تاريخ النشر2019 26 February ساعة 14:19
رقم : 404916
فی ذکری مولد السیدة الزهراء الطاهرة (ع)

سیدتنا الصديقة الزهراء (ع) اسوة حسنة للمرأة المسلمة

تنا
سیدتنا الصديقة الزهراء (ع) اسوة حسنة  للمرأة المسلمة
   مما لا شك فيه أن نبي الهدى محمد ( صلى الله عليه وآله ) : ( لاَ يَنطِقُ عَنِ الهَوَى * إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَى ) ، ( النجم : 3 - 4 ) .
 
فما يصدر منه مع خاصَّة أهله مما فيه الميزة على ذوي قرباه ، و أمته منبعث عن سِرٍّ إلهي ، رُبَّما يقصر العقل عن إدراكه .
 
و قد ورد عنهم ( عليهم السلام ) في المتواتر من الآثار : ( حديثُنا صَعبٌ مُستَصْعَب ، لا يتحمَّلُهُ إلا مَلَكٌ مُقرَّب ، أو نَبيٌّ مُرسَل ، أو عَبدٌ امتحَنَ اللهُ قَلبَهُ بِالإِيمَان ) .
 
فما ورد في الروايات من مميِّزات آل الرسول ( صلى الله عليه وآله ) – مما لا تحيله العقول – لا يُرمى بالإعراض ، بعد إمكان أن يكون له وجه ،  يظهره المستقبل الكَشَّاف .
 
و على هذا فما ورد في الآثار المستفيضة بين السُّنَّة و الشيعة من فعل النبي ( صلى الله عليه وآله ) مع ابنته فاطمة الزهراء ( عليها السلام ) من الإكثار في تقبيل وجهِها ، حتى أنكَرَت عليه بعض أزواجه فقال ( صلى الله عليه وآله ) رَادّاً عليها : ( و ما يَمنَعُني من ذلك ، وَ إنِّي أَشَمُّ منها رائحة الجَنَّة ، و هي الحَوراء الإِنسِيَّة ) .
و كان ( صلى الله عليه وآله )، يقوم لها إن دَخَلَتْ عليه ، مُعَظِّماً وَ مُبَجِّلاً لها ، و إذا سافرَ ( صلى الله عليه وآله ) ، كانَ آخرُ عَهدِهِ بإنسانٍ مِن أهلِه ابنتَهُ فاطمة ( عليها السلام ) ، و إذا رجع من السفر فأوَّل مَا يَبتدِئُ بِها .
و قال ( صلى الله عليه وآله ) ، وقد أخذ بيده الشريفة الحسنين ( عليهما السلام ) : ( مَن أحَبَّنِي ، وَ هَذَين ، و أبَاهُما و أُمَّهُمَا كان مَعي في دَرَجَتِي يَوم القِيامَة ) .
 
يوم أغر وفرحة تتجدد
 
يوم  يسر به النبي محمد
 
يوم تبلج ثغره عن فاطم
 
هذا لعمرك حسنه متفرد
 
يوم تنزلت الملائك فرحة
 
فيه لعمرك ذاك يوم أحمد
 
وتبشر المختار أن الله قد
 
أعطاه كوثره الذي لا ينفد
 
والكون بالتسبيح ماج مذ انجلى
 
نور لفاطمة فالظلام مبدد
 
يوم تألق فيه روح الله من
 
أنوار ذي الملكوت يوم أغيد
 
بان الهدى وتبين النهج الذي
 
يرضاه رب الكون فهو المقصد
 
فالحق حق والضلال ضلالة
 
فانهج طريقك أيها المسترشد
 
وإذا تكلم فوه ينثر لؤلؤاً
 
تختال إذ في حسنها تتفرّد
 

إنّ الإنسان كلّما فكّر وتدبّر أكثر في أحوال الزهراء الطاهرة (ع) يحتار أكثر، وحيرة الإنسان ليست ناجمة عن كيفية تمكّن هذا الكائن الإنساني من نيل هذه الرتبة من الكمالات المعنوية والمادّية في سنين الشباب ـ وهي بالطبع حقيقة تثير الحيرة أيضاً ـ بل من القدرة العجيبة التي استطاع الإسلام بها أن يبلغ بتربيته الرفيعة الى درجة تُمكِّن إمرأة شابّة كسب هذه المنزلة العالية في تلك الظروف الصعبة. فعظمة هذا الكائن وهذا الإنسان الرفيع تثير العجب والحيرة وكذلك عظمة الرسالة التي أظهرت هذا الكائن عظيم القدر وجليل المنزلة.

