تاريخ النشر2018 22 May ساعة 01:39
رقم : 332290

حركة حماس وممارستها السياسية والديمقراطية

تنا-بيروت
يدرس الباحث التغيّر الذي حدث في البيئة السياسية لحركة حماس، وبيئة النظام السياسي الفلسطيني والعوامل التي أدت إلى صعود الحركة
حركة حماس وممارستها السياسية والديمقراطية
نشر مركز دراسات الوحدة العربية أخيراً أطروحة الدكتوراه للباحث والناشط السياسي الفلسطيني د. عقل صلاح بعنوان "حركة حماس وممارستها السياسية والديمقراطية 1992-2012".

يقول صلاح في مقدمته إن الأحزاب والتنظيمات الأيديولوجية السياسية تواجه تناقضاً بين التزامها الصارم بالأفكار الأيديولوجية من ناحية، وضرورات التكيّف مع الواقع المتغيّر من ناحية أخرى، لأن التجربة قد برهنت أن تبنّي الأحزاب والحركات لأيديولوجيا معيّنة لا يعني أن هناك صيغة محددة من السلوكيات، وأن النتائج ستبرز لمجرد إشهار هذا التبنّي؛ لأن التعاطي العملي مع الواقع يختلف عن التعاطي مع النظرية.

ويرى الكاتب أن الممارسة التطبيقية للنظرية تحتاج إلى قدرات وكفاءات من نوع مختلف، فقدرة الحزب الأيديولوجي على قراءة الواقع، وإيجاد السبل الملائمة لإحداث التغيير المطلوب في الاتجاه الذي يخدم الفكرة والهدف المستوحيين من الأيديولوجيا يعدان مسألة مهمة، وذلك لأن الأيديولوجيات السياسية لا ينطوي معناها على أقوال عن الواقع الحقيقي، بل هي لا تعدو كونها مشاريع أفكارية للمستقبل وصياغات لما ينبغي أن يصبح واقعاً فعلياً.

تتكون الأيديولوجيا من عنصرين أساسيين: الأول العنصر النظري، والثاني العنصر العملي، فمن الناحية النظرية تتألف الأيديولوجيا من نظام من الأفكار والقناعات التي تتناول الإنسان، ومركزه في المجتمع، وموقفه من هذا المجتمع، ومن الناحية العملية تحمل الأيديولوجيا أنصارها على انتهاج سلوك يعملون من خلاله لتحقيق تلك القناعات. إلا أن الأحزاب تخضع لعملية تكيّف زمني وأيديولوجي، فتتكيف زمنيًا من حيث المتغيرات السياسية المصاحبة لكل مرحلة، بينما تتكيف أيديولوجيًا، من خلال إبداء نوع من المرونة في مواقفها السياسية، بما يتلاءم وطبيعة المرحلة التي تمر بها. لذلك يزداد التناقض بين الأيديولوجيا والممارسة على أرض الواقع عند الأحزاب عند انتقالها من المعارضة إلى الحكم، فتجد نفسها أمام خيارين إما الالتزام بالأيديولوجيا أو التعامل مع الواقع ومع معطياته، فتقلل من الأيديولوجيا لمصلحة السياسة، وما تقتضيه من ضرورات التكيّف. لكن ذلك يجعلها معرضة للاتهام بالتخلّي عن معتقداتها الأيديولوجية ويعطي للعناصر المتشددة داخلها - ولخصومها السياسيين - فرصة انتقادها واتهامها بالتخلي عن مبادئها.

إشكالية الدراسة
يحدد صلاح أن دراسته ستهتم – تحديدًا- بالممارسة الديمقراطية لحركة حماس كونها مقيّدة بتصوّرها الأيديولوجي، رغم أنها في الوقت نفسه محكومة بالتغيّرات على الساحة الفلسطينية.

وتتمحور إشكالية الدراسة حول تحليل العوامل التي أدت إلى تغيّر موقف حركة حماس تجاه الممارسة الديمقراطية، من مقاطعتها لانتخابات المجلس التشريعي عام 1996 إلى مشاركتها في انتخابات المجلس التشريعي عام 2006، حيث تركز الدراسة على العوامل الداخلية التنظيمية، والعوامل المتعلقة بالوضع في فلسطين، التي كان من شأنها تغيير موقف الحركة من المشاركة في الانتخابات التشريعية، وإلى أي مدى يتسق هذا التغيير مع الإطار الأيديولوجي للحركة، ونظرتها إلى الديمقراطية، ومدى احترامها لقواعد الممارسة الديمقراطية داخلها، وفي علاقتها مع الفصائل الفلسطينية الأخرى.

