تاريخ النشر2019 6 May ساعة 14:58
رقم : 418852

مخاطر مرحلة ما قبل الإعلان عن "صفقة القرن" ومواجهتها

تنا-بيروت
العميــــــد د. امين محمد حطيــــط أستاذ جامعي – باحث استراتيجي
مخاطر مرحلة ما قبل الإعلان عن "صفقة القرن" ومواجهتها
كما بات معلوما تستعد اميركا للإعلان عن صفقة القرن الرامية لتصفية القضية الفلسطينية وتثبيت إسرائيل في المنطقة بموقع ريادي قيادي تذكر بما كان طرحه شمعون بيرس منذ 4 عقود ضمن "مشروع الشرق الأوسط الجديد " الذي قال فيه للعرب "بمالكم وثرواتكم مع فكرنا وقيادتنا ينهض الشرق الأوسط ونسيطر على العالم".  واليوم وكما أعلن كوشنير عراب ما اسمي صفقة القرن هذه، تحضر اميركا للإعلان عن هذه الخطة الجهنمية في حزيران المقبل بخطوطها العريضة الأساسية وببعض عناوينها التفصيلية.

والجدير ذكره، ان هذه الخطة وحتى من غير اعلان مضمونها بشكل رسمي وضعت موضع التنفيذ في بعض جزئياتها، وشرعت اميركا بالقيام بما التزمت به في هذه الخطة حيال إسرائيل خاصة لجهة فرض السيادة الإسرائيلية على الأرض المحتلة في فلسطين والجولان واسقاط حق العودة المنصوص عليه بالقرار 194، لكن الإعلان الرسمي عن الخطة والحصول على قبول الأطراف المعنيين تراه اميركا امرا لا بد منه لضمان نجاح هذه الصفقة وتنفيذها كما أراد واضعوها. 

لقد كان مقررا في التخطيط الأميركي ان تطلع القوى المعنية بالتنفيذ على الخطة و يستحصل على قبولها قبل ان تعلن الخطة رسميا لكن ما رشح من مواقف بعض المعنيين من رفض مطلق لهذه الخطة التصفوية جعل اميركا تتراجع و تعتمد سياسة الفرض بالأمر الواقع لبعض عناصر الخطة ، و الضغط المتعدد الوجوه على الاطراف الرافضة بما بفرض عليها الإذعان ، و يحرمها من فرص العرقلة او التعطيل  .و من هذا الباب تطل مخاطر مرحلة ما قبل الإعلان عن صفقة القرن في حزيران المقبل ، و يمكن القول ان الفترة التي تفصلنا عن تاريخ هذا الإعلان في حزيران المقبل ستكون مرحلة خاصة و قاسية تضغط فيها اميركا على القوى الرافضة لتصفية القضية الفلسطينية و يأتي في طليعتها مكونات محور المقاومة بدءا بإيران و سورية و صولا الى حزب الله و الفصائل الفلسطينية في غزة خاصة حماس  و الجهاد الإسلامي و الفصائل الفلسطينية المقاومة في غزة و خارجها ، و شاملا العراق أيضا .

وبمراقبة السلوك الأمريكي معطوفا على دراسة تحليلية للواقع الخاص بكل من تلك الكيانات الرافضة لتصفية القضية الفلسطينية، نتوصل الى توقع او تحديد مواطن العمل العدواني الأميركي الإسرائيلي ومعه أداء خليجي عربي مساعد لضمان نجاح اميركا وإسرائيل في تصفية القضية الفلسطينية، ونرى التالي:

أولا: في سورية. يسجل امعان اميركا في تنفيذ استراتيجية إطالة امد الصراع والتصعيد الميداني في إطار حرب استنزاف بدأتها الجماعات الإرهابية التي ترعاها تركيا بتنسيق مستتر مع اميركا، مترافقا مع تدابير انفصالية تقوم بها الجماعات الكردية شرقي الفرات وحجب ما كانت أعلنت عنه اميركا من سحب القوات الاميركية في سورية وسحبه من التداول فضلا عن إعادة تنظيم عمل داعش في المنطقة والانتقال بها من استراتيجية الاحتلال والسيطرة المساحية الى استراتيجية الخلايا والاعمال الإرهابية الموجعة دون ان يكون لها قواعد ثابتة. كل هذا يجري مترافقا مع ضغط أميركي وتهديد بالتدخل العسكري ي حال انطلقت سورية في تنفيذ عملية عسكرية لتحرير ادلب والتفرغ للمنطقة الشرقية. 

