تاريخ النشر2018 26 August ساعة 14:18
رقم : 347338
في رحاب موسم حج 1439

الحج مظهراً من مظاهر وحدة الأمة الإسلامية

تنا
وقد تجلَّت هذه الحقيقة في الحج من خلال عدة أمور: أحدها: قبلة واحدة يتجهون إليها في صلاتهم من مشارق الأرض ومغاربها، وهذه القبلة هي التي يجتمعون عندها ليؤدوا شعائر مناسك الحج ( وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالاً وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ) (الحج:27).
الحج مظهراً من مظاهر وحدة الأمة الإسلامية
الحج  عقيدة واحدة، فالجميع يلبون تلبية التوحيد لله لا شريك له، فهي عبودية لله وحده، وليست لفئة ولا لقوم ولا لمصالح مادية مشتركة، بل ولا للغة أو قبيلة أو تراب.

و في إحرامها، فالجميع يلبسون في الإحرام لبساً واحداً، وتزول الفوارق بين الناس التي قد تصنعها أحياناً بعض أنواع اللباس ليقال: هذا أمير، أو وزير، أو غني، أو شيخ كبير… .

 وفي الاجتماع في صعيد عرفات – مكاناً وزماناً – تتوحد الأمة الإسلامية كلها، حجاجاً وغير حجاج.

فكلهم يتجهون لقبلة واحدة، وكلهم يطوفون حول كعبة واحدة في اتجاه واحد، وكلهم يسعون في مسار مسعى واحد،

وكلهم يقفون بعرفة، وكلهم يبيتون في مزدلفة، وكلهم يرمون الجمار تجاه مرمى واحد، وكلهم يلبسون لباساً واحداً في رمزية عميقة لتلك الوحدة، وفي كل ذلك لا فرق بين أسود وأبيض، ولا فرق بين حاكم ومحكوم، ولا بين شريف ووضيع، ولا بين غني وفقير، امة واحدة ووجهة واحدة وهدف واحد، ولهذا، أيام الحج تركز على وحدة المسلمين ففيها أسباب قوتهم وإليها دعاهم ربهم فقال: (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا) آل عمران 103، فعليهم أن يكونوا صفاً واحداً ويجتنبوا التناحر ويتركوا التشاحن والبغضاء، وان يتحدوا فقد رأوا ما فعلت بهم الفرقة من ضعف وهوان، فعليهم نبذها وتوحيد هدفهم لخدمة دينهم وأوطانهم وشعوبهم، والعمل من اجل قضاياهم العادلة صفاً واحداً كأسنان المشط ولنستفد الدروس من الحج.

فقد جاء المسلمون من كل فج عميق لوجهة واحدة، فالهدف واحد وطافوا حول الكعبة المشرفة فهم يدورون حول غاية واحدة ويسعون بين الصفا والمروة فالمسعى نحو غاياتهم واحد، والوقوف بعرفة هو وقوف تجاه كل القضايا واحد، فهذا ديننا يدعونا بقرآنه وأحاديثه إلى الوحدة والتماسك، كما أن كل العبادات تؤصل لتلك الوحدة وتدعو لها، ومنها الحج، فإذا نحن تفرقنا وتشرذمنا فمن أمراض أنفسنا ونتيجة بعدنا عن ديننا الذي هو سبب قوتنا وعزتنا.

وليس الحج إلا مظهراً واحداً من مظاهر وحدة الأمة الإسلامية، وهناك مظاهر أخرى كثيرة.

و الحج من معالم وحدة الأمة الإسلامية،و  الوحدة، لا بدّ من إرجاع الأمور إلى أصولها الشرعية، ومن خلال المنهج الإسلامي .

 العقيدة هي التي تجمع بين الشعوب والأمم، وهي التي تقضي على عوامل التفرق، مهما كانت عميقة الجذور، وأمثلة وأدلّة ذلك لا تحتاج إلى بيان:

فالقبائل العربية التي كانت المتناحرة في الجزيرة العربية قبل الإسلام لم يوحد بينها ويزيل ضغائنها وأحقادها المريرة إلا الإسلام.

