تاريخ النشر2021 28 November ساعة 18:00
رقم : 528496
بمناسبة الذكرى الـ 78 لإنهاء الاحتلال الفرنسي للبنان

الاستقلال في لبنان انتُزع انتزاعاً ولم يكن منحة فرنسيّة

تنا
ينشر موقع KHAMENEI.IR الإعلامي مقابلة مع الأستاذ الجامعي الدكتور غسان طه، بمناسبة الذكرى الـ 78 لإنهاء الاحتلال الفرنسي للبنان وانتزاع استقلاله من المستعمر الفرنسي، حيث يشرح الدكتور طه واقع وتبعات الاستعمار الفرنسي للبنان.
الاستقلال في لبنان انتُزع انتزاعاً ولم يكن منحة فرنسيّة
 لو سمحتم، قدّموا لنا لمحة مختصرة عن ظروف وحيثيات الاحتلال الفرنسي للبنان، وما هي السياسيات التي استخدمها الفرنسيون خلال فترة حكمهم لهذا البلد؟

بسم الله الرحمن الرحيم، والحمد لله ربّ العالمين. كان الاحتلال الفرنسي المباشر للبنان عام 1918 على خلفية الحرب العالمية الأولى حيث شاركت فيها فرنسا إلى جانب بريطانيا ضدّ الأتراك. في هذه الحرب تم الدخول الفرنسي إلى لبنان بشكل مباشر، وبقي الفرنسيون حتى عام 1943. فيما يخص السياسيات، إن السياسات التي قامت بها فرنسا هي سياسات قمعية حيث عمدت إلى تأسيس الدستور اللبناني الذي قام على مواد دستورية تعطي الشرعية للانتداب الفرنسي.

 ارتكبت فرنسا العديد من المجازر في دول مختلفة كالجزائر وغيرها، ونهبت ثروات الشعوب في أفريقيا وغيرها، هل فعلت مثل هذه الأمور في لبنان؟ ما هي أبرز المجازر التي ارتكبها الفرنسيون، حملة نيجر على سبيل المثال، وما هي أبرز مصاديق النهب؟

حصلت حملة نيجر عام 1919 عندما دخل الاحتلال الفرنسي إلى جنوب لبنان. كانت عملية تطهير ضد المقاومة اللبنانية التي ظهرت آنذاك في جبل عامل على خلفية الاحتكاك الذي جرى بين المقاومة وبين بعض الميليشيات المسلحة التي سلّحتها دولة الاحتلال الفرنسي. عمد الفرنسيون الدخول إلى مناطق الجنوب اللبناني بحجة الصدام بين الأهالي وبين هذه الميليشيات ونفّذوا إنزالاً في صور، وضرب الطيران في بنت جبيل، وهدم الكثير من المنازل. إضافةً إلى حملة نيجر كان هناك دخول إلى بعلبك، إلى سرايا بعلبك، إلى قلعة بعلبك، إلى المناطق الجردية في بعلبك وإلى الهرمل. أنا لا أقول إن هذه المجازر حصلت فقط عام 1918 أو طيلة الاحتلال الفرنسي إلى لبنان؛ المجازر هي قديمة، تعود المجازر في لبنان إلى قبل المتصرفية حيث حصل مجازر في لبنان بين الدروز والمسيحيين بين عامي 1840 و1860. كان الفرنسيون أحد الداعمين الأساسيين لهذه المجازر التي حصلت بين الدروز والمسيحيين، الصراع كان صراعاً بريطانياً فرنسياً على لبنان وعلى طريق الحرير.
دعم الفرنسيون بعض الطوائف في لبنان، ومنهم الموارنة وحصلت المجازر منذ العام 1840 حتى العام 1860، وكانت فرنسا هي الداعم الأكبر لها. هذه المجازر التي حصلت في لبنان لا تقلّ عن مثيلاتها التي حصلت في الجزائر وأفريقيا، ونحن نعلم أن الجزائر قدّمت حوالي مليون ونصف مليون شهيد في سبيل الاستقلال، وهذا مؤشر على دور الاستعمار والدور الدموي للفرنسيين. أقول إن فرنسا لم تعتمد فقط سياسة المجازر، فهي اعتمدت على استمالة بعض الطوائف في لبنان من خلال الادعاء أنها حامية للأقليات، ومن خلال هذه الاستمالة، ومن خلال الدخول الاستعماري المباشر، كان لا بد من حصول احتكاك بينها وبين المواطنين، إلى أن نجحت المقاومة في انتزاع الاستقلال في لبنان، علماً أن الاستقلال في لبنان، لم يكن منحة فرنسية، فالاستقلال في لبنان أعطته فرنسا للبنان انتزاعاً وهي في شدّة الضعف، لأنها كانت قد دخلت في الحرب العالمية الثانية وأرضها احتُلت في الألزاس واللورين، وحكومة فرنسا الحرّة في لبنان التي كانت متعاطفة مع بريطانيا، قد وعدت اللبنانيين بإعطاء الاستقلال، وقد ضغطت بريطانيا ليس حباً في منح الاستقلال للبنان وإزالة النفوذ الفرنسي، بل لأنه يأتي في سياق الصراع البريطاني الفرنسي، فكان الاستقلال للبنان.

