تاريخ النشر2018 24 March ساعة 16:36
رقم : 320286

الإدارة.. ليست ما تظن

تنا-بيروت
يحاول معدو الكتاب تغيير وجهة النظر العامة حول مفهوم الإدارة من خلال جمع نخبة من المقالات الصحافية ومقتطفات من كتب ومجلات ودراسات صنفوها في فصول لتعزيز وتدعيم أفكارهم حول أساليب ومفاهيم الإدارة والقيادة التقليدية الخاطئة.
الإدارة.. ليست ما تظن
 يتناول كتاب "الإدارة؟ إنها ليست ما تظن"، وهو من إعداد وتحرير كل من هنري منتزبرغ وبروس آلستراند وجوزيف لامبل، وقد نقله إلى العربية وليد شحادة ونشرته الهيئة العامة السورية للكتاب، في أول فصوله "فسيفساء الإدارة" الذي اشتمل على مقطتفات لكتاب مختصين في فن الإدارة، هم بيتر دركر وسون كارلسون وليونارد سايلس يناقشون فيها التشبيه السائد بأن المدير هو قائد الأوركسترا.

يرفض بيتر دركر هذا التشبيه معللاً رأيه بأن قائد الأوركسترا هو مترجم لسنفونية وضعت أمامه جهد مؤلف بإعدادها. ومن وجهة نظرهم فإن المدير فهو المؤلف والقائد معاً، بينما يصف سون كارلسون المدير التنفيذي بالدمية التي تتحرك وفق الأوامر.

أما ليونارد سايلس فهو يقول إن المدير هو قائد أوركسترا سيمفونية يسعى جاهداً للحفاظ على أداء لحن شجي وتنظيم العرض غير أبه أو مهتم بالأعباء التي يتكبدها أعضاء الفرقة أو عمال المسرح فكل ما يعنيه هو النتيجة المطلوبة.

يحاول المؤلف المشارك هنري منتزبرغ إثبات أنه لا يوجد تعريف جامد للإدارة فهي "كل ما تظن والمديرون هم كل ما تظن". فكل من "الرئيس ورئيس الوزراء والمدير الإداري والموظف وكبير العمال والناظر والرئيس المباشر وقائد الأوركسترا ورئيس الدير ورئيس القبيلة وقائد المجموعة واللورد وفرعون والقيصر والإمبراطور والملك والمهراجا ومديرة المدرسة وشيخ العشيرة وسلطان والفوهرر ونائب الملك أو الوزير ومدير القسم التنفيذي والدكتاتور والحاكم المستبد وكبير المسؤولين التنفيذيين وكبير المسؤولين الماليين وكبير المسؤولين القانونيين" هو مدير.

ويناقش منتزبرغ الصفات الجامدة التي تعد صفات المدير الناجح ويراها مختصرة فهي قد تصنع ممن يتمتع بها مديراً فاعلاً لكنه غير إنساني.  كما يناقش مشكلة تضخيم إمكانيات الأشخاص الذين يوضعون في موضع الإداري بحيث يحملون فوق طاقاتهم وإمكانياتهم الحقيقية، كما يرى أن مهمة المدير غير واضحة، وكيف أن "الثرثرة والقيل والقال والشائعات والتكهنات تشكل جزءاً مهماً من وجبة المعلومات التي تقدم للمدير. لماذا؟ لأن شائعة تسمعها اليوم قد تغدو حقيقة غداً وعندئذ يكون الأوان قد فات".

ويرى منتزبرغ أن تأثير تسخير الانترنت في الإدارة كثيراً ما يزيد من معوقات العمل أيضاً.

صنع القرار الإداري
أما في مقالة "صنع القرار" فيقترح فرانسيس ويستلي فيها إضافة نموذجين إلى النموذج المنطقي المتمثل بـ"التفكير أولاً"، وهما نموذج "المشاهدة أولاً" ونموذج "الفعل أولاً". ففي المشاهدة أولا يستعين بمقولة الموسيقار الشهير موزارت: "تأليف السيمفونية يكمن في كون المرء قادراً على رؤية السيمفونية كلها بلمحة واحدة في الذهن"، كما يناقش فكرة "ومضة الاستنارة"، ويرفض عملية صنع القرار أي نظرية تستبعد "الميزة العظمى التي نسميها البصيرة النافذة والفطنة".