 الأمة، إسلامية واحدة منذ عهد الرسول _صلى الله عليه و اله وسلم _ وإلى عصرنا الحاضر، على تفاوت في قوة تلك الوحدة وتماسكها، ولكن الشيء الذي لا شك فيه، هو أنها امتدت قروناً متطاولة.

إنها وحدة قامت على عقيدة صافية انبثقت منها شريعة كاملة طبقها رجال أمناء يريدون بأعمالهم وجه الله والدار الآخرة.


وقال تعالى (وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ) (الأنفال: من الآية63). فما هو حبل الله، وعلى أي شيء ألف بين تلك القلوب؟ إنه العقيدة القائمة على إخلاص التوحيد ونبذ الشرك.

 وحدة في العمل، فالمناسك واحدة ولا يقبل حج إلا باتباع مناسك الحج وأدائها كما أداها رسول الله صلى الله عليه و اله وسلم ، فلا لأحد مناسك دون الآخر ، ووحدة في القول ألا تسمع كل الحجيج وهم يرددون (لبيك اللهم  لبيك لبيك لا شريك لك لبيك إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك لبيك)، وحدة في الصلاة، فالكل يصلي بصورة واحدة وشكل واحد فتختفي المذاهب وتذوب الطوائف والطائفية وتختفي القوميات والعرقيات، فلا سني ولا شيعي ولا مصري ولا سعودي، فالانتماء واحد هو للإسلام وإن اختلفت الأوطان وتباعدت البقاع وإن اختلفت الألسن واللغات وإن اختلفت القوميات فلا مكان للعرقية (كردي أو عربي أو فارسي)، فالهدف واحد رضا الرحمن.

و في الحج ، تتجلى الوحدة في أبهى صورها وحدة تتحقق في الواقع عملاً لا في الأماني والأحلام،الصلاة واحدة يا لها من وحدة تتكرر وتتحقق واقعًا معيشًا مرة كل عام، يا لها من وحدة تتوق الأمة إليها وتتمناها في كل أيامها لا في أيام الحج فقط ففيها قوتها وفيها عزها فاللهم بلغنا وحدة الأمة وحققها لنا واقعًا يا رحمن يا رحيم.

والحج عبادة راقية سامية، وفيه تتحقق أركان الإسلام الأربعة الباقية، ففيه تتحقق لا اله إلا الله، إذ يتوجه العبد في أيامه ولياليه لعبادة الله وحده بلا شريك، وفيه تحقيق الصلاة حيث الطواف بالكعبة والتوجه إليها بالروح والجسد، وفيه من معاني الزكاة إنفاق المال، فالحج لا يتم إلا بإنفاق المال، على السفر والإقامة والمأكل والمشرب والهدي، كما يتحقق معنى الصوم بالإمساك عن الحرام فعلاً وقولاً بل والإمساك عن كثير من الحلال تقرباً وزلفى.

و أيام الحج أيام (تدريب) لمن اجتمع هناك من المسلمين على كيف يعيشون في سلام، قلوبهم طاهرة، ونفوسهم صافية، بلا أحقاد ولا نزاعات، تجمعهم المحبة والوئام، يتحمل بعضهم أخطاء بعض، ويعفو بعضهم عن زلاّت بعض، ألسنتهم عفيفة، ومقاصدهم شريفة، لا يفرقهم الجدال، ولا يثير حفيظة نفوسهم المراء، وذلك استجابة لقول الله تعالى: (الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ) البقرة 197.

فإذا حقق المسلمون ذلك أيام الحج تبين لهم أن لُحمة الإسلام أقوى من أية لحمة، ووشيجة الإسلام اشد من أية وشيجة، وعروته أوثق من كل عروة، وحينئذ يتأكدون أن ما يربطهم أقوى مما يشتتهم، وان ما يجمعهم أكثر مما يفرقهم،

وأن أخوة الإسلام أخوة حقيقية لابد أن تصان وتحفظ، فيعود الحاج حين يعود إلى بلاده وهو أشد حباً لإخوانه المسلمين، وأكثر إيماناً بأن كل مظاهر الفرقة بين المسلمين مظاهر سطحية، وأسبابها واهية، وأنها لا بد إلى زوال.


إن الحج الذي يتوافد إليه ملايين المسلمين من كل بقاع العالم فرصة حقيقية ليتدارسوا أمور دينهم وهموم أمتهم في العالمين العربي والإسلامي.

