي تكاثرت فيه معاول التخريب الداخلية والخارجية، راح يعدّد الجوانب المضيئة من الطريق، ويتفاءل بمستقبل واعد للتقريب ومن النقاط التي أشار إليها:
 
و"السنة التاريخية التي تحكم حركة التاريخ والمجتمع الانساني، هذه السنة تقول: إن الحق يعلو لا محالة، وأن الباطل زاهق لا محالة. وقضية تقريب المذاهب ووحدة المسلمين هي قضية حقة، ولابد أن تنتصر في حركة السنن التاريخية والكونية التي تحكم حركة الانسان وحركة المجتمع الانساني.

إنها مسألة غيبية نؤمن بها، وركز عليها القرآن في مواضع كثيرة منها قوله سبحانه: قل جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقاً، ومنها قوله سبحانه: فأما الزبد فيذه جفاء وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض. " .
 
 "القضية الأخرى التي يجب أخذها بنظر الاعتبار هي وجود هذا الكيان المبارك القائم على الساحة الدولية اليوم المتمثل بالجمهورية الاسلامية، فقضية التقريب وقضية الوحدة الاسلامية أصبح لها أم وأب يرعيانها، ويهتمان بها ويتبنيانها. والدولة الاسلامية المباركة لها وجود كبير على الساحة الدولية، وتتبنّى أسساً راسخة قوية في العقيدة التوحيدية، وتنطوي على معنويات عالية مدعومة بتضحيات غالية ودماء زكية. وهذه الدولة اليوم تشكل رصيداً هاماً لوحدة المسلمين، لانها تطالب بعزم وإصرار على استعادة عزة المسلمين وكرامتهم، وماضاع حق وراءه مطالب. وهي مسألة هامة جداً يجب أن نأخذها بنظر الاعتبار في تقويم مستقبل حركة التقريب" .
 
و  من المحاور التي أكد عليها السيد الشهيد اية الله الحكيم في خطابه التقريبي هو إبراز التوجه التقريبي في مدرسة أهل بيت رسول الله (ص). لقد أكد هذا في كتابه: "الوحدة الاسلامية من منظور الثقلين" وفي ثنايا دراساته ومقابلاته المختلفة. وينهج في بيانه الأسلوب النظري، وبيان المواقف العملية.
 
: أن يقول للشيعي أنّ التقريب هدف أساسي من أهداف مدرسة أهل البيت، فإذا كنتَ من أتباع مدرسة أهل البيت حقيقة فعليك أن تكون من دعاة التقريب المذهبي، وهو بذلك يردّ على أولئك الذين يتخذون مواقف معادية من التقريب تحت لافتة الولاء لأهل بيت رسول الله (ص). ويعملون على إثارة الفرقة والحزازات بين المسلمين تحت عنوان التولّي والتبرّي.
 
 أن يقول للسنّي أن دعوة التقريب في مدرسة أهل البيت هي دعوة مبدئية قائمة على أساس وجوب حفظ وحدة المسلمين، لأن حفظ وحدة المسلمين مقدمة واجبة لحفظ عزّتهم وكرامتهم ووجودهم.

يقول الشهيد الحكيم:"أنا أعتقد أن قضية التقريب في نظرية أهل البيت قضية أساسية ورئيسية. وواجب من الواجبات الشرعية. وأول من رفع شعار التقريب بين المسلمين هم أهل البيت. ولم يرفعوه شعاراً يتحدثون عنه فحسب، بل جسدوه أيضاً حالة عملية وخارجة وتطبيقية، وقدموا على طريقه تضحيات كبيرة جداً على المستوى الشخصي لهم وعلى مستوى الجماعة والفئة التابعة لهم والملتزمة بسلوكهم ومسيرتهم. ولقد تحدثت عن مواقفهم هذه في كتاب: الوحدة الاسلامية من منظور الثقلين.


مما قالو في الشهيد اية الله السيد محمد الباقر الحكيم (رض)

              

 سماحةآية الله العظمى السيد السيستاني(دام ظله )
لقد امتدت الايادي الآثمة مرة اخرى لترتكب جريمة مخزية إستهدفت في جوار الروضة العلوية المقدسة سماحة اية الله السيد محمد باقر الحكيم(طاب ثراه) حيث ادى حادث التفجير المروع الى استشهاد سماحته وسقوط مئات الابرياء... إنّ هذه الجريمة الوحشية والجرائم التي سبقتها... يقف ورائها من لايريدون إعادة الأمن والإستقرار لهذا البلد ويسعون إلى زرع الفتنة والشقاق بين ابنائِه ولكننا على ثقة بأن الشعب العراقي يعي هذه الحقيقةوسيقف صفا واحدا دون تحقيق مآرب الأعداء.

 الامام الشهيد محمد باقر الصدر (قدس) السيد محمد باقر الحكيم عضدي المفدى

 سماحة اية الله العظمى السيد محمد سعيد الحكيم(دام ظلهُ( سماحة فقيدنا العزيز اية الله السيد محمد باقر الحكيم حمل راية المواجهة والصمود امام الانظمة الفاسدة ولا سيما نظام الظلم والطغيان البائد مع الحفاظ على الاخلاص والاستقامة في مسيرته الطويلة.

 البطريك الماروني مار نصر الله بطرس هل أنّ إغتيال السيد باقر الحكيم تغييب للعراق ودوره الحواري المحب للحضارة ألم يقل علي(عليه السلام) إن أعظم الخيانات خيانة الأُمة؟ سلام عليكم يا حُراس كربلاء والجنوب والقدس حراس الوديعة والجوهرة المقدسة.

المطران عمانويل دلي نم أيها المجاهد العظيم قرير العين فإنّ إخوانك العراقيين سيعملون على تحقيق المباديء السياسية التي نذرت حياتك من اجلها

مفتي الجمهورية اللبنانية الشيخ محمد رشيد قباني كي لا نستعجل الامور علينا ان نعلم ان الايدي الخبيثة التي وجهت آية الله لن تكون مسلمة ولئن كانت تنعت اسلامياً فلقد إنسلخت عن إسلامها لما خانت ولما تآمرت لما ينسلخ المؤمن عن إيمانه اذا ارتكب جرماً وخيانه.


 الامين العام لحزب الله سماحة السيد حسن نصر الله فاجعتهُ وخسارتهُ على مستوى الأَمة, والسيد الحكيم فيما لايعرفه الناس وخلال عشرين عاما أوأكثر من أشد الداعمين والمساندين لحركة المقاومة الإسلامية في لبنان ولم يكن يتوانى عن أي دعم يقدمه، وفي أكثر من لقاء كان يطلب مني بالرغم من إنشغاله وإنشغال المجاهدين كان يطلب أن يشارك شباب ومجاهدون عراقيون وبإصرار بالغ وإلحاح أن يشتركوا معنا في الجهاد ..وكان يقول: لكي نؤكد على أنّ الصراع مع هذا العدو ليس صراعا لبنانيا أو فلسطينيا، ولنؤكد على هوية وعنوان المعركة التي نخوضها مع هذاالعدو.

 الشاعر مهدي الحسناويإن هذا الانسان الكبير كثير التعلق بوطنه وشعبه وهمه الاكبر هو هم الوطن والشعب كنت ارى بين عينيه العراق ببكائه وجرحه الذي لا يندمل.
و سلام الله عليك ايها الشهيد و على ال الحكيم و رحمة الله وبركاته .

                


اعداد و تدوين
علي اكبر بامشاد
 
https://taghribnews.com/vdcjmmexauqeyaz.3ffu.html
الإسم الثلاثي
البريد الإلكتروني
أدخل الرمز