تاريخ النشر2019 13 June ساعة 10:06
رقم : 424620

ثبات إيران يضاعف القلق الإسرائيلي: مسار المواجهة غير مضمون

تنا-بيروت
صحيفة الاخبار اللبنانية-علي حيدر
ثبات إيران يضاعف القلق الإسرائيلي: مسار المواجهة غير مضمون
لم يعد القلق الإسرائيلي من مستقبل خيارات الرئيس الأميركي دونالد ترامب، إزاء ايران، مجرّد تقدير يستند فقط إلى النظرة حيال شخصية ترامب وأولوياته ودوافعه الداخلية الانتخابية، بل بات حديثاً معلناً. هذا ما توحي به إشارة «القناة الـ13» في التلفزيون الإسرائيلي إلى أنهم «في إسرائيل يخشون من أن يكون ما يهمّ ترامب هو الوصول إلى صفقة مع إيران، ومن أجل ذلك سيكون مستعداً للتنازل عن المصالح الأمنية المهمة لإسرائيل»، بمعنى أن تكون الصفقة شكلية لحسابات داخلية أميركية ليس إلا. ومع أن القناة حرصت على ألا تكشف هوية الجهة التي عبّرت عن هذه المخاوف، إلا أن ما أوردته كان كافياً لإعطاء صورة عن أن هذا التقدير له حضوره المهم في تل أبيب. وهو تقدير يتلاقى أيضاً مع تقديرات الخبراء الإسرائيليين، بِمَن فيهم خبراء «معهد أبحاث الأمن القومي»، الذي لاحظ أن مجرد التفاوض يمكن أن يؤدي إلى تقليص الضغط على إيران، وأن جميع الأطراف الدوليين المعارضين للعقوبات الأميركية سيفرحون ــــ والحال هذه ــــ بالعودة إلى الوضع السابق، فيما ستزداد المصلحة داخل الإدارة الأميركية في تحقيق اتفاق أفضل من ذلك الذي حقّقه باراك أوباما. وحذَّر المعهد من أنه في حال «بدأت مفاوضات بين واشنطن وطهران، يمكن أن تكون مختلفة عن تلك التي ترغب فيها إسرائيل». 

هذه المحاذير لا تتعلق فقط بالمفاوضات غير المباشرة، بل أيضاً بالوساطات الدولية والإقليمية. وهو ما ظهر في الكلام الذي توجّه به رئيس وزراء العدو بنيامين نتنياهو إلى نظيره الياباني شينزو آبي، عشية زيارة الأخير لطهران، إذ شدد على ضرورة «العمل على مواصلة الضغط على إيران لكبح سلوكها العدواني في المنطقة»، في دعوة صريحة الى حصر الخيارات أمام إيران بين مسارين: إما تقديم تنازلات، أو استمرار الضغوط.
وما يرفع منسوب المخاوف في تل أبيب هو أن فشل ترامب في خطته ضد طهران يعني فشل الخيار البديل الوحيد أمامها لمواجهة التهديد الذي تمثله الجمهورية الإسلامية على الأمن القومي الإسرائيلي. وفي حال تبدّدت هذه الفرصة، فستصبح المواجهة مع محور المقاومة بلا أفق.

بعدما نجحت إيران في احتواء الهجمة الأميركية، وجدت إدارة ترامب نفسها أمام خيارات ضيقة، من ضمنها العدوان العسكري الذي يبدو واضحاً أنها تمتنع عنه تجنباً للتورط في مواجهة واسعة ومكلفة جداً. وعليه، أظهرت الولايات المتحدة منسوباً أعلى من الحذر في سياسة التهويل. لكن المشكلة، بالنسبة إلى إسرائيل، أن إيران انتقلت من الصمود الاستراتيجي إلى الرد المتدرّج والمدروس، والذي بدأ بالتخفيف من التزاماتها النووية، والإعلان عن عزمها رفع مستوى التخصيب، وهو ما يعني أنها لن تقبل باستمرار الوضع القائم على ما هو عليه الآن، الأمر الذي من شأنه تبديد الرهان الإسرائيلي على المفاعيل التراكمية لهذا الخيار.

