تاريخ النشر2021 19 August ساعة 20:05
رقم : 515753

طالبان ، داعش ، القاعدة .. هل هزمت اميركا ؟

تنا - خاص
ما هي اهداف الولايات المتحدة وحلفائها الغربيين من غزو افغانستان ومن ثم بعدها بعامين غزو العراق ؟ هل الهدف مجرد احتلال عسكري وهيمنة على مقدرات الشعب ؟ ام ان هناك اهداف اساسية خطط لها من قبل اربعة عقود  ،خاصة بعد احياء الفكر الاسلامي على مستوى العالم من جديد بعد انتصار الثورة الاسلامية في ايران ؟
طالبان ، داعش ، القاعدة .. هل هزمت اميركا ؟
الكل يتذكر عام 2001 وعندما غزت اميركا افغانستان ، انسحبت طالبان ، التي كانت تحكم البلد ، فورا من العاصمة كابل وفي سائر الولايات لم تبدي الحكة اي مقاومة شديدة امام الغزاة الاميركان وكأن هناك اتفاق وراء الكواليس بين اميركا وطالبان لتسهيل دخول القوات الاميركية في افغانستان ، كما حصل في العراق عندما غزتها عام 2003 بذرائع واهية ، دون اي مقاومة من قبل البعثيين حيث سلموا العاصمة بغداد خلال 24 ساعة .  

بعد هذا الاحتلال احتفظت طالبان بسيطرتها على اكثر من 70 بالمئة من الاراضي الافغانية ولن تعترضها اميركا التي اجتاحت هذا البلد بذريعة مكافحة ومحاربة حركة طالبان الارهابية .

ولكن قبل الاحتلال الاميركي يجب ان نعلم متى تأسس الحكم الطالباني في افغانستان ولماذا ؟ قبل كل شئ يجب ان نعلم ان الاحزاب والجماعات التي قاومت وحاربت المحتل الروسي سابقاً كانت مكونة جميعها من سبعة احزاب سنية وسته احزاب شيعية ولم يكن لطالبان اي دور ومكانة بين تلك الاحزاب . غالبية الاحزاب الشيعية وبعض الاحزاب السنية كانت تتعاون مع الجمهورية الاسلامية وتقوم ايران بتقديم الاستشارة والعون لهم .
وبعد المقاومة السنية والشيعية وطرد الغزاة الروس ، تشكل اول ائتلاف حكومي بين السنة والشيعة عام 1994 وانتخب "برهان الدين رباني" رئيسا للجمهورية الافغانية ، ولكن سرعان ما تحول التعاون بين الاحزاب الى خلافات حادة ادت الى نزاع وصدامات بين الطرفين ، استمر ثلاث سنوات ولكن وبعد وساطة ايرانية حصل اتفاق بين الجانبين عام 1997 ادى الى تشكيل حكومة ائتلافية وتقاسم المناصب السياسية حسب النفوس السكاني للطوائف والتي كانت الاغلبية لاهل السنة ن فاستقر الوضع واستب الامن في البلاد .

هذا الواقع اثار رعب وخوف الغرب وفي مقدمته اميركا وبعض دول المنطقة خاصة السعودية والامارات وباكستان لان انحايز اكثر الاحزاب المقاومة السنية منها والشيعية لايران وتعاونها معها يعني ان افغانستان تحولت الى ساحة نفوذ للجمهورية الاسلامية ويمكن ان تتحالف معها وتشكل قوة سياسية واقتصادية في المنطقة تهدد الوجود الامريكي ومصالحه في تلك المنطقة ، خاصة وان افغانستان غنية جداً بثرواتها الطبيعية ومنها المعادن الثمنية والنفيسة  قدر بـ3 تريليون دولار، واكبر احتياطي لمادة النحاس في العالم يقدر بـ89
ميليار دولار ، وعدد كبير من مناجم الذهب والبريليوم ومخازن الاحجار الكريمة والاهم من كل ذلك معدن الليثيوم الذي يستعمل لصناعة بطاريات الطاقة المتجددة التي تعدّ بدورها حجر الأساس في تطور صناعة السيارات الكهربائية،كل هذه الثروات جعل هذا البلد محط انظار دول العالم .

في مثل هذه الظروف تحركت الدوائر الغربية بقيادة الولايات المتحدة وبالتعاون مع السعودية وباكستان للاطاحة بالحكم الائتلافي الشيعي السني والمجيئ بحكم مناوئ يخدم المصالح الغربية . ولهذا استغلوا الخلاف الذي كان موجود بين حركة طالبان وباقي الجماعات الجهادية خاصة وان طالبان تحمل افكار متشددة ومتطرفة تمولها وتحميها الوهابية التكفيرية ، ولهذا تحركت طالبان وبقوة عسكرية مدججة بالدبابات من باكستان وبقيادة ملا عمر احد قيادي طالبان الذي فر بعد تشكيل الحكومة الائتلافية الى باكستان ، حينها اشتعلت الحرب الداخلية واستطاعت طالبان بالاطاحة بحكومة الائتلاف السنية الشيعية لتنجو السعودية وباكستان وامريكا من كابوس حكم متحالف مع ايران .

اليوم طالبان تعود مرة اخرى الحكم في افغانستان دون اي مقاومة من قبل الحكومة المركزية والقوات الامريكية  وبشكل يثير كثير من الشكوك حول ما اذا كان هناك توافق مع المحتل الامريكي .

فبالمنطق الثوري  فان أمريكا انسحبت مهزومة من أفغانستان. وبالمنطق السياسي فان أسباب الانسحاب تختفي تحت طبقات سميكة من الحسابات المعقدة ، سيكشفها الزمن في المستقبل .

