تاريخ النشر2018 5 August ساعة 12:09
رقم : 347336
في رحاب موسم حج 1439

الحج...لغة و معنى و مفهوم

تنا
الحج عبادةٌ تتّحد فيها عناصر كثيرة كالخضوع والتضرّع والزهد والتقوى وذكر الله والتضحية في سبيله، وإنفاق المال والانقطاع عن الشهوات وملذّات الدنيا لإظهار العبودية لله عز وجل في أنقى وأعمق حالاتها.
الحج...لغة و معنى و مفهوم
  الحج في اللغة يعني القصد أو القصد للزيارة. قال الخليل الفراهيدي: هو كثرة القصد، وسمّيت الطريق محجّةً لكثرة التردّد. وسمّي الحاج بذلك: لأنه يتكرر للبيت لطواف القدوم، والإفاضة، والوداع.

  وفي المعنى و المصطلح الإسلامي هو الشعيرة السنوية التي تتمثّل في قصد المسلم مكّة المكرمة في وقت محدّد ليطوف حول الكعبة ويقيم في صعيد عرفات ويأتي أعمالاً أخرى معروفة بمراسم أو شعائر الحج. قال الله تعالى في كتابه الكريم: ﴿ وَأَذِّن فِي ٱلنَّاسِ بِٱلۡحَجِّ يَأۡتُوكَ رِجَالٗا وَعَلَىٰ كُلِّ ضَامِرٖ يَأۡتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٖ ﴾، فقد فرض الله تعالى الحج على الإنسان المسلم الذي تتوفّر له الإمكانية ضمن شروطٍ معينة.


سئل الإمام الباقر (ع ):لم سمي الحج حجا ؟ قال : حج فلان ، أي أفلح فلان .


 و مفهوم و حقيقة الحج : لم يـأتِ الإسلام بالحج وزيارة بيت الله على أنها من الأفعال والأعمال الخاصة بالأمة الإسلامية، بل إن أساس هذا التشريع يعود إلى زمن سيدنا آدم على نبينا وآله وعليه الصلاة والسلام، فإن الكعبة أول بيت وضع من أجل عبادة الله تعالى: ﴿ إِنَّ أَوَّلَ بَيۡتٖ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكٗا وَهُدٗى لِّلۡعَٰلَمِينَ ، فِيهِ ءَايَٰتُۢ بَيِّنَٰتٞ مَّقَامُ إِبۡرَٰهِيمَۖ وَمَن دَخَلَهُۥ كَانَ ءَامِنٗاۗ ﴾.

وحقيقة الحج أنه سفرٌ إلى الله تعالى ووفادةٌ إليه وقد ذكر الإمام الرضاعليه السلام هذا الأمر كأول خصوصية للحج وقال: "علّة الحج الوفادة إلى الله". فالسفر المعنوي إلى الله عزّ وجل هو الذي أدّى الى وجوب الحج. والهدف الأساسي لهذا السفر إثبات العبودية والتسليم لله تعالى. 

فعَنْ الإمام الصادق عليه السلام قال: "وهذا بيت استَعْبَد الله به خلقه ليختبر طاعتهم في إتيانه، فحثّهم على تعظيمه وزيارته وجعله محلّ أنبيائه وقبلة للمصلّين له، فهو شُعبةٌ من رضوانه وطريق يؤدّي إلى غفرانه، منصوب على استواء الكمال ومجمع العظمة والجلال خلقه الله قبل دحو الأرض بألفي عام فَأَحَقُّ من أُطِيعَ فيما أمر وانْتُهِيَ عمّا نهى عنه وزجر الله المُنْشِئُ للأرواح والصّور".

فالحج
إذاً، هو سيرٌ وسلوكٌ معنويٌّ وهجرةٌ إلهية. وتتجلّى في هذا السفر العبودية لله بأجلى صورها وأبهاها، فكلّ شعيرة وكلّ منسك وكلّ حكم شرعي في هذا السفر هو ترجمة مباشرة لحقيقة العبودية وإعلان من العبد بخضوعه لربه ووضعه لنير المذلّة على عنقه والتصاغر أمام مالك الملوك وامتثاله له وحده ورفضه لكل ربٍّ أو معبودٍ دونه.

