تاريخ النشر2011 8 February ساعة 02:30
رقم : 38903
مولود شهر الربيع

﴿وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ )١

وكالة أنباء التقريب (تنا)
فقد وجهت النصوص الشرعية إلى التزام الأخلاق الحميدة وان الخلق الحسن من أفضل القربات حيث يقول الرسول الأكرم : ( أَحَبُّكُمْ إِلَيَّ وَأَقْرَبُكُمْ مِنِّي مَجْلِسًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَحَاسِنُكُمْ أَخْلاقًا ، وَأَبْغَضُكُمْ إِلَيَّ وَأَبْعَدُكُمْ مِنِّي مَجْلِسًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَسَاوِئُكُمْ أَخْلاقًا)٧
الشيخ محمد عبد الغني عطية
الشيخ محمد عبد الغني عطية


الشيخ محمد عبد الغني عطية 

لقد كان للأخلاق الدور الكبير في كافة الأمم وعلى مدى العصور مما حذا بظهور نظريات أخلاقية متنوعة، ولأن تعريف الأخلاق يشير إلى كافة الأفعال الصادرة عن الإنسان محمودة كانت تلك الأفعال أم مذمومة كما قال ابن مسكويه:( إن الخُلق هو تلك الحالة النفسانية التي تدعو الإنسان لأفعال لا تحتاج إلى تفكر وتدبر)٢ فلقد كان لتلك النظريات دوراً في تمييز الأخلاق المحمودة من المذمومة من حيث المنشأ والتأثير فلقد ذهب سقراط٣ على سبيل المثال إلى أن العلم منشأ الأخلاق المحمودة والفضائل، والجهل منشأ الأخلاق المذمومة والرذائل ولذا فقد دعا إلى رفع المستوى العلمي للمجتمع ليحارب بالعلم الرذائل وتحل الفضائل محلها ولكن هذه النظرية واجهت سيلاً من النظريات المخالفة لها ومنها النظريات التي تنطلق من أرض الواقع والتي تحكي وتقسم فئات الناس إلى عدة أقسام )

ومن هذه الأقسام: فئة إذا تعرفت على الرذائل وقبحها وعلمت ما في الفضائل من فوائد فإنها تهجر الرذائل إلى الفضائل وهذا القسم يتفق مع النظرية السابقة أما القسم الثاني فتمثل تلك الفئة التي وصلت بالعلم إلى فهم وإدراك قبح الرذائل وأدركت بالعلم جمال الفضائل إلا إنها مع ذلك كله تلتزم الرذائل ولا تغادرها وقد أيدت النظرية الإسلامية هذا الواقع الذي يشير إلى ان مجرد العلم بالشيء ليس دلالة على الالتزام بأبعاده من قبل البشر فقد تصدر المخالفة مع العلم بجرم المخالفة، ولذا فقد حذر الإسلام عبر الآيات الكريمة والروايات الشريفة من هذا القسم من الناس لأنهم يمثلون علماً مزيفاً لا فائدة منه فقد قال تعالى : ‏﴿ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ ﴾٤ فالتفوق للذين يعلمون على الذين لا يعلمون ليس في حالة العلم النظري فحسب بل في حالة العلم العملي كذلك بل إنهم غير متساويين في العقاب كذلك في حال المخالفة وارتكاب الجرم مع العلم بحرمته، ولذا جاء في الرواية ( يُغْفَرُ لِلْجَاهِلِ سَبْعُونَ ذَنْباً قَبْلَ أَنْ يُغْفَرَ لِلْعَالِمِ ذَنْبٌ وَاحِدٌ)٥ وهي دعوة جلية لترجمة الأخلاق من الاعتقادات النظرية واللفظية إلى السلوك العملي.

وتأكيداً لهذا المطلب عارضت النظرية القرآنية تلك النظريات التي ذهبت إلى ان الأخلاق ثابتة لا تتغير فمن ولد شريراً يبقى على شره حتى قيام الدين وهكذا العكس! وجاءت الآيات الكريمة التي تشير إلى أن الشرائع السماوية ودعوة الأنبياء أكبر دليل على قابلية التغير وإلا لما تكون الدعوة لأمم ثابتة على أخلاقها؟ لا أمل من التغيير فيها وما الهدف من إرسال الرسل والأنبياء ؟ قال تعالى: ( هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ )٦ فإذا كانت القضية ثابتة فما الهدف من التزكية والتعليم؟ هذا عدا ما فيها من القول بالجبر لو سلمنا بتلك النظرية!
ولذا فقد وجهت النصوص الشرعية إلى التزام الأخلاق الحميدة وان الخلق الحسن من أفضل القربات حيث يقول الرسول الأكرم : ( أَحَبُّكُمْ إِلَيَّ وَأَقْرَبُكُمْ مِنِّي مَجْلِسًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَحَاسِنُكُمْ أَخْلاقًا ، وَأَبْغَضُكُمْ إِلَيَّ وَأَبْعَدُكُمْ مِنِّي مَجْلِسًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَسَاوِئُكُمْ أَخْلاقًا)٧ان التميز الحقيقي للأمم يتمثل في أخلاقها مع توفر الأبعاد الأخرى التي تحكم الأخلاق ضمن قيد الأخلاق المحمودة ولذا فإن الدين الإسلامي قد تميز بتوفر كافة ألأركان من عقيدة وفقه وأخلاق، وأصبحت الأخلاق تمثل اختباراً حقيقياً للنجاح حتى قال الشاعر:

