تاريخ النشر2015 26 May ساعة 15:26
رقم : 192614
في ذكری مولد الامام علي ابن الحسين (ع)

التوحيد ‌و‌ الموحد في الصحيفة السجادية

تنا
الصحيفة السجادية ـ التي تدعى بـ "زبور آل محمد" و"إنجيل أهل البيت" ـ هي أهم النصوص الإسلامية وأكثرها اعتماداً من بعد القرآن الكريم. هذا الكتاب القيم هو مجموعة أدعية الامام علي بن الحسين " السجاد" كتبت بيد ولده الباقر بحضور الامام الصادق أيضاً. يقول راوي الكتاب في المقدمة أن هذه الأدعية كانت أولاً 75 دعاءً فُقد منها 11 دعاءً. وما يعرف اليوم بالصحيفة السجادية الكاملة يحتوي على مجرد 54 دعاءً. ويذكر هنا أن هناك أدعية أخرى عن السجاد تذكرها كتب الأدعية والروايات.
التوحيد ‌و‌ الموحد في الصحيفة السجادية
من البحوث الصحيفة السجادية بحوث حول التوحيد بما معناه :

1 - ‌ما‌ ‌هو‌ التوحيد؟
2- ‌من‌ ‌هو‌ الموحد؟
 
ما ‌هو‌ التوحيد؟
فالقرآن الکريم، ‌و‌ الانجيل ‌و‌ الزبور ‌من‌ البداية حتى النهاية ‌و‌ ‌من‌ الظاهر الى الباطن ‌و‌ ‌من‌ أدناها الى أعلاها هي کلها بيانات لماهية التوحيد، ‌و‌ ماهية الموحد.

يقول أهل المعرفة أن الدعاء ‌هو‌ القرآن الصاعد، ‌و‌ يلزم أن نبحث عن أي دعاء يکون کذلك، ‌و‌ أي داع يکون دعاؤه قرآنا صاعدا؟ اذ ‌لا‌ يصعد الى الله الا الکلم الطيب حيث قال سبحانه ‌و‌ تعالى: (اليه يصعد الکلم الطيب ‌و‌ العمل الصالح يرفعه) (فاطر / 10) فمتي يکون الدعاء قرآنا صاعدا ‌و‌ أي دعاء يکون کذلك؟

ان الامام السجاد عليه السلام يهدينا الى هذا الحجاب أولا ‌و‌ الى خرقه ثانيا بقوله (... الراحل اليك قريب المسافة، ‌و‌ انك ‌لا‌ تحتجب عن خلقك الا أن تحجبهم الأعمال دونك).

ثم قال مقتبسات ‌من‌ القرآن الکريم، ‌و‌ ‌ما‌ ‌لا‌ يقتبس ‌من‌ القرآن ‌لا‌ يکون قرآنا صاعدا (ان القرب على أنحاء أربعة: بعضها أقرب ‌من‌ بعض). قد قال سبحانه ‌و‌ تعالي: (و اذا سألك عبادي عني فاني قريب اجيب دعوة الداع اذا دعان فليستجيبوا لي ‌و‌ ليؤمنوا بي لعلهم يرشدون) (البقره / 186) ففي هذه الآية أبدي الله نفسه قريبا ‌و‌ عبر عن نفسه بسبعة ضمائر ‌و‌ لم يوکل الأمر لرسوله فيقول له (قل لهؤلاء) بل بادر نفسه.

و قال سبحانه ‌و‌ تعالى: عن مرور الروح بالتراقي (و نحن أقرب اليه منکم ‌و‌ لکن ‌لا‌ تبصرون) (الواقعة الآية 85) أي أنه سبحانه ‌و‌ تعالي أقرب الى المحتضر ممن حوله فهو أقرب الينا ‌من‌ غيرنا. ‌و‌ هذه هي المرحلة الثانية.

ثم قال عزوجل: (و لقد خلقنا الانسان ‌و‌ نعلم ‌ما‌ توسوس ‌به‌ نفسه ‌و‌ نحن أقرب اليه ‌من‌ حبل الوريد) (سورة ق الآية 16) أي أن الله سبحانه ‌و‌ تعالي أقرب الينا ‌من‌ حبل ‌و‌ ريدنا. ‌و‌ هذه المرحلة ‌و‌ هذه المراحل يمکن ادراکها ‌و‌ ‌ان‌ صعبت لکن المرحلة الرابعة، ‌و‌ ‌ما‌ أدراك ‌ما‌ المرحلة الرابعة.
قال تعالى:(يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله ‌و‌ للرسول اذا دعاؤکم لما يحييکم ‌و‌ اعلموا أن الله يحول بين المرء ‌و‌ قلبه ‌و‌ أنه اليه تحشرون) (سورة الأنفال الآية 24) أي أنه سبحانه اقرب الينا منا، فهل يمکن ادراك ذلك بسهولة؟ فهل نحن أقرب الى أنفسنا ‌من‌ الله سبحانه ‌و‌ تعالى؟ - معاذ الله -. فهو الأقرب الينا منا.

