تاريخ النشر2019 28 May ساعة 11:19
رقم : 422166

خطر الحراك الأميركي في لبنان حول الحدود ...والحل؟

تنا-بيروت
العميـد الركن د. أميـن محمـد حطيـط أستاذ جامعي – باحـث استراتيجــي
خطر الحراك الأميركي في لبنان حول الحدود ...والحل؟
فجأة قيل ان إسرائيل وافقت على الطرح اللبناني في مسالة الحدود برا وبحرا، وكاد البعض يصدق ان إسرائيل تحولت بين ليلة وضحاها إلى كيان يسلم بحقوق الأخرين ويتوقف عن اغتصابها، فهل هذا الكلام في موقعه من الحقيقة والصواب؟

للإجابة على التساؤل لا بد من الانطلاق أولا من تحديد   حقوق لبنان الحدودية وبماذا يطالب وعلى ماذا وافقت إسرائيل او قيل إنها وافقت؟ 

في مسالة الحدود ومشاكلها التي تبدو إسرائيل طرفا فيها في مواجهة لبنان هناك ثلاثة عناوين نتجت بسبب الوجود والسلوك والأداء الإسرائيلي ولكل عنوان منها طبيعة منهج لحلها تختلف عن الأخرى. 

العنوان الأول: الجزء من الحدود بين لبنان وسورية، وفي هذه الجزء تتشكل مسالة مزارع شبعا وتلال كفر شوبا نزولا إلى الغجر السورية والمرجعية في هذا الجزء هي للقرار 318 الصادر عن المفوض السامي الفرنسي في العام 1920 والذي حدد حدود لبنان الكبير، وبعده لنتائج أعمال لجنة غزاوي وخطيب السورية اللبنانية التي عملت في العام 1946 بعد جلاء القوات الفرنسية عن لبنان وسورية. 

وجوهر المشكلة في هذا الجزء ان إسرائيل تحتل الأرض مدعومة من الأمم المتحدة التي اختلقت فكرة الصلاحية العملانية وقالت ليس لليونفيل ولاية على هذه المنطقة أنما الولاية العملانية او الصلاحية العملانية هي للأندوف أي القوات الدولية العاملة في الجولان. طبعا ان الادعاء الإسرائيلي والأممي مرفوض ومن كل الوجوه وما إطلاق هذه الذريعة ألا من اجل إبقاء الاحتلال أولا ثم من اجل اقتطاع الأرض نهائيا ربطا باقتطاع الجولان السوري وضمه إلى إسرائيل زورا وعدونا على سورية. 

وعليه ان الحل في هذا العنوان يكون بكل بساطة بالعمل بالخرائط اللبنانية والتي وافقت عليها سورية وانسحاب إسرائيل من كامل منطقة مزارع شبعا غربي وادي العسل وصولا إلى قصر شبيب شمالا ونزولا إلى المجيدية ثم الغجر اللبنانية جنوبا وكل كلام أخر يكون نوع من التفاوض والجدل حول ارض لبنانية مقطوع بلبنانيتها. فاذا كانت أميركا والأمم المتحدة معها فعلا جادة في الموضوع فان القضية سهلة الحل خاصة وان القرار 1701 أناط بالأمم المتحدة إيجاد مخرج للقضية وصولا لتلبية المطالب اللبنانية في تحرير الأرض اللبنانية تلك. وهنا يهمنا الإشارة إلى ان إسرائيل انسحبت في العام 2000 من الجزء اللبناني من الغجر ثم عادت واحتلتها في العام 2006 ولازالت رغم صراحة القرار 1701 بوجوب أخلائها.

العنوان الثاني: الجزء من الحدود بين لبنان وفلسطين المحتلة: ان المرجعية في هذا الجزء هي لاتفاقية بوليه نيوكمب التي رسمت الحدود بين لبنان وفلسطين وهي الحدود التي باتت حدودا دولية اعتبارا من العام 1932 تاريخ مصادقة عصبة الأمم على الاتفاقية، وهي أيضا الحدود المعترف بها والمكرسة باتفاقية الهدنة \1949 بين لبنان وإسرائيل. وهي حدود نهائية معينة ومحددة ومرسمة ومثبته تمت أدارتها وتعهدها من قبل لجنة الهدنة المشكلة من لبنان إسرائيل والأمم المتحدة وتراقبها مجموعة ما يسمى مراقبي الهدنة OGL.

أما المشكلة على الجزء هذا فتنبع من تصرفين، الأول طمع إسرائيل بالأرض اللبنانية خاصة سعيها لامتلاك السيطرة على قمم الهضاب ونزعتها التوسعية لامتلاك السيطرة على ارض لبنانية، والثاني ممالأة الأمم المتحدة لإسرائيل وسعيها لتجاهل الحدود الدولية المنوه عنها أعلاه والاتجاه إلى التعامل مع خط متنازع عليه يفرض الاتفاق عليه تفاوضا بين لبنان وإسرائيل. 

