تاريخ النشر2018 24 January ساعة 14:53
رقم : 307801

مصر بانتظار ربيع غامض

تنا-بيروت
يبدو ان الأوضاع في العالم والاقليم وايضا على المستويات الداخلية في الدول وصلت الى مستويات متوترة تتسم بسمتين رئيسيتين: الأولى، انها لا تحسم الا عن طريق القوة كخيار وحيد باق بعد نفاد الوسائل الاخرى، حتى وان كانت قوة محدودة، ولكنها حتمية للحفاظ على الحد الادنى وغير مسموح التفريط به. والثانية، انها انتقلت للأطراف المباشرة الأصيلة بعد استنفاد الوكلاء.
مصر بانتظار ربيع غامض
إيهاب شوقي (كاتب عربي من مصر)

هذه السمات نلمح ظلالها في المشهد السوري في عفرين والشمال السوري بوجه عام حيث نقاط التقاء القوى المتحاربة في سوريا وتداخلاتها الخطرة، ونلمحها كذلك في معارك تبدو صفرية رغم ان وراءها مشروعات هيمنة دولية كبرى كاستمرار العدوان على اليمن ومقاومته الباسلة.

وعلى صعيد الصراعات الداخلية في كثير من البلدان سواء بين شعوب أنّت تحت وطأة الازمة الاقتصادية كما نراه في تونس والسودان، او احتدام صراعات سياسية بين قوى السلطة وقوى سياسية اخرى معارضة او بين اجنحة السلطة ذاتها كما هي الحال في مصر.

على المستوى السوري وبعد الانتصارات العسكرية لمحور المقاومة، فإن هناك اطرافاً ترفض الخروج خالية الوفاض الا انها توازن بين خيارات مختلفة لتخرج بأقل خسائر ممكنة بعد فشل مشروعها، وهذا مجال السياسة، اما في مجال العسكرة فانها تتدخل وتغامر لعدم تخطي المحصلة النهائية الفاشلة لمستوى اخر على مساس بالخطوط الحمراء لأمنها القومي، وهو ما نراه جليا في الحالة التركية، ونراه بشكل اقل حدة في الحالة الامريكية والتي لا يعنيها من سوريا حاليا سوى قطع التواصل الايراني ـ العراقي ـ السوري وقطع طريق الحرير الجديد وتأمين العدو الاسرائيلي.

وهنا تضاءل دور الوكلاء وبدت التحديات صريحة بين الدول والخلافات معلنة وقواعد الاشتباك حرجة.

كذلك الحال في غضب الشعوب بعد وصول اختراق صندوق النقد الدولي لعظام المجتمعات ووصول تداعياته لمراحل الجوع الحقيقي بعد تمدده بشكل غير مسبوق وتحوله لبديل شبه وحيد لانظمة الحكم في الاقليم.

وهنا بدا الصراع ايضا واضحا بين شعوب تخرج بشكل تلقائي من دون توظيف سياسي وانظمة فاشلة ومن دون وكلاء، سواء كانت منظمات سياسية من طرف الشعوب او حكومات من طرف الانظمة.

وفي مصر بدا ان الصراع المكتوم يخرج للعلن ويفصح عن نفسه بعد استتاره وكونه مجرد شواهد.

بدا هذا الصراع جليا داخل التيارات السياسية نفسها حول تأييد سياسات الرئيس او رفضها، مما قسم التيارات السياسية ولم تستطع تشكيل تيار موحد يقدم بديلا آمنا.

وهذه الخلافات وان اتخذت شكليا تباينات للمواقف حول سياسات الرئيس، الا انها في مضمونها كشفت خلافات أعمق تتعلق بالثوابت الوطنية والقومية والرؤية للدور المصري والموقف من الانظمة الرجعية والعميلة، وكذلك الموقف من المقاومة والقضية الفلسطينية.