ما معنى قوله أقرب الينا منا، فلا حقيقة للانسان الا قلبه ‌و‌ ‌هو‌ في القرآن الروح ‌و‌ النفس المجردة حيث قال تعالى: (في قلوبهم مرض...) (البقرة الآية 10) ‌و‌ قال سبحانه: (فلا تخضعن بالقول فيطمع الذي في قلبه مرض) (الأحزاب الآية 32) ‌و‌ قال: (و اعلموا أن الله يحول بين المرء ‌و‌ قلبه) (الأنفال الآية 24) أي أنه سبحانه ‌و‌ تعالى يعلم قبل أن نعلم، ‌و‌ قبل أن نريد يعلم ماذا نريد، ‌و‌ قبل أن نعزم يعرف کيف نعزم، فهو أقرب الينا منا.

و ‌من‌ هذه المراحل الأربع يتبين قول مولانا الامام السجاد عليه السلام (ان الراحل اليك قريب المسافة) ‌و‌ اذا أردنا أن نعرف أن الله أقرب الينا منا فعلينا بالطهارة ‌و‌ تنزيه الذات في جميع الشهور ‌لا‌ سيما في شهر الله، فاذا تطهرنا ‌و‌قلنا لله سبحانه ‌و‌تعالى: (طهرنا ‌من‌ الذنوب ‌و‌طهرنا ‌من‌ العيوب) يزول عنا الحجاب فنرى الله ‌لا‌ بمشاهدة العيون بل بعيون الايمان. ثم نعلم أنه أقرب الينا منا ‌و‌ نفهم معنى قول الامام السجاد عليه السلام (ان الراحل اليك قريب المسافة ‌و‌ انك ‌لا‌ تحتجب عن خلقك الا أن تحجبهم الأعمال) (اقبال الأعمال / دعاء " اسحار رمضان".
 
الحاجة الى الله

ولأن الانسان محتاج ‌و‌ ‌لا‌ يمکن انکار ذلك، فأما الملحد فيلوذ بغير الله سبحانه ‌وتعالى، ‌و‌ أما الموحد فلا يلوذ الا بالله، ‌و‌ أما المشرك فيلوذ بالله تارة ‌و‌ تارة الى غيره، قال سبحانه في سورة يوسف الآية 106: (و ‌ما‌ يؤمن أکثرهم بالله الا ‌و‌ ‌هم‌ مشرکون) أي أن أکثر المؤمنين مشرکون حيث يقولون لولا فلان لهلکت، ‌و‌ يقولون الله ‌هو‌ الأول ‌و‌ الطبيب ‌هو‌ الثاني. ‌و‌ أما الموحد الخالص ‌و‌ ‌هو‌ الذي أدبه الامام في الصحيفة السجادية يدرك حاجته أولا ‌و‌ يفهم ‌من‌ ‌هو‌ الغني ثانيا ‌و‌ کيف الوصول اليه ثالثا (و رأيت أن طلب المحتاج سفه ‌من‌ رأيه ‌و‌ قلة ‌من‌ عقله) (الصحيفة دعاء / 28) فلو طلب الانسان ‌من‌ الانسان لکان فيها حيث قال سبحانه: (و ‌من‌ يرغب عن ملة ابراهيم الا ‌من‌ سفه نفسه...) (البقرة / 130) فابراهيم الخليل ‌هو‌ الموحد الخالص، ‌و‌ قال تعالى: (و الذي ‌هو‌ يطعمني ‌و‌ يسقين، ‌و‌ اذا مرضت فهو يشفين) (الشعراء / 80 - 97) فالمؤمن يري جميع المآثر ‌و‌ الآثار ‌من‌ صنع الله سبحانه ‌و‌ تعالى.