فيما يخص النهب، عمدت فرنسا من خلال سلطة الهيمنة في لبنان، ومن خلال المواد الدستورية التي كرّستها فرنسا والتي تقبض على زمام السلطة، ومن خلال سلطة الهيمنة على الإدارات مثل سلطة الريجي إلى أخذ ثروات اللبنانيين. وقبل المتصرفية، أي في أيام الإمارة الشهابية كانت تجارة الحرير من جبل لبنان عبر مرفأ بيروت إلى مرسيليا، حيث استفادت فرنسا من العلاقات التجارية في هذا الأمر لكن الأساس في هذا الموضوع قد حصل عبر السلطة الاستعمارية التي بقيت جاثمة طيلة عقود من الزمن.

 ما هي الخطوات التي اتبعها الفرنسيّون لتعزيز الثقافة الفرنسيّة في لبنان؟

فيما يخص الثقافة الفرنسية في لبنان، أنت تدرك جيداً أن الاستعمار الغربي عندما دخل إلى أفريقيا ودخل إلى المستعمرات، قوبل بمقاومة شديدة، وأدرك الاستعمار البريطاني والفرنسي أن الاستعمار المباشر يؤدي إلى المقاومة، لذلك كانت الفكرة هي الاستعمار الثقافي. هذا الاستعمار الثقافي بدأ من خلال الفرنسيين، أي قبل قيام متصرفية جبل لبنان، أي في القرن التاسع عشر، بدأ بإنشاء المدارس في لبنان التي تُعلّم التربية الدينية الفرنسية المسيحية الإكليريكية، وتعلّم اللغة الفرنسية، وأيضاً من خلال المنح التي كان يُرسل فيها أبناء بعض الطوائف إلى فرنسا. هذا الجو سمح بإعداد كادر قبل دخول فرنسا إلى لبنان، وسرعان ما أدارت فرنسا البلد من خلال هذا الكادر. أي فرنسا عندما دخلت إلى لبنان عام 1918، وعمدت إلى ضمّ المناطق الأربعة إلى الجبل، الكيان اللبناني عام 1920، ومن ثم إلى وضع دستور للبنان.

كانت الإدارة الحقيقية لهذا البلد من خلال المفوض السامي الفرنسي، ولكن الطاقم الذي أدار البلد، كان من الكادر الذي أُعدّ في المدارس والإرساليات التبشيرية، والذي أُعدّ في فرنسا من خلال الطلاب والمثقفين الذين درسوا في فرنسا. هذا مدخل، المدخل الآخر أن التغيير الثقافي ليس من خلال الكادر فقط، وإنما عندما جُعلت اللغة الفرنسية هي لغة المداولات في المراسلات الرسمية في لبنان. أي أن اللغة العربية حلّت في لبنان بعد الاستقلال في دستور عام 1943، عندما تم تعديل المواد الدستوريّة، وجعل دستور الاستقلال اللغة العربيّة هي اللغة الرسميّة.

في الاستعمار الثقافي، يبرز هنا دور نزوع بعض الطوائف في لبنان في التطلع نحو الغرب، باعتبار أن هذه الطوائف كانت تعتبر نفسها من الأقليات، والأقليات مثخنة بالخوف من الآخر في محيط إسلامي مترامي الأطراف، فكان التطلّع نحو الغرب، نحو الثقافة الغربية، لذلك كان الميثاق الوطني اللبناني الذي اعتُمد عام 1943، على أساس لا شرق ولا غرب، والدليل قبل الميثاق كان هناك طوائف تتطلع إلى الشرق الإسلامي، وبعض الطوائف تتطلع نحو الغرب، الميثاق قد جمع النفيين، لا شرق ولا غرب، ذو وجه عربي، أي نتطلع إلى الغرب وإلى الشرق. إنّ الذي كرّسته فرنسا هي أنّها استفادت من الخوف عند بعض الطوائف، وهي أيضاً عمدت قبل قرون، أي قبل دخولها عام 1918، إلى تكريس نظام الامتيازات في جسد السلطة العثمانيّة الذي يُعطي فرنسا الحقّ في حماية الطوائف، حماية الطوائف بمعنى التدخل المباشر في الطوائف، فكان بناء الأديرة والمدارس التي كرّست الثقافة الفرنسية، وهذا ما يؤدي إلى تغيير ثقافي يُساعد على إدارة مستعمراتها.