           
 
ولدت بنت النبي (ص) الكريمة في السنة الخامسة للبعثة طبقاً للقول المشهور، وعلى هذا فانّ عمر فاطمة الزهراء (ع) حين الاستشهاد كان 18 عاماً. وقيل انّ ولادة هذه السيّدة الكريمة كانت في السنة الثانية أو السنة الأولى للبعثة، فيكون الحدّ الأكثر لعمرها 22 أو 23 عاماً. ولو أخذتم جميع القيود التي يمكن أن تحيط بالمرأة (خاصّة في تلك الفترة حيث كانت القيود أكثر). فعند ذلك ترون العظمة التي أثبتتها هذه السيدة المكرّمة في تلك الظروف وخلال هذا العمر القصير، وبالطبع إنّني لا أتمكّن أن أتكلّم عن الجوانب المعنوية والروحية والإلهية لتلك السيدّة الكريمة، فأنا أصغر من أن ادرك تلك الأمور، وحتّى لو استطاع شخص إدراك ذلك، فإنّه لا يستطيع وصفها وبيانها كما هو حقّها، فتلك الجوانب المعنوية هي عالم آخر.
 
 وقد روي عن الإمام الصـادق (ع) انّه قال: «انّ فاطـمة كـانت مُحـدَّثة» أي أنّ الملائكة كانت تنزل عليها وتأنس معها وتحدّثها. وهناك روايات عديدة في هذا المجال. وإنّ كونها محدّثة لا يختصّ بالشيعة فقط، فالشيعة والسنّة يعتقدون أنّه كان هناك أشخاص في صدر الإسلام ـ أو من الممكن وجودهم ـ كانت تحدّثهم الملائكة، ومصداق هؤلاء في رواياتنا هي فاطمة الزهراء (ع). وقد ورد في هذه الرواية عن الإمام الصادق (ع) بأنّ الملائكة كانت تأتي فاطمة الزهراء (ع) وتتحدّث معها وتقرأ عليها آيات الله . وكما انّ هنـاك تعبير في القرآن حول مريم (ع) في الآية { إنّ الله اصطفاك وطهّرك واصطفاك على نساء العالمين } فإنّ الملائكة كانت تخاطب فاطمة الزهراء (ع) وتقول: «يا فاطمة إنّ الله اصطفاك وطهّرك واصطفاك على نساء العالمين».
 
ثمّ يقول الإمام الصادق (ع) في هذه الرواية بأنّ الملائكة في إحدى الليالي كانت تتحدّث مع فاطمة (ع) وكانت تذكر هذه العبارات، فقالت فاطمة الزهراء (ع) لها: «أليست المفضّلة على نساء العالمين مريم» فقالت الملائكة لفاطمة الزهراء (ع): بأنّ مريم كانت المفضّلة على النساء في زمانها وفاطمة مفضّلة على النساء في كلّ الأزمنة من الأوّلين والآخرين. فأيّ مقام معنوي رفيع هذا؟ إنّ الإنسان العادي مثلنا لا يمكنه أن يتصوّر في ذهنه هذه العظمة والدرجة.
 
وقد روي عن أميرالمؤمنين (ع) أنّ فاطمة الزهراء (ع) قالت له بأنّ الملائكة تأتي وتتحدّث معها وتقول لها بعض المسائل. فقال لها أميرالمؤمنين (ع) بأنْ تخبره عندما تسمع صوت الملك حتّى يكتب ما تسمع، فكتب أميرالمؤمنين ما أملته الملائكة على فاطمة الزهراء (ع) وأصبح هذا كتاباً موجوداً لدى الأئمة (ع) اسمه (صحيفة فاطمة).
 