قال السجاد عليه السلام في بيان الموحد (و اعصمني ‌من‌ أن أظن بذي عدم خساسة ‌و‌ صاحب ثروة فضلا، فان الشريف ‌من‌ شرفته طاعتك ‌و‌ العزيز ‌من‌ أعزته عبادتك (الصحيفة دعاء / 35). لأن صاحب الثروة قبل بالتکاثر ‌و‌ الفضيلة هي الکوثر. فالدعاء فکرة ‌و‌ کلام ‌و‌ أدب مع الله. فلا شرف الا بالطاعة ‌و‌ ‌لا‌ عزة الا بالعبادة، حيث أن هذه المآثر القيمة قبس ‌من‌ القرآن الکريم، فقد قال عليه السلام (اللهم اهدني للتي هي أقوم) حيث قال سبحانه: (ان هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم) (الاسراء / 9) فدعاء السجاد يعني أن يکون الداعي عارفا بالقرآن عاملا بأحکامه.

فاذا کان الداعي مهتديا بالقرآن ‌و‌ معصوما ‌من‌ أن يظن بذي عدم خساسة ‌و‌ بذي صاحب ثروة فضلا، ‌و‌ طلب الى الله طلب المحتاج يصبح ممن يستحق أن يدعو الله بهذا الدعاء ‌و‌ يقول: (وهب لي نورا أمشي ‌به‌ في الناس) (الصحيفة دعاء / 22) حيث أن الله سبحانه ‌و‌ تعالى يقول: (و جعلنا له نورا يمشي ‌به‌ في الناس..) (الأنعام / 122).
فالعالم العامل اذا مشي في بلد أو قرية فانه مصباح متحرك. فالعالم الذي ‌لا‌ يغير رؤيته ‌و‌ ‌لا‌ يؤثر مجلسه ‌و‌ مصاحبته فلا يؤثر لفظه. (فمن ‌لا‌ ينفعك لحظه ‌لا‌ ينفعك لفظه) فالذي يؤثر لحظه ‌و‌ لفظه ‌هو‌ النور الماشي في الناس. ‌و‌ قال الامام السجاد (وهب لي نورا أمشي ‌به‌ في الناس) ‌و‌ قال (هب لي معالي الأخلاق) ‌و‌ هذا ‌و‌ نحوه مما يرجع الى العنصر المحوري الأول، أي ‌ما‌ ‌هو‌ التوحيد.
 
من ‌هو‌ الموحد ؟
و أما العنصر الثاني ‌و‌ ‌هو‌ (الموحد) فهو الانسان الکامل، ‌و‌ الانسان کما قيل قديما ‌هو‌ الحيوان الناطق، ‌و‌ في القرآن ‌هو‌ الحي المتأله ‌و‌ لذلك بحث خاص ‌و‌ أما الانسان في الصحيفة السجادية فهو الحي الحميد أي الذي تکون حياته ذائبة في أمره سبحانه ‌و‌ تعالى ‌و‌ يعرج الى الله سبحانه ‌و‌ تعالى بحيث يشعر أنه محتاج ‌و‌ أن غيره محتاج ‌و‌ يري أن طلب المحتاج سفه، ‌و‌ لذا فلا يطلب ‌من‌ غير الله سبحانه ‌و‌ تعالى، فاذا طلب الى الله ‌و‌ استجيبت دعوته يحمد الله، فالانسان دائم الحاجة له سبحانه ‌و‌ تعالى.

‌و‌ في الصحيفة أدعية وافرة في ذلك. الدعاء الأول (دعاء التحميد) ‌و‌ لولا أن الله علمنا ‌و‌ هدانا ‌و‌ أدبنا في کيفية الحمد لکنا متصرفين بنعمه ‌من‌ غير أن نکون حامدين ‌و‌ صرنا مشمولين بقوله: (.. ‌ان‌ ‌هم‌ الا کالأنعام بل ‌هم‌ أضل سبيلا) (الفرقان / 44) فالانسان في الصحيفة السجادية ‌هو‌ الحي الحميد الذي يعلم أن جميع النعم ‌من‌ الله سبحانه ‌و‌ تعالى، ‌و‌ على المتنعم أن يذکر نعم ربه ‌و‌ يشکرها.