وبما أن حركة حماس نشأت كحركة أيديولوجية سياسية إسلامية مقاومة للاحتلال الإسرائيلي، فإن الطابع السري هو الغالب عليها، وهي مقيّدة بتصوّرها الفكري، والمتمثل في ميثاق الحركة الصادر عام 1988، والذي لا يعطي للديمقراطية مجالاً واسعاً. إلا أن تطور الواقع الفلسطيني فرض عليها التكيّف مع الظروف الجديدة التي أعقبت اتفاق أوسلو عام 1993.

ويبحث صلاح العوامل التي أدت إلى تغيير موقف حركة حماس، والتي تتمثل في بحث تطور الواقع السياسي الفلسطيني بعد اتفاقية أوسلو، وظهور مؤسسات السلطة الوطنية الفلسطينية، حيث اكتسبت الحركة مزيدًا من الشرعية بزيادة قوتها الشعبية؛ بسبب تماسكها التنظيمي، ووحدة نخبتها، وتبنّيها الفكر الإسلامي، ونهج المقاومة خلافًا لنهج التسوية والمفاوضات التي تبنته حركة فتح، والذي ترافق مع انخفاض متزايد للثقة السياسية في كفاءة "فتح" في إدارة شؤون السلطة؛ بسبب الفساد المالي والإداري، وتنامي المصالح الذاتية الضيقة، والخلافات الداخلية، وتحمل حركة فتح المسؤولية عن نتائج ما آلت إليه القضية الفلسطينية على المستويين الداخلي والخارجي.

وهذا الواقع غيّر من هيكل الفرص السياسية أمام حركة حماس، ووفر لها فرصًا أكبر للإفصاح عن حجم التأييد الشعبي لها من خلال خوض الانتخابات التشريعية الثانية. غير أن هذا التطور قد أثار مشكلات أخرى تتعلق بموقف حماس الأيديولوجي تجاه القضية الديمقراطية، وبمدى وجود الديمقراطية داخل تنظيمها.

يمتد المجال الزمني للدراسة من عام 1994 وحتى عام 2012، حيث شهد عام 1994 ولادة السلطة الوطنية الفلسطينية، وبناء مؤسساتها المختلفة بناءً على البرنامج المرحلي لاتفاق أوسلو، وما تبعه من إجراء انتخابات تشريعية أولى عام 1996، والتي امتنعت حركة حماس عن المشاركة فيها. لكن موقفها تغيّر في عام 2006 وقررت المشاركة في الانتخابات التشريعية الثانية، وانتقلت من دور المعارضة إلى الحزب الحاكم، وما تبعه من حدوث الانقسام الفلسطيني - الفلسطيني في عام 2007 والذي أدى إلى قيام حكومتين: إحداهما في الضفة الغربية، والأخرى في قطاع غزة، والذي تعزز بقيام حركة حماس في تموز/يوليو 2012 بمنع لجنة الانتخابات المركزية من تحديث سجلات الناخبين؛ تمهيدًا لإجراء انتخابات محلية، وتشريعية ورئاسية في كل من الضفة الغربية، وقطاع غزة، مما اضطر السلطة في تشرين الأول/أكتوبر 2012 إلى إجراء الانتخابات المحلية في الضفة الغربية من دون القطاع.

أسئلة الدراسة
يقول الباحث إنه في إطار هذه الإشكالية تسعى دراسته إلى الإجابة عن التساؤلات التالية:

ما هي العوامل التي أدت إلى تغيير هيكل الفرص السياسية في السياق الفلسطيني ضد حركة فتح ولصالح حركة حماس؟
كيف بررت حركة حماس موقفها تجاه الانتخابات التشريعية لأعضائها ومناصريها، وذلك في ضوء الإطار الأيديولوجي لها؟ وما هي الحجج التي استندت إليها لتحقيق ذلك؟
إلى أي مدى تتوافر الديمقراطية الداخلية في تنظيم حركة حماس؟ وإلى أي مدى التزمت الحركة في مبادئ الممارسة الديمقراطية بعد فوزها في الأغلبية في انتخابات عام 2006 وتشكيلها للحكومة الفلسطينية العاشرة؟ وهل استطاعت الحركة تطبيق الديمقراطية التي عبّر عنها برنامجها الانتخابي؟
كيف فسّرت حركة حماس انقلابها العسكري في عام 2007 ضد مؤسسات السلطة الوطنية الفلسطينية، وانفرادها بحكم قطاع غزة، وذلك في ضوء القانون الأساسي الفلسطيني، والتي تمت الانتخابات التشريعية الثانية وفقًا له؟
إلى أي مدى التزمت حكومة حماس باحترام الحقوق والحريات العامة للفلسطينيين في قطاع غزة منذ انفرادها في السلطة وتطبيق القانون؟
إلى أي مدى التزمت حركة حماس بالديمقراطية في إدارة علاقاتها مع الفصائل الفلسطينية الأخرى المخالفة لها في قطاع غزة؟
هل اعتماد حركة حماس النهج الديمقراطي يمثل تغيرًا في فكرها السياسي وموقفها من قضية الممارسة الديمقراطية، أم أنه وسيلة من أجل تحقيق مصالحها ووصولها إلى سدة الحكم؟ وهل تحتاج "حماس" إلى مراجعة ميثاقها في ضوء ممارساتها السياسية بدءًا من مشاركتها في الانتخابات التشريعية الثانية؟.
 