كما قامت الخلافات بفرز الانتهازيين وكشفهم، ولكن وبرغم ايجابيات الفرز الا ان سلبيات الانقسام طغت على المشهد واضافت انقسامات افقية الى الانقسام الرأسي الأساسي.

كما برزت ظاهرة اخطر وغير مسبوقة في علنيتها وفجاجتها، وهي الانقسام بين الاجهزة الأمنية، وربما وصول هذا الانقسام في حال تطور الامور الى داخل المؤسسة العسكرية ذاتها وهو امر جد خطير.

والتداعيات الداخلية والاقليمية لما يحدث بمصر امر جدير بالقلق ومحاولة استكشاف بعض جوانب الخطورة به.
فالقيادة المصرية الحالية اعلنت ترشحها بالتزامن مع اعلان الثبات على خياراتها الاقتصادية وسياساتها الخارجية المنتمية صراحة للمحور الامريكي ـ السعودي ـ الاماراتي، وسط مخاوف لها شواهد وجيهة من اتمام صفقة متعلقة بتصفية القضية الفلسطينية وافراغها من مضمونها.
 
كما برز تحدّ جديد ممثل في مرشح قوي منافس، وله باع كبير في المؤسسة العسكرية، وهو ما يشكل خطورة مضاعفة للوضع، فهو من جهة قد يجبر الرئيس السيسي على تقديم مزيد من التنازلات لضمان التأييد الامريكي والغربي، ومن جهة اخرى قد يتسبب في مزيد من الانقسام بين الاجهزة الامنية وداخل المؤسسة العسكرية، سواء نجح رئيس الاركان السابق في الترشح وتخطى عقباته ووصل للتنافس، او تم منعه والحيلولة دون ترشحه.

ولا تبدو هناك نقلات جذرية موعودة حتى الان بين المرشحين المحتملين بمن فيهم المرشح المحسوب على اليسار وقوى انتفاضة يناير، فيما يتعلق بالعلاقة مع الخارج او الداخل، ولم تصدر اي وعود تنبئ بتغيير المسار.

ما يعنينا هنا ويقلقنا في ذات الوقت ان استقرار مصر على المحك، سواء استمرت السياسات الحالية والتي ستؤدي الى مزيد من تقزم مصر ولعبها ادوارا في عكس اتجاه دورها التاريخي خارجيا، وستؤدي الى فوضى اقتصادية واجتماعية بالداخل ومزيد من الاحتقان الشعبي والسياسي، او لو حدث الانقسام الذي تبدو نذره وتطورت الامور في اتجاه تصعيده.

هذه الفوضى هي حالة مثالية لتمكن الارهاب وربما فقد سيناء لمصلحة الارهاب او لمصلحة العدو الصهيوني تحت ذريعة فقدان مصر للسيطرة ولعوامل تتعلق بأمن اسرائيل، او لتدخل قوى دولية لاقامة مناطق امنة على غرار المناطق المزمع اقامتها في سوريا.

هذه الحالة من تقزم الدور المصري تصب في مصلحة تصفية القضية الفلسطينية ومحاصرة الفلسطينيين وتنامي ادوار الرجعية العربية في دول الخليج وانفاذ المخطط الامريكي.

هذه الحالة تستدعي تدخلا شعبيا مصريا باعتباره اكثر الخيارات امنا سواء عبر احتجاج ثوري يمنع تفاقم الامور او عبر تدخل انتخابي يحسم الامر لاي من المرشحين، وهو خيار مستبعد، وبالتالي وفي ظل عدم المشاركة الشعبية الواسعة ستزداد الانقسامات حدة وتتحول من انقسامات رأسية بين نظام وشعب الى انقسامات افقية داخل اجنحة السلطة، وكذلك بين طبقات الشعب وهي الفوضى بعينها.
https://taghribnews.com/vdciuyapzt1auv2.scct.html
الإسم الثلاثي
البريد الإلكتروني
أدخل الرمز