‌و‌ الذي تصرف بنعمه بالعصيان فليس بانسان، ‌و‌ الذي سيتصرف بنعمه سبحانه ‌و‌ ‌لا‌ يحمده فليس بانسان، والذي يتصرف بنعمه بما يرضاه الله ‌و‌ يرضاه الرسول ‌و‌ يشکر الله سبحانه ‌و‌ تعالى فهو الانسان، ‌و‌ ‌من‌ فرط، بالحمد فقد خرج ‌من‌ حدود الانسانية الى حدود البهيمية ‌و‌ أنتم تعلمون أن الانسان الذي يخرج من‌ الانسانية الى البهيمية فان حجة الله عليه بالغة فله قلب ‌لا‌ يفقه به، ‌و‌ ‌من‌ بداية القرآن ‌و‌ حتى نهايته ‌لا‌ تجدون آية تدل على أن الانسان ‌لا‌ قلب له على النحو السلبي ‌و‌ أنتم تفرقون بين ‌ما‌ ‌هو‌ سلبي ‌و‌ ‌ما‌ ‌هو‌ ايجابي، فقد يقال في السلب ليس لديه قلب، ‌و‌ أما في الايجاب فنقول (لزيد قلب ‌لا‌ يعقل) فلا تجدون آية تدل على سلب العقول، فالله يقول (.. لهم قلوب ‌لا‌ يفقهون بها ‌و‌ لهم أعين ‌لا‌ يبصرون بها ‌و‌ لهم آذان ‌لا‌ يسمعون بها اولئك کالأنعام بل ‌هم‌ أضل اولئك ‌هم‌ الغافلون) (الأنعام / 179) فهذه هي الحجة البالغة لأن ‌من‌ له يد ‌و‌ رجل ليس عليه حرج، فمن کانت له يد ‌لا‌ يبطش بالعدو بها، ‌و‌ هو رجل ‌لا‌ يمشي بها في طريق الخير، فحجة الله عليه بالغة.

و قال الامام السجاد عليه السلام (حجة الله عليهم بالغة) لأن لهم قلوبا ‌لا‌ يفقهون بها ‌و‌ قد غرتهم الحياة الدنيا، ‌و‌ قد قال الله سبحانه ‌و‌ تعالى (و أن استقاموا على الطريقة لاسقيناهم ماء غدقا) (الجن / 16) فعلينا أن نستقيم، ‌و‌ قال رسول الله (ص) لأبي ذر: (يا أباذر ‌ان‌ الدعاء ملح الطعام) فاذا کنا نحسن الطعام بقليل ‌من‌ الملح، فعلينا أن نحسن الطاعة ‌و‌ أن نضيف اليها الدعاء.

و نحن مرتکبون للمعاصي ‌و‌ الله منزل الرحمة ‌و‌ في دعاء ختم القرآن في الصحيفة السجادية (اللهم صل على محمد ‌و‌ آله ‌و‌ هون بالقرآن عند الموت عن أنفسنا کرب السياق، ‌و‌ جهد الأنين... اذا بلغت النفوس التراقي ‌و‌ قيل ‌من‌ راق؟ ‌و‌ تجلي ملك الموت لقبضها ‌من‌ حجب الغيوب... ‌و‌ صارت الأعمال قلائد في الأعناق...) أي أن العمل السي ء يصير غلا على العباد، فاذا أذنبنا صرنا مدينين ‌و‌على المديون أن يرهن ‌و‌على الدائن أن يرتهن، ‌والرهن ‌هو‌ النفس (کل نفس بما کسبت رهينة) (المدثر / 38) (کل امري بما کسب رهين) فالدعاء يفك هذا الرهن.

قال النبي الکريم (ص) عند استقبال شهر الله المبارك (فاعملوا أن ظهورکم ثقيلة بأوازکم فخففوها باستغفارکم ‌و‌ أن أنفسکم رهينة بذنوبکم ففکوها باستغفارکم) فهذه الصحيفة السجادية وصفة الهية لشفاء الأمراض فعلينا أن ندعو بهذه الأدعية ‌و‌ نعد بمضامينها حتى نفك أنفسنا ‌من‌ الرهن.
 
الدعاء ‌و‌ العبادة

يقول الله سبحانه في قرآنه الکريم:(و قال ربکم ادعوني أستجب لکم ‌ان‌ الذين يستکبرون عن عبادتي سيدخلون جهنم داخرين) (غافر / 60) ‌و‌ يقول مولانا السجاد عليه السلام في الصحيفة السجادية في تفسير کلمة (داخرين) مخاطبا الله سبحانه ‌و‌ تعالى: «فسميت الدعاء عبادة، ‌و‌ ترکه استکبارا ‌و‌ توعدت على ترکه دخول جهنم داخرين» (الصحيفة السجادية، دعاء / 45)، فالعلة تناسب المعلول، ‌و‌ لابد أن يکون الدعاء عبادة.

