تاريخ النشر2020 16 November ساعة 18:06
رقم : 482290
ايهاب زكي

خطاب السيد ( نصر الله) ورعب الكيان

تنا
ايهاب زكي : كما لفتني حديث السيّد نصر الله عن تحول طبيعة مناورات وتدريبات "جيش" العدو الصهيوني من الهجوم إلى الدفاع، وهذا تغيّرٌ جذري في تاريخ ذلك "الجيش" وقد يكون انقلاباً في عقيدته، وهي عقيدة منذ النشأة تعتمد على ما يُعرف عسكرياً بـ"حرب المناورة"
خطاب السيد ( نصر الله)  ورعب الكيان
إنّ السلاحَ جميعُ الناسِ تحملهُ... وليسَ كلُّ ذواتِ المخلبِ السبعُ - المتنبي

حين يُطل السيد حسن نصر الله تشرئب "إسرائيل" بطول عنقها وتنصت بكامل عقلها، فهي لم تختبر قائداً عربياً بهذه الصّرامة منذ زمنٍ بعيد، وقبل زمن السيد نصر الله لم تكن تساورها شكوك البقاء، ولم تكن تزعزعها كوابيس المصير وهواجس الاندثار، وكانت تعتقد أنّ الأمة في حالة موتٍ سريريٍ لا قيامة منه، فكيف بلبنان هذا البلد العربي الصغير والممزق بحربٍ أهليةٍ دامية، والمحتل "إسرائيلياً"، والذي كانت تتندر عليه بدعابة الفرقة الموسيقية لمواجهته، يبرز فيه ومنه رجل يسومها سوء الذِلّة ومهانة العبيد، فمن شيم العبيد توسّل تعجيل العقاب وكراهة انتظاره، كما تفعل هذه "الدولة" اللقيطة بالضبط، حيث لا زالت ومنذ أربعة أشهر في حالة إنهاكٍ من توسّل سرعة العقاب وشلل انتظاره، لكن السيد نصر الله في إطلالته في يوم الشهيد تجاهل كلياً ارتجاف هذا العبد المارق، والواقف على "إجر ونص" في انتظار العقاب، حتى إنّه لم يجدد له الوعيد، ويبدو أنّ السيد أدرك أنّ العبد أصبح مطواعاً أكثر، فلا حاجة لتذكيره بالوعيد.

رغمّ أنّ خطاب السيد نصر الله كان مطولاً نوعاً ما، إلّا أنّه كان مركزاً في ذات الوقت، ورغم هذا التكثيف، من الصعوبة إحاطة كل ما يلفت في محض مقال، لذلك سأتناول ما لفتني على سبيل المثال لا على سبيل الحصر، فقد تحدث السيّد عن الجبهة السورية واستعداداتها بالتزامن مع استعدادات المقاومة في لبنان أثناء المناورات والتدريبات "الإسرائيلية"، كما تحدث عن مزارع شبعا اللبنانية وشمولها بقرار اعتراف ترامب بالجولان السوري المحتل كأراضٍ "إسرائيلية"، وهذا يعني فيما يعنيه أنّ الجبهتين السورية واللبنانية هما جبهة واحدة، وأنّ خط الحدود لا يرقى ليكون فاصلاً بين خطيّ نارٍ ودم. وقد يُستشفّ من حديث السيد أنّ جبهة الجولان أصبحت جنوب لبنان ثانٍياً، ولكن مع فارق أنّها جبهة ليست مصممة فقط لاستنزاف "إسرائيل" عسكرياً وأمنياً ومالياً ومعنوياً، كما كان جنوب لبنان قبل عام التحرير عام 2000، بل مصممة للحرب، كما هو جنوب لبنان بعد انتصار تموز 2006، كما أنّ هذا الربط بين الجبهتين الذي تعمّده السيد حتماً، هو رسالة للعدو بأنّ زمنَ الاستفراد بالجبهات قد ولّى إلى غير رجعة، وأنّه بعيداً عن التناوش ومحاولات "إسرائيل" الاستعراضية، أو سعيها المرتجف لتغيير قواعد الاشتباك، فإنّ اندلاع الحرب يعني فتح كل الجبهات.