وهموم الأمة كثيرة وقضاياها المعقدة أكثر، فبعض بلادهم احتلت وأخرى مهددة بتقطيع أوصالها،و فلسطين المحتلة وأفغانستان  ،و ... تستهدف وتجتاح لتمزق إلى أشلاء .

وفلسطين بعد أكثر من سبعين عاماً لم تراوح قضيتها مكانها، أرضها سليبة وإنسانها ضائع، وقد ابتلعت الدولة العبرية معظم أراضيها وشيدت أطول جدار عنصري في العالم، والقدس الشريف أولى القبلتين وثاني الحرمين يحتلها اليهود ويدنسونها ويعلنون أنها ستكون عاصمتهم على رغم انف العرب والمسلمين، بدعم صارخ من الدول الكبرى وفي مقدمها بالطبع صديقتنا أميركا.

 إن الأمة الإسلامية بوحدتها و تماسكها وقوة إيمانها وثقتها بالله تستطيع أن تتغلب على كل المعوقات التي تحول دون تحقيق التعاون فيما بينها.

والذي يتمثل في العقيدة الواحدة وإله واحد ودين واحد وكتاب واحد وعبادة واحدة فالجميع يتجهون في صلاتهم في مواعيد محددة إلى الله نحو قبلة واحدة أيا كانوا فى أي مكان في العالم و يجمع بينهم الصيام في شهر واحد ويجمع الحج بينهم من كل الأجناس والأقطار طائفين حول كعبة واحدة في حرم الله الآمن تنجذب إليها أفئدتهم من كل فج عميق  قال تعالى : ( لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ) الحج 28 .

ويتضح البعد الإنساني جليا في القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة فالله سبحانه وتعالى يلفت نظرنا إلى وحدة الأصل الإنساني فالناس جميعا قد خلقهم الله من نفس واحدة  ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ  ) النساء 1

الإسلام ليس دين طقوس عقيدية جامدة إنه دين حياة بكل أبعادها والأمة الإسلامية أمة أراد الله لها أن تكون صاحبة رسالة دينية وحضارية والرسالة الدينية الحضارية المنوطة بالأمة الإسلامية لا يمكن تأديتها والقيام بحقها إلا إذا توحدت جهود الأمة الإسلامية دينيا وفكريا وحضاريا.

وإذا كانت الأمة الإسلامية ترتبط بينها برباط ديني وتجمعها وحدة جغرافية طبيعية ولها رسالة نورانية حضارية في هذا الوجود فإن ذلك يعنى غايات واحدة وأهداف مشتركة ويعني في النهاية مصيرا واحدا.

فكرة الحج هي فكرة تمهيدية وصورة مصغّرة عن يوم القيامة ، بل قل هي القيامة الصغرى ، وهذه الفكرة تقوم بدور تذكيري كبير لإعادة الوضع الإنساني إلى الدائرة الوسط .

فهي تثير بنفس الإنسان حالة القرب من النهاية ، والتي تجعل الإنسان يراجع حساباته في الظروف الصعبة ، ويتراجع عن أمور كثيرة ، ويتنازل عنها لحساب المستقبل .

و في مناسك الحج يتجاوز الإنسان ذاته ويهاجر كهوفها المظلمة ويترك أنانيته وكبرياءه ; ليحقق أفضل المنطلقات الجديدة لها ، أو قل ليبني ذاته من جديد ، ويركز وجوده من جديد ويؤمن ذاته من جديد . ويعلي ذاته من جديد; لأنه كما ساهم في إنزال الذات وإسقاطها من لباس الكبرياء والعظمة والأنانية كما أعلى شأنها وأقام بناءها على أتمّ أساس وأكرم مستقبل .

و أن الحج يثير في النفس فكرة التجرّد والصعود إلى العلو حيث الشوق الكلي والاستغراق المجموعي في اُنس القداسة حيث للنفس أشواق تتجاوز فيها المعاني التي تعرفها عبر الحب والعلم والمجد والأمر والنهي والكرامة ، ولا يتم ذلك إلا من خلال المعاناة والقرب المعنوي ، الذي يجعل دائرة الذات أقرب إلى دائرة الاتحاد الكلّي .