وقد جاء في روايات عديدة أنّ الأئمة عليهم السلام كانوا يراجعون (صحیفة فاطمة) في مسائلهم المتنوّعة، ثمّ قال الإمام (ع): «إنّه ليس فيها حلال وحرام، فيها علم ما يكون»، فأيّ علم رفيع هذا؟ وأيّة معرفة وحكمة ليس لها نظير هذه التي أعطاها الله تعالى لإمرأة في سنيّ الشباب؟ هذا هو المقام المعنوي للزهراء (ع).
 
إنّ هذه المسائل المعنوية لها ارتباط كبير بالفضائل العملية، ارتباط بما ينجم عن جهد فاطمة الزهراء (ع) وهذا المقام لا يعطى مجّاناً وبلا سبب. فعمل الإنسان له تأثير كبير في إحراز الفضائل والمناقب المعنوية.
 
البنت التي ولدت في لهيب الجهاد  للنبي (ص) في مكّة، والتي أعانت أباها وواسته في شعب أبي طالب، كانت فتاة عمرها حوالي 7 ـ 8 سنوات أو أقل أو أكثر بعدة سنوات (حسب اختلاف الروايات)، ومع ذلك تحمّلت تلك الظروف، مَنْ الّذي يرفع عن وجهها غبار الهمّ في تلك الظروف حيث توفّيت خديجة وأبو طالب والنبي لوحده بلا مواس، والجميع كانوا يلوذون به؟ فلا خديجة ولا أبو طالب، في تلك الظروف الصعبة، وفي ذلك الجوع والعطش والبرد والحر الذي استمرّ ثلاث سنوات في شعب أبي طالب (وهي من الفترات الصعبة في حياة النبي «ص») حيث كان يعيش عدد من المسلمين في شقّ جبل وهم في حالة إبعاد إجباري، في تلك الأحوال تحمّلت هذه الفتاة المشاكل فكانت كالمنقذ للنبي (ص)، وأمّ لأبيها، وممرضة عظيمة لذلك الإنسان العظيم. فقد واست النبي (ص) وتحمّلت العناء وعبدت الله وعزّزت إيمانها وهذّبت نفسها وفتحت قلبها للمعرفة والنور الإلهي. وهذه هي الأمور التي توصل الإنسان الى الكمال.
 
وبعد الهجرة؛ وفي بداية سنين التكليف تزوّجت فاطمة الزهراء(ع) من علي بن أبي طالب (ع). ولعلّكم جميعاً تعرفون البساطة وحالة الفقر التي مرّت بها فاطمة الزهراء (ع) بعد زواجها وهي بنت الشخص الأوّل في العالم الإسلامي، والحاكم على أولئك الناس.
 
إنّ حياة فاطمة الزهراء (ع) في جميع الأبعاد كانت مليئة بالعمل والسعي والتكامل والسمو الروحي للإنسان، وكان زوجها الشاب في الجبهة وميادين الحرب دائماً، وكانت مشاكل المحيط والحياة قد جعلت فاطمة الزهراء (ع) مركزاً لمراجعات الناس والمسلمين. وقد أمضت البنت المعينة للنبي (ص) حياتها بمنتهى الرفعة في تلك الظروف، وقامت بتربية أولادها الحسن والحسين وزينب وإعانة زوجها علي (ع) وكسب رضى أباها النبي (ص)، وعندما بدأت مرحلة الفتوحات والغنائم لم تأخذ بنت النبي ذرّة من لذائذ الدّنيا وزخرفها ومظاهر الزينة والأمور التي تميل لها قلوب الشابّات والنساء.
 
 وكانت عبادة فاطمة الزهراء (ع) عبادة نموذجية، يقول الحسن البصري الذي كان أحد العبّاد والزهّاد في العالم الإسلامي حول فاطمة الزهراء (ع) بأنّ بنت النبي عبدت الله ووقفت في محراب العبادة الى درجة (تورَّمت قدماها)، ويقول الإمام الحسن المجتبى (ع) بأنّ أمّه وقفت تعبد الله في إحدى الليالي حتّى الصبح (حتى انفجر عمود الصبح). ويقول الإمام الحسن (ع) انّه سمعها تدعو دائماً للمؤمنين والمؤمنات، وتدعو للناس وتدعو للمشاكل العامّة للعالم الإسلامي، وعند الصباح قال لها: «يا أمّاه أما تدعين لنفسك كما تدعين لغيرك، فقالت: يا بنيّ الجار ثمّ الدار».
 
