تاريخ النشر2019 8 July ساعة 17:38
رقم : 428667

سورية واستراتيجية استكمال التحرير والتطهير

تنا بيروت
في خريف العام الفائت كان المراقبون جميعا ينتظرون إطلاق عملية تحرير إدلب على يد الجيش العربي السوري وحلفاؤه ويتوقعون دعما ناريا روسيا ملائما لهذه العملية المعقدة والتي يعترضها الكثير من العوائق والصعوبات الناتجة عن ظروف شتى عملانية وسياسية واستراتيجية حتىوديمغرافية.
سورية واستراتيجية استكمال التحرير والتطهير


لكن روسيا التي وقفت على هذه العقباتوما يرافقها أيضا من مخاطر التدخل الأميركي والغربي ومع ما تستلزمه من تضحيات وحاجة إلىتحشيد قدر كبير من القوى والطاقاتللتنفيذ، روسيا هذه رات ان تبحث في خيار أخر يؤمن تحقيق الغاية السورية من جهة ولا يمس، بالسعي الروسي إلى تهيئة الظروف المسهلة لاستعادة دورها الدولي في عداد الصف الأول من القوى الدولية الفاعلة من جهة أخرى.

وقد رمى الخيارالروسي إلى تجنب التحرير بالعمل العسكري الصاخب والوصول اليه بعملية متدرجة مركبة تعتمد على تركيا في بعض وجوهها دون أسقاط الدور المركزي للجيش العربي السوري،ولأجل ذلك استبقت روسيا إطلاقعملية تحرير إدلب بعقد اتفاق سوتشي مع تركيا،الاتفاق الذي شاءته بديلا مرحليا للعمل العسكري وتوطئة له في نهاية الطاف لكن في ظروف وبيئة مختلفة.

هنا أدركت تركيا حاجة روسيا اليها لتجنب العمل العسكري،فأبرمت الاتفاق مع نية الانقلاب عليه او إفراغه من مضمونه منذ لحظة توقيعه،ورغم ان روسيا أدركت هذا الانقلاب والغدر التركيفأنهاولأسباب ذاتيةوإقليمية ودولية امتنعت عن مواجهة تركيا وراهنت على إمكانية أعادتهاإلى الاتفاق بالقدر المتيسر لان لروسيا مصالح استراتيجيةمع تركيا ترى ان عدم تحقيقها الأن قد يعني استحالة تحقيقها مطلقا في المستقبل.
فروسيا تدرك ان فشل تركيا في مشروعها الإقليمي العام المتضمن سيطرة الإخوان المسلمين بقيادتها على كالنمل المنطقة ، و ان برودة العلاقة مع الغرب الأوربي حتى و جفافها ان لم نقل اكثر ، و ان شبه العزلة الإقليمية التي تعاني منها تركيا نتيجة تشكل العداوات التي تصبغ علاقاتها مع كل دول المنطقة ألا القليل منها (قطر مثلا) روسيا تدرك ظروف تركيا هذه و تتصور أنها اللحظة المناسبة لجذب تركيا اليها و تجميد موقعها في الحلف الأطلسي و تحييدها في الصراع بين الشرق و الغرب ، أهداف اذا تحققت تكون قد أحدثت انقلابا استراتيجيا في العلاقات الدولية و مستقبل النظام العالمي برمته ، انقلاب يكون طبعا لصالح روسيا على حساب أروبا و أميركا .

لهذه الأسباب رات روسيا ان مسايرة تركيا او ممالأتها و غض النظر عن تراجعها  في تنفيذ الاتفاقات حول إدلب و سواها في سورية هو امر متسامح به اذا تم النظر اليه من باب  المصالح الاستراتيجيةالروسية الكبرى التي يحققها هذا التسامح او التساهل ، و في الوقت نفسه رات تركيا ان بإمكانها استثمار الحاجة الروسية تلك إلى الحد الأقصى من اجل منع عملية تحرير إدلب و منحها الوقت اللازم لفرض مشروعها الخاص او تحقيق اكبر قدر من المكاسب في سورية ، مكاسب تعول عليها لحجب او تخفيف مفاعيل فشلها الاستراتيجي الإقليمي العام الذي لم يبق لها تقريب  سوى الميدان التونسي محلا لتحقيق الربح و الميدان الليبي محلا للمناورة . 