و من أهداف العبادات أن تترسّخ المعارف والأخلاق الإلهية في قلب الإنسان وأن يتجلّى التوحيد في قلبه ثم يسري منه إلى كامل وجوده الباطني والظاهري.

وإذا دقّقنا في فريضة الحج نجد أن هذه الأهداف موجودة فيه بقوّة، فالحج يتمّ إلى بيت الله الحرام الكعبة المعظّمة، وهي مركز التوحيد والمركز الأوحد لتحطيم الأصنام، فقد رفع نبي الله إبراهيم الخليل عليه السلام نداء التوحيد من الكعبة في أول الزمان، وسيرفعه فيها في آخر الزمان الإمام المهدي المنتظر عجل الله تعالى فرجه الشريف. قال الله تعالى لخليله إبراهيم: ﴿ وَأَذِّن فِي ٱلنَّاسِ بِٱلۡحَجِّ يَأۡتُوكَ رِجَالٗا ﴾.

وقال عزّ من قائل: ﴿ طَهِّرَا بَيۡتِيَ لِلطَّآئِفِينَ وَٱلۡعَٰكِفِينَ وَٱلرُّكَّعِ ٱلسُّجُودِ ﴾. وهذا التطهير يكون من كلّ الأرجاس وعلى رأسها الشرك، وفي سورة التوبة نقرأ: ﴿ وَأَذَٰنٞ مِّنَ ٱللَّهِ وَرَسُولِهِۦٓ إِلَى ٱلنَّاسِ يَوۡمَ ٱلۡحَجِّ ٱلۡأَكۡبَرِ أَنَّ ٱللَّهَ بَرِيٓءٞ مِّنَ ٱلۡمُشۡرِكِينَ وَرَسُولُهُۥۚ ﴾8.

وقد بلغ موقع الحج في الإسلام أنه جُعل الميزان في حشر المسلم على دينه أو على غير دين، فعن النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم: "من لم يمنعه من الحجّ حاجة ظاهرة ولا مرض حابس ولا سلطَان جائر فمات ولم يحجّ فليمت إن شاء يهوديّاً أو نصرانيّاً".


إنّ فريضة حج بيت الله هي من أبرز الفرائض التي تحوي أبعاداً متعددةً ومتنوعةً ترتبط بالحياة الفردية والاجتماعية بشكلٍ عظيمٍ، وهي ذات تأثيرٍ عميقٍ في الجسم والنفس والفكر. وهذه الأبعاد المختلفة ليست منفصلة، بل يمتزج البُعد الروحي مع البُعد التربوي مع البُعد السياسي والعبادي والاقتصادي والثقافي والفقهي والأخلاقي، بحيث تكمل بعضها بعضاً لتصبح كياناً واحداً هو الحج الإسلامي. ولو أدّى الحاجّ هذه الفريضة بالشكل الصحيح، فإنه
سينال توفيقات كبيرة في جميع الميادين المادية والمعنوية، وكذلك ستنعكس آثارها الطيبة على المجتمع الإسلامي أيضاً.

فلهذه الفريضة فوائد جمّة على الصعيدين الفردي والاجتماعي باعتبار أن العبادات في الإسلام ليست محصورةً في بعدٍ واحد بل هي تشمل جميع أبعاد الإنسان، وهذا أمرٌ طبيعيٌّ طالما أن هدف العبادات تكامل الإنسان في حياته في الدنيا وحياته الحقيقية في الآخرة.

ويبرز البعد المعنوي للحج عندما يقارن بالعبادات الأخرى، لما يحتويه من أحكام مفعمة بالرموز والأسرار. ويتمتع الحج بفضل مناسكه الخاصة، برياضات خاصّة تؤثّر في تزكية النفس وعلوّ الدرجات المعنوية.


و يقول الإمام الخميني قدس سره: "فمن المهم أن يعرف الحاج إلى أين هو ذاهب ودعوة من يلبّي؟ وأنه ضيف من؟ ولأي سبب؟ وما هي آداب هذه الضيافة؟ وعليه أن يعلم أيضاً أن الغرور والنظرة الذاتية والأنانية لا تجتمع مع حب الله وطلبه، وتتناقض مع الهجرة إلى الله، وبالتالي تكونان سبباً للخلل في تحقيق الآداب المعنوية للحج".

