تاريخ النشر2014 2 June ساعة 14:07
رقم : 160252

البعد الوحدوي في فكر الإمام الخميني

تنا
بعد قيام الثورة الاسلامية ونجاحها بأسابيع أصدر المرحوم أبو الأعلى المودودي أمير الجماعة الإسلامية في باكستان بياناً يدعو المسلمين فيه إلى مساندة الثورة وقائدها السيد الخميني الذي وصفه بالمسلم الصادق الذي يسعى لتحقيق وحدة المسلمين .
البعد الوحدوي في فكر الإمام الخميني

بقلم : الأستاذ محمد الآلوسي
في العام ۱۹۶۴ جاءنا الشهيد عبد العزيز البدري في قصبة الأعظمية في بغداد فرحاً مسروراً يحمل إلينا بشارة وجود عالم مجتهد من علماء إيران في مدينة النجف اسمه روح الله الخميني أُخرج من بلده بسبب معارضته لحكم الشاه ،يدعو لإقامة دولة إسلامية لجميع مسلمي العالم من خلال أطروحة فقية بعنوان " ولاية الفقيه ". وقد كنا في حينه لا نزال شبابا لم نتجاوز الثلاثين من أعمارنا منخرطين في العمل الإسلامي، متطلعين إلى هذا الهدف الكبير الوارد في ثنايا كتابات الإسلاميين أمثال الشيخ حسن البنا وأبو الأعلى المودودي والشهيد سيد قطب ،ونعتبره حلماً من الأحلام لابد وأن يتحقق عاجلاً أو آجلاً على يد من يريد الله به خيراً.. 

لقد كان هؤلاء الذين ذكرتهم وأمثالهم من أهل السنة، ولم نكن في حينه مطّلعين على ما يراه الشيعة وماكتبوا عنه بهذا الشأن. ولذلك كانت فرحتنا بالخبر الذي حمله إلينا الشهيد البدري شديدة، فقررنا التوجه بمعيّته إلى حيث يقيم السيد الخميني طيب الله ثراه، وفي زيارتنا الأولى له استمعنا منه ما يؤكد هذا التوجه وحدثنا بأيجاز عن ولاية الفقيه التي ينادي بها و يلقيها دروساً على طلبة العلم في حوزته ،فوجدناها مضموناً وحدوياً. لأن من يتولى أمر المسلمين خلال غيبة الإمام الثاني عشر في عقيدة الشيعة الإثنى عشرية، يشترط فيه أن يكون فقيها عادلاً، وهذان الشرطان هما من ضمن شروط أهل السنة التي يجب أن تتوفر في ولي أمر المسلمين إضافة للشروط الأخرى، مثل الحرية والبلوغ والإسلام والعقل، وأحسب أنها عند صاحب الأطروحة من قبيل تحصيل الحاصل التي لم يجد داعياً لذكرها في كتابه الحكومة الإسلامية وولاية الفقيه ، لذلك تكررت زياراتنا له للاستزادة منه، وكادت أن تكون دورية شهرية إلى أن استشهد الشيخ البدري وتعرّض الإسلاميون في العراق لحملة إبادة جماعية لم ينج منها سني ولا شيعي ، ثم قامت الثورة في إيران وسقط حكم الشاه بزعامته و قيادته الصلبة الصادقة، فقدمنا له ونحن خارج العراق ـ مذكرة ـ تتضمن آليات تحويل الأطروحة إلى واقع لإقامة الدولة الإسلامية في إيران على نفس الأسس التي قامت عليها دولة الإسلام الأولى في المدينة عالمية منذ أول تكوينها.. بلال الحبشي، وصهيت الرومي، وسلمان الفارسي، وعلي بن أبي طالب العربي الهاشمي القرشي ،بقيادة الرسول صلى الله عليه وعلى آله الطيبين وصحابته وأتباعه الصادقين، ثم عقبناها بزيارة إلى إيران، فوجدنا أن وقعها في نفس السيد الخميني ومشاعره كان جيداً فحمدنا الله وشكرناه ثم كان صدور الدستور فوجدنا المادة الحادية عشرة منه تنص على مايلي: 

