تاريخ النشر2018 6 August ساعة 16:49
رقم : 348550

لمَ عرضت أميركا على إيران الحوار؟ وما المصلحة الإيرانية فيه؟

تنا-بيروت
عندما تملصت أميركا من التزاماتها في الاتفاق و القرار الدولي حول الملف النووي الإيراني و عادت إلى اتخاذ التدابير الكيدية ،ضد ايران مصحوبة بالتهديد بمعالجة الأمر بالوسائل العسكرية ، عندما حصل ذلك ظن الكثير من المتتبعين للعلاقات الأميركية الإيرانية بان الطرفين ذاهبان إلى حرب لا بد منها في ظل البيئة التي أنتجتها السلوكيات الأميركية ، خاصة وكما كانوا يروجون بان أميركا بحاجة إلى هذه الحرب من اجل تمرير ما بات يعرف باسم " تصفية القرن " للقضية الفلسطينية ، و ان إسرائيل و السعودية تشجعان عليها لا بل تطلبان هذه الحرب للخروج من المأزق الاستراتيجي و العسكري بعد فشل العدوان على سورية و تخبط السعودية في اليمن .
لمَ عرضت أميركا على إيران الحوار؟  وما المصلحة الإيرانية فيه؟
 العميد د. أمين محمد حطيط 

بيد ان إيران تعاملت مع الموضوع باقتدار كبير وأبدت من الحكمة والحزم على حد سواء ما جعل المهمة الأميركية – الإسرائيلية – السعودية، الرامية إلى إخضاعها تتعثر في بداية خطوتها. فقد أدركت إيران منذ البدء ان الرضوخ للكيد الأميركي يعني بكل بساطة التنازل عن الاستقلال والسيادة والتفريط بالثورة الإسلامية كلا ومبدأ ومسار حياة، والعودة إلى حال التبعية والوصاية الغربية التي عانت إيران منها قبل الثورة والتي لم تكن الثورة ألا من اجل التخلص منها.

و لأجل ذلك عملت ايران في المواجهة على خطوط ثلاثة متناغمة و متكاملة : الأول سياسي دبلوماسي عبر التحكم بردة الفعل و سحب الذرائع فهي لم تتصرف بانفعال و تسارع إلى الخروج من الاتفاق النووي كما توقعت و تشتهي أميركا ، بل عملت عكس ما خططت و توقعت أميركا فتمسكت بالاتفاق و عملت مع ال 5 الباقين من أطرافه للمحافظة عليه و نجحت في مسعاها و بدل ان تعزل ايران دوليا كانت العزلة من نصيب أميركا التي ظهرت في موقف دولي واهن فاقدة المصداقية لا تشجع أحدا على العمل معها او الاستجابة لمطالبها بما في ذلك أروبا الحليفة لها منذ الحرب الثانية .

أما الثاني فقد كان عسكريا ردعيا حيث حشدت وأظهرت قوتها وأجرت المناورات المعلن عنها او غير المعلن، وأظهرت بالتعاون مع حلفائها في الإقليم عامة وفي الساحات الملتهبة الساخنة خاصة من القوة والقدرة على المواجهة العسكرية ما جعل المتتبع يعتقد ان خسارة أي طرف سينازل إيران في الميدان العسكري لن تكون قليلة لا بل لن تكون بالقدر القابل للاحتمال.

وفي الخط الثالث أتقنت المواجهة الإعلامية والحرب النفسية المضادة، حيث اعتمدت إيران استراتيجية الصوت الصاخب والتهديد المتعدد الوجوه والمصادر، ولم يكن من فراغ أشراك قادة عسكريين وميدانيين في هذه المواجهة أمثال الجنرال قاسم سليماني الذي هدد أميركا صراحة بمصير في المنطقة لن يكون مطلقا كما تشتهي وترغب.

لقد ادركت ايران منذ البداية ان أحدا في العالم و بخاصة الدول المشاركة في التوقيع على الاتفاق النووي ليس من مصلحته ان يتفلت من هذا الاتفاق ، كما ادركت ان موازين القوى الدولية خاصة بعد الهزيمة الاستراتيجية التي مني بها العدوان على سورية ان هذه الموازين ليست في صالح أميركا ، كما كانت ايران على يقين بان التدابير الكيدية الأميركية ستؤلم شعبها في بعض الوجوه و تجعل بعضه يئن منها لكن الأغلبية الساحقة من الشعب ستبقى متمسكة بالثورة الإسلامية التي أعادت للشعب الإيراني عزته و عنفوانه و استقلاله ووضعت ايران في مصاف الدول الكبرى ذات البعد الاستراتيجي الدولي الفاعل في شؤون المنطقة و العالم .

