تاريخ النشر2018 9 October ساعة 09:01
رقم : 366359

هل تستطيع إسرائيل ممارسة استراتيجية التنفيس؟والنتيجة؟

تنا-بيروت
البناء – بيروت العميــــــد د. امين محمد حطيــــط أستاذ جامعي – باحث استراتيجي
هل تستطيع إسرائيل ممارسة استراتيجية التنفيس؟والنتيجة؟
في معرض تطبيقه لاستراتيجية القوة الناعمة والمؤكد عليها في المفهوم الاستراتيجي للحلف الأطلسي للعام 2010 اتجه معسكر العدوان على المنطقة الى سورية بعد فشله في لبنان في العام 2008 وعجزه عن النيل من المقاومة عبر تفكيك سلاح الإشارةفيها ،وبعد فشله في تحقيق مبتغاه فيإيران في العام 2009 وانهيار خطة اسقاط إيرانمن الداخل عبر انتفاضة احتجاج شعبية عولت عليها اميركا ومعها مكونات معسكر العدوان الأخرى التي تعتبر إسرائيل ممثلها الإقليمي في الشرق الأوسط.
 
لقد ظن معسكر العدوان ان تدمير سورية وامتلاك السيطرة على اشلائهاسيمكنه من تفكيك محور المقاومة ويمكنه بالتالي تمرير "تصفية القرن" التي تثبت إسرائيل نهائيا وجوديا ووظيفيا فيالمنطقة، وبعد ذلكيتمكن معسكر العدوان من وضع اليد بشكل مطلق على الثروة النفطيةوالغازية في كامل المنطقة دون ان يكون لها شريك في الامر.
 
وكادت قوى العدوان تصدق لا بل تجزم بان تحقيق هدفها في سورية ومنها الى المنطقة امر يقيني لا توجد قوة تتمكن من مواجهتها او تمنعها من تحقيق أهدافها خاصة وأنها استعملت في الحرب جيشا بديلا تمثل بمجموعات إرهابية ناهزت 300ألف مسلح جمعتهم من المنطقة ومن خارجها واغدقت عليهم بسخاء كلي كل ما يتطلبه الميدان من مال وسلاح وتجهيزات، لانها اعتقدت ان النصر في سورية يعني أو يمكن من ترتيب وضع المنطقة وحكمها لمئة عام مقبلة ولذا فان الحرب عليها تستحق كلهذاالسخاء.
 
بيد ان الميدان السوري كذب ظنون و امال وخطط قوى العدوان ، فكان بشكل فرضت فيه  او أنشئت عليه معادلات ولدت بشكل متتالي بعد ان برعت سوية و محور المقاومة الذي يجمعها الى ايران و حزب الله ، برعت في الدفاع عن النفس خلال السنوات الأربع الأولى من العدوان ما مكنها من المحافظة على هيكلية الدولة وموقعها الرسمي دوليا رغم ما أصابهمامن ندوب و جراحات ، و  بعد النجاح الدفاعي هذا و بعد ان استجابت روسيا للطلب السوري ، نجحت قوى المقاومة و بدعم روسي فاعل ومؤثر ، من استعادة معظمما كان خرج عن سيطرة الدولة السورية من ارض و لم يبق الا ملفين ملف شرق الفرات وملف ادلب الذي جاء في سلم اوليات الدولة السورية بعد الفراغ من جبهة  الجنوب .

هنا خشيت قوى العدوان من عملية عسكرية تنفذ لفك اسر ادلب ـ لذلك لجأت الى اعداد مسرحية استعمال مزعوم للكيماوي ليكون ذريعة لتدخل الغرب (اميركا فرنسا بريطانيا والمانيا) في عدوان مباشر يمنع تحرير ادلب لكن روسيا التي كانت تتجنب المواجهة مع الغرب عسكريا عملت كل ما بوسعها لدحض المزاعم الغربية تلك لتمنع العدوان ثم انها اتجهت نحو شركائها في منظومة رعاية تفاهمات استنة علها تجد حلا لادلب يمنع المواجهة مع الغرب.
 
وبالفعل وفقت روسيا الى هذا المخرج في سوتشي بعقد اتفاق مع تركيا حول ادلب. اتفاق يعتبر بمثابة حل من طبيعة سياسية لها ترجمة ميدانيةوذو صفة انتقالية مؤقته تنتهي بعودة ادلب الى السيادة السورية كما حدد الرئيس بشار الأسد.
 
وعندما بدأت الإجراءات لتحرير ادلب وفقا لاتفاق سوتشي هذا تدخل معسكر العدوان لقطع الطريق ومنع التنفيذ عبر اعتداء مباشر على المنطقة ولم يتهيب المعتدون الوجود الروسي في المنطقة حيث شاركت في العدوان كل من إسرائيل وفرنسا بريطانياوطبعا بأشرافوإدارة أميركية،ما تسبب بقتل 15 ضابطا روسيا من كبار الخبراء، وظن المعتدون ان رسالتهم الى روسيا ستؤلمها فتتراجع و تحمل  تركيا على  وقف التنفيذ أيضا.
 