لن تظهر نتائج الانسحاب الأمريكي سريعة على أفغانستان، فحركة طالبان ستكون بحاجة الى فترة زمنية تفرض فيها وجودها وتنظم شؤونها في بسط نفوذها كسلطة حاكمة. وبعد ذلك تعود الى سابق عهدها في طريقة حكم البلاد واستيعاب الجماعات التكفيرية وتهيئة عناصر الإرهاب . فاميركا ترغب في طالبان متشددة ومتمردة لا الى طالبان هادئة متعقلة .

طالبان تدرك أنها بحاجة إلى أمرين؛ الأول: تحصيل القبول في الداخل من شرائح المخالفين والفرقاء السياسيين المتضررين من عودتها، فمن دون إشراكهم لن يستتبّ لها الأمر داخليًّا. والثاني: الاعتراف الدولي بها، بخاصة أميركا، ومن هنا تم تأكيد أنها ستكون دولة مسالمة مع تأكيد الطبيعة الإسلامية للدولة من قبل ومن بعد .
السؤال المهم الذي يطرح نفسه في هذه الظروف الغامضة هو: هل  حقاً ان اميركا هزمت وخسرت المعركة في افغانستان ولم تحصل على اي مكاسب كانت تنوي تحقيقها ؟

كل الكتاب والمحللين الاسلاميين منهم وغير الاسلاميين اعترفوا بان اميركا هي من انشأت القاعدة ومن داعش حيث رعته ووفرت له أسباب القوة حين أوكلت للسعودية وقطر والامارات دعمه، وكان المطلوب من داعش تدمير سوريا ثم تدمير العراق ، لتحقيق هدفين تقسيم هاتين الدولتين
الى دويلات طائفية وعرقية والثاني تشويه صورة الاسلام من خلال نشر افكار متشددة وتكفيرية عن طريق تلك الجماعات ، وذلك لمواجهة حركات الاسلام السياسي والمد الاسلامي المتصاعد في المنطقة والغرب ولهذا وتزامناً مع صناعة القاعدة اختلق ظاهرة الاسلاموفوبيا .

من الذي قاد ويقود الثورات المضادة في دول الربيع العربي ، مصر وتونس وليبيا ؟ وبدعم من قبل اي الدول ؟ ولماذا . الجواب واضح هو تهميش وعزل حركات الاسلام السياسي عن العملية السياسية ، بغض النظر عن الاخطاء التي ارتكبتها بعض هذه الحركات كإخوان مصر .

صحيح ان اميركا اخفقت في تحقيق الهدف الاول اي تقسيم العراق وسوريا بسبب بطولات وجهاد الحشد الشعبي وفصائل المقاومة في سوريا بدعم استشاري ولوجستي من الجمهورية الاسلامية الايرانية ، ولكن ولنكن واقعيين لننظر الى اوضاع العراق وافغانستان ، من يحكم هذا البلدان ؟ ففي افغانستان الحكم وقع في ايدي جماعة معروفة بعقائدها المتشددة والتكفيرية ، لا تتفق ليس فقط مع الطائفة الشيعية بل مع كثير من المذاهب السنية ، ومن غير المتوقع ان تتخلى بهذه السرعة عن افكارها ونهجها وان اعلنت العفو العام وتظاهرت بالاعتدال فهو امر طبيعي لانه ليس هناك قوة تنافسهم ليعاودوا الارهاب ضده .

واما في العراق فان الولايات المتحدة لا تخرج من هذه البلد الا وتطمأن من حكومة موالية لها ولحلفائها في المنطقة وعزل الطائفة الشيعية الموالية لايران عن العملية السياسية . ولو راجعنا تعامل اميركا مع الحكومات المتعاقبة في العراق لكشفنا مدى الضغوط التي مارستها واشنطن على تلك الحكومات لاستعادة الشخصيات البعثية الى السلطة وابعاد الحكومات عن ايران ، ليكون الحكم بيد مئة بالمئة بيد العلمانيين والمخالفين للحراك الاسلامي ، ولهذا فهي تقدم اليوم كامل الدعم للاعلام المناهض للقيم الدينية والمروج للثقافة الغربية ومنها حرية المثليين .  

هذا الى جانب عرقلة اميركا اي محاولة واتفاق اقتصادي عراقي مع الدول الاخرى لاعادة اعمار البنى التحتية كقطاع الكهرباء على سبيل المثال وسائر القطاعات ليبقى هذا البد متخلف ومستهلك للبضائع الغربية ، حيث منعت واشنطن حتى الشركات الاميركية والغربية ومنها شركة "زيمنس" الالمانية المشاركة في اعادة بناء البني التحتية لقطاع الكهرباء .

نفس هذا التعامل تكرر في افغانستان . فخلال تواجد اميركا في هذا البلد خلال عقدين من الزمن لم تقدم اي مساعدة ودعم للحكومات هناك لانجاز مشاريع اقتصادية وتكنولوجية وتنموية يحسن من الوضع المعيشي للشعب الافغاني .

اذن الولايات المتحدة حققت في افغانستان باعادة القوة الى حركة طالبان وفتح طريق السلطة لها لتبسط نفوذها بسرعة وسهولة من دون خسائر، وبعد ذلك تثبّت مواقعها في أفغانستان كسلطة حكومية رسمية ، لتشوه صورة الاسلام الحقيقي ، الا فيما اذا تغيرت الظروف . وفي العراق عكس ذلك ولكن الهدف واحد وهو استهداف الثقافة والهوية الاسلامية والحيلولة دون وحدة الشعوب المسلمة واحياء الحضارة الاسلامية الحديثة .

بقلم : محمد إبراهيم رياضي  
 
https://taghribnews.com/vdcfttdtmw6dyea.kiiw.html
الإسم الثلاثي
البريد الإلكتروني
أدخل الرمز