تاريخ النشر2019 29 October ساعة 09:56
رقم : 441160
بقلم العميد د. امين محمد حطيط 

الحراك الشعبي في لبنان: ازدياد المخاطر وضرورات الإسراع بالحل

تنا بيروت
مهما كان توصيف الحراك الشعبي القائم في لبنان فمن الضروري ان نؤكد ان هذا الحراك جاء صرخة مظلومين جائعين عاطلين عن العمل يعانون من ظلم السلطة وفساد معظم من تولاها، حيث نهب المال العام وتضاءلت فرص العمل وجاع الناس وانعدمت الخدمات العامة في الحد الأدنى، في حين اغتنى بضعة عشرات او قلة من مئات الأشخاص وكنزوا المال ووضعوا اليد على الدولة ومرافقها ومهما عددت من جرائم هؤلاء فأنك لا تحصيها.
الحراك الشعبي في لبنان: ازدياد المخاطر وضرورات الإسراع بالحل
كان من المؤكد ان يفجر الاجرام السلطوي غير المحدود هذه الصرخة الشعبية لتي تعددت تسميتها من ثورة الى تحرك او حراك مرورا بالانتفاضة والاحتجاج الشعبي وما اليه. كان طبيعيا ان يحدث هذا الانفجار والا عد الشعب جثة لا روح فيها، وبالتالي ان أي نقاش حول مبرر هذا الحراك وشرعيته يكون خارج المجال المسموح البحث فيه، والا اعتبر مجرد النقاش نوع من الضرر المعنوي والالم النفسي نتيجة المس بالمشاعر الصادقة المحقة وبالغضب المقدس لشعب عانى من نهب حقوقه وماله وتهجير ابنائه واستباحة دولته من قبل بضع عشرات من الأشخاص تولوا السلطة منذ عقود ثلاث وأمعنوا في البلاد والعباد فسادا ونهبا.

حدث الانفجار الشعبي اذن كردة فعل طبيعية على جرائم غير محدودة في مفاعيلها، ووضع البلاد امام مفترق طرق بعضها يقود الى ايجابية وتخليص الوطن والبعض الاخر يقود الى الهلاك والتدمير، وقبل ان نبحث في الحل عن طريق او اخر مما يقود اليه نتوقف عند مسالك الخطر التي ينبغي تجنبها والحذر منها حتى لا تنقلب الأمور ضد أصحابها ونحصد هما وغما والما في الوقت الذي يكون القصد الخروج من ذلك. اذن نحن امام محظورات ينبغي تجنبها ومطلوبات ينبغي ملاحقتها، ولكل شيء مما ذكر أساليبه فما هي؟
نبدأ بالمحظورات ونقف عند عدة مخاطر رئيسية وكلها بداة تذر بقرنها وتلوح في الأفق غيومها الداكنة السوداء، التي إذا ما بداة امطار سوئها تتساقط فان أحدا لن يمنع سيلها من ان يجرف ما تبقى من هذا الوطن كليا او جزئيا وفي هذا الإطار نحذر من:

1)    التشتت والتفرق. ان أجمل ما في هذا الحراك هو صورته الوطنية البهية التي تخطت الطائفية والمناطقية والفئوية التي حوصر الشعب اللبناني بها من قبل امراء الطوائف وصنعوا بها حواجز وسدود تمنع لقاء المواطنين من اجل ان تبقى الطائفة والمنطقة قطيعا بيد الزعيم يحرسها من اوكله بان يمنع أحدا الخروج عن الطاعة والا كان مخذولا مرذولا في طائفته ممنوعا من عمل او من ممارسة حق. ولهذا يجب ان يحفظ الحراك وجهه لا بل طبيعته الوطنية بعد ان تأكد الشعب ان الفقر والحاجة وحدت الجميع وأسقطت الحدود. ومن اجل وحدة الكلمة ينبغي التركيز على المطالب والحقوق وتجنب الاستفزاز والشتيمة والسباب فلنبحث عما يجمعنا مع الاخر ونحاذر المس بمشاعره وشؤونه الشخصية. فالساعة ساعة مطالبة بحقوق وليست ساحة مبارزة بشتائم لا تقدم ولا تؤخر. وليكن مؤكدا ان تعاظم الحجم الشعبي المنتفض الثائر يقصر المسافة للوصول الى الأهداف والعكس هو الصحيح.

2)    الانحراف عن الأهداف. لقد حدث الانفجار الشعبي لسبب مباشر محدد هو سبب معيشي مالي تمثل بنية فرض رسم على مكالمة الواتس اب ثم توسع ليشمل مطالب معيشية واصلاح مالي نقدي ومحاربة الفساد واستعادة أموال منهوبة وهي اهداف أجمع المنتفضون عليها وتبارى الكل في التمسك بها من غير أي تنسيق ولقاء سابق، لا بل توحد الشعب من الشمال الى الجنوب ومن البحر الى الداخل مطالبا بها. لانها مطالب محقة تستحق ان يثور الشعب من اجلها. لكن ما يثير الخوف الان هو محاولة قلة قليلة ذات ارتباطات خارجية، محاولتها ان تزج في هذه المطالب مسائل ليست محل اجماع الاخرين ما يؤدي الى حجب المطالب الأساسية واثارة النزاع والفوضى في الحراك ونكتفي بالإشارة دون تفصيل وشرح الان.