تنبع أهمية أطروحة الدكتور عقل صلاح من عدد من الاعتبارات التالية:

قلة الدراسات الأكاديمية التي ركزت بصورة خاصة على موقف حركة حماس تجاه الممارسة الديمقراطية، فرغم كثرة الدراسات عن الحركة إلا أن أغلبها قد تناول نشأتها، أو خطابها السياسي، أو موقفها من منظمة التحرير الفلسطينية، أو دورها الكفاحي، أو قيامها بالانقلاب في قطاع غزة.
تزايد وزن وأهمية "حماس" في الساحة الفلسطينية، وبخاصة بعد نجاحها في الانتخابات التشريعية الثانية، وانتقالها من المعارضة إلى الحكم، وتشكيلها الحكومة الفلسطينية العاشرة، وانقلابها على السلطة الوطنية في قطاع غزة عام 2007 .
تسليط الضوء على موقف حركة حماس تجاه الممارسات الديمقراطية المتمثلة بالحريات العامة، وعلاقتها مع القوى الوطنية والإسلامية وهي في صفوف المعارضة، وموقفها الحالي بعد سيطرتها على قطاع غزة وتفردها بإدارة شؤونه.
هيكل الفرص السياسية
إن اعتماد الدراسة على مفهوم هيكل الفرص السياسية كأداة لتحليل الفرص التي أتيحت لحركة حماس، ودفعتها إلى تغيير موقفها من المشاركة في الانتخابات والنظام السياسي الفلسطيني، يضيف إسهامًا نظريًا في فحص عملية التغير التي حدثت عند الحركة، وأثرها على الممارسة الديمقراطية.

وانطلاقاً من إشكالية الدراسة والتساؤلات البحثية التي طرحها الباحث، يطرح الفرضية الرئيسية، وهي "وجود علاقة إيجابية بين إدراك حركة حماس لتغيّر هيكل الفرص السياسية المتاح أمامها، بناءً على التغيرات التي طرأت على النظام السياسي الفلسطيني من ناحية، وتغيير موقفها من الممارسة الديمقراطية الانتخابية، واتخاذها القرار بخوض انتخابات المجلس التشريعي عام 2006 من ناحية أخرى".

ويرتبط بهذه الفرضية الرئيسية عدد من الفروض الفرعية وهي:

وجود علاقة إيجابية بين تدهور الثقة السياسية في حركة فتح من جانب المواطنين، وازدياد الفرص السياسية أمام حركة حماس. فقد أدى تبني حركة فتح لاتفاقية أوسلو التي أنشئت السلطة على أساسها، ومشاركتها في تنفيذها باعتبارها الطرف الفلسطيني الرئيس، ودخولها في التفاوض والتنسيق الأمني مع إسرائيل وفقًا لاتفاقية أوسلو، وانتشار الفساد المالي والإداري في السلطة، وتدني المستوى الاقتصادي والمعيشي، والخلافات داخل حركة فتح، واستمرار الاستيطان والحملات الإسرائيلية ضد الفلسطينيين، أدى كل ذلك إلى اهتزاز الثقة السياسية لقطاع متزايد من الفلسطينيين تجاه حركة فتح، وكان من شأن ذلك كله انخفاض شعبية "فتح" وزيادة الفرص السياسية لـ"حماس".
 

وجود علاقة إيجابية بين نجاح حركة حماس في الانتخابات غير السياسية، ووعي قيادة حماس لحجم الالتفاف الشعبي حولها، وزيادة فرصها في النجاح في الانتخابات التشريعية الثانية. وتشير هذه الفرضية إلى العلاقة بين ما يسميه بعض الباحثين في الانتخابات (الانتخابات غير السياسية) والتي تشير إلى انتخابات النقابات المهنية، والاتحادات الطلابية، وانتخابات المجالس البلدية والقروية والمحلية، وتحقيق حماس فوزًا كاسحًا في العديد من هذه الانتخابات وحصد غالبية المقاعد، مما أوجد ثقة سياسية لدى الحركة، وأعطاها مؤشرًا للمشاركة في الانتخابات التشريعية الثانية.
 