و العبادة تصدر عن مناحي ثلاثة ‌و‌ هي: اما خوفا ‌من‌ النار، أو شوقا الى الجنة، أو حبا لله سبحانه ‌و‌ تعالى، فالانسان الکامل جامع لهذه المراتب الثلاث، ‌و‌ الصحيفة السجادية على مناحي ‌و‌ درجات ‌و‌ طرق ‌و‌ شعب، بعض أدعيتها رهبة ‌من‌ النار، ‌و‌ بعضها الآخر رغبة في الجنة، ‌و‌ بعضها حب لله ‌و‌ شکر له بحانه ‌و‌ تعالى. ‌و‌ الامام السجاد عليه السلام حيث انه انسان کامل، فالکامل ‌هو‌ الجامع للخوف ‌من‌ النار أولا، ‌و‌ للشوق الى الجنة ثانيا، ‌و‌ للحب ‌و‌ الشکر ثالثا، لأن هذه المراتب طوقية. فمن کان في المرتبة الثالثة فهو واجد للمرتبتين المتقدمين.

و الذي قاله مولانا الامام علي عليه السلام: (ان قوما عبدوا الله رغبة فتلك عبادة التجار، ‌و‌ ‌ان‌ قوما عبدوا الله رهبة فتلك عبادة العبيد، ‌و‌ ‌ان‌ قوما عبدوا الله شکرا فتلك عبادة الأحرار) حکمة رقم 229، ‌من‌ نهج البلاغة.

و الدعاء عبادة کسائر العبادات، ‌و‌ العبادة وسيلة للتقرب الى الله سبحانه ‌و‌ تعالى، ‌و‌ قد أمرنا سبحانه ‌و‌ تعالى بالتوسل ‌و‌ ابتغاء الوسيلة حيث قال ‌جل‌ ‌و‌ علا: (و ابتغوا اليه الوسيلة) (المائدة / 35) کل ‌ما‌ يقربنا الى الله عزوجل ‌هو‌ وسيلة، فالصلاة وسيلة ‌و‌ الصيام وسيلة، صلة الرحم وسيلة، الحج ‌و‌ الجهاد وسيلة، ‌و‌ کل عبادة وسيلة.

فالدعاء اذن وسيلة، لکن الوسيلة ليس لها الا أن تجري ‌و‌ تعبر ‌و‌ تسير على الصراط، المستقيم، فما ‌هو‌ الصراط المستقيم؟ قد بين لنا الامام السجاد عليه السلام ذلك اذ قال: (الصراط المستقيم هي الحکمة) لأن الله سبحانه ‌و‌ تعالى على صراط مستقيم کما جاء (ان ربي على صراط مستقيم) (هود  56) ‌و‌ الصراط، المستقيم الذي تجري أمور الله سبحانه ‌و‌ تعالى عليه ليس الا الحکمة.
فالدعاء وسيلة، ‌و‌ الوسيلة لابد أن تکون مناسبة للصراط، ‌لا‌ مخالفة له لذا قال مولانا السجاد عليه السلام في الصحيفة السجادية (يا ‌من‌ ‌لا‌ تبدل حکمته الوسائل) (من الدعاء رقم / 12) ‌و‌ الصحيفة السجادية مليئة بالمعرفة ‌و‌ الحکمة ‌و‌ الآداب ‌و‌ تلك هي المعرفة، ‌و‌ الدعاء الذي يخالف الحکمة ‌لا‌ يکون وسيلة ‌و‌ عبادة، ‌و‌ ‌لا‌ يستجاب له.
 
الانسان مفطور على العبادة
يقول تعالى: (و الله أخرجکم ‌من‌ بطون أمهاتکم ‌لا‌ تعلمون شيئا) (النحل آية 78) البعض يفسرون أن الانسان خلق کاللوح الخالي ‌من‌ النقوش العلمية، ليس في نفسه ‌و‌ روحه شي ء ‌من‌ العلوم، ‌و‌ أي علم يحصل عليه فهو کسبي، فجميع العلوم کسبية، هذا قول بعض أهل الفلسفة ‌و‌ أمثالهم.

