تاريخ النشر2018 18 August ساعة 12:42
رقم : 351895

عرفناك إنساناً كان للتاريخ مُذْ كان للحياة‎

تنا-بيروت
الشهيد غضنفر ركن آبادي شخصية كيفما سموت بها من أي جهاته انتهت بك إلى عظيم: عظمة المبدأ، عظمة الصراحة، عظمة الإباء، عظمة التواصل والحوار، عظمة التقدير والتعظيم.
عرفناك إنساناً كان للتاريخ مُذْ كان للحياة‎
توفقني الذكرى السنوية الثالثة على استشهاد سعادة السفير الدكتور غضنفر ركن آبادي على عميق الحياة في معنى الموت وعلى عميق الموت في معنى الحياة. في الذكرى الطاهرة؛ لغيري أن يرثي بدمعٍ إنْ شَاء، أو بقولٍ انعقد على دمع إنْ شَاء... أما أنا فيعزُّ عليَّ أن أفعل، لأنه يعزُّ عليَّ أن أشعر بفقدان إنسان استحال قيمة قي وعي الحياة، استمال قيمة في حياتنا. إنسان نَجِدُهُ فينا في الخلجة، في النبضة، في السعي المنشىء، في العمل الباني.

سعادة السفير الدكتور غضنفر ركن آبادي الذكرى بما فيها من معاني، أجْهَدُ فيها أن أصيب القصد كلّه فأحكي مسيرة إنسان – وبتعبير أدق – أحكي حكاية بياض الطُهر بسواد هذا الحرف مطمحٌ أستحي أن أزعمه. فالحرف في وعيه الأقصى، ما زعم لنفسه شيئاً فوق أنه قدرة التراب على رسم الأثر، وفضله أنّه أثر يتلفت إليه. وحسبي القول بأنك نجمٌ لمعت في الديجور، عَرَضت في الحياة كما يعترض نجم في الآفاق، فأنت في الأرض والعُلا بُرعُمَةُ الطهر اللهاق. تباركت ذكراك.

سعادة السفير الدكتور غضنفر ركن آبادي أيقظتني الذكرى على هنيهة من لقاءات تشرفت بها كان لي من عمرك، فعرفت سعادتك وما كان طويلاً، ولقيتك وما كان كثيراً، عرفتك إنساناً ولا أزيدك بصافتٍ أنت تملك أكرمها، عرفتك إنساناً يعيش حقاً بنقاء قلبه، إنساناً يعيش بحقائقه، إنساناً يعيش بِقيمهِ، بوعي قِيَمه. إنساناً اسََْْتوت سرائِرُهُ في أساريره، إنساناً كان الإيمان والصدق رشَّات أنامله، إنساناً أُوتي من الحرية الإلهية نصيباً، ومن النور الإلهي قلباً، ومن الفيض الإلهي نبوغاً، إنساناً أُوتي من العِزَّة الإسلامية ومن الهِمَّة القرآنية ما أصغر الدهر في سطواته وما شقَّ على الزمان ظلماته. فيا سعادة السفير يشُثُّ عليِّ وأيم والله رِثاؤك. فأنا كلما حاولت محاولة كانت الحروف تتبخر بين القلم والقرطاس، لتعود أسى ينعقد أو دمعاً ينهمر، فأرجع منك بغصتين: يوم قال الموت فيك ويوم أردت أن أقول عنك.

قد قيل: العظمة الشخصية في الشخصية العظيمة. وشخصية سعادة السفير الدكتور غضنفر ركن آبادي سمت به وعَلَتْ بأنها قامت على إسم الله ومضت على إسم الله وماتت على إسم الله. شخصية كانت في حياتها دليلاً أمنياً، شخصية جديرٌ بنا أن نستوحيها على الدوام. شخصية يجد من تدبَّر نهايتها أَعْظَمَ بها نهاية، وأعظم بها شهادة. غضنفر ركن آبادي شخصية كيفما سموت بها من أي جهاته انتهت بك إلى عظيم: عظمة المبدأ، عظمة الصراحة، عظمة المضاد، عظمة الإباء، عظمة التواصل والحوار، عظمة التقدير والتعظيم والإكرام للإنسان، عظمة الترابط والتآلف والود بين بني الإنسان على اختلاف مذاهبهم وانتماءاتهم وطوائفهم انطلاقاً من مبدأ الدعوة الى ثقافة السلم والسلام. ويكفي أنَّه كلما ذُكِرَ رحمة الله عليه ذُكِرت به معاني الحق والفضيلة.