هذه العوامل وغيرها من الوقائع، دفعت إيران إلى التمسك بحقوقها واستقلالها، وألزمت أميركا بالتراجع عن تهديداتها، إلى الحد الذي فاجا فيه ترامب العالم عامة والسعودية وإسرائيل خاصة، بدعوته إيران إلى الحوار غير المشروط وأبداء استعداده لمناقشة أي موضوع تطرحه إيران عليه. 

فوجئ البعض بالعرض الأميركي ، لكن العارفين ببواطن الأمور و المدركين لشخصيةرجل الأعمال او التاجر دونالد ترامب  لم يفاجؤوا لانهم كانوا يتوقعون ان ينقلب ترامب على مواقفه ان لم تأت اليه بالربح المالي ، فالمال ثم المال هو ما يملي على ترامب سياسته و اذا كانت الحرب مكلفة و غير مضمونة النتائج فان ترامب سيكون اشد المعارضين لها ، و اذا كان اللقاء مع الإيرانيين سيعود على أميركا ببعض الفوائد من غير خسائر مالية فان ترامب سيكون من اشد المطالبين به خاصة و ان الثمن الذي قبضه من السعودية اصبح في الجيب الأميركي و احد لن ينتزعه منها .

ان العرض الأميركي بالحوار مع ايران قد يستجاب له او لا يستجاب وفقا للتقدير و المصلحة الإيرانية خاصة و ان ايران تعلم يقينا بان لا مصداقية مطلقا لأميركا لا في التزام و لا في توقيع ، ان أميركا هذه وقعت مع سكان البلاد الأصليين فيها و الذين يطلق عليهم اسم الهنود الحمر 372 اتفاقا لم ينفذ منها اتفاق واحد و السبب ضعف الهنود الحمر و قوة البطش الأميركي بهم ، ثم ان ايران لا تجد حاضرا من يضمن أميركا في تنفيذ أي التزام في اتفاق جديد .و لأجل ذلك ستجد ايران نفسها غير معنية بالعرض الترامبي للحوار ليس لأنها لا ترغب به بل لأنها قد لا تجد فائدة منه .

بيد انه من جهة أخرى قد ترى إيران أنها ومن اجل تخفيف الضغوط الأميركية على الأخرين الذين رفضوا الموقف الأميركي وتمسكوا بالاتفاق النووي معها، قد تجد ان الحوار وفقا لمبادئ تلتزمها ولضوابط تضعها ليس مضرا بل قد يكون فرصة تعري أميركا وتعطي قوة أكبر للموقف الإيراني.

وعليه إذا لمست إيران ان لا ضرر معنوي او مادي مؤكد من اللقاء في حوار مقيد مع أميركا فأنها قد توافق على أجرائه ضمن ضوابط وقواعد تلتزمها أولها تحييد القدرات العسكرية الدفاعية الإيرانية عن أي نقاش، والثاني رفض التدخل الخارجي بالقرار الإيراني المستقل والسياسات الإيرانية المنسجمة مع أهداف الثورة الإسلامية، وأخيرا التأكيد على الحقوق الإيراني في الاستعمال السلمي لمتعدد الوجوه للطاقة النووية. 

ان بإمكان ايران ان تنطلق في الحوار المقيد هذا ، و هي تدرك ان أميركا لم تطلب الحوار ألا بعد ان ادركت ان الحرب التي تهول بها غير ممكنة ، و ان التدابير الكيدية المسماة عقوبات أميركية ضدها مؤلمة و لكن غير قاتلة ، و ان محور المقاومة إلى تصاعد في الموقع الجيوسياسي و الدور الاستراتيجي بعد إنجازاته في سورية و اليمن والإقليم ، و ان ما هددت به من أنشاء ناتو عربي لمقارعة ايران غير عملي و غير فاعل ، إضافة إلى إدراكها بان أميركا تعلم ان أروبا حليفتها التاريخية لن تكون شريكا معها في أي عمل عسكري او تدبير كيدي ضد طهران و ان من تعول عليهم في الخليج يتهيبون مواجهة ايران فوق ما تتصور أميركا .

لكل هذا نجد ان إيران ليست مضغوطة للموافقة على حوار مع أميركا وقد لا تكون متضررة من فتح الحوار المقيد معها، بيد انه في الحالتين نرى ان مجرد العرض الأميركي طلبا للحوار يعني ان أميركا أيقنت أنها في مازق في علاقتها مع إيران التي تشعر رغم الصعوبات الناجمة عن التدابير الأميركية الكيدية تشعر بانها في وضع المسيطر على الوضع والواثق من نتائج المواجهة مهما كانت طبيعتها.
 
https://taghribnews.com/vdcenv8x7jh8eni.dbbj.html
الإسم الثلاثي
البريد الإلكتروني
أدخل الرمز