تاريخ النشر2011 13 December ساعة 00:27
رقم : 74717
هل تبادر الحكومة إلى مساءلة السفارة الأميركية؟

المقاومة توجّه أعنف ضربة لـ«سي آي إيه» في لبنان.. ولا تسترخي

تنا ـ بيروت
ان فضيحة التجسس تتم تحت غطاء السفارة الاميركية وحصانتها الدبلوماسية، واضعف الايمان ان تسارع الدولة الى رفع البطاقة الحمراء في وجه السفيرة مورا كونيللي، كما تفعل بلادها في حالات مماثلة.
المقاومة توجّه أعنف ضربة لـ«سي آي إيه» في لبنان.. ولا تسترخي
يشكل كشف أمن المقاومة عن تفاصيل محطة بيروت المسماة «عوكر ٢» في وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية («سي آي إيه»)، استكمالاً لكشف شبكة من العملاء قبل شهور قليلة، أعنف ضربة تتلقاها واشنطن في لبنان، منذ تفجير مقر «المارينز» في خريف العام ١٩٨٣، وتفجير السفارة الأميركية في بيروت في ربيع العام نفسه بينما كان يعقد فيها اجتماع لوكالة الاستخبارات الأميركية على مستوى قيادة الشرق الاوسط، وأدى آنذاك الى مقتل ثمانية ضباط من الوكالة، بينهم بوب ايمز وهو كان احد ابرز خبراء الوكالة في شؤون الشرق الاوسط. 

إنه أكبر من «إنجاز» استطاعت المقاومة تحقيقه في حربها الامنية المفتوحة مع الاسرائيليين ووكلائهم الاميركيين. يصح القول إن «صراع الأدمغة» يأخذ بعداً جديداً أكثر علمية ونوعية وتقنية وحرفية ومراوغة، من جانب المقاومة. ثمة إبراز للإمكانات وللتصميم والقدرة على الفعل، في موازاة الامكانات الهائلة التي يملكها الاميركيون والإسرائيليون، والحصيلة مراكمة انجازات نوعية بدءاً من عملية انصارية في العام ١٩٩٧ واختراق التشفير الجوي الاستطلاعي الاسرائيلي، إبادة افراد وحدة الكوماندوس البحري الاسرائيلي المعروف بـ شييطت»، استدراج ضابط الاحتياط الإسرائيلي الحنان تننباوم من أوروبا، وجعله يأتي إلى لبنان برجليه، اكتشاف أجهزة التنصت في الباروك وصنين وإحباط محاولات اختراق شبكة الاتصالات الخاصة بالمقاومة عشرات المرات، وصولاً الى اسقاط محطة الـ«سي أي إيه» في بيروت. 

وقد دفع ذلك الاميركيين الى الاعتراف بأن ما فعله «حزب الله» كان أشبه بـ«هزة أمنية»، حيث تمكن من الدخول الى المنطقة المعتمة من عمل الـ«سي أي إيه» في لبنان، وقد لا يطول الوقت وتظهر تداعيات الهزة المذكورة ونتائجها في الهيكليات الاستخبارية الأميركية وخاصة تلك المتصلة بمحطة بيروت المقيمة في عوكر.
لكن السؤال الذي يفرض نفسه: ماذا بين سطور ما كشفه أمن المقاومة حول فضيحة التجسس الأميركي في لبنان، ولماذا تم الكشف في هذا الوقت وليس قبل ذلك؟ 