نَعمْ سعادة السفير: لم أَرَ في الموت كما زعموا يداً تمشي بالفناء، بل رأيت يداً كريمة تعمل بها الحياة عملاً آخر. رأيت أن الموت هو الدخول في النور الأسنى... وحسبًك أنك جئت في شهادة الموت سكبة إشراق من مقلة الشمس، وقطرة نزلت من معين قلب لله.، فإذا أنت منارة لا إلى انطفاء، وإذا أنت من كانت حصروف حياته تنطق: أن الواجب كبير كِبَرُ الحق. الواجب إزاء المجتمع وحيال الإنسانية الصانعة لمعارجه، الصائغة لمراقيه هو الأكبر. فكنت رحمة الله الواسعة على روحك الطاهرة كبيرُ حق خلال مسارك الوظيفي التفاعلي في كافة الأبعاد السياسية الاجتماعية. في حياتك كنت دبلوماسياً أميناً، وبعد استشهادك أمثولة سامية فيها كل عناصر الخلود والسمو والعظمة.

نَعمْ سعادة السفير: قد قيل أن للإنسان إلاَّ ما سعى، فجاءت حياتك تجسيداً لوعي القيمة في منطق في إطارك الحياتي الدبلوماسي والإنسان لتكون رحمة الله عليك وعلى روحك الطاهرة حكايته. وأعني حكاية المعجز في وعي الحق.

نَعمْ سعادة السفير: أيقظتني الذكرى على هنيهات من لقاءات مع السيدة الكريمة حَرَمك وما تجلَّت بها شخصيتها من مكارم تسير بها على دربك الأنموذجي الإيجابي في تعزيز ثقافة آل البيت (ع) وتشجيع إحياء ذكراهم وسيرتهم.

والشرف كل الشرف لقاءنا مع حضرة السيدة الكريمة والدتك، والسيدة الكريمة أخت سعادتك الدكتورة إيران ركن آبادي.

فيا سعادة السفير الشهيد الدكتور غضنفر ركن آبادي أقولها كلمة: لكل إنسان يوم حياة ويوم ممات وبينهما يقوم مسرح الأعمال الخوالد. وأنت أيها الشهيد العظيم فقد كان لك يوم حياة فقط، لأنك لم تمت كما يشاء الموت، بل كما تشاء العقيدة فلك في حياة كل إنسان مكان.

فيا سعادة السفير أقولها كلمة: لئن تعدَّدت موازين الباطل فلن يستوي في الحق مؤمن وجاحد. ولئن اعتُدِيَ على الحق في جنح الظلام فللحق في ضمير الكون شاهد... ولئن تقوَّى الظالم حتى ضاقت وجه فريسته الموارد، فللحق في تفس أسباب الظلم شباك يحوكها، بحيث تفلت الفريسة ويقع الصائد...

فسلام على روحك الطاهرة ما نَزَل الغيث لكي يقبِّل الأرض التي فيها محيّاك ثوى... وما زال روح الرِضا القدسي منهمراً على ضريحك إنهماراً يُخجل السُحُبا... وما لاح بَرْق وما ضاءت لناظِرها كواكب الأفق أو دارت على القطب... وما غرَّد طائرٌ وما نمَّ زهرٌ بطيبةِ... وما سَرَت ريحُ الصبا في الجوِّ بالإصباحِ والإمساءِ...

د. زينب عيسى

رئيسة جمعية السيدة زينب الخيرية
https://taghribnews.com/vdcao6nem49nma1.zkk4.html
الإسم الثلاثي
البريد الإلكتروني
أدخل الرمز