 ماذا عن المناهج الدراسيّة؟

طبعاً، فيما يخص المناهج الدراسية كانت حسب الطوائف، كان لدى المسلمين تعليم الحساب والقرآن والنحو والصرف والبلاغة في المدراس الإسلامية والكتاتيب والمدارس الإعدادية الرسمية، ودخلت المناهج الأجنبية في الإرساليات، كان لدينا الجامعة الأمريكية وجامعة القديس يوسف، وكان لدينا بعض المدارس الإعدادية الخاصة، وأهم شيئ في هذه المدارس هي اللغة الفرنسية، والتراث الفرنسي والأدب الفرنسي، مما أدّى إلى خلق جيل يتطلّع إلى الثقافة الفرنسية.

 هناك مقولة مُتداولة أن فرنسا هي «الأم الحنون» للبنان، ما هي جذور هذه المقولة؟ وهل هي كذلك اليوم؟

إن مقولة فرنسا «الأم الحنون» ناتجة عن ثقافة لدى البعض، فقد قامت المجازر والاحتكاكات التي حصلت في القرن التاسع عشر، 1840 و1860 في لبنان، على خلفية تناقضات داخلية في جبل لبنان حيث الدروز والموارنة، وكذلك قامت على خلفية التدخلات الخارجية في لبنان، أي بريطانيا تدخلت لحماية الدروز، وروسيا لحماية الأورثودكس، وتدخلت فرنسا لحماية الموارنة، هنا نشأت عند الموارنة منذ القرن التاسع عشر، وقبل ذلك عندما دخلت الإرساليات، وقبل ذلك أيضاً عندما دخلت سياسة الامتيازات الفرنسية والاتفاقيات مع الدولة العثمانية، نشأت فكرة «الأم الحنون»، هذه «الأم الحنون» قد رعت قيام الدولة بالنسبة للموارنة، هي أعطت الاستقلال، عندما وضعت دستور عام 1926، وقد وضعت المواد الدستوريّة التي تمكّن من بروز الغلبة، غلبة طائفة على أخرى، ومن هنا عند كل مفصل من المفاصل التاريخية في الأزمات اللبنانية، كانت تتطلع بعض الطوائف نحو فرنسا، وبعض الطوائف تتطلع إلى غير فرنسا، انطلاقاً من هذا الواقع نشأت فكرة «الأم الحنون».

«الأم الحنون» بنظر المسيحيين هي التي عمدت حين تجزئة سوريا إلى أربع دوليات، عمدت إلى جعل لبنان وطنناً واحداً، هذا بالنسبة للمسيحيين. عندما «الأم الحنون»» وضعت دستوراً في لبنان، وضعت دستوراً مستوحى من الدستور الفرنسي، «الأم الحنون» في العلاقات التجارية في لبنان كانت تعتبرها هذه الطائفة ممتازة، «الأم الحنون» حمت معنوياً بعض الطوائف في لبنان ومن هنا جاءت فكرة «الأم الحنون». وأما الخلفية التاريخية لهذه المقولة، فدائماً الأم تعطف على أولادها دون مقابل، ولكن الأمر بالنسبة لفرنسا ليس هكذا. فقد استمالت بعض الطوائف بما يخدم سياستها الاستعمارية، «الأم الحنون» لا تترك أبنائها. اليوم الأمريكيين في أفغانستان والعراق قدّموا أنفسهم «الأم الحنون»، وأين فرنسا اليوم من الأزمة في لبنان.