ولا بد من إلفات النظر إلى البعد السياسي للحج والذي أبرزه الإمام الخميني وأطلق على الحج بسببه تسمية "الحج الإبراهيمي" واعتبر أن الحج دون هذا البعد هو حج ناقصٌ، لا يلبّي الأهداف الكبرى التي أرادها الله عز وجل من خلال تشريع الحج. وذلك أن شعار الحج هو إعلان البراءة من المشركين، والبراءة تعني انقطاع كلّ صلةٍ بهم مهما صغرت، ولهذا الانقطاع تداعياته ومفاعيله العملية الهائلة التأثير على الصعيدين السياسي والاجتماعي في حياة المسلمين.

الآثار المعنوية للحج : يترتّب على أداء الحج بشروطه وآدابه آثار وثمار معنوية عظيمة للإنسان، وأهم هذه الآثار:

 توحيد الله ومعرفته: فإنّ الحجّ يجسّم لنا التوحيد، ونفي الشرك بكلّ مظاهره ومعالمه. قال الإمام الصادق عليه السلام: "وزر البيت متحقّقاً لتعظيم صاحبه ومعرفة جلاله وسلطانه".

 التقرّب إلى الله سبحانه: فمن يقصد مكّة حاجّاً إنّما يحجّ إلى ربّه ويقصد الله في عرشه كما ورد في دعاء الإمام الصادق عليه السلام عند خروجه للحج أو العمرة: "...اللهمّ إنّي عبدك وهذا حُمْلَانُكَ والوجه وجهك والسّفر إليك..ولَقّني من القول والعمل رضاك فإنّما أنا عبدك وبك ولك‏".

   ضيافة الله سبحانه: فإن الخلق كلّهم في ضيافة الله بالمعنى الأعم. ولكن الحج ضيافة الله بالمعنى الخاص ومأدبته، قال الإمام الصادق عليه السلام: "إنّ ضيف الله عزّ وجلّ
رجل حج واعتمر، فهو ضيف الله حتّى يرجع إلى منزله".

   التحقّق بالعبودية لله تعالى: إن الهدف من الخلق وسرّ الخلافة في الأرض وفلسفة الحياة هو العبادة والمعرفة، وهذا ما يتجلّى في الحجّ بصورة أبهى وأجلّ، لكون الحجّ تسليماً لله، يحرم فيه الحاج ويؤدّي جميع المناسك استجابة لأوامر الله تعالى. فالحج إذاً يرسّخ في العبد عبوديته لله سبحانه وتعالى. ففي حديث طويل عن الإمام الرضا عليه السلام قال: "إنّما أُمِروا بالحجّ لِعِلَّةِ الوِفادة إلَى الله عزّ وجل‏...".

  تجذّر الجانب المعنوي في النفس: فإن للزمان والمكان والمناسك المقدّسة آثاراً معنويّة وروحيّة تنعكس على الروح الإنسانيّة، فإنّها ممّا توجب طهارة وسلامة الباطن. قال أمير المؤمنين عليعليه السلام: "...والحجّ تقوية للدين...".
وفي الحديث عن الإمام الرضا عليه السلام قال: "إنّما أُمِروا بالحجّ لِعِلَّةِ الوِفادة إلَى الله عزّ وجل إلى أن قال وَحَظْرِ النّفس عن اللّذّات‏...". فالحج شفاء من كلّ سقم وداء روحي ونفساني ومن الأمراض القلبيّة.

فريضة الحج كسائر الفرائض لها ظاهرٌ ولها باطنٌ وما لم يؤدّي المكلّف الظاهر بشكلٍ صحيحٍ فما له في الباطن من نصيب. فينبغي أن يطبّق المكلّف أحكام الحج الظاهرية بكلّ دقّة ليتمكّن من تحقيق آدابه المعنوية ويحصّل آثار الحج العظيمة.

و مما قيل في الحج :

قال علي بن الحسين (ع) :حجوا و اعتمروا تصح أبدانكم و تتسع أرزاقكم و تكفوا  مؤونات عيالاتكم .

قال علي بن الحسين(ع):الحاج مغفور له و موجب له الجنه ومستأنف له العمل ومحفوظ فى أهله وماله .

قال رسول الله (ص):من أراد الدنيا و الآخره فليؤم هذا البيت .

