تاريخ النشر2010 6 December ساعة 09:40
رقم : 33042

عالية آل فريد : التطرف الديني والجهل بالاخر والتمييز الطائفي من معوقات التسامح

إرساء ثقافة التسامح ليس بالشيء الصعب والأمر العسير ولكن هناك معوقات تحد من نشر هذه الثقافة. مشيرة إلى أن كافة الأديان والمعتقدات ومبادئ حقوق الإنسان تحث على التسامح وقبول الآخر.
الناشطة الحقوقية عالية آل فريد
الناشطة الحقوقية عالية آل فريد
وكالة انباء التقريب (تنا) :
المناسبات الإنسانية العالمية التي اعتمدها المؤتمر العام لليونسكو في دورته الثامنة والعشرين - ١٩٩٥م، الاحتفال باليوم العالمي للتسامح في السادس عشر من تشرين الثاني / نوفمبر من كل عام. بالعمل على النهوض بالإنسان وحريته وتقدمه في كل مكان، وتشجيع التسامح والاحترام والحوار فيما بين مختلف الديانات والثقافات والشعوب. 

مركز آفاق للدراسات والبحوث وفي إطار برنامجه من أجل تعزيز ثقافة التسامح والوسطية والاعتدال ونبذ الغلو والعنف ومكافحة ثقافة الكراهية، أجرى حوارا مع الناشطة الحقوقية عالية آل فريد من المملكة العربية السعودية، حيث أوضحت أن مناسبة مثل هذا اليوم هي دعوة العالم لاسترجاع " صحوة الضمير" تتيح للعالم والمجتمعات فرصة أوسع من التفاهم وسيادة القيم الإنسانية والوطنية لدعم مسيرة التنمية والتقدم.

س : بداية كيف ترون هذه المناسبة «اليوم العالمي للتسامح»؟ وما مدى تأثيرها على مجتمعات وشعوب العالم؟

ج : تبرز اليوم حاجة مجتمعاتنا العربية والإسلامية لمبدأ التسامح أكثر من أي وقت مضى، نظرا للفوضى السياسية والاقتصادية العارمة التي تضرب أطنابها جميع مفاصل الأمة وتجتاح مجتمعاتنا بدأ بالفساد السياسي والاقتصادي والفساد الإداري والتطرف الديني الذي أدى وفي زمن قياسي إلى وأد الكثير من البشر، فبلمحة خاطفة يمكننا أن نتصور ما آلت إليه الأمة من قتل وإبادة وخطف وتهجير وفقر وحرمان وقمع للحريات، ناهيك عن العمليات المفخخة والتفجيرات الانتحارية التي حصدت الكثير من الضحايا وآلاف الأبرياء، وخسائر في الأرواح والممتلكات التي يدمي لها القلب ويتأسى لها الضمير الإنساني.

ناهيك عما يحدث في مجتمعاتنا من ثقافة إقصائية نحو أحادية الرأي والتفكير التي تبعث على الكراهية وممارسة التمييز والنظرة الدونية إلى الآخر وإثارة الأحقاد والضغائن بين أفراد الوطن الواحد، وتفجير الصراعات بينهم لمجرد اختلاف آرائهم وتوجهاتهم ومذاهبهم.

إن مناسبة مثل هذا اليوم هي دعوة العالم لاسترجاع " صحوة الضمير " تجاه ما جرى ويجري من أحداث فتكت بالأمة وأنهكت قواها بالعودة إلى جمال الأخلاق وجمال التسامح، نعم التسامح الذي يدعوا العالم للمحبة والرحمة والعدل والتعاون، ويدعو الأمة للعمل على إزالة التراكمات السلبية وإزالة التشوهات الفكرية التي تعمدا إرهابيو هذا العصر تشويه صورة الإسلام والمسلمين بها، ورفض العنف والتطرف ونبذ ثقافة التمييز والحقد والكراهية.

إن مناسبة هذا اليوم تتيح للعالم وللمجتمعات فرصة أوسع من التفاهم وسيادة القيم الإنسانية والمشتركات الوطنية لدعم مسيرة التنمية والتقدم. لذلك حرصت هيئة الأمم المتحدة على الاحتفاء بهذا اليوم من خلال إحدى وكالاتها والتي أعتمدها المؤتمر العام لليونسكو في دورته الثامنة والعشرين - ١٩٩٥ م بالاحتفال باليوم العالمي للتسامح كمناسبة إنسانية عالمية لحقوق الإنسان، والعمل على النهوض بالإنسان ودعم حريته وتقدمه في كل مكان، وتشجيع التسامح والاحترام والحوار فيما بين مختلف الديانات والثقافات والشعوب.