أما الذي يفيدنا فيه مولانا الامام السجاد عليه السلام ‌هو‌ أن هناك علمين علم کسبي ‌و‌ الانسان خلق جاهلا بهذا القسم ‌من‌ العلم کما قال عزوجل في سورة النحل، ‌و‌ هناك علم شهودي، فطر الانسان عليه، ‌به‌ يعرف الانسان الله سبحانه ‌و‌ تعالى حضورا، ‌و‌ هناك عمل انجذابي ‌و‌ انعطافي جبل الانسان عليه، ‌به‌ يعبدالله سبحانه ‌و‌ تعالى، کما قال عزوجل: (فاقم وجهك للدين حنيفا فطرة الله التي فطر الناس عليها ‌لا‌ تبديل لخلق الله) (سوره ي الروم آية 20) ‌و‌ قال ‌جل‌ ‌و‌ علا: (و نفس ‌و‌ ‌ما‌ سواها) (سورة الشمس آية 7).

هل تعلمون ‌ما‌ تسوية النفوس؟ قد بينه ‌و‌ فسره بقوله تعالى في نفس السورة الآية 8: (فالهمها فجورها ‌و‌ تقواها) أي أن تسوية النفوس ‌هو‌ بالالهام، فلم يقل (و ألهمها) بل قال (فألهمها) فالفاء تفسير لهذه التسوية، فالنفس ملهمة بالفجور ‌و‌ التقوي انجذبا ‌و‌ عملا ‌و‌ انعطافا، ‌و‌ النفس مفطورة على التوحيد ‌و‌ الدين علما ‌و‌ عملا، هذا ‌هو‌ العلم الشهودي العريق، ‌و‌ هذا ‌ما‌ ‌هو‌ محصل ‌من‌ القرآن الکريم.

و أما اتجاه الصحيفة السجادية في هذا الأمر الهام، فقد قال مولانا السجاد عليه السلام فيها:(لولا ‌ان‌ الشياطين يختدعهم عن طاعتك ‌ما‌ عصاك عاص، ‌و‌ لولا أنه صور لهم الباطل في مثال الحق ‌ما‌ ضل عن طريقك ضال) (الصحيفة، دعاء رقم / 37)، يعني أن الانسان لولا المانع الخارجي فهو على الصراط المستقيم، فهو يعرفك ‌و‌ يعبدك ‌و‌ ‌ان‌ اقتضاء المعرفة ‌و‌ العبادة موجود في متن الانسان ‌و‌ لکن علينا ‌ان‌ نعدم المانع.

فالانسان ذو علمين: علم مکتسب ‌من‌ الخارج فهذا ضيف، ‌و‌ علم مفطور عليه ‌من‌ الداخل ‌و‌ هذا ‌هو‌ المضيف، فعلي العالم أن يتعلم علما ‌لا‌ يکون مزاحما للمضيف، ‌و‌ ‌لا‌ يکون مزاحما لرب البيت. فالعالم الحوزوي أو الجامعي اذا تعلم علما ‌و‌ کان هذا العلم مزاحما للمضيف أي رب البيت تصبح عاقبته السوء، ‌و‌ اذا تعلم العالم علما مسايرا ‌و‌ مناسبا للمضيف فيصير عالما ربانيا يعلم ‌و‌ يعمل.
و ندعوا الله سبحانه ‌و‌ تعالى بدعاء مولانا السجاد عليه السلام حيث قال: (ثم له الحمد مکان کل نعمة له علينا... حمدا ‌لا‌ منتهي لحمده... حمدا نسعد ‌به‌ في السعداة ‌من‌ أوليائه، ‌و‌ نصير ‌به‌ في نظم الشهداء بسيوف أعدائه، انه ولي حميد) دعاء رقم / 1 / ‌من‌ الصحيفة.

لئلا يتوهم أنه ‌من‌ کان وليا لأولياء الله ‌و‌ بات ‌و‌ مات على فراشه مات شهيدا، کما أن مولانا عليا عليه السلام قد دعا الله سبحانه ‌و‌ تعالى بقوله (نسأل الله منازل الشهداء ‌و‌ معايشة السعداء ‌و‌ مرافقة الأنبياء) شرح نهج البلاغة: ج 1، ص 312.
أولئك المجاهدون المستشهدون في سبيل الله الذين بذلوا مهجهم دون القرآن ‌و‌ العترة.
اللهم انصر الاسلام ‌و‌ أهله ‌و‌ اخذل الکفر ‌و‌ أهله ‌و‌ صلى الله على محمد ‌و‌ آله ‌و‌ السلام عليکم ‌و‌ رحمة الله ‌و‌ برکاته.
 
 
 
https://taghribnews.com/vdccsiqs02bqoe8.caa2.html
المصدر : موقع العرفان
الإسم الثلاثي
البريد الإلكتروني
أدخل الرمز