تاريخ النشر2016 7 December ساعة 22:02
رقم : 253049

مسار النبيّ (ص) في خطاب الأمير (ع)

تنا-بيروت
ينظر أمير المؤمنين (ع) إلى كتاب الله العزيز بتماهٍ وحب ولهفة، فيخاطب الأمّة قائلًا: هذا كتاب الله الصامت وأنا الكتاب الناطق. فما من أمر ظاهر أو خاف في القرآن الكريم، إلّا للأمير (ع) فيه علم وخبر ونبأ يُطلع الناس عليه.
مسار النبيّ (ص) في خطاب الأمير (ع)
الشيخ شفيق جرادي
وإذا كان خُلقُ النبيّ هو القرآن، والقرآن هو الآيات البيّنات لروح ونفس وطينة النبيّ (ص). فإنّ الأمير (ع) هو الناطق عن القرآن في تفصيل ما عليه رسول الله (ص) من خَلْق وخُلُق. لهذا فإنّ الإصغاء إلى ما قاله أمير المؤمنين (ع) حول النبيّ (ص) يمثّل أعظم وثيقة لمعرفة النبيّ محمّد (ص).

واللافت حين قراءة النصوص الواردة في نهج البلاغة حول النبيّ أنّ الأمير كان يذكر دومًا حال الشعوب والأقوام الذين بُعث فيهم رسول الله (ص). وكأنّ لذلك مدخل لكشف عظيم قدرته وتأثيره التدبيريّ في الهداية والبناء، وقيادة هذه القبائل والعشائر والأقوام. وكأنّه يريد أن يقول لنا: إنّ الاقتداء الدقيق بسيرة وحكمة وتدبير النبيّ يوصل عشائر ذباب الصحراء، ليكونوا الأمّة الشاهدة على الأمم، بل الحضارة والتاريخ.

لهذا يقول (ع): "أرسله على حين فترة من الرُسُل، وطول هجعة من الأمم، واعتزام من الفتن، وانتشار من الأمور، وتلظٍّ من الحروب"[1].

فترة من الرُسُل، إشارة إلى انقطاع الوحي، وبالتالي حركة النبوّة في الحياة وبين الناس، وفي هذا إشارة إلى تردٍّ في مستوى القيم والرؤية؛ لأنّ حركة النبوّة إنّما كانت على نقيض حركة السلاطين الظالمة، وجهلة المشعوذين والسحرة. فعند انقطاع النبوّات تتردّى حالة المجتمعات وتتراجع نحو شفير من الهاوية. لذا، عبّر (ع) بعد ذلك بالقول: "وطول هجعة من الأمم" إلى الانحطاط الحضاريّ الذي قوَّض قواعد العيش والحياة في هذه المجتمعات التي كانت تتسارع نحو الفتن بكلّ صنوفها ووجوهها المثيرة للدم والاضطرابات المتلاحقة و"انتشار من الأمور" فعند كل آن دعوًى جديدة، ومقولة فاسدة. وهذا ما يخلق حالات التحزّب، ويرسي روح التشظّي والانقسام الدائم. عليه، فإنّه من الطبيعي في مثل هذه الحال أن يهيم الناس بـ "تلظٍّ من الحروب"، فمن حرب عائلة لعائلة إلى حروب القبائل، فسلطة الإمبراطوريات على هوامش البلدان والشعوب.

ثمّ بعد ذلك يذهب الأمير (ع) لشرح أحوال الزمن وذلك بقوله (ع): "والدنيا كاسفة النور، ظاهرة الغرور، على حين اصفرار من ورقها، وأياس من ثمرها، واغورار من مائها، قد دَرَست أعلام الهدى، وظهرت أعلام الردى، فهي متجهّمة لأهلها، عابسة في وجه طالبها، ثمرها الفتنة، وطعامها الجيفة، وشعارها الخوف، ودثارها السيف"[2].

لقد أبرز هذا النص طبيعة الزمن في ظلاميته الجهلاء والتي أبشع ما فيها اقتران الجهل بالغرور، وهو أفظع أنواع الجهل وأقبح الأخلاق، الأمر الذي أنتج عقمًا في منتوج العيش والعدالة. ممّا جعل شعار ذاك الزمن، ازدهار الردى وتراجع الهدى، ودنيًا كهذه بلا شك هي:
  • : مُدْبرة عن أهلها، خادعة. مستحقرة لطلّابها.
    : وأنّ ثمار هكذا دنيا: الفتن، وهذا واقع ما عليه سياسة أهلها، أمّا الفقر فيهم فتعبيره "طعامها  الجيفة".
ثمّ آخر وأخطر ما فيها ما أشار إليه الأمير (ع) أنّ عيش الخوف هو قلب أهل هذه الدنيا، وما ثوبهم إلّا السيف بما يثيره من دلالة على القتل بلا رحمة، وبلا سبب أو هدف.
 وفي مورد آخر يثير (ع) جملة من أمور أهل ذاك الزمن وأهوالهم بقوله: "بعثه، والناس ضلال في حيرة، وحاطبون في فتنة، قد استهوتهم الأهواء، واستزلهّم الكبرياء، واستخفّتهم الجاهلية الجهلاء، حيارى في زلزال من الأمر، وبلاء من الجهل، فبالغ (ص) في النصيحة، ومضى الطريقة، ودعا إلى الحكمة والموعظة"[3].

بمثل هذه الأحوال والظروف شقَّ النبيّ (ص) دربه الرساليّ، وبمعونة من الله سبحانه ألّف بين القلوب، وبحكمة من الأمور بعث في الناس روح النهضة حتى صاروا "أمّة".
 
 
[1]نهج البلاغة، خطبة 88.
[2]نهج البلاغة، خطبة 88.
[3]مصدر نفسه، خطبة 94.
https://taghribnews.com/vdcc01qio2bqpx8.caa2.html
الإسم الثلاثي
البريد الإلكتروني
أدخل الرمز