إنّ جهاد تلك المكرّمة في الميادين المختلفة هو جهاد نموذجي، في الدفاع عن الإسلام وفي الدفاع عن الإمامة والولاية، وفي الدفاع عن النبي (ص) وفي المعاشرة مع أكبر القادة الإسلاميين وهو أميرالمؤمنين الذي كان زوجـها. وقد قال أمـيرالمؤمنين (ع) مرّة بشأن فاطمة الزهراء (ع): «ما أغضبتني ولا خرجت من أمري». ومع تلك العظمة والجلالة، فإنّ فاطمة الزهراء (ع) كانت زوجة في بيتها، وإمرأة كما يقول الإسلام، وعالمة رفيعة في محيط العلم.
 وعن الخطبة التي قالتها فاطمة الزهراء (ع) في مسجد المدينة بعد رحلة النبي (ص) قال العلاّمة المجلسي: إنّ على كبار الفصحاء والبلغاء والعلماء أن يجلسوا ويوضّحوا كلمات وعبارات هذه الخطبة. فقد كانت قيّمة إلى هذه الدرجة. ومن حيث الجمال الفنّي فإنّها كانت مثل أجمل وأرفع كلمات نهج البلاغة وفي مستوى كلام أميرالمؤمنين (ع).
ذهبت فاطمة الزهراء (ع) ووقفت في مسجد المدينة وتكلّمت ارتجالاً أمام الناس حوالي ساعة كاملة بأفضل وأجمل العبارات وأصفى المعاني. هكذا كانت عبادتها وفصاحتها وبلاغتها وحكمتها وعلمها ومعرفتها وحكمتها وجهادها وسلوكها كزوجة وكأمّ، وإحسانها الى الفقراء.
فمرّة أرسل النبي (ص) رجلاً عجوزاً فقيراً الى بيت أميرالمؤمنين (ع) وقال له أن يطلب حاجته منهم، فأعطته فاطمة الزهراء (عليها السلام) جلداً كان ينام عليه الحسن والحسين حيث لم يكن عندها شيئاً غيره، وقالت له أن يأخذه ويبيعه ويستفيد من نقوده. هذه هي شخصية فاطمة الزهراء(ع) الجامعة للأطراف. إنها أسوة للمرأة المسلمة.
 
إنّ على المرأة المسلمة أن تسعى في طريق الحكمة والعلم وفي طريق التهذيب المعنوي والأخلاقي للنفس وتكون طليعة في ميدان الجهاد والكفاح (بكلّ أنواعه) ولا تهتمّ بزخارف الدنيا ومظاهرها الرخيصة وتكون عفّتها وعصمتها وطهارتها بدرجة بحيث تدفع عنها نظر الأجنبي تلقائياً، وفي البيت سكينة للزوج والأولاد وراحة للحياة الزوجية، وتربّي في حضنها الحنون والرؤوف وبكلماتها الطريفة والحنينة أولاداً مهذّبين بلا عقد، وذوو روحيّة حسنة وسليمة، وتربّي رجالاً ونساءاً وشخصيات المجتمع. إنّ الأمّ هي أفضل من يبني، فأكبر العلماء قد يصنعوا أداة الكترونية معقّدة جدّاً مثلاً، أو يصنعوا أجهزة للصعـود الـى الفـضاء أو صـواريخ عـابرة للقـارات، ولكن هذا كلّه لا يعادل أهمّية بناء إنسان رفيع، وهو عمل لا يتمكن منه إلاّ الأمّ، وهذه هي أسوة المرأة المسلمة.
 
إنّ العالم الاستكباري الغارق في الجاهلية يخطأ عندما يتصوّر إنّ قيمة واعتبار المرأة هو في تجمّلها أمام الرجل حتى تنظر إليها العيون الطائشة وتتمتع برؤيتها وتصفّق لها. وهذا الذي يطرح اليوم من قبل الثقافة الغربية المنحطّة بعنوان حرّية المرأة قائم على هذا الأساس؛ وهو جعل المرأة معرّضة لأنظار الرجل حتّى يتمتّع بها الرجل ويلتذّ منها فتكون النساء وسيلة لالتذاذ الرجال. ويسمّون هذا حرّية المرأة. فهل هذه هي حرية المرأة؟.
 