ثانيا: في العراق. تسعى اميركا لإعادة انتاج واحياء خلايا داعش دون العودة الى السيطرة المناطقية او تكوين ما اسمي “دولة إسلامية " بل خلق تهديد أمنى فاعل ومتواصل من شانه ارباك الحكومة والشعب في العراق ودفعهما للتمسك والاستعانة بالقوات الأميركية والاستجابة للإملاءات الاميركية في مجال تركيز القواعد العسكرية خلافا لاتفاقية الإطار الأمني والضغط لوضع اليد على نفط العراق "تسديدا لنفقات الحرب" العدوان على العراق ومنع العراق من التدخل او الانخراط في أي شان إقليمي او تعاون مع محور المقاومة.

ثالثا في غزة. التصعيد الميداني المترافق مع تشديد الحصار على القطاع وصولا الى ما يمكن تسميته بحالة الاختناق العام، لإجبار القطاع على القبول بما سيلقى اليه من فتات في خطة تصفية القرن، واشغاله بشؤونه الذاتية خاصة الحياتية معطوفة على الوضع الأمني المتفجر لمنعه من التصدي لتلك الخطة الاجرامية.

رابعا في لبنان: تسعير عملية الضغط المالي من باب التهويل بخطورة هذا الوضع، مترافقا مع إعادة الجدل حول شرعية المقاومة ووجوب نزع سلاحها ومن هنا تأتي إعادة طرح مسالة مزارع شبعا والتشكيك بلبنانيتها او التهويل بالحرب المدمرة الساحقة كما التهويل بإفلاس لبنان والتخويف من إلغاء ما قدمه مؤتمر سيدر لصالح لبنان من أموال.
خامسا إيران: تصعيد الضغوط عليها وحصارها بشكل خانق في كل المجالات الاقتصادية المؤثرة على معيشة الشعب وأداء الحكومة مترافقا مع التهديد بالمواجهة العسكرية لإنتاج بيئة اشغال ذاتي تصرف إيران عن همومها الإقليمية خاصة في فلسطين وتجعلها تمرر صفقة القرن من غير أي تدخل يعطلها.

باختصار يمكن القول ان فترة ما قبل الإعلان عن صفقة القرن ستكون فترة قاسية موسومة بعنوان:" النار والحصار للإشغال والترويع وفرض الإذعان " لتمكين اميركا من تصفية القضية الفلسطينية على طريقتها خدمة لإسرائيل واستباحة للحقوق الفلسطينية والعربية والإسلامية، حيث ان اميركا تخير المنطقة بين امرين: اما الاستسلام والإذعان لإرادتها في تصفية القضية الفلسطينية وإقامة شرق أوسط مستعمر اميركيا بإدارة إسرائيلية او الحرب المستمرة والتجويع للتركيع، فهل تنجح الخطة؟

اعتقد ان الرد على استراتيجية اميركا هذه الرامية لإنتاج بيئة التسليم بمخططها ، ان الرد عليها لم يتأخر  وقد جاء من قبل المعنيين كل وفقا لموقعه و قدراته و مجاله  و بشكل ينبئ ان الفشل سيكون حليف اميركا أولا في تهيئة بيئة اطلاق الصفقة و ثانيا في الصفقة ذاتها و هنا ننوه بما صدر عن الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله من مواقف قاطعة تقول ان التهويل بالحرب لن يجدي و ان الحرب التي تهولون بها سترتد عليكم عارا و دمارا ، اما ايران فقد صاغت منظومتها العسكرية  الاقتصادية و علاقاتها بشكل يحبط الخطة الأميركية و يسقطها و يعطل كل اهدافها ، و من جهة اخرى كان التنسيق السوري العراقي في الميدان الحدودي من جهة و عمليات الجيش السوري في منطقة ادلب كافية للقول بان خطة اميركا لن تمر و لن تنجح ، و أخيرا شكل مشهد النار المرتدة من غزة و حولها جوابا قاطعا بان القطاع لن يخضع و بان قرار الصمود و المواجهة لا تراجع عنه مطلقا.

وباختصار نستطيع القول بان اميركا واتباعها المعنيين بصفقة القرن سيحاولون بالنار والحصار انتاج بيئة الخضوع والإذعان لخطة ما يسمى "صفقة القرن" بكل وحشية ولا أخلاقية وبأعمال لا شرعية ولا قانونية من اجل تمرير الصفقة وحمل الأطراف على الإذعان لها، لكن محور المقاومة وبكل مكوناته وكل وفقا لدائرة عمله عازم على التصدي وافشال المسعى ومنع تصفية القضية، انها مواجهة مركبة قاسية خلال فترة ستكون حامية خلال الشهر المقبل وتتطلب مزيدا من التحمل في المجال الاقتصادي واستمرارا في الحزم والقوة في الميدان.
https://taghribnews.com/vdchm6nki23nz6d.4tt2.html
الإسم الثلاثي
البريد الإلكتروني
أدخل الرمز