تاريخ النشر2018 26 September ساعة 13:41
رقم : 362054
الامام السجاد في الأسر من الكوفة الى الشام

خطبة الإمام زين العابدين (ع) في الكوفة وهو في قيد المرض والأسر

تنا
البطولة التي أبداها الإمام السجاد عليه السلام بعد كربلاء ، وهومریض و في أسر الاعداء ، وفي الكوفة في مجلس أميرها ، وفي الشام في مجلس ملكها ، لا تقلّ هذه البطولة أهميّة ـ من الناحية السياسيّة ـ عن بطولة الميدان ، وعلى الأقلّ : لا تقف تلك المواقف البطوليّة من هالته المصارع الدامية في كربلاء ، أو فجعته التضحيات الجسيمة التي قدّمت أمامه ، ولا يصدر مثل تلك البطولات ممّن فضّل السلامة !
خطبة الإمام زين العابدين (ع) في الكوفة  وهو في قيد المرض والأسر
و لا يمكن أن يصدر مثل ذلك إلّا من صاحب قلب جسور ، صلب يتحمّل كلّ الآلام ، ويتصدى لتحقيق كلّ الآمال ، التي من أجلها حضر في ميدان كربلاء من حضر ، وناضل من ناضل ، واستشهد من استشهد ، والآن يقف ـ ليؤدّي دوراً آخر ـ من بقي حيّاً من أصحاب كربلاء ، ولومریض و في الأسر !
 
إنّ الدور الذي أدّاه الإمام السجاد عليه السلام ، بلسانه الذي أفصح عن الحقّ ببلاغة معجزة ، فأتمّ الحجّة على الجميع ، بكلّ وضوح ، وكشف عن تزوير الحكّام الظالمين ، بكلّ جلاء ، وأزاح الستار عن فسادهم وجورهم وانحرافهم عن الإسلام ، إن هذا الدور كان أنفذ على نظام الحكم الفاسد ، من أثر سيف واحد يجرّده الإمام في وجه الظلمة ، إذ لم يجد معينا في تلك الظروف الصعبة !.
لكنّه كان الشاهد الوحيد ، الذي حضر معركة كربلاء بجميع مشاهدها ، من بدايتها ، بمقدّماتها وأحداثها وملابساتها وما تعقّبها ، وهو المصدّق الأمين في كلّ ما يرويه ويحكيه عنها.
فكان وجوده استمراراً عينيّا لها ، وناطقاً رسميّاً عنها.
مع أنّ وجوده ، وهو أفضل مستودع جامع للعلوم الإلهيّة بكلّ فروع : العقيدة ، والشريعة ، والأخلاق ، والعرفان ، بل المثال الكامل للإسلام في تصرّفاته وسيرته وسنته ، والناطق عن القرآن المفسّر الحيّ لآياته ، إن وجوده ـ حيّاً ـ كان أنفع للإسلام وانجع للمسلمين في ذلك الفراغ الهائل ، والجفاف القاتل ، في المجتمع الإسلامي.
كان وجوده أقضّ لمضاجع أعداء الإسلام من ألف سيف وسيف ، لأنّ الإسلام إنّما يحافظ عليه ببقاء أفكاره وقيمه ، والأعداء إنّما يستهدفون تلك الأفكار والقيم في محاولاتهم ضدّه ، وإذا كان شخص مثل الإمام موجوداً في الساحة ، فإنه ـ لا ريب ـ أعظم سدّ أمام محاولات الأعداء.
وكذلك الأعداء إنما يبادون بضرب أهدافهم ، واجتثاب بدعهم وفضح أحابيلهم ، والكشف عن دجلهم ، ورفع الأغطية عن نيّاتهم الشرّيرة تجاه هذا الدين وأهله ، والإفصاح عن مخالفة سيرتهم للحقّ والعدل.
وعلى يد الإمام السجاد عليه السلام يمكن أن يتمّ ذلك بأوثق شكل وأتمّ صورة ، وأعمق تأثير.
و أليس الجهاد بالكلمة واحداً من أشكال الجهاد ، وإن كان أضعفها ؟ بل ، إذا انحصر الأمر به ، فهو الجهاد كلّه ، بل أفضله ، في مثل مواقف الإمام السجاد عليه السلام ، كما ورد في الحديث الشريف ، عن رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم : « أفضل الجهاد كلمة حقّ عند سلطان جائر »
 
و من خطب الامام السجاد (ع) فی الأسر خطبته  في الكوفة
 

أومأ الامام علی بن الحسین (ع)  إلى الناس الذین  کانو بین سائل  و مجیب ؟ هل هم خوارج كما يزعم ابن زياد؟  اشار الامام السجاد  أن اسكتوا ، فسكتوا ، فقام (ع) قائماً ، فحمد الله وأثنى عليه وذكر النبي بما هو أهله فصلّى عليه ، ثمّ قال :
 
« أيّها الناس من عرفني فقد عرفني ، ومن لم يعرفني فأنا أعرفه بنفسي : أنا علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب ، أنا ابن المذبوح بشطّ الفرات من غير ذحل ولا ترات  ، أنا ابن من انتهك حريمه وسلب نعيمه وانتهب ماله وسبي عياله ، أنا ابن من قتل صبراً وكفى بذلك فخراً.
 