إنّ الّذين يدّعون حماية حقوق الإنسان وحقوق المرأة في العالم الغربي الجاهل والغافل والمنحرف هم في الحقيقة يظلمون المرأة. إنّ عليكم أن تنظروا إلى المرأة نظرة إنسان رفيع حتى يتّضح ما هو حقّها وحرّيتها وكمالها؟ انظروا الى المرأة ككائن يمكنه أن يصلح المجتمع عن طريق تربية أناس بمستوى عال حتّى تتّضح ما هي المرأة وكيف هي حرّيتها. انظروا للمرأة على أنّها عنصر أساسي في تشكيل الأسرة، فرغم أنّ الأسرة تتشكّل من الرجل والمرأة، وكلاهما مؤثر في تشكيل الأسرة، ولكن استقرار أجواء الأسرة هو ببركة المرأة وطبيعة النساء. فلينظروا الى المرأة هذه النظرة حتّى يتبيّن كيف تتكامل المرأة، وأين هي حقوقها؟.
 
إنّ الأوربيين عندما تقدّموا صناعياً (أوائل القرن التاسع عشر) وفتح الرأسماليون الغربيون مصانع كثيرة، كانوا بحاجة الى عمّال باجور زهيدة لا يثيرون العناء، ولذا رفعوا ضجّة حرّية المرأة من أجل سحب المرأة من الأسرة الى المصانع والاستفادة منها باعتبارها عاملاً زهيداً الاجور فيملؤون جيوبهم ويسقطونها من كرامتها ومنزلتها.
 
إنّ ما طرح اليوم من حرّية المرأة في الغرب هو استمرار لتلك القضية، ولذا فانّ الظلم الذي تعرّضت له المرأة في الثقافة الغربية والفهم الخاطيء للمرأة في الثقافة والأدب الغربيين ليس له نظير في كلّ عصور التاريخ. فقد تعرّضت المرأة سابقاً الى الظلم ولكن الظلم العام والشامل يختصّ بالفترة الأخيرة وهو ناجم عن الحضارة الغربية، حيث اعتبروا المرأة وسيلة لالتذاذ الرجال وأطلقوا على ذلك اسم حرّية المرأة! بينما الحقيقة هي أنّ ذلك هو حرّية للرجال الطائشين من أجل التمتّع بالمرأة. ولم يقم الغربيون بظلم المرأة في مجال العمل والنشاط الصناعي وأمثال ذلك فقط، بل كذلك في مجال الفنّ والأدب أيضاً. فلو نظرتم اليوم في النتاجات الفنيّة وفي القصص والشعر والرسوم وفي أنواع الأعمال الفنّية لديهم، لرأيتم ما هي نظرتهم للمرأة. هل هناك اهتمام بالجوانب الايجابية والقيم الرفيعة الموجودة في المرأة؟ هل هناك اهتمام بالعواطف الرقيقة والرأفة والطبع الرؤوف الذي أودعه الله تعالى في المرأة، طبع الأمومة وروحية المحافظة على الطفل وتربية الأولاد، أم الاهتمام بالجوانب الجنسية أو بتعبيرهم جوانب العشق، وهو تعبير خطأ وغير صحيح، فحقيقة المسألة هي الشهوة وليست العشق، وقد أرادوا تربية المرأة وتعويدها هكذا، فهم يعتبرون المرأة كائناً استهلاكياً سخيّاً، وعاملاً قليل المطالبة وزهيد الاجور.
 
إنّ الإسلام لا يعتبر ذلك قيمة للمرأة، والإسلام يؤيّد عمل المرأة، بل لعله يعتبره لازماً عندما لا يزاحم عملها الأساسي، والذي هو أمّ أعمالها، أي تربية الأولاد والمحافظة على الاسرة. ولا يمكن للبلد أن يستغني عن طاقة العمل عند النساء في المجالات المختلفة. ولك هذا العمل يجب أن لا يتنافى مع كرامة المرأة وقيمتها المعنوية والإنسانية. ويجب أن لا يذلّوا المرأة ولا يدفعوها الى التواضع والخضوع فالتكبّر مذموم من جميع الناس إلاّ من النساء أمام الأجانب. فيجب أن تكون المرأة متكبرة أمام الرجل الأجنبي {فلا تخضعن بالقول}.
 