وجود علاقة إيجابية بين مشاركة حركة حماس في مؤسسات النظام السياسي الفلسطيني من خلال الانتخابات التشريعية الثانية، وزيادة النقد الموجّه لها بشأن مدى إلتزامها بمنطلقاتها الأيديولوجية. وتشير هذه الفرضية إلى ما ترتب على مشاركة حماس في الانتخابات التشريعية، وانتقاد عديد من الحركات الفلسطينية لحماس، والتشكيك بمدى التزامها بمنطلقاتها الأيديولوجية، وبرنامجها السياسي.
منهج الدراسة
يقول الباحث إنه يمكن تحليل النظام السياسي من زاوية تغيّر الفرص المتاحة للدولة أو للجماعات المتنافسة في إطارها، والتي تشمل الأحزاب والنقابات والحركات الاجتماعية، ومؤدى ذلك أنه في سياق أي وضع سياسي يتيح فرصًا متباينة للجماعات كما أنه يفرض قيودًا متباينة عليها. وتختلف درجة وحجم الفرص والقيود وفقًا للسياسات العامة التي تتبعها الحكومة. وبناءً على ذلك، تنطلق دراسة صلاح من مفهوم هيكل الفرص السياسية، ويقصد بهذا المفهوم "تلك التغييرات التي تطرأ على النظام السياسي القائم، وتطال هياكله المؤسسية بما يضيّق من الفجوة في عناصر القوة النسبية بين الدولة، والقوى المناهضة، بحيث تستفيد من هذه الفرص؛ لتأسيس التنظيم المعبر عن مطالبها فيما يعرف بالتعبئة التنظيمية".

ويعد مفهوم هيكل الفرص السياسية من الركائز المهمة لدراسة الحركات الاجتماعية، فحجته الأساسية ترتكز على العلاقة بين الحركة الاجتماعية، وبيئتها وبالأخص بيئتها السياسية. فالجماعات تنشأ، وتتحد خصائصها، وتنجح، وتفشل بناءً على فرص معينة، ويلعب التغيير في خصائص النظام السياسي القائم دورًا مهمًا في وجودها أو غيابها، فليس هناك نظام سياسي ثابت عبر الزمان والمكان، فالتغيّر قد يطرأ على أي نظام، وهذا التغيّر قد يجعله أكثر عرضة لاحتجاج الجماعات الساخطة، وأكثر استجابة لمطالبها بالتغيير. فالفرصة السياسية هي عبارة عن التغيّر في قدرة الجماعة على الاستفادة من عملية التحوّل السياسي بشكل يزيد من تأثيرها في تلك العملية ذاتها.

لقد تأسس مفهوم هيكل الفرص السياسية على إسهامات منهجي الجماعة، وتحليل النظم. فوفقًا لمنهج الجماعة (Group Approach)، تعد الجماعة وحدة التحليل السياسي وليس الفرد، باعتبار أن النظام السياسي يتكون من شبكة معقدة من الجماعات تتفاعل فيما بينها باستمرار، وتضغط كل جماعة على الأخرى. وهذه الضغوط والضغوط المضادة في النظام عبارة عن الصراع في هذه الجماعات، ويتوقف التغيّر في النظام السياسي على التغيّر في تكوين الجماعات مما يؤثر على اتجاهات أعضائها وسلوكهم، وكذلك على النظام السياسي، حيث إن قدرة الجماعة على التأثير بالنظام السياسي يعتمد على مدى قدرتها على الوصول إلى مركز صنع القرار، وخصائصها الذاتية من حيث عدد أعضائها، وتماسك تنظيمها، وحجم مواردها المالية، وطبيعة القضايا التي تتبناها.

ويتميز هذا المنهج بقدرته على تبيان الدور السياسي للجماعة، وعلاقتها بالنظام السياسي، والعوامل التي تتحكم في التأثير الذي تمارسه. لذلك يعد منهج الجماعة من أنسب المناهج التي من الممكن استخدامها كون موضوع البحث يركز على الحركات السياسية الأيديولوجية ومن ثم حركة حماس نموذجًا، والتي تتكون من مجموعة أفراد تتفاعل في ما بينها، سعيًا نحو تحقيق أهداف مشتركة، وتؤثر في النظام السياسي الفلسطيني، وتربطها علاقات مع غيرها من الأحزاب، والفصائل الفلسطينية، ولها إطار أيديولوجي يحكم سلوك أعضائها وتوجهاتهم.