أيّها الناس ، ناشدتكم الله هل تعلمون أنّكم كتبتم إلى أبي وخدعتموه وأعطيتموه من أنفسكم العهد والميثاق والبيعة وقاتلتموه وخذلتموه ؟! فتبّاً لما قدمتم لأنفسكم وسوءاً   لرأيكم ، بأيّة عين تنظرون إلى رسول الله صلّى الله عليه وآله اذ يقول لكم : قتلتم عترتي وانتهكتم حرمتي فلستم من أمّتي ؟! ».
 
یقول  الراوي  : فارتفعت أصوات الناس من كلّ ناحية ، ويقول بعضهم لبعض : هلكتم وما تعلمون.
 
فقال : « رحم الله امرءاً قبل نصيحتي وحفظ وصيّتي في الله وفي رسوله وأهل بيته ، فان لنا في رسول الله أسوة حسنة ».
 
فقالوا بأجمعهم : نحن كلّنا يابن رسول الله سامعون مطيعون حافظون لذمامك غير زاهدين فيك ولا راغبين عنك ، فأمرنا بأمرك يرحمك الله ، فإنّا حرب لحربك وسلم لسلمك ، لنأخذن يزيد ونبرأ ممّن ظلمك وظلمنا.
 
فقال عليه السلام : « هيهات هيهات ، أيّها الغدرة المكرة ، حيل بينكم وبين شهوات أنفسكم ، أتريدون أن تأتوا إليّ كما أتيتم إلى أبي من قبل ؟! كلّا وربّ .... ، فان الجرح لما يندمل ، قتل أبي صلوات الله عليه بالأمس وأهل بيته معه ، ولم ينسني ثكل رسول الله صلّى الله عليه وآله وثكل أبي وبني أبي ، ووجده بين لهواتي ، ومرارته بين حناجري وحلقي ، وغصصه تجري في فراش صدري.
ومسألتي أن لا تكونوا لنا ولا علينا ».
ثمّ قال :                
« لا غرو إن قتل الحسين وشيخه        
قد كان خيراً من حسين وأكرما
فلا تفرحوا يا أهل كوفان بالذي
أصاب حسيناً كان ذلك أعظما
قتيل بشط النهر روحي فداؤه
           
جزاء الذي أراده نار جهنما »
 
ثمّ قال عليه السلام : « رضينا منكم رأساً برأس فلا يوم لنا ولا علينا ».

 
وهكذا طبق الإمام  السجاد عليه السلام هذه الحكمة البالغة ، وأدّى رسالته الإلهيّة من خلال خطبه وكلماته ومواعظه وأحاديثه ، في جميع المواقف العظيمة التي وقفها ، وهو في الأسر.من الکوفة الی الشام و الى مجلس يزيد .....
 
وإذا كان الظالمون يعتدون على المصلحين والأحرار بالقتل والسجن ، فإنّما ذلك ليخنقوا كلّ صوت في الحناجر ، ولئلّا يسمع الناس حديثهم وكلامهم.
 
وإذا ذبح  الامام الحسين عليه السلام وقتل في كربلاء ، فإنّ نداءاته ظلّت تدوّي من حنجرة الإمام السجّاد عليه السلام في مسيرة الأسرى ، وفي قلب مجالس الحكّام.
 
وليس من الإنصاف ، في القاموس السياسي ، أن يوصف من يؤدي هذا الدور ، بالانعزال عن السياسة ، أو الإبتعاد عن الحركة والنضال !
 
بل ، إذا كانت حركة الإمام الحسين عليه السلام سياسيّة ، كما هي كذلك بلا ريب ، إن الإمام زين العابدين عليه السلام من أقوى العوامل في تخليد الثورة الحسينيّة ، وتفاعلها مع عواطف المجتمع وأحاسيسه ، وذلك بمواقفه الرائعة التي لم يعرف لها التاريخ مثيلاً في دنيا الشجاعة والبطولات ! أمّا خطابه في بلاط يزيد فإنّه من أروع الوثائق السياسيّة في الإسلام .
 
وبرز الإمام زين العابدين عليه السلام على مسرح الحياة الإسلاميّة كألمع سياسي إسلامي عرفه التاريخ ، فقد استطاع بمهارة فائقة ـ وهو في قيد المرض والأسر ـ أن ينشر أهداف الثورة العظمى التي فجّرها أبوه الإمام الحسين (ع)  القائد الملهم للمسيرة الإسلاميّة الظافرة ، فأبرز قيمها الأصليّة بأسلوب مشرق كان في منتهى التقنين ، والأصالة ، والإبداع.

اعداد وتدوين علي اكبر بامشاد
 
https://taghribnews.com/vdcji8etxuqemyz.3ffu.html
الإسم الثلاثي
البريد الإلكتروني
أدخل الرمز