في ظل هذا الوضع،ومع توجه الإرهابيين في إدلب وبدعم تركي لجر الجيش العربي السوري إلى حرب استنزاف في أرياف حماه وحلب وإدلب،لحرفه عن عملية التحرير وأشغاله عن الخطة العدوانية التركية، اتخذت سورية قرارا ترجمتبه استقلالية القرار السوريوعملت وفقا لجدول الأولويات العسكرية السورية مع مراعاتها للإمكانات الميدانيةوالظروف الإقليميةوالدولية،واعتمدت في ذلك استراتيجية مطورة تقوم على مقومات أربعة هي:

1)    الحركة الدائمة والمتواصلة والمدروسة في الميدان وتجنب الوقوع في فخ حرب الاستنزاف كما تجنب إعطاء الذرائع للقوى المعادية ومكونات معسكر العدوان بقيادة أميركية، الذرائع التي تستغل من اجل العدوان المباشر على قوات وتشكيلات ومراكز الجيشالعربيالسوري.

2)    اقتياد التجمعات الإرهابية إلى حرب تستنزفها وتضعفها وتشتت قواهاوتدمر مراكزها النارية والقيادية بما يمنعها عن شن عمليات عسكرية واسعة تمكنها من احتلال ارض ة إفسادامنها.

3)    تحرير الأرض بالقضم المتتابع المتدرجوإنتاج بيئة عملانية ملائمة لأطلاق عملية التحرير الإلزامية النهائية التي لا يمكن أغفالها في مسيرة استعادة إدلبإلى حضن الدولة والوصول إلى الحدود الدولية مع تركيا بعد إجهاض المشروع التركي في سورية.

4)    تحييد القدر الأكبر من المدنيين في المنطقةوإتاحة الفرص لهم للانتقال إلى مناطق امنهوتجنيبهم مخاطر الحرب.

لقد انطلقت سورية في تنفيذ خطتها تلك مع علمها الكامل باهتمامات الأخرين ومصالحهم ،ووقوفها على وجهتي النظر القائمتين حول تحرير إدلب وجهة النظر الداعيةإلى الحلول السياسية مع ضغط عسكري ووجهة النظر الرامية إلى العمل العسكري المنتج لحلول  سياسية ،في مواجهة خطط  معسكر العدوان المتمثلة فيالاستراتيجية  الأميركية الرامية إلى إطالة أمد الصراع و منع تحرير إدلبو شرقي الفرات  في الوقت الراهن، و الخطة التركية الرامية إلىأنشاء مناطق نفوذ  في الأرض السورية تحت تسميات متعددة تتقاطعكلها عند فكرة السيطرة التركية الميدانية على قطاع من الأرض يمكن تركيا من التأثير في القرار السوري المركزي .

لكن سورية التي عرفت كيف تخوض المواجهة و أخذت بعين النظر ما يشتمل عليه الميدان و الإقليم من مؤثرات واختارت  ما يناسبها حيث أثبتت الوقائع القائمة  أنها نجحت في خيارها الاستراتيجيوحققت حتى الأن مكاسب لا باس بها تستطيع ان تبني عليها خلال الأسابيع المقبلة لتتوسع في عملية التحرير بالقضم المتتابع ، و تفكيك فصائل الإرهاب وإعاقة لا بل منع  المشروع التركي من تحقيق أهدافه و يبدو ان هناك محطة مهمة في شهر أب المقبل تتمثل في الاجتماع الثلاثي الروسي الإيراني التركي ، اجتماع  قد يعول عليه من اجل مزيد من كشف الخطط التركية العدوانية و للتأكيد على ان الوقت شارف على النفاذ و لن يكون بوسع تركيا ان تناور بشكل إضافي .

وعليه نرىوربطا بين ملفي تحرير ما تبقى في سورية،وانقاد الاتفاق النووي الإيراني، نرى ان مطلع أيلول المقبل سيكون تاريخا للخيارات الاستراتيجية الهامة فأما تكيف دولي مع إرادة سورية في التحرير وإيران في ممارسة الحقوق الوطنية المتصلة بملفها النووي ورفض الحرب الاقتصادية او تصعيد ومواجهة ستكون منطقة إدلب محلا لها لانطلاق التحرير عسكريا، مع احتمال احتكاك محدود مسيطر عليه بين إيران ومن يستهدفها يكون الخليج بشكل خاص ميدانه الأكثر احتمالا و بهذا سيؤكد مجددا نجاح الصبر الاستراتيجي الذي مارسته ايران في استراتيجية النقطة نقطة و مارسته سورية باستراتيجية القضم المتتابع . 
 
https://taghribnews.com/vdcce4q0m2bqie8.caa2.html
الإسم الثلاثي
البريد الإلكتروني
أدخل الرمز