أما منهج تحليل النظم (System Analysis Approach) الذي طوره دافيد إيستون، والذي يرى فيه وجوب تبسيط الحياة السياسية المعقدة المركبة، والنظر إليها تحليليًا على أساس آلي منطقي على أنها مجموعة من التفاعلات التي تتم في إطار النظام السياسي من ناحية، وبينه وبين بيئته من ناحية أخرى. فقد ارتكز على أن النظام السياسي عبارة عن دائرة متكاملة ذات طابع ديناميكي تبدأ بالمدخلات (Inputs) وهي الضغوط التي يتعرض لها النظام، والتي تدفعه إلى النشاط والحركة وهي تنبع من البيئة، ومن داخل النظام نفسه، وتنقسم إلى قسمين هما: المطالب، والتأييد. ويحوّل النظام المدخلات إلى مخرجات (Outputs) من خلال عملية التحويل (Conversion Process) التي تحدث داخل أبنية النظام، وهذه المخرجات تتمثل في استجابة النظام للمطالب في صورة سياسات وقرارات، والتي إما تكون إيجابية وتتمثل في محاولة السلطة تعديل البيئة، أو النظام السياسي من خلال الوفاء بالمطالب، أو سلبية حينما تلجأ السلطة إلى القمع، كي تضمن الحفاظ على النظام السياسي. ونتيجة للمخرجات تنتج عملية التغذية الاسترجاعية (Feedback)، والتي تعبّر عن دائرية التفاعل بين مخرجات البيئة ومدخلاتها.

عوامل صعود حركة حماس
ووفقًا لمفهوم هيكل الفرص السياسية يمكن تفسير عوامل صعود حركة حماس بناءً على التغير في الفرص السياسية المتاحة أمامها، والتي تمثلت في تغيّر بيئة النظام السياسي الفلسطيني حيث زادت فرص الحركة، وقلّت فرص خصومها، وتنقسم هذه العوامل إلى مجموعتين: الأولى، عوامل ذاتية داخلية، والثانية عوامل خارجية، وذلك كالآتي:

عوامل ذاتية تتعلق بالبنية الداخلية لحركة حماس، وهي:
‌أ.      تبني الحركة للفكر الإسلامي (الدعوي) ودورها الخدماتي والاجتماعي والاقتصادي كان العامل المؤثّر في حشد التأييد الشعبي لها.

‌ب.     دور الحركة في المقاومة العسكرية للاحتلال الإسرائيلي، حيث قدمت الحركة عددًا كبيرًا من الشهداء، وعلى رأسهم مؤسس الحركة الشيخ أحمد ياسين مما رفع من رصيدها السياسي.

‌ج.     دور الحركة الخدماتي المرتبط بحياة الناس اليومية، وهمومهم المعيشية، فقد أنشأت الحركة العديد من المؤسسات الخدماتية الاجتماعية التي تقوم بتقديم المعونات المختلفة للشعب الفلسطيني.

‌د.      قوة التماسك التنظيمي الداخلي للحركة.

عوامل خارجية، تتعلق بالبيئة الخارجية للحركة، وتشمل سبعة عوامل، وهي:
‌أ.      فشل اتفاقيات السلام، وانسداد الأفق السياسي، وتحمل حركة فتح تبعات اتفاق أوسلو.

‌ب.     تراجع الدور الكفاحي لحركة فتح، بتبنّيها نهج المفاوضات.

‌ج.     الانقسامات، والخلافات داخل حركة فتح، ولا سيما بعد استشهاد الرئيس ياسر عرفات والذي أثّر سلبًا على أداء الحركة، وأدى إلى إضعافها.

‌د.      انتشار الفساد في مؤسسات السلطة الوطنية.

‌ه.     تردي الأوضاع الاقتصادية، والأمنية في الأراضي الفلسطينية.

‌و.      دعم قيام انتفاضة الأقصى عام 2000 موقف حركة حماس، وزاد من شعبيتها من خلال دورها المقاوم للاحتلال الإسرائيلي من جهة، وقد أضعف السلطة من خلال استهدافها من قبل الاحتلال والسيطرة على مناطق السلطة (أ) وتدمير مقراتها وبنيتها التحتية من جهة أخرى.

‌ز.      ضعف دور القوى اليسارية الفلسطينية، على الرغم من مشاركة الجبهتين الشعبية لتحرير فلسطين والديمقراطية في الكفاح المسلح بشدة.

كل هذه العوامل ساعدت على تآكل شرعية حركة فتح، وازدياد الثقة في حركة حماس، تلك الثقة التي تمثلت في فوز الحركة بالانتخابات التشريعية الثانية.

ويدرس الباحث التغيّر الذي حدث في البيئة السياسية لحركة حماس، وبيئة النظام السياسي الفلسطيني، والذي تمثل في العوامل التي أدت إلى صعود الحركة، وكيف تكيّفت مع التغيرات التي حدثت في بيئة النظام السياسي الفلسطيني، ما أدى إلى قرار الحركة المشاركة في النظام السياسي الفلسطيني.