" بحكم الآية الكريمة (وإن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاعبدون) فإن المسلمين أمة واحدة وعلى حكومة جمهورية إيران الإسلامية إقامة سياستها العامة  على قاعدة ائتلاف واتحاد الشعوب الإسلامية، وأن تواصل جهودها من أجل تحقيق وحدة العالم الإسلامي السياسية والاقتصادية والثقافية " .. فوجدنا في منطوقها ومضمونها، فكر السيد الخميني ونَفَسَه ، وعند ما تحرّينا عن ذلك علمنا أن السيد الإمام هو الذي أصرّ على إثباتها في الدستور وأن صياغتها عرضت عليه أكثر من مرة إلى أن اعتمدها بصيغتها النهائية، فقلنا الحمدلله لقد أثبت الرجل أنه صادق الوعد إبراهيمياً محمدياً حسينياً وحدوياً.
أذكر أنه بعد قيام الثورة ونجاحها بأسابيع أصدر المرحوم أبو الأعلى المودودي أمير الجماعة الإسلامية في باكستان بياناً يدعو المسلمين فيه إلى مساندة الثورة وقائدها السيد الخميني الذي وصفه بالمسلم الصادق الذي يسعى لتحقيق وحدة المسلمين، فقررنا الاتصال بما لايقل عن مائة شخصية إسلامية لها وزنها وتأثيرها ، للذهاب إلى إيران وعقد البيعة للسيد الخميني إماماً للمسلمين، وعرضنا المشروع على من علمنا أنهم على نهج الإمام حقا أمثال بهشتي وباهنر وقدوسي ومفتح ومحمد علي رجائي فلاقت قبولاً منهم وتشجيعاً.  والذي أريد الإشارة إليه أن الإمام الخميني، قد خطا في حياته خطوات عملية وحدوية رغم كثرة المشاكل التي أحاطت بإيران الثورة. ولم يكن نظريا فقط ولامتاجراً بشعارات الوحدة لتحقيق أهداف موضعية مؤقتةً ، أذكر منها على سبيل المثال لا الحصر مايلي: 

فتواه الموفقة للشيعة الذين اتخذوه مرجعاً دينياً له بالصلاة خلف أئمة الحرمين الشريفين من أهل السنة، وهي فتوى قطعت ألسنة كثيرة كانت تهمز وتلمز وتشكك في وحدوية الرجل إن لم تشكك حتى في صحة إسلامه وصدق إيمانه.
أما الموقف الوحدوي الكبير فهو موقفه من القضية الفلسطينية الذي قلب به الطاولة على المتاجرين بها و المتآمرين عليها.
لقد ألغى اعتراف إيران بالكيان الصهيوني وحوّل سفارة الكيان الصهيوني إلى سفارة دولة فلسطين. وجعل أخر جمعة من رمضان من كل عام يوماً للقدس يذكّر فيه المسلمين بمسؤلياتهم لتحريرها، ولم يكتف بذلك وإنما قرر تكوين جيش القدس ليضم أربعين مليوناً من المسلمين لتحرير فلسطين، فأعاد بهذه الممارسات الوحدوية إلى القضية الفلسطينية بعدها الإسلامي الأصيل نطاقاً ومضموناً بعد أن حولها المتآمرون المزايدون إلى قضية عربية أولاً ثم فلسطينية خاصة بالفلسطينيين لكي يخلو لهم الجو لأبرام الصلح والاعتراف بالكيان الصهيوني الغاصب، ولكي يتحولوا إلى وسطاء بين الكيان والفلسطينيين . وأخرى قضية منظمة التحرير التي جعلوها الممثل الشرعي الوحيد للشعب الفلسطيني بعد أن ضمنوا لها زعامة تقدّم التنازلات تلو التنازلات للعدو الغاصب. 

يقيناً لو أن الله قد أمدّ بعمر الإمام ولم يقع فريسة المرض  لأقدم على خطوات وحدوية ورد النص عليها في الدستور وتضمنتها أطروحة ولاية الفقيه، لأنه كان يؤمن إيماناً صادقا راسخا بأنّ وحدة المسلمين فريضة شرعية، وضرورة حياتية أيضاً  لمواجهة الهجمة الصليبية الصهيوينة على المسلمين من دوت تمييز. رحم الله السيد الخميني وجزاه خير الجزاء على خطواته الوحدوية يوم لا ينفع مال و لا بنون إلا من إتى الله بقلب سليم.
https://taghribnews.com/vdcftxdy0w6dv0a.kiiw.html
المصدر : مجلة الوحدة
الإسم الثلاثي
البريد الإلكتروني
أدخل الرمز