بناءً على ما تقدّم، برأيكم هل تتحمل فرنسا جزءاً من الأزمات التي يعاني منها اللبنانيون حالياً؟

لا تزال فرنسا تتحمل جزءاً منها بطبيعة الحال. لأن ما يشهده لبنان هو نتيجة اختلال في نظامه السياسي، وما فعلته فرنسا هو أنها أعدّت دستوراً طائفياً، يُعطي بعض الطوائف أرجحية على أُخرى، هذا قبل دستور الطائف، ما فعلته فرنسا أنها كرّست عُرف، وحتى لم تكن هناك المادّة 95 التي تُكرّس حكم الطوائف، أنها كرّست عُرف الرئاسة لبعض الطوائف، رئاسة الجمهورية، وعندما مال المسلمون والمسيحيون لتأييد الشيخ محمد الجسر عام 1932 لانتخابه رئيساً للجمهورية، قد عطّلته فرنسا، وعلّقت الدستور، مما يعني أنه إلى جانب البنود الدستورية، قد كرّست النظام الطائفي من الناحية العملية، وعمدت إلى استحداث قوانين طيلة مراحل الانتداب، استحداث قوانين تحجز مقاعد انتخابية وفقاً للأسس الطائفية، هذا الأمر أدّى إلى شعور المسلمين بالغبن، وإلى شعور المسيحيين بتبديد الخوف. هذه الثنائية تقابلها هذه المواد الدستورية التي تعصمهم من الطغيان الإسلامي، وهذا الغُبن أدّى فيما أدى إلى حدوث الصدامات في الحرب الأهلية عام 1975، هذا الأمر كلّف لبنان 15 عاماً من الحرب الأهلية، وهذا الأمر قد جعل النظام اللبناني مفتوحاً على دورات من الأزمات المتلاحقة بفعل النظام السياسي.

إذاً، كانت فرنسا ولا تزال تتحمّل هذه الأزمة، وإن كان هذا التحمّل عن بعد، باعتبارها قد ركنت حالياً إلى الداخل ومصالحها في غير لبنان، ولكنها من الناحية التأسيسية، كونها كانت راعية لقيام الدستور، ولأنظمة الانتخاب في لبنان وبناء نظام سياسي محكوم وفقاً للأسس الطائفية، فإنها، ومن الناحية التأسيسية الأولى، تتحمل جزءاً من المشاكل التي يرزح تحتها لبنان.

نظراً إلى ما طرحه الإمام الخامنئي في لقاءه الأخير مع النّخب حول وجود تلازم بين الغفلة والنّهب، وكون الغفلة مقدّمة لنهب الشعوب، ونهب الشعوب سبباً في ارتفاع مستوى الغفلة، برأيكم ما هو السّبيل للشعب اللبناني، الذي لا زال يعاني من آثار الاستعمار، في هذا الصدد؟

بالطبع، ثمة علاقة جدلية بين الغفلة ودوام التسلّط والاستعمار وغير ذلك. يُمكن تشخيص الغفلة في لبنان من خلال مقولة «قوّة لبنان في ضعفه». قوّة لبنان ضعفه، أي الضعف اللبناني الذي يعطيه قوّة. هذه تُشكل غفلة تاريخية، أي عندما نُشعر الآخر أننا ضعفاء ونظنّ أن الآخر سوف يتعاطى معنا بلين. ولكن الدول، لاسيّما الدول الاستعمارية، محكومة لمصالحها الاستعمارية، لذلك نجد أنّ فرنسا «الأم الحنون» لم تعطِ لبنان استقلاله.

الاستقلال في لبنان انتُزع انتزاعاً.

الغفلة هي الغفلة عن المصالح، الغفلة عن ما تُريده الدول من لبنان. وأما السبيل للخروج من الغفلة هو أولاً العودة إلى التراث اللبناني. التعايش بين الطوائف وهو سابق على تكوين الدولة، بمعنى أنه عندما تأسست الدولة وفق النظام السياسي، تحوّلت الطوائف إلى طوائف بالمعنى السياسي، فيما الطوائف بالمعنى الديني والثقافي فهي طوائف متعايشة مع بعضها.
أن نعود إلى جذور هذا التاريخ، وأن نكرّس هويّة الانتماء إلى الوطن، وليس الانتماءات الجزئية. إنّ هويّة الانتماء إلى الوطن تحتاج إلى الوعي الوطني، وهويّة الانتماء إلى الوطن تعني حبّ الوطن، حبّ الوطن يعني التحفّز للدفاع عن الوطن وهذا ما جسّدته المقاومة الإسلاميّة في لبنان.

/110
https://taghribnews.com/vdcdnj0k9yt0xo6.422y.html
الإسم الثلاثي
البريد الإلكتروني
أدخل الرمز