الممارسة الديمقراطية لحركة حماس
اهتم الكتاب بصورة رئيسية بالممارسة الديمقراطية لحركة حماس كونها مقيّدة بأيديولوجيتها ومحكومة بالتغيّرات السياسية التي حصلت في النظام السياسي الفلسطيني، مما فرض عليها التكيّف مع الظروف الجديدة التي أعقبت اتفاق أوسلو سنة 1993، فانتقلت من المعارضة والرفض إلى المشاركة السياسية.

ولتحقيق هذا الهدف قسّم الباحث الكتاب إلى ستة فصول، فتناول الفصل الأول الإطار النظري للدراسة. أما الفصل الثاني فعرض لنشأة حركة حماس وموقفها تجاه الديمقراطية، فيما تناول الفصل الثالث اتفاق أوسلو وتطور البيئة السياسية الفلسطينية، بينما عالج الفصل الرابع تغيّر هيكل الفرص السياسية لحركة حماس. واختص الفصل الخامس بالانتخابات السياسية وغير السياسية للحركة. وأخيرًا ناقش الفصل السادس موضوع حركة حماس في الحكم في قطاع غزة.

 

ولعل أهم القضايا التي تناولها الكتاب هي التالية: 

أولًا: أهمية مفهوم هيكل الفرص السياسية

يرى الباحث أن استخدام مفهوم هيكل الفرص السياسية في تحليل الأحزاب والحركات السياسية أداة تحليلية مفيدة في دراسة هذه الحركات وأنشطتها، حيث يؤثّر الهيكل على الجماعات والحركات بشكل كلّي أو جزئي، ولكن تأثيره متغير وليس ثابتًا لكل الجماعات، حيث يختلف من جماعة إلى أخرى، ومن وقت إلى آخر حتى للجماعة نفسها. فالهيكل ثابت بجوانبه المؤسسية التي تقيّد شكله وأهدافه، ومتغير بسبب جوانبه المتقلبة التي تعتمد على تصرفات الأفراد. فالجماعات والحركات تستطيع التأثير في الهيكل وتغييره وتوليد فرص لنفسها من خلال ممارساتها وأنشطتها. وتختلف الحركات في قدرتها على اقتناص الفرص التي يتيحها لها الهيكل بالرغم من وجودها في نفس السياق وذلك يعود لأهدافها ولنمط عملها.

علاوة على نمط التربية ومنظومة الأهداف التي تضعها الحركة نصب أعينها، ناهيك عن مدى الجمود والمرونة التي تتمتع بها المؤسسة التي ترسم خطط التنظيم أو الجماعة، ومدى قدرته على التفاعل مع الأحداث وقدرتها على تحيّن الفرص، وسرعة استغلالها. وحين تكون الجماعة محكومة ومنضبطة بجملة مبادئ، وتسيّر أعمالها مؤسسة قادرة على وعي الواقع والتاريخ، وتتمتع بقدرة عالية على قراءة جميع المعطيات، وتوظيفها وحسن استشراف المستقبل، فإن إمكانية استثمار كل الفرص تظل كبيرة، فيما تخفق الجماعات التي تحتكم لأمزجة أفراد، واجتهادات أشخاص محددين لا تجمعهم رؤية واحدة، ولا قراءة موحدة للواقع، حيث تقلّ بوجودهم فرص النهوض، وتتلاشى أمام تضارب أفكارهم إمكانية النهوض، وهذا ما حصل مع حركة فتح.

الحركات السياسية بين الأيديولوجية والواقعية
يشير مصطلح الأيديولوجيات العقائدية أو الكلّية إلى الأيديولوجيات المتكاملة أو الشاملة التي تمتلك تصورًا عن الإنسان مثل الشيوعية والإسلامية. فالشيوعية في شرق أوروبا التي قامت أساسًا على مبدأ دكتاتورية البوليتاريا استطاعت أن تكيّف فكرها وأيديولوجيتها مع البيئة السياسية الديمقراطية الجديدة من أجل تحقيق أهدافها المتمثلة بالوصول إلى الحكم عبر الانتخابات البرلمانية، وليس عبر الثورة التي لم تستطع من خلالها تحقيق أهدافها. والحركات الإسلامية التي قامت أيضاً بتغيير وتكييف مواقفها تمهيدًا للمشاركة السياسية في الأنظمة، فكيّفت النص الديني ليتلاءم مع الواقع الجديد قبيل المشاركة وبعد وصولها إلى الحكم. وهذا بدوره يقودنا إلى نتيجة مفادها بأن هناك من يتعامل مع الأيديولوجيات على أنها ليست ثابتة وإنما متغيرة، فهي تعتبر وسيلة للحركات من أجل تحقيق غاياتها وأهدافها المتمثلة في الوصول للحكم.