إنما الْامَم الْاخْلاق مَا بَقِيَت *** فَان هُي ذَهَبَت اخْلاقَهُم ذَهَبُوْا

وعلى مدار التاريخ كانت الأخلاق تمثل مكانة مهمة ولذا نجد انصراف مصطلح معلم الأخلاق إلى عدد كبير من الشخصيات في كل عصر كآرسطو وأفلاطون وأعظم من ذلك على مستوى الأنبياء فقد كان الحواريون ينظرون إلى النبي عيسى بأنه المعلم الأكبر للأخلاق وجاءت هذه الآية الكريمة التي تصدرت البحث لتقول مهما بلغت درجة الكائنات من الأنبياء أو الفلاسفة أو الأولياء من الأخلاق فإنها لا تبلغ عظمة أخلاق سيد الكائنات محمد فأخلاقه الشريفة قد حازت نظرية الاستعلاء٨ التي دارت عليها الآية الشريفة ( لعلى ) فالأخلاق تتصاغر أمام شخص النبي الأعظم وأنها بالنسبة إليه أي الأخلاق كالعبد بين يدي مولاه، ثم ان الموصوف بعظمة أخلاقه الشريفة عظيمُ، فلقد آتاه الله تعالى ذلك وميزه بها حين قال تعالى : ﴿وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعاً مِنَ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ ﴾٩ وفي معرض الإجابة عن خلق رسول الله ( كَانَ خُلُقه الْقُرْآن )١٠ فالعظمة تتمثل في هذه الشخصية وأخلاقها ولذا فإن من معاجز الإسلام ذلك الإعجاز الأخلاقي في شخص النبي الأكرم فلقد استطاع المصطفى أن يجعل من الأخلاق ركيزة أساسية للدعوة فأصبحت عاملاً مهماً من عوامل الدعوة إلى الإسلام وكم من معتنق للإسلام كانت أخلاق النبي الأكرم سبباً في اعتناقه للإسلام. لقد جاءت الآية الشريفة لا لمجرد المدح والثناء الاعتيادي على أخلاق المصطفى بل للثناء مع الشهادة والبيان على تميز هذه الأخلاق بالعظمة فإذا كانت بعض الصفات كالعبوس ونحوها لا تنسجم مع الأخلاق الحسنة الاعتيادية فمن باب أولى ان لا تصدر من صاحب الأخلاق العظيمة فهي لا تنسجم مع الأخلاق الاعتيادية فضلاً عن الأخلاق العظيمة، خاصة إن أخلاقه الشريفة هي تمام المكارم حيث ورد قوله (إنَّما بُعِثْتُ لأتمِّمَ مكارمَ الأخلاقِ ) ١١.فالآية الشريفة تشير من هذه الجهة إلى العصمة بشكل جلي وتشكل مع آيات أخرى منظومة كاملة تثبت العصمة المطلقة والتميز الأمثل الذي لا مثيل له على الإطلاق فالقرآن الكريم ينفي عن رسول الرحمة الفظاظة وغلظة القلب ﴿فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ﴾١٢ فالفظ صاحب الخلق السيء والأعمال الدنيئة والصفات السيئة باختلاف درجات هذه الصفات كبيرها وصغيرها وكلها ممتنعة على خُلق وشخص الرسول الأعظم لأنه على خلق عظيم ﴿وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ﴾١٣

وغلظة القلب وان كانت لا تشير إلى صاحب الخلق المذموم حصراً فغليظ القلب قد يكون شريف الأخلاق ولكنه يحمل بعض صفات الغلظة من الجفاف الأخلاقي أو انعدام الرحمة أو العبوس أو نحو ذلك وهذا ممتنع كذلك كله على الرسول الأعظم الذي قد أرسل رحمة للعالمين ﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ﴾ ١٤
، إن خُلقاً كهذا لجدير بالمسلمين أن يتعاملوا معه تعاملاً حقيقياً ينعكس في ألفاظهم وأفعالهم وأن يجعلوه موضعاً للتفاعل مع أنفسهم ومع الآخرين مهما اختلفوا معهم فخلق رسول الله أولى بالإتباع ولن تفوز هذه الأمة إلا إذا انتهجت سبل الإتباع الحقيقي بالتأسي الواقعي وتطبيق الآية الكريمة ﴿لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً )١٥
وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين. 

_____________________________________
١- سورة القلم آية ٤
٢- تهذيب الأخلاق وتطهير الأعراق ج١ ص٥١
٣- الأخلاق في القرآن ج١ بتصرف
٤- الزمر ٩
٥- أصول الكافي – ج ١ – ص ٦٧.
٦- سورة الجمعة آية ٢.
٧- سنن الترمذي ٢٠١٩
٨- في ظلال العقيدة والأخلاق ص ١١ بتصرف
٩- سورة الحجر آية ٨٧
١٠- صحيح مسلم ح٧٤٦في صلاة المسافرين
١١- مستدرك الوسائل، ج١١، ص١٨٧، الباب ٦، الحديث ٢
١٢- سورة آل عمران آية ١٥٩
١٣- سورة القلم آية ٤
١٤- سورة الأنبياء ١٠٧
١٥- سورة الأحزاب ٢١

https://taghribnews.com/vdcexo8x.jh8v7ibdbj.html
المصدر : التوافق
الإسم الثلاثي
البريد الإلكتروني
أدخل الرمز

محمد
انا بأيد دين المسلمين وهو ديني والله يرحم الاخ الشيخ محمد متولي
feedback
Palestinian Territory
محمد عبد الغنى ميتولى عبد الرحيم الخطيب
انى احبه فى الله كثيرا
feedback
Egypt