ومرة أخرىتأتي الحسابات الميدانية خلافا للتقديرات الغربية، حيث ان روسيا ردت على الجريمة بقرار استراتيجي زلزالي شكل انقلابا في المشهد وكان من شانه ان يقطع الطريق بنسبة عالية على أي عدوان كانت تهدد به اميركا وحلفاؤها إذا حرك ملف ادلب خارج الشروط الغربية الاستعمارية.وتمثل القرار الروسي بتعزيزقدرات الدفاع الجوي السوري بما يقفل الأجواء السورية في وجه الطيران المعاديوكل أنواعالمقذوفاتوالقنابل والصواريخ الذكية التي يمكن ان تطلقها الأسلحة الغربية ضد سورية.
 
مع القرار الروسي صدم وبهت الذي أضمر العدوان والشر لسورية،وفي طليعة هؤلاء إسرائيل التي خسرت "ميدان رمي حر" كانت تراه في سورية،وخسرت اميركا ورقة التهديد بالحرب والعدوان، (سحب من التداول الإعلامي الاستعمال المزعوم للكيماوي) كما لا يمكن ان نغفل ما خسرته تركيا أيضا من ورقة تسويف ومناورة تمكنها من التملص أولا من اتفاق سوتشي وتوفر لها فرصة منع او تعقيد عملية تحرير ادلب عسكريا في حال الاضطرار اليها بعد فشل اتفاق سوتشي.
 
لقد قاد تسلسل الاحداث الدراماتيكي الى هذه المشهد الكئيب بالنسبة لقوى العدوان مشهد تكاملت جزئياته مع انتصارات الجيش العربي في بادية السويداء على مشارف تلول الصفا وسقوط خطة اميركا في جعل المنطقة "طورا بورا او مثلث برمودا “يغرق فيه الجيش العربي السوري ويثبت فيه الوجود الأميركي في قاعدة التنف ظهيرا للمجموعات الإرهابية لداعش.
 
فهمت إسرائيل هذا المستجد، ووقفت امام الجدران المقفلة في سورية، فاتجهت للبحث عن جهات واتجاهات تنفس فيها احتقانهاالعدواني،فكان خطاب نتنياهو بمثابة الإعلان الأول للتحول في وجهة العدوان الإسرائيلي،واتخذ من منصة الأمم المتحدة منبرا للإعلان عن ذلك عبر تلك المسرحية التي اظهر فيها صورا لما زعم انه مخازن صواريخ او أسلحة نووية في كل من لبنان وإيران في إشارة فهم منها البعض بان نتنياهو يحضر الراي العام الداخليوالدولي لعدوان في هذين الاتجاهين.
 
بيد ان الواقع وردة الفعل الإيرانيةواللبنانية حرمت إسرائيل من فرص النجاح في هذه المناورة،والكل يعلم ان إسرائيل بمفردها لا تستطيع ان تواجه إيرانولو كانت قادرة لما تأخرت هذه السنوات العشر وهي تصرخ من خطر النووي الإيراني المزعوم، ثم كانت الصواريخ الإيرانية على داعش شرقي الفرات بمثابة الرسالة لأميركاولإسرائيل عما ينتظرهما في حال العدوان.
 
اما في لبنان فكان السلوك الرسمي و الشعبي مؤلما لإسرائيل ، الى الحد الذي جعل اميركا ترفض هذا السلوك  و لكن قبل هذا الرد فقد كانت ولا زالت تتصاعد عوائق مانعة لإسرائيل من أي اعتداء ، عوائق تنتجها  معادلات الردع الاستراتيجيالعميق التي ارسيت بشكلها النهائي في العام  2014  ما يمنع إسرائيل من العدوان وبالتالي تجعل من إمكانية ممارسة "استراتيجية التنفيس"  في لبنان  او في ايران امرا غير قابل للتطبيق دون تعريض إسرائيل لخطر كبير لا تستطيع احتواءه .ولكن يبقى السؤال هل يسدل الستار إسرائيليا على تطبيق هذه الاستراتيجية الان ام هناك ميدان اخر تستطيع إسرائيل الذهاب اليه و يكون بمثابة ميدان الاحتياط الامن  ؟
 
قد يرى البعض في الميدان الفلسطيني خاصة في الضفة وغزة، محلا قد تلجأ اليه إسرائيل لتنفيسعدوانيهاواظهار قوتهاوطلاقة يديها بعد ان غلت وأقفلت الأبواب بوجهها في كل من سورية وإيران ولبنان فهل ستجرؤ إسرائيل على ذلك؟
 
الاحتمال قائم بدون شك، لكن فرص التنفيذ غير مرتفعة الدرجات خاصة مع السلوكيات الفلسطينية الميدانية الأخيرة والمواقف السياسيةالمعلنة،وهنا تأتي عملية المقاومة الفلسطينية في بركان بمثابة احد التدابير الاستباقية الرائعة التي تضاف الى كممن المواقف و التصرفات التي تأتي في طليعتها سلسلة مظاهرات رفض التصفية والتشبث بفلسطين كلها التي تنفذ كل جمعة، تأتي هذه التدابير لترسل رسالة هامة الى إسرائيل بان فلسطين ليست الخاصرة الضعيفة وعليها ان لا تغامر.  يبقى ان تعزز هذه التدابير لتمنع العدوان و هنا تكونالقياداتالفلسطينيةمسؤولة عن  اتخاذ مواقف تخدم هذا الهدف ، و يكون اقلها التوحد  في المواضيع الاستراتيجية و الاتفاقلإدارة الخلاف في ما تبقى .
 
https://taghribnews.com/vdcbs0bf9rhb0fp.kuur.html
الإسم الثلاثي
البريد الإلكتروني
أدخل الرمز