ويرى الكاتب أن ثمة فهماً خاطئاً لدى الكثير من أبناء الحركات المنبثقة من فكر أيديولوجي، تمثل في الخلط بين الاجتهاد في دائرة المسموح والاجتهاد الذي يتناقض مع المبادئ، فيسارع الأتباع إلى تبرير كل اجتهاد سياسي حتى ولو كان في حقيقته متناقضاً مع ثوابت أيديولوجية ظلت علامة فارقة لتلك الجماعات. إن الكاتب لا يدعو إلى الجمود الفكري، والإنغلاق، وإنما يدعو إلى التفريق بين الخروج على الجمود والخروج على الثوابت، وبالنظر إلى مسيرة العديد من الحركات الأيديولوجية في الشرق والغرب نجد أن أغلب هذه الحركات قد وقع في شرك البراغماتية وشهوة الوصول إلى السلطة، مما حدا بالكثير منهم إلى الخروج على ثوابته الفكرية ومنظومته العقائدية تحت غطاء التعاطي مع متطلبات المرحلة، واغتنام الفرص المتاحة، وهذا ما وقعت به حركة حماس في تعاطيها مع الفرص حتى لو كان التعاطي على حساب ثوابت فكرية طالما نادت بها الحركة، وعابت على حركة فتح تنكّرها لها، ومخالفتها لبنودها.

وثبت بالوجه القاطع أن ما رددته العديد من الحركات الإسلامية على أنه ثوابت لا يمكن المساس بها أو الحياد عنها، أنها لم تعد كذلك، وإنما تم تطويعها وإعادة إنتاجها من جديد لتتلاءم مع الواقع السياسي المتغير، بما يكفل لها تحقيق مصالحها الحزبية وتسهيل عملية وصولها إلى سدة الحكم.

تغيّر هيكل الفرص السياسية
لقد تغيّر ميزان الفرص السياسية في الحالة الفلسطينية وانتقل من حركة فتح لصالح حركة حماس، والذي كان نتيجةً لتوقيع حركة فتح اتفاق أوسلو وتشكيلها للسلطة الوطنية سنة 1994، حيث بدأت شعبيتها بالهبوط التدريجي. وقد ترافق ذلك مع ازدياد شعبية حركة حماس في الشارع الفلسطيني بسبب عملياتها العسكرية ضد قوات الاحتلال الإسرائيلي والمستوطنين. ويعود ذلك لأسباب متعلقة بثلاثة أطراف، وهي إسرائيل، وحركة فتح، وحركة حماس، فالتنصل الإسرائيلي من تطبيق الاتفاقيات المُوقّعة مع السلطة على الرغم من تنفيذ الأخيرة جميع الالتزامات المطلوبة منها، وعدم اعتراف إسرائيل بوجود طرف فلسطيني والذي كان واضحاً من خلال ممارساتها، قد أفرغ السلطة من محتواها، واختزلها في التنسيق الأمني الذي شوّه صورتها في الشارع الفلسطيني.

وفيما يتعلق بالأسباب المتعلقة بحركة فتح فقد ابتعدت الحركة بعد استلامها للسلطة عن ممارسة الدور النضالي، وطغت المصلحة الفردية والحزبية والفساد على مصلحة الحركة والمصلحة العامة، مما أبعدهاعن ممارسة دورها تجاه شعبها في مختلف مجالات الحياة، الأمر الذي تسبب في هبوط شعبيتها.

لقد تزامنت الانتخابات التشريعية الثانية عام 2006 مع وجود ترهل تنظيمي يعصف بحركة فتح، ووجود قيادة سياسية متناحرة، في ظل منافسة من قبل حركة حماس الأكثر تنظيمًا وتوحدًا وانضباطًا.

ويرى الباحث أن حركة حماس قد استطاعت توظيف ميزان الفرص السياسية في الحالة الفلسطينية بما يخدم استراتيجيتها السياسية وبرنامجها الانتخابي، مما انعكس إيجاباً على نتائج الانتخابات التشريعية. وقد أدركت الحركة أن أمامها منافساً لديه العديد من الثغرات، وتكتظ مسيرته بالعديد من التناقضات، مما يقلل من فرصه في المنافسة الحقيقية، والفوز، بينما بذلت "حماس" مجهودًا كبيرًا لتعزيز تلك الثغرات، وتأكيد كل التناقضات التي تجتاح الخصوم (حركة فتح) وتحول دون تحقيق الفوز. وبهذا تكون حماس قد استثمرت كل فرص النجاح، وعززت كذلك كل عوامل تراجع الخصوم وهزيمتهم. أي أن فوز حماس لم يكن ذاتيًا محضًا، وإنما كان نتيجة لعوامل موضوعية هامة أبرزها الهشاشة التنظيمية التي عصفت بالخصوم، في ظل غياب منافسين آخرين على الساحة السياسية كحركة الجهاد الإسلامي وغيرها ممن نأى بنفسه عن اتفاق أوسلو وإفرازاته السياسية كالانتخابات.

