تاريخ النشر2019 18 February ساعة 12:32
رقم : 403002

تحرير ادلب على ضوء قمة سوتشي وخطاب الرئيس الأسد

تنا-بيروت
العميــــــد د. امين محمد حطيــــط أستاذ جامعي – باحث استراتيجي
تحرير ادلب على ضوء قمة سوتشي وخطاب الرئيس الأسد
قبل ان تنعقد في سوتشي القمة الثلاثية بين روسيا وإيران وتركيا، تعددت اتجاهات التوقعات منها وتضاربت المواقف حول ما يمكن ان تعتمده القمة من قرارات تعني سورية عامة ومصير ما تبقى من حالات إرهابيةفيها ووضع ادلب بشكل خاص.
 
فمن جهة ذهب البعض للقول او لانتظار قرار من سوتشي يغطي ويدعم عملية عسكرية سورية لاستعادة ادلب ومنطقتها واجتثاث الإرهابمنها،وهو فعل لا يمكن للأمور ان تستقيم في سورية بدونه،ومن جهة أخرىرأى البعض ان محاذير العمل العسكري كبيرة وكلفته عالية على أكثر من صعيد عسكري ميداني او استراتيجياو سياسي او اجتماعي انساني.وبين هذين الحدين كانت مواقف أخرى تقترب من مسالة العمل العسكري او تبتعد عنه كل بحسب الخلفية التي ينطلق منها.
 
اما قمة سوتشي فقد قاربت الامر دون ان تعتمد أي من الحدين و ذلك انطلاقا مما يملك المشاركون من معطيات و يتمسكون به من مواقف و يرونه  من مصالح فجاءت القرارات او لنقل التفاهمات فيها وسطية تتسم بالهدوء الحذر الذي  يحاكي واقعية ميدانية قائمة وبشكل يبتغي منه المعنيون في القمة سد باب الذرائع امام اطراف اخرين من خصوم الدولة السورية و اعدائها ، فاتجهت القمة لاعتماد استراتيجية "الخطوة خطوة لتحرير ادلب"  ، بحيث يكون فيه التنفيذ المستقبلي بصيغة و أسلوب و شركاء حددوا  بشكل مغاير لما كانت عليه الأمور في منظومة خفض التصعيد او اتفاق سوتشي الثنائي بين بوتين و اردغان .
 
فالصيغة الجديدة كما يبدو مما تسرب او أعلن عنها تنطلق أولا من الإقرار ب "تعثر تنفيذ اتفاق سبتمبر بين موسكو وأنقرة حول إدلب، بل وشهد الوضع هناك تدهورا ملحوظا بعد بسط جبهة النصرة الإرهابية سيطرتها على نحو 90% من أراضي المنطقة." على حد قول لافروف الذي أكد أيضا بان القمة اكدت الحاجة الى عمل عسكري مشترك تنفذه القوات الروسية مع القوات التركية بشكل يراعي:
 
أولا: حماية المدنيين والعمل وفقا لقواعد القانون الدولي الإنساني ومنع ارتكاب ما ارتكبه التحالف الأميركي الدولي من مجازر بحقهم خاصة في الرقة التي بدأت فضائحها تزكم الانوف خاصة بعد ان نشر الضابط الفرنسي مقالا حولها عرضه لعقوبة من قيادة جيشه.
 
. ثانيا: اجتثاث الإرهاب كليا من ادلب حيث "لا يمكن الصبر إلى ما لا نهاية على وجود الإرهابيين في إدلب" كما قال لافروف أيضا.
 
ثالثا:احترام السيادة ووحدة الأراضي السورية والمحافظة عليهاومنع تشكل أي حالة او ظاهرة انفصالية او محاولة قضم لأي جزء من هذه الأراضي، أما التنفيذ الميداني فانه سينطلق  من مفهوم منظومة استنة و ما اعتمدته من مناطق خفض التصعيد ، ويأخذ بالاعتبار الواقع المستجد بعد سيطرة جبهة النصرة على ادلب ، كما انه يعتمد سياسة المراحل المتتابعة المنسقة ذات الأطراف المتعددة و التي ستكون في مرحلة أولى روسية - تركية ، ثم تكون في مرحلة ثانية سورية روسية و تكون القوات الروسية العاملة على الاض هي الجسر التي يتم عبره الانتقال من المرحلة الأولى الى المرحلة الثانية ، و بعدها تكون المرحلة الثالثة و الأخيرة حيث تنحصر المهام الميدانية التنفيذية بالقوات السورية و تكون القوات الروسية في موقع الاحتياط.
 