س : تسعون إلى إرساء ثقافة التسامح بين شعوب العالم، هل هذا الأمرمن السهولة بمكان تحقيقه؟ وما هي المعوقات التي تحد من نشر لغة التسامح في رأيك بين الشعوب؟

ج : طبعا التسامح في حقيقته مبدأ سامي وفضيلة إنسانية وإسلامية راقية متأصلة في شخصية كل إنسان ولد على هذه الأرض، ولكن هذه القيمة تخبو بين فترة وأخرى نتيجة لما يعيشه المرء من ظروف مجتمعية وحياتية وموروثات ومتغيرات تؤثر عليه سلبا ونتيجة للتنافسات والتجاذبات البشرية تتقهقر هذه القيمة في نفسه وتتراجع، فتولد العنف في نفسه تجاه الآخرين، ولذلك فإن الأديان السماوية والتعاليم الدينية ومبادئ حقوق الإنسان تدق الجرس لتخلق وعيا وصحوة لتجسيد هذا المبدأ في التسامح مع الآخر وقبوله. فإرساء ثقافة التسامح ليس بالشيء الصعب والأمر العسير، ولكن هناك معوقات تحد من نشر هذه الثقافة كما ذكرت أرى من أبرزها أمور عدة مثل التطرف الديني والجهل بالآخر، التعصب والتمييز بسبب اللون أو الجنس أو الدين، التمييز الطائفي، التهميش والإقصاء وعدم المساواة بين المواطنين في الحقوق والواجبات وتكافؤ الفرص وغيرها، كل هذه مسببات في نظري تعيق نشر هذه الثقافة.

س : هل بمقدور التربية على ثقافة التسامح واحترام الآخر أن تسهم في تعزيز الوعي بأهمية احترام الاختلافات بين البشر؟

ج : من المؤكد ذلك، وعلينا أن نبدأ من الأسرة التي هي اللبنة الرئيسية في تشكيل المجتمع وذلك بتعليم أبنائنا وبناتنا أن كافة الأديان والمعتقدات تحث على التسامح وقبول الآخر، وتنبذ العنف والكراهية، والمؤسسات التربوية والبيئة الاجتماعية مسؤولة أيضا، ولابد أن تكون حريصة على غرس المحبة نحو الآخر في دعوة الفرد نحو التعاون الإيجابي والتفاعل الفكري والثقافي والاحترام المتبادل.

س : البعض يرى أن مراقبة المنابر الإعلامية والدينية والثقافية يعد انتهاكا لحق التعبير، فيما يطالب البعض بمراقبتها لمنع التحريض وثقافة التعصب والكراهية ضد الآخر، كيف توازنون بين هذه التناقضات؟

ج : حرية الرأي والتعبير مكفولة للجميع، فلكل شخص أن يفكر ويعتقد ويعبر عن فكره ومعتقده دون تدخل أو مصادرة من أحد، مادام يلتزم الحدود العامة التي أقرتها الشريعة الإسلامية والدساتير المحلية والمواثيق الدولية، فلا يجوز إذاعة الباطل أو نشر ما فيه ترويج للفاحشة أو إضعافا للأمة، وبالتالي فلا حظر على نشر المعلومات والحقائق الصحيحة طبعا إلا ما يكون في نشره خطرا على أمن واستقرار المجتمع والدولة، فالثقافة والإبداع في الفكر وإذاعة الإصلاح والنقد، وتعميم قيم الخير والحب والجمال والعدالة شرط من شروط الحرية ولكن ضمن الالتزام بضوابط مهنية وأخلاقية ودينية معمولا بها ومتفق عليها إنسانيا ودوليا، وهذا كما ينطبق على الفرد ينطبق على الجماعة أو المؤسسة.

وهنا يمكن أن أشير إلى أن المادة ١٩ من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان نصت على حق الإنسان في اعتناق الآراء دون مضايقة، وأيدتها في ذلك الفقرة الأولى من المادة ١٩ من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية، إذ تذهب أن لكل فرد الحق في اعتناق الآراء دون تدخل، وحول حرية التعبير فهي ملحقة بقيود تحد من إطلاقها وقد نصت عليها الفقرتان الثانية والثالثة من العهد .

س : هناك من يتهم المناهج الدراسية في عالمنا العربي بنشر ثقافة التطرف والتحريض ضد الآخر؟ ما رأيكم في ذلك؟

ج: في الواقع الإشارة رائعة في طرحكم لهذا السؤال، فذات مرة قرأت تقريرا في وكالة الأنباء العالمية "انتر بريس سيرفس " يشير إلى الأوضاع في باكستان وفي مدينة "بيشاور" بالتحديد الذي يندلع فيها العنف ويشتعل فيها فتيل التطرف والاشتباكات بين آونة وأخرى، وعلى لسان رئيس مجلس المناهج الدراسية بمقاطعة الحدود الشمالية - عبد الرحيم مروات - يقول فيه: " لو نجحنا في استئصال الكراهية والتطرف من المناهج الدراسية في باكستان، لأصبح تحقيق السلام أقرب مما يبدو، فالمواد التي تدرس حاليا تساعد على تأجيج نيران التطرف الديني في البلاد "، وأضاف مروات " أن المؤسسات التعليمية قد تحولت لسنوات طويلة وبدون وعي إلى أدوات لنشر التطرف .