وفي الفعل أولاً يقول: "فعل أشياء متنوعة، واكتشاف أي الأفعال ينجح، ومن ثم فهمه وإدراك المراد منه وبالتالي تكرار السلوكيات الناجحة وإهمال ما عداها، والأشخاص الناجحون يعلمون أنهم عندما يقعون في ورطة عليهم أن يجربوا، فالتفكير يشكل حافزاً للفعل، أما الفعل فيشكل حافزاً للتفكير بلا شك".

ومن هنا يفتح ويستلي أبواباً واسعة أمام عملية صنع القرار والصفات التي يجب أن يتحلى فيها صانع القرار والأساليب التي يجب أن يتبعها لنجاح مهمته، وقد وظفت هذه المقالة للإضاءة على هذه الجوانب المهمة في شخصية المدير وتحديد إمكانيات وصفه بالناجح أو الفاشل في صنع القرار.

وفي إدارة المعنى يطرح المحررون مجموعة من المقالات التي تناقش المصطلحات المستخدمة في الحياة بشكل عام والإدارة بشكل خاص، بحيث يحاولون إيصال فكرة أن هذه المصطلحات تستخدم في سياقات خاطئة لتتحول بالفعل إلى معوقات في تسيير العمل كاستخدام مصطلح "حل المشكلة" الذي يعد بداية خلق المشكلة. ويقول ريموند سموليان: "تبدأ المشكلة الحقيقية لحظة يطلق المرء على شيء ما تسمية مشكلة".

كما يناقش الكتاب المصطلحات التي يستخدمها المدراء التنفيذيون وما يتم تغييره وتبديله من تسميات واستخدام ألفاظ ومعاني مبهمة غالباً ما تكون خاطئة. لكن الهدف منها التجديد والدلالة على عمق ما في غير مكانه، ويعزون الأمر إلى عقد نفسية في نفسيات المدراء.

خداع المدراء
ويتطرق المحررون إلى جوانب كلاسيكية عدة في أسلوب الإدارة منها الخداع العملي الذي يمارسه المدراء على موظفيهم، والمناورات المدروسة لجعل العلاقة بين الموظف وإدارته تسير كما يريد المدير ويخدم مصالحه في العمل، بالإضافة إلى قواعد تثبت إمكانية حدوث أمور غير منطقية، نتيجة أساليب إدارية معينة كإمكانية المضي في اتجاهين متعاكسين في ذات الوقت. وقد اختاروا مقالة بقلم ريتشارد فارسون عنوانها "ما هو ضد الحقيقة الخالصة صحيح أيضاً" لعرض هذه الأفكار.

كما يلقي المحررون الضوء على ابتكار الإدارات لطرق مثيرة تحول الإحباط إلى إنجاز عبر مصطلحات تبتكرها الشركة لاستعمالات خاصة في إطار إسقاط ممنهج للعبارات الاصطلاحية، بالرغم من عدم حقيقة المعنى أو دقته، لكن هذه الطريقة تندرج أيضاً في إطار إدارة المعاني أو توظيفها لخدمة أهداف الشركة.

لقد وضع المحررون فصلاً كاملاً باسم "الإدارة المضلِّلة" ودعموه بالمقالات التي تثبت أن القيادة والإدارة هي عمل مخادع ومراوغة وعرفوا الإدارة بأنها "ذلك الوهم بأنك تستطيع تغيير الناس"، والقيادة "هي أن تخدع الآخرين بدلاً من أن تخدع نفسك".

ويحاول المحررون في هذا الفصل إثبات نظرية وجود القيادة بشكل عام مع نفي وجود شخص يمكن أن يتمتع بصفات القائد. وبحسب نظريتهم، فإن "إن الاعتماد على شخص واحد ليمثل كل ما تعنيه القيادة يوّلد توقعات لا يمكن تحققها. فالقيادة موزعة بين أفراد الجماعة، وهؤلاء – كل بدوره – يلعبون أدواراً حيوية".

والقادة الحقيقيون من وجهة نظر المعدون هم من "تعرفهم الجماعات التي يقودونها وهم يدركون أن عملهم اعتماد تبادلي مع الجماعة". وخير القادة هم المتواضعون الذين ينسبون النجاح إلى دعم وجهد الجماعة ويخدمون جماعتهم، وخدمة الجماعة هي أسرع وأنجع الطرق لبسط السلطة.