قال الإمام الباقر (ع ):من ختم القرآن بمكة لم يمت حتى يرى رسول الله و يرى منزله فى الجنة .

قال الإمام الصادق (ع) : ما عبد الله بشيئ أفضل من الصمت والمشي الى بيته .

و عن إسحاق بن عمّار قال: قال أبو عبد اللّٰه عليه السّلام: "من طاف بهذا البيت طوافا واحدا كتب اللّٰه تعالى له ستة آلاف حسنة و محا عنه ستة آلاف سيئة، و رفع له ستة آلاف درجة، و أعتق عنه ألف نسمة، و قضى له ألف حاجة، و غرس له ألف شجرة." قال: فقلت له: هذا كلّه لمن طاف طوافا واحدا؟ قال عليه السّلام: "نعم، أفلا أخبرك بأفضل منه؟" قلت: بلى، قال عليه السّلام:
"قضاء حاجة المؤمن أفضل من طواف و طواف و طواف" حتى عدّ عشرة .

قال الإمام الباقر (ع) :صلاة فى المسجد الحرام أفضل من مئة ألف صلاة فى غيره من المساجد.

قال الإمام الصادق (ع) :ما لله عزوجل منسك أحب الى الله تبارك و تعالى من موضع السعي ، و ذلك أنه يذل فيه كل جبار عنيد .

قال أبو عبد الله الصادق (ع) لابن أبى يعفور :أكثر الصلاه فى مسجد رسول الله - صلى الله عليه و آله - فإان رسول الله - صلى الله عليه وآله – قال:صلاة في مسجدي هذا كألف صلاي فى مسجد غيري الا المسجد الحرام ، فان صلاة في المسجد الحرام تعدل ألف صلاة فى مسجدي.

قال أبو عبد الله الصادق(ع) :من لقي حاجا فصافحه كان كمن إستلم الحجر.

عن حماد، عن حريز، عن أبي عبد الله عليه السلام في رمي الجمار قال: له بكل حصاة يرمي بها تحط عنه كبيرة موبقة.

قال علي بن الحسين(ع):اذا ذبح الحاج كان فداوه من النار.

عن الصادق (ع ) قال :اذا حج أحدكم فليختم حجه بزيارتنا لأن ذلك من تمام الحج .

قال علي بن الحسين(ع) :من خلف حاجا فى أهله وماله، كان له كأ جره حتى كأنه يستلم الأحجار.

قال الإمام الصادق(ع):لا يزال الدين قائما ما قامت الكعبة .

قال أبو جعفر الباقر (ع) :وقّروا الحاج والمعتمرين ، فإن ذلك واجب عليكم .

قال رسول الله (ص ) :إنما فرضت الصلاة و أمر بالحج و الطواف وأشعرت المناسك لإقامه ذكر الله ، فإذا لم يكن فى قلبك للمذكور الذي هو المقصود و المبتغى عظمة ولا هيبة فما قيمه ذكرك .

قال الإمام الصادق (ع) :الحاج والمعتمر وفد الله، إن سألوه أعطاهم وإن دعوه أجابهم و إن شفعوا شفعهم و إن سكتوا إبتدأهم ، و يعوَّضون بالدرهم ألف ألف درهم .

قال أبو عبد الله (ع ) :الحجاج يصدرون على ثلاثه أصناف : صنف يعتق من النار، و صنف يخرج من ذنوبه كهيئه يوم ولدته أمه ، و صنف يحفظ فى أهله و ماله فذلك أدنى ما يرجع به الحاج .

قال الإمام الصادق (ع ):اذا أردت الحج فجرد قلبك لله تعالى من كل شاغل .

قال رسول الله (ص):تفتح أبواب السماء ويستجاب الدعاء فى أربعه مواطن : عند التقاء الصفوف فى سبيل الله، و عند نزول الغيث، و عند إقامة الصلاة ، و عند روية الكعبه .

عن أبى عبد الله (ع ):من نظر الى الكعبة لم يزل تكتب له حسنة و تمحى عنه سيئة حتى ينصرف ببصره عنها.

اعداد و تدوين  علي اكبر بامشاد
https://taghribnews.com/vdcfmedmvw6djma.kiiw.html
الإسم الثلاثي
البريد الإلكتروني
أدخل الرمز