وفي الحقيقة عندما ننظر لواقع مجتمعاتنا التي تبرز فيها مظاهر العنف والتعصب والتطرف الديني فإننا نلحظ بأن هناك قصورا واضحا، فلو أخذنا المملكة العربية السعودية على سبيل المثال فبالرغم من قرار مجلس الشورى السعودي لمشروع قانون يشدد على أن الاعتدال هو جوهر الدين الإسلامي في المناهج الدراسية ويدعو من خلاله إلى تدريب الطلاب على أساليب الحوار، إلا في المقابل هناك قصور واضح فلا تزال المناهج الدراسية إلا ما ندر وبشكل متواضع جدا ومحدود، تنطلق من أحادية فكرية حادة ترفض الإقرار بواقع الاختلاف والتعددية فضلا عن مشروعيته، ويرسخ النظرة الدونية تجاه الآخر .

س: رسالة الأديان هي في الأساس رسالة التسامح والمحبة والسلام، ونبذ كل مظاهر الكراهية والتعصب بين أصحابها كيف نؤسس لمضامين هذه الرسالة على الواقع؟

ج : حتى نؤسس لمضامين هذه الرسالة فهي لا تعتمد على جهود أفراد بل تحتاج إلى جهود مشتركة بين الشعوب والحكومات وبين الأنظمة والمجتمعات في تبني مشاريع وإستراتيجيات وصياغة برامج عمل ومتابعات، بالإضافة إلى تشجيع المبادرات الوطنية والأهلية التي تشكل أرضية وقاعدة صلبة مشتركة قوامها مصلحة الوطن والمجتمع والأمة، وقبل كل شيء الاحتفاء بالإنسان كإنسان والدفاع عن حقه في الوجود والحرية والتعددية وتحقيق العدالة والمساواة.

س : ماذا عن رؤيتكم حول المبادرات الدولية في تعزيز قيم التسامح والوسطية؟ وماذا عن مؤسسات المجتمع المدني والمؤسسات الأهلية في ذلك؟

ج : بحد ذاتها كمبادرات وكقيم ونصوص لا غبار عليها، وهي بالنتيجة تعود لمنظومة الأمم المتحدة، بمعنى آخر هي اتفاقات والتزامات دولية بين أنظمة وحكومات فهل ستطبق أم لا، فهذا يعود للإلزام الأخلاقي والعرف الدولي الإنساني من جهة ولحماية النظام نفسه من جهة أخرى فالعالم تغير ومسيرة وعي الشعوب تتقدم والبقاء للأصلح، وعهد الحكومات القمعية والدكتاتورية والاستبداد والتسلط على رقاب الشعوب لا يتناسب اليوم مع ما يعيشه العالم من تطورات علمية ديمقراطية سياسية واقتصادية وثقافية، وكلنا يدرك ما أثبتته تجارب التاريخ في أن النظام الذي لا يتغير ويتطور محكوم عليه بالجمود والفشل والعزلة والخروج من التاريخ، لذلك فالمسؤولية هنا مشتركة بين دور مؤسسات المجتمع المدني والأهلي في الضغط والمطالبة والدفاع عن الكرامة الإنسانية وحقوق الإنسان، والدفع بجدية نحو سيادة القانون في إرساء العدل والمساواة والمواطنة وتحقيق قيم الحرية والتحول الديمقراطي. وبين الحكومات والأنظمة السياسية في الإسراع لتفعيل مؤسسات ومنظمات المجتمع المدني في دولها، وتفعيل دورها كشريك مع الدولة في رسم السياسات والإستراتجيات وصياغة برامج عمل لتعزيز الحوار والشراكة بينها وبين هذه المؤسسات التي تنهض بالمجتمع ككل، وهذا طبعا يعتمد على طبيعة العلاقة بين الدولة والمجتمع المدني إذ أنه من الملاحظ بأنه هناك تفاوت بين دولة وأخرى، فبعض الدول تمتلك علاقة متبلورة تقوم على أساس الثقة والاعتماد المتبادل بين الطرفين، والبعض الآخر لازالت علاقته مع هذه المؤسسات في طور التشكل وتتجاذبها توجهات وتيارات متناقضة.

لذلك دور المجتمع المدني مهم وكبير جدا لاسيما في نشر ثقافة التسامح فهو يساهم في العمل على سيادة ثقافة مدنية تقوم على أساس قبول الآخر المختلف، وإقرار التعددية داخل المجتمع، ولديه القدرة على حل الصراعات بطريقة سلمية وديمقراطية.

المصدر : شبكة راصد الإخبارية - « حوار: حسين زين الدين  »
https://taghribnews.com/vdcdxz0s.yt0so6242y.html
الإسم الثلاثي
البريد الإلكتروني
أدخل الرمز