كما تتعرض إحدى المقالات لفكرة التخطيط الاستراتيجي والنظرة المستقبلية لتثبت أن أي خطة بعيدة المدى هي خطة توضع على الورق لرسم شكل مستقبل أي مشروع أو شركة. لكنها تبقى رهن التجارب والمجازفات لتحقيقها، بينما على المخطط أو المنفذ التمتع بقدرات إبداعية تمكنه من التجديد والإضافة المفيدة على أي خطة بما يناسب المراحل والظروف التي تمر بها المشاريع.

ويختم هذا الفصل بنصائح حول القيادة السليمة وفضل تمكين عمل الجماعة في النجاح.

أساطير العمل الإداري
في الفصل الرابع وعنوانه "أساطير العمل الإداري" يتحدث المعدون عن دروس في الفشل الإداري يمكن تعلّمها من نماذج عديدة من الإدارات حول العالم كالاعتماد على استقدام طاقات خارجية إلى العمل تجلب معها مصادر تمويل وترويج خارجية، والصرعات قصيرة الأمد التي غالباً لا تفي بوعودها، لكنها اكتسبت شرعيتها عبر دعاتها ومريديها و"تأسر اهتمام الجميع بسبب جدتها الظاهرة. لكن هذه الجدة سطحية في معظم الأحوال".

كما يتطرق هذا الفصل للإضاءة على أهم الحقائق الخاطئة في عمل المؤسسات واختيار الأشخاص الذين سيتسلمون زمام الإدارة فيها، بالرغم من تبرير الوقوع بالخطأ على أنه من طبع البشر إلا أن تسليط الضوء على الأخطاء التي سببها العنجهية والغباء الإداري واضح وجلي في هذا الفصل.

كما خصص المؤلفون فصلاً كاملاً عرضت فيه أهم القوانين والقواعد المتصلة بالإدارة التي وضعها مفكرون مشهورون ومختصون، وأطلق عليه اسم  "حكم وأمثال الإدارة"، ناقشوا فيه الحكم والأمثال التي تحتاج للتعديل وإعادة الصياغة منها قواعد إدارية عدوها أساطير وغير منطقية.

وفي الفصل السادس من الكتاب يناقش المعدون فكرة تعليم الإدارة وأساليبها ومصطلحاتها، ويرمون عبر دراسة معمقة للفكرة لإثبات أن "الإدارة ممارسة، يتعلمها المرء في البيئة ومن السياق. ولا يوجد مدير، أو قائد، صنع في حجرة الدراسة"، من دون أن ينكروا فضل قضية التعليم لكنها لوحدها من وجهة نظرهم لا تنتج المدير الناجح أو الشخص المنتظر.

كما يتحدث المحررون عن "تغيير شكل الإدارة ومظهرها" والدراسات والبحوث التي تهدف إلى "مد يد العون للمديرين عند التعاطي مع التغييرات الكبرى في مؤسساتهم – مثل التحول أو إعادة التنشيط أو التصغير". وهنا يبرز الاعتراض على آلية التعاطي مع فكرة التغيير. "فالتغيير لا ينبغي أن يكون خاضعاً للإدارة، لا سيما وأن هذه التسمية تستخدم لتعني إحداث التغيير قسرياً. لعل أفضل طريقة لإدارة التغيير أن تدعه يحدث – بمعنى أن تهيئ الظروف التي من خلالها يتبع الناس فطرتهم الطبيعية فيجربون السلوك ويغيرونه."

واختير لهذا الفصل العديد من المقالات منها مقال بقلم ديفيد هيرست بعنوان "كبار المديرين ليسوا طهاة بل إنهم من مكونات وجبة الطعام". كما يعرض تقارير خاصة بمجموعات تجارية وأجزاء من مقابلات مع بعض المدراء تدعم ما اتجه إليه في هذا الفصل.

ويختم المؤلفون كتابهم بشرح حقيقة الإدارة كما يرونها، ووفق نظرتهم إليها التي تقوم على عدم وجود وجه سليم موحد للإدارة، إنما هي أشكال وأنماط وجدت ثغراتها وسيناريوهات فشلها معها في ذات اللحظة.
https://taghribnews.com/vdcaawnei49nuu1.zkk4.html
الإسم الثلاثي
البريد الإلكتروني
أدخل الرمز