المسلَّم به أن تل أبيب، التي تراقب الأداء الأميركي، أصبحت أكثر حذراً وقلقاً، وهو ما تم التعبير عنه في ما نقلته «القناة الـ13»، خاصة بعد الانعطافة في الخطاب والأداء الأميركيين نحو البحث عن قنوات للحوار. ومع أن تليين الخطاب هو من مستلزمات محاولة اجتراح خيار سياسي بديل من استمرار المواجهة، إلا أن مبادرة ترامب بنفسه إلى قيادة خط التهدئة خلّفت شكوكاً في تل أبيب. ينبع القلق الإسرائيلي من أن اندفاع إيران نحو رفع تخصيب اليورانيوم تدريجياً، سيمثّل عامل ضغط على الأطراف الدوليين جميعهم، وتحديداً الولايات المتحدة، فضلاً عن أن خروجها المحتمل من البروتوكول الإضافي المتعلق بالوكالة الدولية للطاقة النووية قد يؤدي إلى التدحرج نحو مفاوضات جديدة، يظهر أنها المسار المفضّل بالنسبة إلى واشنطن. ويعود هذا الانطباع في تل أبيب إلى أن ترامب سيحرص على تجنب الخيار العسكري، الذي يبدو ــــ وفقاً لـ«معهد أبحاث الأمن القومي» ـــــ أن التلويح به من حين إلى آخر يأتي من باب رفع العتب ليس إلا. هذا إضافة إلى أنه «بحلول نهاية العام الحالي، ستدخل الولايات المتحدة معركة انتخابية رئاسية، وثمة شك في ما إذا كانت ستسمح للإدارة بأن تختار بين خيارات متطرفة ومحل خلاف».

نتيجةَ هذه المخاوف التي بات التعبير عنها مألوفاً في الساحة الإسرائيلية، بعدما كان منسوب التفاؤل هو السائد في المرحلة الماضية، خلص «معهد أبحاث الأمن القومي» إلى ضرورة أن تأخذ إسرائيل في الحسبان الفجوات المحتملة بين مصلحتها والمصلحة الأميركية، وإلى حقيقة أن حيّز المناورة الأميركية أوسع بكثير من الحيّز الإسرائيلي، وأن غايات ترامب في حال بدء المفاوضات ستكون مختلفة عن تلك التي تريد إسرائيل تحقيقها. وبهدف تفادي الوقوع في المحظور، رأى المعهد أن «ثمة أهمية لإجراء حوار استراتيجي دائم مع الولايات المتحدة على المستويات كافة، فيما التحدي المركزي أمام إسرائيل يكمن في ضمان تحدث الإدارة بصوت واحد، وأن تكون السياسة المتبنّاة في مواجهة إيران هي الاستجابة لمصالح الولايات المتحدة وإسرائيل».

مع ذلك، يبقى ثمة احتمال هو الأكثر خطورة بالمعايير الإسرائيلية، وهو أن لا تُقدّم إيران تنازلات جوهرية، ولا تدخل في مفاوضات مع إدارة ترامب، وتتمكن من الخروج من الصعوبات التي تسبّبت فيها العقوبات، ولو بشكل نسبي، وبالتالي تواصل خياراتها الاستراتيجية الإقليمية والصاروخية والنووية، وفي المقابل، تمتنع الولايات المتحدة عن الارتقاء في الضغوط العسكرية، أو حتى على مستويات أخرى أدنى من الاستهداف العسكري. وعلى الرغم من عدم التعبير عن هذه المخاوف على المستوى الرسمي، إلا أن حضورها يبدو واضحاً في تقديرات بعض الخبراء والمعلّقين في تل أبيب.
https://taghribnews.com/vdchiknkv23ni-d.4tt2.html
الإسم الثلاثي
البريد الإلكتروني
أدخل الرمز