وهذا هو من أجل المحافظة على كرامة المرأة، والإسلام يريد هذا وهذه هي اسوة المرأة المسلمة. المعجزة العظيمة التي تصنعها المرأة المسلمة عندما تعود الى فطرتها وأصلها، كما حصل في الثورة والنظام الاسلامي ـ وللّه الحمد ـ وكما يشاهد اليوم أيضاً، فنحن لم نرى تلك القدرة والعظمة من النساء كما نراها اليوم في أمّهات الشهداء، ولم نرى تلك التضحية من النساء الشابات كما رأيناها في فترة الحرب المفروضة  حيث كنّ يرسلن أزواجهن الأحبّاءالى ميادين الحرب ويحافظن على أسرهن وعفّتهن وأمانتهن ليبقى الأزواج مرتاحي البال هناك.
 
فهذه هي عظمة الإسلام التي ظهرت على وجوه نسائنا الثوريات في أيام الثورة وحالياً أيضاً ـ وللّه الحمد ـ، فلا يقول البعض انّ النساء لا يمكنهن كسب العلم إذا حافظن على الحجاب والعفّة وإدارة البيت وتربية الأولاد. فكم من النساء العالمات لدينا في مختلف المجالات في مجتمعنا ـ وللّه الحمد ـ فهناك عدد كبير من الطالبات الجامعيات المجدّات ومن ذوات القابلية، وكذلك من الخريجات في مستويات عالية وطبيبات ممتازات من النمط العالي في مجالات علمية متنوّعة.
 
إن نساءنا اليوم في الجمهورية الاسلامية يحافظن على عفافهن وعصمتهن وطهارتهن كنساء ويحافظن على الحجاب بشكل كامل، ويقمن بتربية أولادهن بالطريقة الاسلامية كذا بالواجبات الزوجية كما يقول الاسلام، ويمارسن نشاطات علمية وسياسية.
إنّ التربية الاسلامية والثورية للمرأة المسلمة تدعو الى فخر وتباهي الجمهورية الإسلامية. ونحن نفخر بنسائنا المسلمات، ونفخر عندما تظهر النساء بحجاب كامل في الصور التي تلتقط للمسيرات، وهنّ يحملن أطفالهن ويخرجن الى المسيرات في الظروف الصعبة لإعلان موقف سياسي، أو يحضرن في صلاة الجمعة ـ وهي أمر عبادي سياسي ـ ويدلين بأصواتهن لانتخاب المرشحين السياسيين.
 
إنّ الجمهورية الإسلامية تفخر ويرتفع شأنها عندما تحصل نساؤها على درجات عالية في الجامعات أو يحصلن على الرتبة الأولى والثانية في الفروع المختلفة للامتحانات الوزارية، وهذا فخر لأحكام الإسلام النورانية.
 
 
و فی الختام نهنئ المسلمين كافة وخاصة النساء في هذا البلد الإسلامي بالولادة السعيدة لكوثر النور والمعرفة، الصديقة الطاهرة المرضية المطهرة فاطمة الزهراء سلام الله عليها. هذه الولادة الكبرى من أبرز الأعياد الإسلامية؛ لأن فاطمة الزهراء سلام الله عليها شخصية عظيمة من المرتبة الأولى في الإسلام، بل من المرتبة الأسمى على مدى التاريخ، كما نقل عن رسول الله (عليه وعلى آله الصلاة والسلام) انه قال لها: «أما تحبي أن تكوني سيّدة نساء العالمين؟» فسألته سلام الله عليها: «فكيف مريم؟» وقد قال القرآن انها سيّدة النساء، فقال لها: ان مريم كانت سيّدة نساء زمانها، وأنتِ سيّدة نساء الأولين والآخرين.

اعداد وتدوين
علي اكبر بامشاد

 
https://taghribnews.com/vdcdfo0o9yt0zn6.422y.html
الإسم الثلاثي
البريد الإلكتروني
أدخل الرمز