كما لفتني حديث السيّد نصر الله عن تحول طبيعة مناورات وتدريبات "جيش" العدو الصهيوني من الهجوم إلى الدفاع، وهذا تغيّرٌ جذري في تاريخ ذلك "الجيش" وقد يكون انقلاباً في عقيدته، وهي عقيدة منذ النشأة تعتمد على ما يُعرف عسكرياً بـ"حرب المناورة"، حيث تجري الحرب في أرض "العدو"، وتعتمد على الاختراق السريع لحصونه وجغرافيته، من خلال هجماتٍ أمامية مباشرة أو هجماتٍ التفافية، بُغية إحداث انهيار سريع في قواته وخطوط دفاعه. فـ"جيش" العدو الصهيوني لم يفقد القدرة على ممارسة عقيدة حرب المناورة فقط، بل فقد القدرة على حماية حدوده أيضاً، وهذا ما يقوله شلومي بيندر قائد ما تسمى "فرقة الجليل"، حيث قال "بعد أداء حزب الله في سوريا، يجب أن نعترف بقدرته على اختراق حدود "إسرائيل" ودخول مستعمرات الشمال ومن فوق الأرض".

ويبدو أنّه متابع مواظب على وثائقي أسرار التحرير الثاني الذي يُعرض على قناة "المنار"، وهنا على سبيل الجملة الاعتراضية - فقد كنت في حالةٍ بين السخريةٍ والإشفاق، سخريةٌ وقت البطولات الكرتونية والاستعراضات البهلوانية التي كان يمارسها "جيش" العدو، ويسميها اكتشاف أنفاق حزب الله، وإشفاقٌ على إعلامٍ عربي ونفطي يعتبر صور العجز "الإسرائيلي" هذه معجزات- لذلك فإنّ هذا الكيان لا يملك حدوداً قابلة للدفاع عنها، حيث لا عوائق طوبوغرافية ولا عمق استراتيجي، فغالبية المرافق العسكرية والصناعات الثقيلة والمرافق الاقتصادية، في محيط لا يتجاوز 14كم في بعض المناطق، تصبح حتى قدرة الدفاع في مهب التآكل.

وما يلفت أيضاً في خطاب السيد نصر الله هو التحذير الذي وجهه لكلٍ من إدارة ترامب وكيان العدو، أنه في حال ارتكاب أيّ حماقة سيكون ردّ الصّاع صاعين، كما وتوجه على سبيل التنبيه لمحور المقاومة بأن يكون في أعلى حالات الجهوزية خلال ما تبقى من ولاية ترامب، وهذا التنبيه بحدّ ذاته هو رسالة للعدو، وتصبّ أيضاً في عقيدة توحيد الجبهات.

فالسيد نصر الله لا يحتاج للشاشات للحديث مع أطراف المحور، فخطوط الاتصال مفتوحة ومؤمَّنة، والحقيقة أنّ المؤشرات تميل لصالح أن تكون نيّة ترامب الانسحاب أكثر منها نوايا عدوانية، خصوصاً إذا أخذنا بعين الاعتبار الطبيعة الاستعراضية لشخصية ترامب، فموازين القوى لا تسمح له بضربةٍ استعراضية خاطفة.

وعليه فإنّ فكرة توريط بايدن بحربٍ شرق أوسطية، لا تتسق مع فكرة البطل التي يحاول ترامب تسويقها عن نفسه، حيث إنّها تستبطن هروباً أو أقله انسحاباً من المعركة، بينما فكرة الانسحاب تعطيه زخماً حيث إنّها تنفيذٌ لوعوده الانتخابية أولاً، وتعقيد لمهام بايدن، الذي يريد البقاء في المنطقة مع تغيير أسلوب البقاء وطرق إدارته، ويعتقد ترامب أنّ هذا سيرفع من إمكانية الفشل لبايدن، ولكن ما يهم هو موازاة السيد بين الخيارين، وهذه الموازاة نقلت الأمر من مجرد التحليل إلى خانة الخيارات السياسية، وهذا ما سيجعل من عمر ولاية ترامب المتبقية كما يشتهيها هو، حيث يظل في دائرة الضوء والعالم يترقب حركته التالية، ولكن إذا كانت حركته التالية الانسحاب، سيراه جمهوره بطلًا أمريكي كما يحب أن يرى نفسه، أمّا إذا كانت حرباً فسيحوله محور المقاومة إلى مهرجٍ عالمي.


/110
https://taghribnews.com/vdceow8e7jh8vwi.dbbj.html
المصدر : العهد اللبنانية
الإسم الثلاثي
البريد الإلكتروني
أدخل الرمز