3)    وضع اليد الخارجية على الحراك. وهذا أخطر ما يخشى على صعيد الحراك ذاته والوطن ومستقبله كله. وان تجربة دول عربية سبقتنا الى هذه المنزلقات لا زالت قائمة على ارض الواقع او لا تزال ماسيها ماثلة في الاذهان، ان ذلك يجعلنا نخشى ونقلق خاصة وان هناك مؤشرات تدق ناقوس الخطر وتنذر بان التدخل الخارجي بات امرا مظنونا مؤكدا او ملموسا واقعا. وعندما يكتمل امساكه بالأمر سيكون لبنان في محل اخر وسيتحول الشعب اللبناني الى أدوات ومواد اشعال الحرائق بيد الأجنبي خدمة لمخططات دولية وسننتظر قرار الأجنبي في الحل توقيتا ومضمونا وهذا ما نراه اليوم في أكثر من دولة عربية ولذلك كان مشروعا السؤال هل ان لبنان التحق بما اسموه زورا "الربيع العربي" الذي هو حقيقة حريق لبلاد   العرب ثم السؤال عن أي نموذج سيطبق فيه من نماذج تلك الحرائق العربية من تونس الى العراق مرورا بليبيا ومصر واليمن والبحرين وسورية والعراق ام سيكون حالة خاصة. ان من حقنا ان نسأل وان نقلق وان نحذر. 

لكل ذلك فان السعي الى الحل بات عملا وطنيا ضروريا لا يتقدمه امر او عمل اخر و بات الإسراع اليه و تجنب المماطلة فيه امرا ملحا يوجب مقاربته بأقصى درجات الجدية و هنا نرى ان الحل المنشود يجب ان يستجيب لقواعد و مبادئ يفرضها المنطق السليم أهمها التزام مبدأ  ان "من افسد لعقود لا يمكن ان توكل اليه مهمة الإصلاح" ، و ان "من نهب المال العام لا يمكن ان يراهن على شهامته لإعادته " ، و ان "الإصلاح لا يمكن ان يتم و تستقر الأمور في ظل استمرار النظام او الأنظمة و القوانين التي سمحت به"  اذ يجب ان يكون الإصلاح في ظل نظام وطني ملائم و على يد رجال يتولون السلطة و يكونوا محل ثقة  ولم يسقط في تجارب سابقة و لهذا نقترح العمل بصيغة من اثنين :

أ‌.    الصيغة الأولى اختبارية وتكون عبر المؤسسات القائمة بعد ترميم الحكومة وتعديلها والإسراع في تنفيذ الورقة الإصلاحية في المهل المحددة واتخاذ مهلة شهر من الان مهلة لاختبار الجدية في التنفيذ الذي لا يبدو محل ثقة الجمهور وهوما دفع حزب الله للتهديد بموقف حاسم حازم حيال المماطلة،
ب‌.    الصيغة الثانية جذرية وتعتبر الحل الحقيقي الناجع وتعتمد فور التأكد من عرقلة الصيغة الأولى وتشمل:
1)    استقالة الحكومة الحاضرة بعد الاتفاق على تشكيل حكومة انتقالية متوسطة يمنع وجودها أي فراغ في السلطة ويسد الأبواب امام الفوضى.
2)    تفويض مجلس النواب صلاحياته التشريعية للحكومة الانتقالية في مواضيع محددة أهمها قانون انتخاب وطني جديد، وقوانين المساءلة ومحاربة الفساد، واستعادة المال المنهوب وكافة القوانين الضريبية والمالية وكل ما نص عليه من قوانين في الورقة الإصلاحية.

3)    تصدر الحكومة الانتقالية كافة ما يوكل اليها امره من قوانيين في مهلة أقصاها اخر السنة الجارية وتستعين لذلك بخبراء وسياسيين واختصاصين مناسبين.

4)    بعد صدور القوانيين تلك يحل مجلس النواب ويصار الى انتخابات نيابية خارج القيد الطائفي ويشكل مجلس الشيوخ والهيئة الوطنية لإلغاء الطائفية السياسية.

5)    تشكل بعد الانتخابات حكومة سياسية من الأكثرية النيابية وتتابع تطبيق القوانيين في سياق الإصلاح والمحاسبة.

ان الإسراع في الحل هو في مصلحة الجميع الا الخارج و عملائه ، لأنه يختصر معاناة اللبنانيين ، و يمنع تفشي امراض اجتماعية ترافق عادة الحراكات الشعبية ، كما يحول دون تدهور الوضع المالي و الاقتصادي في لبنان ، اما التسويف والمماطلة و عدم الاكتراث فأنها ستعقد الموضوع و ترفع كلفة الحل و تفسح المجال امام تدخل اكثر من يد اجنبية بدأت نذرها في الأفق و بدا الحديث عن الفصل السابع و قرارات اخطر من القرار 1559 و لنتذكر ان هم أعداء لبنان  هو احداث فوضى تربك المقاومة و تقيدها و ...و ...و رغم قوة المقاومة و صلابتها و قدرتها الاكيدة على حماية نفسها والدفاع عن سلاحها و عن لبنان ، فأنها ليست مضطرة لبذل شيء مما لديها من اجل حماية نفسها و بيئتها و ووطنها  من خطر يمكن دفعه بسبل اهون ...
 
https://taghribnews.com/vdcfvydjxw6djya.kiiw.html
الإسم الثلاثي
البريد الإلكتروني
أدخل الرمز