وستمر المرحلة الأولى في خطوات متتابعة تبدأ بتحديد مناطق خفض التصعيد على الخرائط،يليها التعيينوالتنفيذ علىالأرض،وبعدها يتم تسيير دوريات روسية تركية مشتركة لفرض مقتضيات هذه المناطق، ثم تنتهي بمعالجة الحالات الخارجة على نظام قواعد خفض التصعيد. بما في ذلك وجود الأسلحة الثقيلة.
 
من يدقق في هذه الخطة التي اعتمدت في سوتشي مؤخرا يقف على  وجوه الوهن الكثيرة والعميقة فيها ما يجعل من الثقة بنجاحها امرا منخفض السقف ، خاصة في وجود اردغان  الذي لا يمكن ان يكون محل ثقة فهو محترف في الانقلاب على التفاهمات و الاتفاقات و في عرقلة تنفيذها و يعمل ظاهرا وفقا لما يعقد من تفاهمات مع روسيا و ايران، اما  باطنا فينفذ مشروعه الخاص الذي يتقاطع بشكل او باخر او يتطابق الى حد بعيد معالاستراتيجية الأميركية الرامية الى إطالة امد الصراع و منع سورية من العودة الى وضعها الطبيعي و من هنا تأتي الأهمية الفائقة لكلام الرئيس الأسد في استقباله لممثلي الإدارة لمحلية السورية و نظرته الى اردغان و موقفه من مسالة التحرير .
 
فالرئيس الأسد أكد بوضوح قاطع بان اردغان "اجير أميركي " يعمل وفقا للأوامر الأميركية وانه كانولا زال يعمل ضد مصلحة سورية وان هذا "الاخواني " على حد تعبير الرئيس الأسد لن يكون محل للثقة في أي عمل يقوم به اذ انه لا يعدو كونه أداة بيداميركا تستعملها ضد سورية. وهنا سترسم علامات الاستفهامالكبرى حول "التناقض" بين مواقف إيرانوروسيا منتركيا، وموقف سورية منها وكيف يمكن ان نوفق بينهما؟
 
اننا نرى ان ظروفا أملت على روسيا و ايران  التعامل مع تركيا بهذا الهدوء واللين املا في التخفيف من عدائيتها وتعطيل بعض أنشطتها العدوانية و جذبها الى منطقة وسط بينهما و بين اميركا وادخالها في موقع رمادي منخفض الضرر ولذلك يعملان معها في استنة بمرونة و حذر تحدوهما الرغبة في إبقاء تركيا ضمن مثلث استنة والاتكاء عليها لتجنب الضغوط الدولية التي تتعرض لها إيرانوروسيا حيث ان تركيا توفر متنفسا لهما خلال الحرب الاقتصادية و السياسية التي تشنها اميركا عليهما ،إضافة الى رغبتهما أيضا بالقيام بمحاولة ميدانية أخيرة تهدف الى استعادة ادلب بوسائل اقل كلفة  دون تحميل القوى المسلحة السورية خسائر إضافية في مسالة قد يكون حلها ممكنا بثمن اقل خاصة وان هناك نوعمن الطمأنينة للنتائج في عملية التحرير حتى و لو تأخرت بعض الوقت .
 
اما سورية المعني الأول بتحرير ارضها فأنهالا تجد نفسها مضطرة لإعطاء التركي بطاقة ثقة اوائتمان سياسي او عسكري او استراتيجي لا بل ترى ان من مصلحتها ان تبقي التركي على قناعة بان سورية لا تثق به، فاذا صدقت تركيا هذه المرة مع إيران وروسيا ونفذت ماتفتضيهخطة التحرير خطوة خطوة يكون الامر جيدا وربحا لسورية دون ثمن،وان نكلت تركيا على عادتها فان سورية لا تكون خسرت رهانا، بل تكون استفادت من الوقت لرفع مستوى الجهوز وضمان فرص النجاح بكفة اقل من اجل تحرير ادلب عسكريا. ما يعني ان اتفاق قمة سوتشي وسياسة الخطوة خطوة هي الفرصة النهائية والأخيرة لتحرير ادلب قبل انطلاق العملية العسكرية الموعودة،ويكون موقف الرئيس الأسد من تركيا بحزمه ووضوحه، بمثابة ربط نزاع وتوفير وقت إضافي لروسيا وإيران في عملهما مع تركيا، دون ان يعطي التركي فرصة الظن بان بأمكنة ان يخدع سورية بمناورته.
 
 
https://taghribnews.com/vdciupa5rt1auu2.scct.html
الإسم الثلاثي
البريد الإلكتروني
أدخل الرمز