وعندما تصل الاُمّة إلى هذا المستوى من الصدق في التعاطي ، وتذوب فيها كلّ الرواسب الجليدية ، وتلتقي على محبة الله سيكون عندئذ للاُمّة شأن آخر .

و عندما يحجّ الإنسان بوعي يشعر أنه كان معزولاً عن أهله ومحبّيه ، وأنّ له اخوة إذا استحكمت علاقته الطيبة معهم سوف يكون علاقة من الوشائج الثقافية على مستوى طموحات الاُمّة ثقافياً وسياسياً واقتصادياً واجتماعياً ، ومن الأخطاء أن يحاول بعضٌ جرّ الناس لنفسه بدل أن يجرّها لربّه ، ويقدِّم لها ثقافةً شخصية بدل أن يزوّدهم بثقافة إلهية .

لأنه عندما يحجّ ويرى هذه الحشود البشرية الدولية العالمية كلّها تلتقي في الكعبة المشرّفة وتؤدّي نفس المناسك ، وتعبِّر المناسك عن مدلول وحدوي كبير سوف يشعر الحاج بأدائه لهذه الفريضة أنه مل الزمن ومل التاريخ ومل المستقبل ، وأنّ المعاناة التي يلاقيها من طواغيت زمانه ما هي إلاّ مشقّة صغيرة ، وبعدها الراحة الكبرى في وصول الإسلام المحمّدي الأصيل كما نادى به الإمام الخميني(قدس سره) ـ إلى قيادة الاُمّة ، وإحلال العدل الإلهي والسلام العالمي المنشود .

أنّ المدخل السياسي المهم لحركة الاُمّة يؤخذ من قوّتها وتمسّكها بشعائرها ومقدّساتها ، وأنّه بلغ من حفاظ الاُمّة على مقدّساتها أن تبذل النفس والنفيس للوصول إليها ، فهاهم المسلمون اليوم وقبل اليوم يستجيبون لنداء الله ، ويأتون على كلّ ضامر ومن كلّ فجّ عميق في الجو والبر والبحر ، ليعلنوا موقفاً موحّداً وهدفاً موحّداً وثقافة موحّدة وشعائر موحّدة .

وعلى الاُمّة في هذا المجال أن تتّخذ المواقف الموحدة من أعدائها ، وتحدّد العداوات على ضوء المرحلة أو على ضوء الهدف .

 و الاستكبار العالمي يرصد بحذر شديد كلّ تحركات الاُمة ، ويعمل جادّاً بكلّ ما يملك من وسائل متطوّرة لإيجاد حالة الشرخ بين المذاهب الإسلامية كما أوجد حالة الشرخ بين القوميات والعرقيات ، لهذا فإنّ هذا المؤتمر(الحج) من الوسائل الأساسية للوقوف في وجه المدّ المعادي خارجياً وداخلياً ، وعلى علماء المذاهب الإسلامية تقع مسؤولية توعية الاُمّة أمام المخاطر المحدقة بها ، وأنّ كلّ فرد يثير في مجتمعه أي نوع من التشنجات والتعقيدات المذهبية يجب الوقوف في وجهه ومناقشته وبيان خطورة ذلك ، وأنّ عمله يصبّ في خانة الاستكبار العالمي ، وأنه يضرّ بالوحدة الإسلامية ، وبالتالي يضرّ طائفته ونفسه .

و على علماء المذاهب الإسلامية أن يدفعوا بعجلة التسامح بعضها ببعض ، ولا يسمح لمن يكفر المسلمين لأي بادرة أن تتغلغل أفكاره بينهم ، بل يجب عليهم العمل السريع ، وتربية الناشئة على عملية التسامح المذهبي بين أهل القبلة كما فعل وأفتى المرحوم الشيخ محمود شلتوت ، وكما فعل الإمام الخميني(قدس سره) في دعوته إلى الوحدة بين المسلمين ، وتجنب ما يثير البغضاء بينهم . ..

اعداد وتدوين علي اكبر بامشاد
https://taghribnews.com/vdchxqnx623nkxd.4tt2.html
الإسم الثلاثي
البريد الإلكتروني
أدخل الرمز