أما حركة حماس فقد استغلت أخطاء الطرفين السابقين في بناء فرصها السياسية، بالإضافة إلى الفرص التي استطاعت الحركة خلقها بقدرتها على تقديم الخدمات للفقراء، ووحدتها الداخلية، وقيادة المقاومة، ونظافة قيادتها مالياً وأخلاقياً، وعلوّ مصلحة الحركة والمصلحة العامة على المصلحة الفردية، فكانت نتائج الانتخابات التشريعية الثانية بمثابة استفتاء حول شعبية الحركتين.

مستقبل هيكل الفرص السياسية
يشير الباحث عقل صلاح إلى أن قدرة حماس على استغلال هيكل الفرص تتفاوت بين كونها حركة مقاومة تعمل من خارج السلطة، وجماعة حاكمة، وبخاصة وأن قدرتها على توظيف هيكل الفرص أثناء وجودها في سدة الحكم تتناقص في جوانب، وتزيد في أخرى. لكنها في المجمل تبقى أسيرة علاقات دولية تفرض عليها قدراً من الانضباط السياسي، وتقلل من فرص المناورة والمراوغة إذا ما قورنت بقدرتها، وهي خارج سدة الحكم والتزاماته.

كما يشير صلاح إلى مسألة مهمة وهي أنه كما دفعت حركة فتح ثمن وجودها في السلطة وما ترتب على ذلك من استحقاقات كانت في النتيجة على حساب شعبيتها، فإن حماس تأثرت كذلك بحكم وجودها في الحكم، واضطرارها للتعاطي مع أمور سياسية وعلاقات دولية وإقليمية ما كان لها أن تقبل بها لولا اضطرارها حرصاً على بقائها في سدة الحكم، والحد من الغضب الدولي والإقليمي عليها.

وفي ضوء عدوان "العصف المأكول" سنة 2014 الذي شنّته إسرائيل على قطاع غزة والذي حققت خلاله حماس صمودًا وتطويرًا لاستراتيجياتها وتكتيكاتها الحربية، يرى الباحث أن المعطيات تشير إلى أن "حماس" مرشحة لأن تمر بذات المراحل النضالية والسياسية التي مرت بها حركة فتح من حيث الصلابة السياسية والعسكرية في سبعينيات القرن الماضي، والتي أخذت تتآكل مع مرور الزمن ومع التغيّرات السياسية المحلية والإقليمية حتى وصلت إلى حد التعاطي أو القبول مع الأمر الواقع، فعملت على تجيير منظومتها الفكرية لتنسجم مع التحولات الجديدة. ويرى صلاح أن حماس تسير بخطى سريعة نحو التعاطي مع الواقع المحيط، والمستجدات السياسية المتلاحقة مما يؤهلها لأن تتبوأ المكانة السياسية التي تتبوؤها حركة فتح ممثلة بالسلطة. فقد انتهت حركة فتح بالمعنى القديم، وستنحو حماس مستقبلًا منحىً أكثر براغماتية يحل فيه السياسي مكان الأيديولوجي بشكل كامل.

ويستنتج الكاتب مما سبق أن هناك قاعدة أساسية تتحكم في السياسة الفلسطينية ومفادها: الشيء الوحيد الثابت هو المتغير اللحظي. فبعد سيطرة حماس على القطاع أصبح رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس غير شرعي، ومن ثم اعترفت حماس بشرعيته، ومن ثم عادت تنادي بعزله طوعًا أو قسرًا. وكانت إيران وسوريا حليفين استراتيجيين، ولكن بعد الحرب على سوريا أصبحت كل من قطر وتركيا الحليفين الجديدين لحماس. وكان محمد دحلان عدو حماس اللدود، ولكن بعد خلافه مع الرئيس عباس أصبح مرحباً به في غزة. وهذا يؤكد على أن الحركة تغيّر من مواقفها بحسب تصورها للفرص المتاحة أمامها.

 

التعريف بالمؤلف: د. عقل صلاح كاتب وباحث فلسطيني حاصل على درجة الدكتوراه في النظم السياسية المقارنة من جامعة القاهرة. وهو أسير محرر عمل مديراً لمكتب الأمين العام السابق للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين الشهيد أبو علي مصطفى ومن ثم مديراً لمكتب الأمين العام للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين الأسير أحمد سعدات.
https://taghribnews.com/vdci3raput1apr2.scct.html
الإسم الثلاثي
البريد الإلكتروني
أدخل الرمز