لـ«حزب الله» أسبابه وخلفياته التي جعلته يظهر هذا المقدار من المعطيات فقط، الا ان القراءات التي خضعت لها تلك المبادرة أدرجت في سياق محاولة واضحة من الحزب لتسليط الضوء على الآتي:
- ان المقاومة لا تنفي أبداً ان ما حققته هو انجاز امني بامتياز، قارعت فيه اعظم دولة في العالم، الا انها لم تتوخَّ تظهير انجاز اعلامي كما ذهب البعض الى الافتراض، ولو ارادت ذلك لكانت ظهرته قبل اشهر، خاصة بعد أن حاولت السفارة في بيروت أن تنزع عن نفسها صفة «مطبخ الجواسيس».
- ان ما كشفته المقاومة من معطيات حول الدور الوظيفي للسفارة الاميركية في بيروت ونشاط الـ«سي أي ايه»، كما يستنتج خبراء في الامن، يؤكد ان ما تمتلكه المقاومة من معطيات ومعلومات أكبر بكثير مما كشف وهو لا يشكل سوى الطبقة الرقيقة التي تغطي رأس جبل الجليد.
- اظهار حجم الاستباحة الاميركية للنسيج اللبناني، ومدى تغلغل الـ«سي أي إيه» في مفاصل لبنان سياسيا واقتصاديا وتجاريا وماليا وامنيا وعسكريا ودبلوماسيا واعلاميا وفنيا وثقافيا واجتماعيا.. والى آخر ما هنالك من قطاعات، بما فيها قطاع المنظمات غير الحكومية.
- بقدر ما يعكس ذلك قدرة الأميركيين على التغلغل في الجسم اللبناني، بقدر ما يكشف صورة قاتمة لا بل مؤسفة للواقع اللبناني كأرض خصبة، للاختراق الى حد الوقوف مع الاميركي في موقع الصديق لا بل الشريك وفي المقابل، جعل الشريك في الوطن في موقع الخصومة والعداء.
- ان المقاومة اعطت هذه المسألة بعداً وطنياً لا حزبياً، ولم تقدم ما كشفته، بوصفه خطراً يستهدفها فقط، بل كخطر شامل يستهدف البنية اللبنانية برمتها وليس فريق ٨ أو ١٤ آذار.
- إن لبنان في دائرة الخطر الاميركي والاسرائيلي، وإن على اللبنانيين بكل فئاتهم أن يقتنعوا اولاً بأن الاميركيين والاسرائيليين وجهان لعملة واحدة تجمعهما مصلحة واحدة وهدف واحد هو النيل من لبنان والمقاومة، وبالتالي التعامل مع الاستخبارات الاميركية هو كالتعامل مع «الموساد» الاسرائيلي، خاصة ان كل المعطيات التي تملكها المقاومة تؤكد ان الاستخبارات الاميركية تعمل وفق برنامج معلوماتي اسرائيلي، وحيث تعجز اسرائيل، تبادر الى الاستفادة من مساحة التحرّك والغطاء الممنوح للاميركيين دبلوماسياً وسياسياً. وهنا تتوخى المقاومة التذكير بأن كل الادبيات السياسية اللبنانية تقول، أقله لفظاً، ان التعامل مع المخابرات الاسرائيلية هو جريمة، وطالما ان الاميركيين يتجسسون لمصلحة اسرائيل، فمعنى ذلك ان التعامل مع الاستخبارات الاميركية جريمة، فضلاً عن ان التجسس وتهديد امن وسلامة الدولة والتخابر مع دولة اجنبية هي افعال جرمية يعاقب مرتكبها قانونياً.
- ان ما تم كشفه يفترض أن يحرّك الاجهزة الامنية اللبنانية، وخاصة تلك المعنية بالكشف عن شبكات التجسس، وثمة سؤال هنا: هل بعض هذه الأجهزة غافل عن مطبخ التجسس في السفارة الاميركية؟
- ان ما تم كشفه يلقي على السلطات اللبنانية الرسمية مسؤولية اتخاذ قرار سياسي بات مطلوباً لحماية لبنان بجرعات ومضادات داخلية، لاكتساب ولو الحد الادنى من المناعة لإخراج لبنان من كونه ساحة مخترقة وعجينة لينة بيد «الصديق الاميركي».
- ان ما كشفته المقاومة يفرض على الدولة بكل مستوياتها التعامل معه كإخبار، خاصة أن هناك مجموعة من الاشخاص والضباط، قد ذكروا بالاسماء والالقاب، وما عليها سوى التثبت والتحقق وإجراء المقتضى، ولعل هذه مسؤولية وزارة الخارجية أولاً.
- قد يبادر البعض للتعبير عن خشيته من ان تسيء اية ملاحقة لبنانية لهذه الفضيحة الى علاقة الصداقة التي تربط لبنان بالولايات المتحدة الاميركية، فتجنباً للإحراجات، يمكن للدولة اللبنانية واجهزتها ان تقتدي بالتجربة الاميركية نفسها، مع حالة الجاسوس الاميركي لمصلحة اسرائيل جوناثان بولارد، فليس هناك «صداقة وتكامل» بين دولتين كما هي العلاقة بين الولايات المتحدة واسرائيل، وبرغم ذلك لم تقبل الولايات المتحدة التجسس وزجت ببـــولارد في السجن ولم تنجح محاولات اسرائيل في الافراج عنه، فضلاً عن حالة ثانية تمثـــلت في مداهمة الـ«إف بي آي» لمكتب احد الموظفين في وزارة الخـــارجية الاميركية بعد التأكد من قيامه بالتجسس لمصلحة اسرائيل.
- ان فضيحة التجسس تتم تحت غطاء السفارة الاميركية وحصانتها الدبلوماسية، واضعف الايمان ان تسارع الدولة الى رفع البطاقة الحمراء في وجه السفيرة مورا كونيللي، كما تفعل بلادها في حالات مماثلة. واذا كان من غير الممكن من الناحية الإجرائية ملاحقة الدبلوماسيين قضائياً ومعاقبتهم لتمتعهم بحصانة قضائية مطلقة وفقاً للمادة ٣١ من اتفاقية فيينا للعام ١٩٦١. الا ان ذلك لا يمنع دون اللجوء الى خطوات أخرى، تبادر اليها كل الدول ذات السيـادة والحصانة والمناعة، وتتمثل بطرد المبعوثين الدبلوماسيين عند تورطهم في عمليات تجسس. 

في الخلاصة، رمى «حزب الله» هذه الفضيحة في المياه اللبنانية الراكدة، لعلها تجد من يتلقفها، ودعا العقل اللبناني الرسمي والسياسي والشعبي الى ان يفكر وطنياً، لكنه يخشى في النهاية ان يبقى مغرداً وحده في هذا المجال، ولذلك فإن «حزب الله» قد أعد نفسه مسبقاً لجهود مضاعفة يبذلها في المرحلة المقبلة للحفاظ على المقاومة ومنع اختراق ساحتها، خاصة أن التحدي كبير امامه، وأن العقل الاميركي والاسرائيلي الخبيث لن يتوقف عن نسج الفخاخ والكمائن ضده... وهذه حرب كر وفر.. ويوم لك ويوم عليك. 

المصدر  :" السفير" - نبيل هيثم
https://taghribnews.com/vdchqqnq.23nkzdt4t2.html
الإسم الثلاثي
البريد الإلكتروني
أدخل الرمز