تاريخ النشر2019 7 August ساعة 12:08
رقم : 433291
الامين العام للمجمع العالمي للتقريب بين المذاهب الإسلامية

الحج ساحة لممارسة أدب الاختلاف

الحج مدرسة لتعليم أدب الاختلاف من خلال معطياته التكريمية الحضارية، وهو أيضا ساحة عملية لممارسة آداب الاختلاف.
الحج ساحة لممارسة أدب الاختلاف
الحج مدرسة لتعليم أدب الاختلاف من خلال معطياته التكريمية الحضارية، وهو أيضا ساحة عملية لممارسة آداب الاختلاف، من خلال مايلي:

1ـ فهم المساحات المشتركة بين المسلمين في العقيدة والعبادة والحركة والآمال والآلام، وهذا ما يستطيع أن يقضي على الحساسيات النفسية التي تخلقها مصالح الحكم بين المسلمين.

والحج في أبعاده العبادية الواسعة يكاد يجمع عليه المسلمون بكل تفاصيله.

وقد يعود السبب في ذلك إلى أن حجة الوداع قد رواها أصحاب الصحاح والمسانيد عن جعفر بن محمد الصادق عن أبيه محمد بن علي الباقر عن جابر بن عبدالله الأنصاري.

ونفس الرواية مع اختلاف طفيف أوردها الكليني في الكافي عن علي بن إبراهيم عن أبيه، ومحمد بن إسماعيل عن الفضل بن شاذان جميعًا عن ابن أبي عمير عن معاوية بن عمار عن أبي عبد الله جعفر بن محمد الصادق (عليه السلام).

ويذكر أحد تلاميذ المرجع الكبير الفقيد السيد حسين الطباطبائي البروجردي (هو الفقيد الشيخ آية الله واعظ زاده خراساني) أن السيد البروجردي «تسلم هدايا من الملك سعود لدى زيارة هذا الأخير إلى إيران ومعها قطعة من ستار الكعبة، فكتب آية الله البروجردي اليه رسالة طبعت في مجلة «رسالة الإسلام» القاهرية ذكر له فيها أنه استلم الهدايا، ولكنه يعيدها لأنه ليس من عادته أن يقبل هدايا الملوك، واحتفظ بقطعة ستار الكعبة فقط تبركًا. والسيد البروجردي بعث مع الرسالة حديث حجة الوداع بتفاصيلة. ويبدو أنه (رضوان الله تعالى عليه) أراد من إرسال الحديث الإشارةَ إلى أن هذا الحديث الشريف يُشكّل في سنده نقطة التقاء حديثي بين السنة والشيعة، إضافة إلى أن العمل بمحتواه يستطيع أن يوحّد المسلمين في عمل الحج، ويزيل على الأقل بعض الاختلافات الموجودة في مسألة الحج بما في ذلك (حجّ التمتع)».

2 ـ التمرين على الحركة المنسجمة، وهي مشهودة في الطواف والسعي، وأكثر من ذلك في الوقوفين والإفاضة والمبيت والعيد، ولا يجوز أن ينفرد الحاج عن الجماعة حتى ولو ثبت له أن الوقوف ليس في الوقت المعلَن في بلاد الحرمين الشريفين. وهذه الحركة المنسجمة درس لما يجب أن يكون عليه المسلمون من انسجام في كل شؤونهم الحياتية.

3 ـ التمرين على خطاب الحوار، فهذه العبادة قد حُظر فيها (الجدال). والجدال غير الحوار، الجدال مظهر من مظاهر التخلّف يعبّر عن ذاتية المجادل وأنانيته ورغبته في فرض رأيه على الآخر. المجادل لا يسمع، بل يتكلّم، وهو حين يواجه إنسانا يتحدّث معه، فإنه لا يُصغي، وإن رأيته أمام المتكلّم ساكتًا، فهو يتكلّم بدماغه أيضاً في انتظار الردّ والمجادلة والمخاصمة, وهذه الحالة قد حُظرت في الحج في سياق حظر المحرمات التي تبطل الفريضة )الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدَالَ فِي الْحَجِّ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الأَلْبَابِ(.

وحظر الجدال يعني إقامة علاقة مع الآخر قائمة على الحوار. وفي الحوار كما ذكرنا كلام واستماع، و رأي و رأي آخر، وأخذ وعطاء. وهي ظاهرة حضارية لا تتحقق إلا في حالة اجتناب الطاغوت، أي اجتناب العوائق التي تقف في طريق كمال الإنسان والآلهة التي تتعملق في مسيرته: )وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ أَنْ يَعْبُدُوهَا وَأَنَابُوا إلى اللَّهِ لَهُمُ الْبُشْرَى فَبَشِّرْ عِبَادِ، الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُولَئِكَ هُمْ أُولُو الأَلْبَابِ( .

4 ـ التمرين على النظر إلى الأهداف البعيدة للشريعة، والحج مفعم برموز البناء الحضاري للإنسان والمجموعة البشرية. وفي النصوص الإسلامية تأكيد على معرفة ما في المناسك من عطاء تربوي بنّاء، نظير ما ذكره الإمام السجاد زين العابدين(ع) للشبلي بعد عودته من الحج.

الحج إذن مدرسة لأدب الاختلاف وساحة لممارسة هذا الأدب عمليًا.

فهو مدرسة للامة يغذّي المسلم والجماعة المسلمة بالكرامة التي هي أساس كل تطوّر حضاري، وفي ظل الجوّ الحضاري يعرف الإنسان كيف يتحاور وكيف يختلف وكيف يستثمر الاختلاف لإثراء مسيرته التكاملية.

كما أنه ساحة لممارسة أدب الاختلاف حين يعيش الحجاج عبادة جماعيةً منسجمةً بعيدةً عن الجدال وعن الارتكاس في الذات الضيقة، ومفعمة بالرموز التي تشكل معالم في طريق مسيرة الإنسان نحو الكامل المطلق سبحانه.

نحن نتوجه إلى حجاج بيت الله الحرام ونخاطبهم بما خاطبهم به الإمام السيد علي الخامنئي ونقول: «لقد توجهتم باسم اللّه وبدعوة نبي اللّه إلى ديار الحبيب ]من كل فج عميق[ ووفدتم على حريم بيت اللّه، وأحرمتم للحج وللهجرة إلى اللّه، وانتهجتم سبيل إبراهيم مرددين بلسان الفطرة : ]إني ذاهب إلى ربّي سيهدين[ ومترنمين بلسان الحال والقال: ]وأرنا مناسكنا وتب علينا[. والمرجوّ أن تذوقوا ما طلبه إبراهيم من ربه من ]ثمرات كل شيء[. وأن تقرّ عينكم بمشاهدة المنافع التي بشرّ بها ربّ العالمين».

وحج مبرور وسعي مشكور إن شاء الله تعالى.
 
محسن الأراكي
الامين العام للمجمع العالمي للتقريب بين المذاهب الإسلامية
https://taghribnews.com/vdcb9fba8rhbf5p.kuur.html
الإسم الثلاثي
البريد الإلكتروني
أدخل الرمز