هذا السلوك الإسرائيلي الأممي المزدوج تجلى في العام 2000 وكانت بدعة الخط الأزرق الذي جاءت به الأمم المتحدة وحاولت عبره ان تعطي إسرائيل كل ما تطمع به، ولكنها اضطرت أمام الرفض اللبناني للتراجع عن محاولتها وسلمت بالمطالب اللبنانية ألا في 3 مناطق تحفظ عليها لبنان، فنشا الخط الأزرق الذي شاع التداول به في الوقت الذي يغفل أكثرهم الحديث عن الحدود الدولية النهائية المرسمة ويتحدثون عن ترسيم حدود جديدة عن جهل او سوء نية. 

في العام 2000 أخرجنا إسرائيل من كل الأرض اللبنانية التي حاولت الاحتفاظ بها والتي كانت بمساحة تلامس ال 18 مليون م2، لكن إسرائيل في العام 2006 عادت واحتلت معظم هذه المساحة وعادت في تموضعها إلى ماكنت الأمم المتحدة عرضته في طرقها للخط الأزرق في صيغته الأولى المرفوضة من قبلنا، وأخطأ لبنان يومها في كونه لم يلجا إلى تحقق من الانسحاب بالطريقة التي تمت في العام 2000. واليوم تريد إسرائيل ان تفاوض لبنان وتريد ان تتصرف وكان لا حدود دولية وكان شيئا لم يحصل في العام 2000 وكأنها لم ترضخ للإرادة اللبنانية بومها وكأنها لم تنسحب من الأرض ـ والغريب في الأمر ان بعض المسؤولين البناين عن علم او بغير قصد يتحدثون عن ترسيم حدود برية وفي ذلك خدمة أكيدة للرغبة الإسرائيلية.  

أننا نرى ان الخطر والمشكلة الأساسية هنا تكمن في أسقاط الحدود الدولية المنبثقة عن اتفاقية بوليه نيوكمب والسعي إلى ترسيم حدود جديدة ستتقطع من ارض لبنان مساحات تطمع بها إسرائيل. 

أما الحل فانه يتمثل وبكل بساطة بالتمسك بالحدود الدولية ورفض فكرة الترسيم الجديد فنحن لسنا بحاجة له، أنما نحن نطلب تحرير الأرض المحتلة وخروج إسرائيل من المناطق ال 13 التي تحتل أراضي لبنانية فيها، وان مجرد فكرة الترسيم او التفاوض على الحدود البرية بين لبنان وفلسطين المحتلة تعتبر مسا بالحقوق اللبنانية وخيانة لحقوق لبنان الوطنية والسيادية. فالمسالة ببساطة وعملا بقواعد القانون الدولي العام تكون في العودة إلى ما كان الأمر عليه قبل العام 1967 وإعادة تشكيل لجنة الهدنة التي يتمسك بها لبنان وأسقطتها إسرائيل في 29 حزيران 1967 دون وجه حق لهذا فان الأمم المتحدة تؤكد على وجودها، ثم إدارة الحدود عبر لجنة الهدنة دون المس بها لا من قريب ولا من بعيد.

العنوان الثالث: الحدود البحرية وحدود المنطقة الاقتصادية. يختلف الوضع في هذا الجزء عما سبقه. إذ ان الحدود البحرية اللبنانية لم ترسم في السابق وهي بالفعل بحاجة إلى ترسيم. وان هذا الترسيم بحاجة لي تحديد المرجعية وهنا تكمن المشكلة مع العدو الإسرائيلي. فلبنان انضم إلى اتفاقية اوتاوه – قانون البحار برعاية الأمم المتحدة بينما إسرائيل لم توقع على هذه الاتفاقية. وبما ان ترسيم الحدود وفقا لقواعد القانون الدولي العام يتم اتفاقيا بين الدول أصحاب العلاقة وبما ان لبنان لا يعترف بإسرائيل فان الحل الأفضل هو اللجوء إلى طرف ثالث يرتضيه الطرفان. وهنا يمكن لأميركا او الأمم المتحدة او سواها ان تلعب دورا توفيقيا ويعرض لبنان مطالبه بالاستناد إلى قانون البحار ويكون على الطرف الثالث ان يطلب من إسرائيل إذا رفضت الطلب اللبناني يطالبها بالمرجعية القانونية التي تستند اليها ولن تجد ألا قانون البحار الذي لم تنضم اليه.

وعلى ضوء ما تقدم نرى انه من الخطأ الشنيع التعامل مع الأجراء الثلاثة كلها باستعمال مصطلح الترسيم، ثم من الخطأ التفاوض على الحدود البرية لان ذلك يسقط حقوق لبنان في حدوده الدولية وانه من الخطأ الدخول مع إسرائيل في لجان عسكرية او قانونية او سياسية بعيدا عن لجنة الهدنة، فالإطار الوحيد لإدارة الصراع مع العدو وإدارة الحدود وحل النزاعات هو لجنة الهدنة للعام 1949 المكرسة بقرار من مجلس الأمن تحت الفصل السابع. فلنعد إلى هذه اللجنة ولتعمل بما تتيحه من إدارة حدود بريه وتلمس ترسيم حدود بحرية عبر طرف ثالث كما تسليم الأمر لأميركا فان فيه من المخاطر ما لا تحمد عقباه.
https://taghribnews.com/vdcaiunyi49nu61.zkk4.html
الإسم الثلاثي
البريد الإلكتروني
أدخل الرمز